طول الأناة (طول البال واللطف)
by Fr. Yohanna Meshreki
+ هذه من ثمار الروح القدس (غل5: 22)، وهي أيضًا من علامات المحبّة الحقيقيّة التي قيل عنها “الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ” (1كو13: 4)، فالتأنّي والرّفق ينبعان من القلب الذي امتلأ بالحبّ الإلهي..
+ عندما نتحلّى بالصبر وطول الأناة في سلوكنا مع الآخرين، ويجد إخوتنا مِنّا محبّةً واهتمامًا وتعاطُفًا حقيقيًّا.. فهذا يَدعَم علاقاتنا معهم، وبدونه لا يُمكن أن نجني أي ثمرة حلوة، لا في علاقتنا بالآخرين، ولا في علاقتنا بالله..
+ طول الأناة يساعدنا أن نتطلّع ببُعد نظر لمَن نتعامل معهم، وما سيكونون عليه في المستقبل.. فيمكننا أن ننظر لكلّ إنسان أنّه مشروع قدّيس، ومع عمل الروح القدس في حياته ستظهر صورة المسيح فيه بأكثر بهاءً.. هذا سيساعدنا أن نتعامل بطول أناة وبمحبّة، واثقين أنّ بذور المحبّة ستأتي بثمر ولو بعد سنوات طويلة.. كما في مَثَل الزارع، فإنّ القلوب الجيّدة تحفظ كلمة الله وتثمر بالصبر (لو8: 15).. نحتاج أن نتوقّع هذا ونتعامَل مع الناس على أساسه..!
+ إذا كُنّا سنعتبر كلّ إنسان نلتقي به هو مشروع قدّيس، فيلزمنا أن نتعامل معه بلطف وطول بال وبروح التشجيع.. الحقيقة أنّ كلّ واحد فينا هو مشروع قدّيس، ويحتاج أن يحبّ نفسه بصورة سليمة، ويشجِّع نفسه أيضًا كما يشجِّع طفلاً صغيرًا.. متذكِّرًا كلمات القديس بولس الرسول: “شجِّعوا صغار النفوس، اسندوا الضعفاء، تأنّوا على الجميع” (1تسا5: 14)..
+ إذا كان اللطف وطول الأناة من ثمار عمل الروح القدس في حياتنا.. فمعنى هذا أنّ الذي يعطي الفرصة للروح القدس لكي يَنشَط في حياته، بالصلاة والتغذّي بكلام الإنجيل، ستظهر هذه الصفات في معاملاته وسلوكه مع الآخرين.. فنرى الرِقّة والأدب والابتسامة الصافية، وانتقاء الكلمات المهذّبة المُريحة..
+ الله يعطينا دائمًا نفسَه مثلاً أعلى لنا.. فهو دائمًا طويلُ الأناة ولطيفٌ معنا.. وعندما نتأمّله وهو يتعامل مع الخطاة أو التائبين أو أي إنسان محتاج، نراه يفتح قلبه للجميع بحبٍّ ولطف.. لا يحرِج أحدًا بكلمة قاسية أو مؤذية، بل بلطف يداوي كلّ الجراحات.. شَجّعَ السامرية وزكّا، وقَدَّرَ محبّة المرأة الخاطئة، ولم يَدِنْ التي أُمسِكَتْ في ذات الفِعل، ومَدَحَ ساكبة الطيب ومريم أخت لعازر..
+ ونحن أيضًا يوصينا الإنجيل بقوله: “كونوا لُطفاء بعضكم نحو بعض، شفوقين، متسامحين، كما سامحكم الله أيضًا في المسيح” (أف32:4)، فاللطف والرِّفق هو شهادة جميلة للمسيح الذي نتبعه بكلّ قلوبنا، وقد صرنا أعضاءَ في ملكوته.. وهو شهادة حيّة لعمل الروح القدس في حياتنا.. وهو أيضًا وسيلة لاجتذاب نفوس كثيرة للملكوت، فبقدر ما أنّ العُنف هو سلوك منَفِّر فاللطف هو سلوك مؤثِّر وجذَّاب ومحبوب من الكلّ..
+ اللطف والرِّفق أيضًا يحملان تقديرًا للآخرين وحِرصًا على عدم المساس بمشاعرهم التي تهمّنا، وفي هذا يتجلّى الحُبٌّ العمليّ.. فبالرِّفق نستطيع أن نكسب الناس ونشهد شهادة حسنة للمسيح.. الكلمة اللطيفة محبوبة وينفتح لها القلب، أمّا الكلمة القاسية الخشنة فتُثير المشاكل وتعكِّر الأجواء.. كما ذُكِرَ في سِفر الأمثال: “الجواب الليِّن يصرف الغضب، والكلام الموجِع يهيّج السُّخط” (أم15 :1).
+ وأخيرًا فإنّ الكلام اللطيف عندما يدخل القلب يستطيع أن يغيِّره، ويترك فيه أثرًا طيبًا.. وكلّنا نعرف قصّة القديس مقاريوس الذي اجتذب أحد كهنة الأوثان إلى الإيمان بالمسيح بواسطة كلماته اللطيفة الليّنة، فكَسَر شوكة الشرّ والكراهية الموجودة بقلبه، وقادَهُ إلى التوبة..!