الثمرة الثالثة: السلام
السلام: هو الثمرة الثالثة من ثمار الروح القدس.
يرغب كل إنسان في العيش بسلام ووئام مع نفسه ومع غيره، ولكن السؤال الكبير هو: كيف نحصل على السلام الحقيقي والدائم؟كتبت طالبة تدرس للحصول على درجة الماجستير في الآداب رسالة الى راعي كنيستها، تقول إنها متعبة نفسياً، وإنها تكره نفسها، وتتعارك مع أهلها، وقد سئمت الحياة. وتسأل: هل أنا مجنونة؟ هل هناك علاج؟ وكيف يستطيع مساعدتها.. وكتب لها الراعي أن الاحتياج الأساسي للإنسان هو أن يجد السلام مع الله، وهذا يمنحه السلام الداخلي، الذي يثمر سلاماً مع المحيطين به. فالسلام الحقيقي يبدأ بالتوافق والانسجام مع الله، فيتبعه سلام مع النفس ومع الآخرين.والسلام في مفهومه الروحي العميق هو وجود الشيء في موضعه الطبيعي السليم، كما أراده الله للإنسان يوم خلقه وأسكنه جنة عدن. ففي الجنة كان سلامٌ بين الإنسان والله يتَّضح من الحوار الحبّي الذي كان يدور بينهما بانتظام (تكوين 3: 8). وكان سلامٌ بين آدم وزوجته، يتَّضح من أن أول قصيدةٍ شعرية في التاريخ كانت قصيدة الحب التي نظمها آدمُ في زوجته حواء، وقال فيها: «هٰذِهِ ٱلآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هٰذِهِ تُدْعَى ٱمْرَأَةً لأَنَّهَا مِنِ ٱمْرِءٍ أُخِذَتْ» (تكوين 2: 23). ولا شك أن أبوينا الأوَّلين كانا يستمتعان بالجنة الرائعة. ولكن لما دخلت الخطية إلى العالم ضاع السلام،لأنه اضاع مكانه الطبيعي الذي اوجده به خالقه، فهرب آدم من ملاقاة الله بسبب خجله من عريه، ثم ألقى باللوم على حواء في ارتكاب المعصية! ولا يمكن أن يعود إلينا السلام مع الله ومع المحيطين بنا إلا برجوعنا إلى وضعنا الطبيعي السليم الذي أراده الله لنا أول الأمر، فنعود إلى الفردوس الذي فقدناه. ويقدّم لنا العهد القديم نموذجاً رائعاً للسلام الروحي المستَمَدّ من الله، بغضّ النظر عن الظروف السيئة المحيطة بالإنسان، هو سلام المرأة الشونمية (2 ملوك 4). لم يكن عندها أولاد، وأعطاها الله ولداً بمعجزة أجراها الله على يدي النبي أليشع. ولكن الولد مات فجأةً بضربة شمس، فضاع منها الابن الذي حقق انتظارها الطويل. ومع ذلك كانت ممتلئةً بسلام الله. وألهمها هذا السلام الحل، فأرقدت ولدها الميت على سرير النبي أليشع، وطلبت من زوجها أن يرسل لها من يوصِّلها إلى حيث كان النبي. وعندما سألها زوجها عن سبب رغبتها في الذهاب لمقابلته، قالت: سلام. وعندما التقت بالنبي سألها عن سبب مجيئها، فكررت له ثلاث مرات: سلام! ولا يمكن أن تقول الشونمية إنها في سلام إلا لثلاثة احتمالات: إن كانت تجاوب إجابةً روتينية بلا معنى، أو إن كانت تخدع نفسها لأن مفاجأة موت وحيدها صدمتها فأفقدتها اتِّزانها، أو إن فعلاً كانت تملك شيئاً فوق عادي! والذي يقرأ سيرة حياة الشونمية يكتشف أنها كانت تملك شيئاً لا يمكن للعالم أن يعطيه، هو سلام الله الذي يفوق كل عقل، وهو الذي حفظ قلبها وفكرها في سلام، ساعة شدَّة تجربتها، فسيطرت على عواطفها أمام صدمةٍ تهزُّ اتزان معظم الناس. إنه ثمر الروح: سلام.ما أحوجنا إلى هذا السلام! يمكننا أن نحصل على سلام الله الكامل إن نحن سلَّمنا أنفسنا تماماً للروح القدس ليثمر فينا ثمرة السلام، فهذا ما وعدنا الله به، في القول الرسولي: «وَثَمَرُ ٱلْبِرِّ يُزْرَعُ فِي ٱلسَّلامِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَفْعَلُونَ ٱلسَّلامَ» (يعقوب 3: 18).شبه كلايف إس لويس الإنسان بسفينةً في بحر الحياة، تتَّجه نحو هدفٍ معيَّن. ولكن تهددها ثلاثة أخطار يمكن أن تعطلها عن بلوغ هدفها: 1.خلل في آلاتها يمنعها من الوصول إلى وجهتها.2.حرب أهلية بين بحارتها.3.اصطدامها بسفن أخرى تبحر من حولها.يكمن السلام في سلامة أجهزة السفينة، والتوافق بين بحارتها، وعدم اصطدامها بالسفن المحيطة بها لأنها منتبهة لخطأ الغير.ولكي نعيش في سلام، يجب أن نطلب من الله أن يصلح كل خللٍ داخلنا، وأن يعطينا سلاماً داخلياً، فلا نكون ذوي رأيين، وأن يساعدنا حتى لا نصطدم بمن هم حولنا. ولو أخذنا هذه البركات الثلاث لاستطعنا أن نعيش في سلام، فنحقق الهدف الذي نريد أن نحققه، ونصل إلى الجهة التي نريد أن نصل إليها. ويتم هذا لنا بنعمته وبعمل الروح القدس فينا.
أولاً: الروح القدس يصلح خلل النفس:
أساس كل نجاح في الحياة هو السلام مع الله، لكن الخطية دمَّرت هذا السلام، وجعلت الإنسان يهرب من إلهه. فعندما أخطأ آدم أبونا الأول وأكل من الشجرة الممنوعة، هرب من ملاقاة ربه، ولم يعد قادراً على الحديث معه، لأنه لم يعد المخلوق الرائع الذي خلقه الله، بل المخلوق العاصي الذي أغواه إبليس. وفي هذا قال الرسول بولس: «بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ ٱلْخَطِيَّةُ إِلَى ٱلْعَالَمِ، وَبِٱلْخَطِيَّةِ ٱلْمَوْتُ، وَهٰكَذَا ٱجْتَازَ ٱلْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ ٱلنَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ ٱلْجَمِيعُ» (رومية 5: 12). لقد أخطأ آدمُ فأخطأت ذريته، وهبط من الجنة، وصار الناس بعضهم لبعض عدوّاً، حتى قتل الأخ أخاه. وكان هذا أعظم خللٍ أصاب حياة الإنسان، فأخطأ الأهداف الصالحة كلها. لكننا نشكر الله، لأنه دبَّر للبشر الساقطين خلاصهم، بفضل ما فعل المسيح لأجلهم إذ كفَّر عنهم سيئاتهم على الصليب، وبفضل فعالية الروح القدس الذي يقدِّس حياتهم، فيعيد لهم سلامهم المفقود مع الله. لقد فصَلَت خطايانا بيننا وبين الله، فصدر حكم الموت الأبدي علينا. ولكن شكراً لله لأن روحه يُعيد خلقنا، كما يقول المرنم: «تَنْزِعُ أَرْوَاحَهَا فَتَمُوتُ وَإِلَى تُرَابِهَا تَعُودُ. تُرْسِلُ رُوحَكَ فَتُخْلَقُ. وَتُجَدِّدُ وَجْهَ ٱلأَرْضِ» (مزمور 104: 29 و30). ويصوِّر لنا النبي إرميا فكرة إعادة الخلق هذه في مثلٍ جميل، فقد أمره الله أن يذهب إلى محل الفخاري، حيث كان الفخاري يصنع وعاءً من فخار. وفسد الوعاء، لأن قطعة الطين تفتَّتت وتناثرت. ولكن الفخاري لم يلقِها ولا أهملها، بل جمع الطين، وأزال منه ما سبَّب تفتُّته وضياع تجانسه: ربما كانت قطعة منه أكثر جفافاً، أو ربما زاد الماء في قطعةٍ منه عن البقية. وأعاد الفخاري سباكة قطعة الطين لتتجانس، ووضعها على دولابه من جديد، وأعاد صنع الوعاء كما أراد (إرميا 18). وقال الله للنبي إرميا إن البشر بيد الله كالطين بيد الفخاري، يريد أن يصنع منهم إناءً جميلاً، لكنهم يفسدونه بسبب قساوةٍ في قلوبهم، أو تسيُّبٍ في سلوكهم، فيعيد الله صنعهم من جديد. إنه يرسل روحه فيخلق الفاسد خليقةً جديدة، تغيِّر كل حياته وتصرفاته، فيتحقق له القول: «إِذاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ. ٱلأَشْيَاءُ ٱلْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ. هُوَذَا ٱلْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيداً… أَيْ إِنَّ ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ… لأَنَّهُ جَعَلَ ٱلَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ ٱللّٰهِ فِيهِ» (2كورنثوس 5: 17 و19 و21). فتقول مع كل من غيَّر الرب حياته: «لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ ٱللّٰهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا» (أفسس 2: 10).لقد دبَّر الله سترنا بكفارة المسيح، فأصبح سلامنا مع الله ممكناً لأنه مبنيٌّ على أساس سليم، هو الفداء بالذبح السماوي العظيم. وفي هذا يقول الرسول بولس: «إِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِٱلإِيمَانِ لَنَا سَلامٌ مَعَ ٱللّٰهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (رومية 5: 1). بهذا تنبَّأ النبي إشعياء قبل الصليب بسبعمائة سنة، وقال عن المسيح: «مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلامِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ (اي:جراحه التي لم تلتئم )شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَٱلرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا» (إشعياء 53: 5 و6). وقال الرسول بطرس في موعظته في بيت كرنيليوس: «بِٱلْحَقِّ أَنَا أَجِدُ أَنَّ ٱللّٰهَ لا يَقْبَلُ ٱلْوُجُوهَ. بَلْ فِي كُلِّ أُمَّةٍ ٱلَّذِي يَتَّقِيهِ وَيَصْنَعُ ٱلْبِرَّ مَقْبُولٌ عِنْدَهُ. ٱلْكَلِمَةُ ٱلَّتِي أَرْسَلَهَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ يُبَشِّرُ بِٱلسَّلامِ بِيَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ. هٰذَا هُوَ رَبُّ ٱلْكُلِّ… لَهُ يَشْهَدُ جَمِيعُ ٱلأَنْبِيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِٱسْمِهِ غُفْرَانَ ٱلْخَطَايَا» (أعمال 10: 34-43). فبفضل فداء المسيح لنا وكفارته عنا تُغفَر كل خطايانا، ويسود السلام علاقتنا مع الله. فإن كان في حياتنا خللاً يدمر سلامنا، فلنلجأ إليه طالبين مراحمه، فيغفر ذنوبنا، ويمحو معاصينا، ويملأ قلبنا وعقلنا بفيض سلامه.
ثانياً: الروح القدس يضمن السلام الداخلي:
قال الله على فم النبي إشعياء لمن فقد سلامه بسبب بُعده عن الله: «لَيْتَكَ أَصْغَيْتَ لِوَصَايَايَ، فَكَانَ كَنَهْرٍ سَلامُكَ» (إشعياء 48: 18).فالإنسان يحيا في حربٍ داخلية مستمرة، وصفها الرسول بولس بالقول: «فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ ٱلنَّامُوسَ رُوحِيٌّ، وَأَمَّا أَنَا فَجَسَدِيٌّ مَبِيعٌ تَحْتَ ٱلْخَطِيَّةِ… إِذْ لَسْتُ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ، بَلْ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ… فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ، أَيْ فِي جَسَدِي، شَيْءٌ صَالِحٌ. لأَنَّ ٱلإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي، وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ ٱلْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ. لأَنِّي لَسْتُ أَفْعَلُ ٱلصَّالِحَ ٱلَّذِي أُرِيدُهُ، بَلِ ٱلشَّرَّ ٱلَّذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ» (رومية 7: 14-19). ووصف الرسول بولس هذه الحرب الداخلية مرة أخرى بقوله: «ٱلْجَسَد يَشْتَهِي ضِدَّ ٱلرُّوحِ وَٱلرُّوحُ ضِدَّ ٱلْجَسَدِ، وَهٰذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا ٱلآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لا تُرِيدُونَ» (غلاطية 5: 17). ولكن عندما يسود الروح القدس على حياتنا وتصرفاتنا ننتصر في هذه الحرب الداخلية، ونقف في جانب الله، ونقدر أن نطيع الوصية الرسولية: «ٱسْلُكُوا بِٱلرُّوحِ فَلا تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ ٱلْجَسَدِ… ٱلَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا ٱلْجَسَدَ مَعَ ٱلأَهْوَاءِ وَٱلشَّهَوَاتِ. إِنْ كُنَّا نَعِيشُ بِٱلرُّوحِ فَلْنَسْلُكْ أَيْضاً بِحَسَبِ ٱلرُّوحِ» (غلاطية 5: 16 و24 و25). وعندما نسلك بحسب الروح نكون في سلامٍ فيّاض مع الله، يكون لنا كنهرٍ دافق تُغمر نفسنا فيه بعمق، ونقول منتصرين على حربنا الداخلية: « نَامُوس رُوحِ ٱلْحَيَاةِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ ٱلْخَطِيَّةِ وَٱلْمَوْتِ» (رومية 8: 2). عندما يثْبُت المؤمن الممتلئ من الروح القدس في المسيح، ويعتمد عليه اعتماداً كاملاً، يكون سلامه مستمراً، ويحقُّ عليه الوصف: «ذُو ٱلرَّأْيِ ٱلْمُمَكَّنِ تَحْفَظُهُ سَالِماً سَالِماً، لأَنَّهُ عَلَيْكَ مُتَوَكِّلٌ. تَوَكَّلُوا عَلَى ٱلرَّبِّ إِلَى ٱلأَبَدِ، لأَنَّ فِي يَاهَ ٱلرَّبِّ صَخْرَ ٱلدُّهُورِ» (إشعياء 26: 3 و4).فالمؤمن الممتلئ بالروح لا يسير على رمالٍ متحركة، يهبط ويدور فيها على غير هدى، بل يقف على صخر ثابت، فيصل إلى هدفه لأن الرب يسنده، و «هُوَ ٱلصَّخْرُ ٱلْكَامِلُ صَنِيعُهُ. إِنَّ جَمِيعَ سُبُلِهِ عَدْلٌ. إِلٰهُ أَمَانَةٍ لا جَوْرَ فِيهِ. صِدِّيقٌ وَعَادِلٌ هُوَ» (تثنية 32: 4). ولا يسير المؤمن الممتلئ بالروح القدس على طين الحمأة فتنزلق خطواته، لأنه يشارك المرنم اختباره الذي قال فيه: «اِنْتِظَاراً ٱنْتَظَرْتُ ٱلرَّبَّ فَمَالَ إِلَيَّ وَسَمِعَ صُرَاخِي، وَأَصْعَدَنِي مِنْ جُبِّ ٱلْهَلاكِ، مِنْ طِينِ ٱلْحَمْأَةِ، وَأَقَامَ عَلَى صَخْرَةٍ رِجْلَيَّ. ثَبَّتَ خُطُواتِي، وَجَعَلَ فِي فَمِي تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً تَسْبِيحَةً لإلٰهِنَا. كَثِيرُونَ يَرُونَ وَيَخَافُونَ وَيَتَوَكَّلُونَ عَلَى ٱلرَّبِّ» (مزمور 40: 1-3). فمن يمتلئ من الروح القدس، يكون له كل وعود الله الصالحة التي قدمها المسيح لتلاميذه. ومنها وعدين، قالهما لهم في العلية، قبل أن يلقي اليهود القبض عليه مباشرة ليصلبوه: – قال المسيح: «سَلاماً أَتْرُكُ لَكُمْ. سَلامِي أُعْطِيكُمْ. لَيْسَ كَمَا يُعْطِي ٱلْعَالَمُ أُعْطِيكُمْ أَنَا. لا تَضْطَرِبْ قُلُوبُكُمْ وَلا تَرْهَبْ» (يوحنا 14: 27). وقتها قال المسيح لتلاميذه إنه ذاهب للآب ليرسل لهم الروح القدس ليملأهم ويمنحهم السلام الكامل. هذا السلام ليس نوعاً من اللامبالاة أو السلبية أو الهروب من الأزمات، لكنه اطمئنان القلب الداخلي، وثقته أن كل ما يدور حوله هو من صنع يدي الله، صاحب السلطان في السماء وعلى الأرض. لم يكن سلام المسيح مجرد درسٍ يتعلّمه تلاميذه بعقولهم، لكنه عطية سماوية، يصير أسلوب حياة. هذا السلام هو في المسيح، وهو من نصيب كل من يتبعه، ويسلّم نفسه له، ويخضع نفسه لعمل الروح القدس.-وقال المسيح: «كَلَّمْتُكُمْ بِهٰذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلامٌ. فِي ٱلْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلٰكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ ٱلْعَالَمَ» (يوحنا 16: 33). عندما نتمسك بهذه المواعيد الإلهية بكل طاقاتنا ننال هذا السلام. أما الأشياء المادية التي يظن البشر أنها تعطيهم السلام فهي واهية كخيوط العنكبوت التي لا تفيد شيئاً.
ثالثاً: الروح القدس يضمن عدم اصطدامنا بالغير
ما أكثر السفن التي تسافر معنا على بحر الحياة، وما أكثر اختلاف اتجاهاتها! وقد يكون بأجهزتها خلل فتصطدم بنا. ويحذِّرنا الرب من خطر هذا الاصطدام لأنه يشكل خطراً كبيراً علينا، فيقول الوحي: «إِنْ كَانَ مُمْكِناً فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ ٱلنَّاسِ» (رومية 12: 18)فهناك أشخاصٌ ذوو ميولٍ عدوانية أكثر من اللازم يجب أن نحترس من اصطدامهم بنا. وهناك وعدٌ لنا أن نعيش في سلام فلا يصدمنا غيرُنا، إن كنا نحذر خطأ الغير، فيقول الوحي لنا بخصوصهم: «لا يَغْلِبَنَّكَ ٱلشَّرُّ بَلِ ٱغْلِبِ ٱلشَّرَّ بِٱلْخَيْرِ» (رومية 12: 21). كما أن هناك أمراً لنا ألاّ نخطئ فنصدم غيرنا، ويقول الوحي لنا بخصوص هذا: «فَلْنَعْكُفْ إِذاً عَلَى مَا هُوَ لِلسَّلامِ وَمَا هُوَ لِلْبُنْيَانِ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ» (رومية 14: 19). وكلما سيطر الروح القدس علينا يعمِّق علاقتنا بالله فنرتفع فوق الاصطدام بالآخرين. يمنحنا الله السلام الداخلي، ويعطينا الحكمة لنتصرف حسناً مع من يسبِّبون لنا المتاعب. وما أجمل النصيحة الرسولية: «كُونُوا جَمِيعاً مُتَّحِدِي ٱلرَّأْيِ بِحِسٍّ وَاحِدٍ، ذَوِي مَحَبَّةٍ أَخَوِيَّةٍ، مُشْفِقِينَ، لُطَفَاءَ، غَيْرَ مُجَازِينَ عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ أَوْ عَنْ شَتِيمَةٍ بِشَتِيمَةٍ، بَلْ بِٱلْعَكْسِ مُبَارِكِينَ، عَالِمِينَ أَنَّكُمْ لِهٰذَا دُعِيتُمْ لِكَيْ تَرِثُوا بَرَكَةً. لأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُحِبَّ ٱلْحَيَاةَ وَيَرَى أَيَّاماً صَالِحَةً، فَلْيَكْفُفْ لِسَانَهُ عَنِ ٱلشَّرِّ وَشَفَتَيْهِ أَنْ تَتَكَلَّمَا بِٱلْمَكْرِ، لِيُعْرِضْ عَنِ ٱلشَّرِّ وَيَصْنَعِ ٱلْخَيْرَ، لِيَطْلُبِ ٱلسَّلامَ وَيَجِدَّ فِي أَثَرِهِ. لأَنَّ عَيْنَيِ ٱلرَّبِّ عَلَى ٱلأَبْرَارِ وَأُذْنَيْهِ إِلَى طَلِبَتِهِمْ، وَلٰكِنَّ وَجْهَ ٱلرَّبِّ ضِدُّ فَاعِلِي ٱلشَّرِّ» (1بطرس 3: 8-12).
«لأَنَّهُ هُوَ سَلامُنَا، ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلٱثْنَيْنِ وَاحِداً، وَنَقَضَ حَائِطَ ٱلسِّيَاجِ ٱلْمُتَوَسِّطَ أَيِ ٱلْعَدَاوَةَ. مُبْطِلاً بِجَسَدِهِ نَامُوسَ ٱلْوَصَايَا فِي فَرَائِضَ، لِكَيْ يَخْلُقَ ٱلٱثْنَيْنِ فِي نَفْسِهِ إِنْسَاناً وَاحِداً جَدِيداً، صَانِعاً سَلاماً، وَيُصَالِحَ ٱلٱثْنَيْنِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ ٱللّٰهِ بِٱلصَّلِيبِ، قَاتِلاً ٱلْعَدَاوَةَ بِهِ. فَجَاءَ وَبَشَّرَكُمْ بِسَلامٍ، أَنْتُمُ ٱلْبَعِيدِينَ وَٱلْقَرِيبِينَ» (أفسس 2: 14- 17).
«طُوبَى لِصَانِعِي ٱلسَّلامِ، لأَنَّهُمْ أَبْنَاءَ ٱللّٰهِ يُدْعَوْنَ» (متى 5: 9).
من كتاب “ثمر الروح القدس”
للدكتور منيس عبد النور
>>>