العفّة لأفراد العائلة عافية
والزنى يفكّك النفس والعلاقات
واقع الحال
طرحت، مرّة، سؤالاً على مجموعة من الشبّـان. السؤال كان: هل العفّة ممكنة في الأيّـام التي نحن فيها؟ للحال وبعفوية أجاب أحدهم: مستحيل!
لا شك أن رموز الزنى، اليوم، متغلغلة في كل مشارب الحياة. كيفما تحرّكتَ طالعتك رموز الزنى: في الشارع، في محلّ العمل، في المدرسة، في البيت، في غرفة النوم، في شتّى وسائل الإعلام، في ملابس الناس، في تصرّفاتهم، في عطورهم، في مآدبهم، في أغانيهم، في أحاديثهم… باتت أسلوباً ميسّـراً فعّـالاً يستعين به كل صاحب سلعة ليسوِّق بضاعة له.
لم يسبق للإنسان في التاريخ أن مارس تجارة الأجساد كما مارسها ويمارسها منذ نيف وخمسين سنة. المجتمعات، بعامة، ترفض وتكافح ما يُسمَّى بـ “الرقيق الأبيض” أو تجارة الأجساد، لكنها، في الحقيقة، لا ترفضه بالمطلق. ترفضه إذا كان بالإكراه، باستعباد الناس، بالمتاجرة بهم، ببيع الأجساد وشرائها للمتعة. لكنها لا ترفضه، لا بل تستبيح أشكالاً منه اليوم باسم الحريات وتشجّعه. الناس لا يستعيبون أن يتاجروا بصور الأجساد، برموز الزنى، بالإيحاءات الجنسيّة البصرية والسمعية تمثيلاً. الحقيقة الحقيقة أنه ليست هناك تجارة أكثر رواجاً اليوم من تجارة “الرقيق الأبيض” على هذه الصورة. تهافتُ الناس على توظيف طاقاتهم في هذا المضمار هائل. بإمكان المرء أن يؤكّد ان تجارة الأجساد في العالم اليوم هي أوّل وعرّاب كل تجارة بامتياز.
ذاك الشاب، إذاً، الذي أجاب بعفوية على السؤال بشأن العفّة انها مستحيلة إنما يعكس هذا الجو الضاغط الذي بات فيه الزنى مطبّـعاً ومشيَّـعاً، بصورة مباشرة وغير مباشرة، إلى أبعد الحدود. في الماضي كان المائلون إلى الفجور يُشبعون رغبتهم ويُـفسدون أنفسهم في أمكنة خاصة تُـعتبر، عند العامة، مشبوهة، واليوم، عبر التلفزيون والكومبيوتر، اخترق الفجور كلّ الحجُب واستقرّ، بين العامة، حتى في غرف نومهم، وسهّـل لهم إفساد أنفسهم من دون حسيب أو رقيب أو شعور بالذنب. بالأمس كان الغوى وكشف الأبدان والتهتّـك نصيب الفاجرين والفاجرات فأضحى اليوم تعبيراً عن الحرّيات. ما كان يُـعتبر، البارحة، رذيلة، صار يُـعتبر اليوم أدنى إلى الفضيلة الاجتماعية. ما ظنّ الناس، بالأمس، أنه إفساد للحياة وانتهاك للحب والزواج، أضحى اليوم انفتاحاً وحداثة. فلا عجب، في مناخ كهذا المناخ، أن يسود الظنّ أن العفّة قد عفّ عنها الزمن وارتحل عنها الناس وأن الزنى بات من عاديات الحياة.
معاني الألفاظ
لا بدّ لنا، بادئ ذي بدء، من أن نحدّد معاني الألفاظ التي هي في التداول في الشأن المطروح. ما هو الزنى؟ الزنى، في أذهان الناس، هو الخيانة الزوجية سواءٌ من جهة الزوج أو من جهة الزوجة.
وما هو الفسق؟ الفسق هو العلاقة الجسدية بين ذكر وأنثى عازبَين أو مطلَّقَين أو أحدهما عازب والآخر مطلَّـق. وما هو الفجور؟ هو ارتكاب المعاصي. وما هي الفحشاء؟ هي ما قَبُح من الأفعال والأقوال. والفجور والفحشاء يمكن أن يكونا، أيضاً، مرادفَين للزنى.
لهذا السبب للزنى معنى ضيّـق، هو الخيانة الزوجية، ومعنى واسع يشتمل على كل العلاقات المختلّة بين الذكور والإناث، والذكور فيما بينهم والإناث فيما بينهن. كما يشتمل الزنى على علاقة الإنسان بجسده، إذا اختلَّت، سواءٌ عند الذكور أو عند الإناث. مثل ذلك ما يُعرف بـ “العادة السرّية”. ثمّ للفظة زنى استعمال لا يقتصر على ما هو للطاقة الحيوية عند الناس، أو ما يسمّى بـ”الجنس”، بل يتعدّاه إلى كل فساد له علاقة بالإنسان، في الجسد أو في النفس أو في الفكر أو في القلب أو في الكيان. فالإنسان يزني بعينه، أو بأذنه، أو بلسانه، أو بأي عضو من أعضاء جسده، كما يزني بأفكار قلبه. لاحظوا هنا ان ثمّة أفكاراً لها علاقة بالعقل وهي نتاج عقلي، مفاهيم عقلية، كأن تقول ثلاثة وثلاثة تساوي ستة.
وهناك أفكار لها علاقة بالقلب، تنبع من القلب، من نوايا القلب ومقاصده، وتُوجِّه الإنسان في هذا الاتجاه أو ذاك. أفكار العقل يُحكم عليها باعتبار ما إذا كانت صحيحة أو مغلوطة، وأفكار القلب باعتبار ما إذا كانت صالحة أو شرّيرة.
فأفكار القلب، بهذا المعنى، تكون زانية أو عفيفة، تدفع الإنسان إلى الزنى أو تدفعه إلى العفّة.
إذا كان هذا هو الزنى فما هي العفّة؟ العفّة هي أن يكفّ الإنسان ويمتنع عن المُنكر ويبقى في حدود ما هو حلال. فهناك عفّة في القول والفعل والفكر، وهي تطال كل ما للجسد والنفس والذهن والقلب. فالإنسان يعفّ بعينه أو بأذنه أو بلسانه أو بأي عضو من أعضاء جسده، كما يعفّ بأفكار قلبه.
وهناك، إلى جانب هذه الألفاظ، ألفاظ أخرى بحاجة إلى تحديد. العُذرة. ما هي العُذرة؟ العُذرة هي البكارة، ان يكون الرجل أو المرأة بكراً. لا قيمة للعُذرة في ذاتها لأنها مجرّد واقع طبيعي. قد تكون عديمة القيمة إذا كان الإنسان زانياً في أفكار قلبه، وقد تكون جليلة القيمة إذا ارتبطت بالعفّة. من هنا تسمية الفتيات اللواتي كنّ، في الماضي، في الكنيسة، بكارى وسلكن في العفاف، بـ”العذارى”. فالعذراء، في الاستعمال الكنسي، هي البكر العفيفة لا البكر فقط. بهذا المعنى بالذات وُصِفت والدة الإله بـ”العذراء” مريم.
أما لفظة بتول فتُطلَـق على الذكور والإناث معاً، وهي تعني، في الاستعمال الشائع، العفيفة أو العذراء، لكنها بالمعنى الدقيق للكلمة أكثر من عفاف، ولا تتوقّف عند حدود العُذرة، بل تطال كل إنسان سلك في العفاف ثم بلغ كمال العفاف وسكن فيه روح الله. فالإنسان الذي يسكن فيه الله بعد ان يكون قد بلغ كمال العفاف يُسمّى “بتولاً”.
ما موقف الكنيسة من الزواني؟
موقف الكنيسة من الزواني صارم. في العهد القديم تحذير من الزنى وعقاب قاس للزواني. “الزاني بامرأة”، كما ورد في كتاب الأمثال، “عديم العقل” (6: 32).
و”إذا زنى رجل مع امرأة… فإنه يُقتل الزاني والزانية” (لا 20). وأجرة الزانية كثمن الكلب لا تُقبَل في الهيكل لأنها رجس لدى الرب الإله” (تث 23).
وكما في العهد القديم كذلك في العهد الجديد حثّ وتحذير. “هذه هي إرادة الله قداستكم، ان تمتنعوا عن الزنى” (1 تسا 4). لا الزنى بالفعل فقط بل بالفكر أيضاً. “كل مَن ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه”.
على المؤمن بيسوع، إذا ما راودته أفكار الزنى، أن يكون عنيفاً مع نفسه، حفاظاً على عفّة نفسه. “إن كانت عينك اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها عنك لأنه خير لك ان يهلك أحد أعضائك ولا يُلقى جسدك كلّه في جهنّم” (متّى 5). وعلى المؤمن أيضاً لا أن يتحاشى الزنى فقط بل بالأَولى أن يهرب منه لأنه أخطر الخطايا.
لماذا؟ اسمعوا ما يقوله الرسول بولس في 1 كور 6 للمؤمن: “اهربوا من الزنا. كل خطيئة يفعلها الإنسان هي خارجة عن الجسد. ولكن الذي يزني يخطئ إلى جسده. أم لستم تعلمون ان جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم، الذي لكم من الله… فمجّدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله”. فإن سمع الزاني وتاب فحسناً يفعل وإن لم يسمع فويل له لأن العاهرين والزناة سيدينهم الله (عب 13).
الزناة سوف يُـلقَـون في الظلمة البرّانية حيث البكاء وصريف الأسنان. لماذا؟ لأنه “لا زناة… ولا فاسقون ولا مخنّثون ولا مضاجعو ذكور… يرثون ملكوت الله” (1 كور 6).
وكما في العهد الجديد كذلك في قوانين الآباء والكنيسة. معاملة الزواني صارمة. القانون 20 من مجمع أنقرة (314) يحدّد “كل زان وزانية يُقطع من الشركة مدّة سبع سنوات”. قانون القدّيس يوحنا الصوّام يفرض على الزاني توبة مدّتها ثلاث سنوات مع رسوم معينة من الصيام والركوع.
القدّيس باسيليوس يفرض على الزاني في قانونه الثامن والخمسين توبة مدّتها خمس عشرة سنة. والقدّيس غريغوريوس النيصصي يجعلها ثماني عشرة سنة. والفاسق، في القانون الرابع من قوانين القدّيس غريغوريوس النيصصي، يُمنَع من دخول الكنيسة ثلاث سنوات، ويقيم سامعاً ثلاث سنوات وراكعاً ثلاث سنوات ثم يُـقبَــل في الشركة إذا أبدى ندامة صادقة.
مَن هم المجرّبون بروح الزنى؟
الزنى مرض. كل إنسان مجرّب، معرّض لا فرق، متزوّجاً أو عازباً، من عامة المؤمنين أو من الرهبان والإكليروس، رجلاً أو امرأة، شاباً أو شيخاً. ولا يظنّن أحد أن الزواج الكنسي يجعل كل شيء محلّلاً بين الرجل وامرأته. روح الزنى يمكن أن يعشّش في نفوس المتزوّجين، حتى لو لم يدخلوا في علاقة مع طرف ثالث. يعشّش في عيونهم، في أسماعهم، في حركاتهم، في أثوابهم، في عطورهم، في سهراتهم، في تصرّفاتهم، في أنوثتهم ورجولتهم المريضة، في قلوبهم.
طالما استبدّت بهم الرغبة في متعة الأجساد وما ضبطوا أنفسهم وأخضعوا توثّبات نفوسهم ولجموا ولطّفوا وهذّبوا أبدانهم بالحبّ الخفر اللطيف المبارك ومخافة الله فإنهم في الزنى واقعون.
أجل هناك زنى في قلب الزواج والمتزوّجون بحاجة لبعض النسك لكي يحصّنوا أنفسهم. لو تُركت الأبدان لنوازعها لجمحت بالمتزوّجين إلى الهاوية وأفسدت عليهم كل حياتهم وباعدت ما بينهم وبين الله. ثمّـة مَن يظنّ أنّ طبيعة الرجل، (وأحياناً المرأة)، تجعله غير قادر على الاكتفاء بامرأة واحدة. ثم ليس صحيحاً أنّ الزنى ناشئ عن ضرورة بسبب الرغبة الطبيعية في الناس، بتعبير القدّيس يوحنا الذهبي الفم، بل عن ميل إلى اللهو والبطر والفجور.
بعض الناس يظنّ أنّ هناك مَن هم مدفوعون إلى الانحراف في العلاقة الجسدية بسبب خلل في الجينات لديهم. هذا يدفعهم، كما يقولون، إلى المثلية (ذكوراً مع ذكور أو إناثاً مع إناث). الميل لا يعني الانحراف جبرياً. بل بالانتباه والإرادة الطيِّبة والجهاد ونعمة الله يبقى صاحب الخلل الجيني في حدود الأمان. هذه خبرة المؤمنين.
كلا ليس الزنى من عمل الطبيعة
كلا، أبداً! الزنى إفساد للطبيعة. adulterium التي تعني زنى في اللاتينية هي من جذر adelterare التي تعني إفساد. الزنى انحراف في النفس، تحوير للطبيعة، تحويل لمجراها، استغلال لعمل الله، إفساد له. كيف؟ بجعل اللذة مبدأ الحياة. الزاني لا يهمّه من الحياة سوى متعتها. فإن تمتّع حَسِب نفسه حيّـاً وإن لم يتمتّع حسب نفسه ميتاً. اللذّة عنده محور الحياة. لكنّ الحقيقة أنّ اللذّة عنده هي اللعنة المتفرّعة عن حبّ الذات.
أقول لعنة لأن حبّه لذاته يفرضها عليه ولأن الإنسان بسلوكه في اللذّة يسيء إلى نفسه، يؤذيها، يستهلكها، يستعملها، يستغلّها إلى ان يستنفدها. طبعاً هذا الكلام بحاجة إلى توضيح. ماذا يعني؟ دونكم هذا المثل: الإنسان يأكل ليغتذي، ليستمرّ في الحياة ما قدّر له الله وبُنيتُه. ومن الطبيعي أن يشعر الإنسان بالإنشراح وهو يأكل ليسدّ حاجة نفسه. هذه متعة طبيعية. ولكنْ حين يصبح الغرض من الأكل هو المتعة، إذ ذاك ينحرف الإنسان عن مجرى الطبيعة، يتعاطى الطبيعة بصورة غير طبيعيّـة.
همّه الأوّل يصبح متعة الطعام. يأكل ليتمتّع. تتحوّل التغذية إلى موضوع متعة. تسعة وتسعون في المائة مما يأكله الإنسان لا يحتاج إليه، وقد يؤذيه. أكثر الناس يموتون من كثرة الطعام ومن سوء التغذية. فنّ الطبخ لا يتوخّى سدّ حاجات الناس الغذائية بقدر ما يتوخّى إشباع شهوة البطن والحلق. تلك المائدة الممدودة والتي توضع عليها عشرات الأطباق والأنواع الفاخرة من المشروبات ولا يُدعى إليها سوى أنفار من الناس بعدد أصابع اليد، ما القصد منها، الغذاء أم المتعة والمجد الباطل؟ يمتّعون أنفسهم قدر استطاعتهم، يمتّعون عيونهم وأنوفهم وحلوقهم وبطونهم ويتمجّدون في عيون ضيوفهم، ولا يتعدّى ما يستهلكونه من الأطايب سوى واحد في المائة أو واحد في الألف، ثم يُلقون الباقي في صندوق القمامة.
ثمّ بعد سهرة عامرة يقضونها حتى الساعات الأولى من الصباح يعودون إلى بيوتهم سكارى يترنّحون متخمين، وقد يتقيّـأون في الطريق أو يشعرون بالأطعمة كالحجارة في أجوافهم ويلجأون إلى الحبوب المهضّمة، لتساعدهم في حلّ مشكلة خلقوها لأنفسهم. ثم يصحون في اليوم التالي متعبين، مُنهَـكين، مصابين بعسر الهضم. أية خدمة أدَّوها لأنفسهم أو لأجسادهم المسكينة التي يفرضون عليها لعنة المتعة وما يترتّب عليها من تبعات لم تخطَّها سنن الطبيعة في أبدانهم؟ ألا يستحيل الإنسان، والحال هذه، عبداً لمتعته، وتالياً عدوّاً لنفسه؟!
وقس على ذلك بالنسبة لكل شهوة من شهوات النفس والجسد. يستهلك الإنسان نفسه والآخرين التماساً لمتعة ملعونة. كل العلاقات، علاقة الإنسان بنفسه، علاقة الزوج بالزوجة، علاقة الناس بالناس، علاقة الناس بالله تستحيل مجالاتٍ يطلب فيها المرء متعة نفسه. تحكمه اللذّة. علاقات الناس بالناس تستحيل علاقاتِ منافع ذاتية وإمتاع. كل يطلب نفسه في الآخرين. كل يمتّع نفسه بهم، يستغلّهم، يستهلكهم، وإذ يستنفدهم ينصرف عنهم غير مبالٍ بما خلّفه فيهم.
الزاني لا يعرف أن يحبّ. هو لا يحبّ نفسه فكيف يحبّ سواه؟! شاء أن يعبد نفسه فاستُعبد لهواه، لما هو مخالف للطبيعة. أليس إن مَن يصنع الخطيئة يصير عبداً للخطيئة؟! هكذا يستعبد الناس بعضهم بعضاً وتستعبدهم أهواؤهم. يمسكون القرش عن الفقير ويُخرجون اللقمة من فمه، ثم يُلقون بكل مالهم في جوف التنين الذي هو أهواؤهم.
على هذا النحو يموت الحس، شيئاً فشيئاً، في نفس الزاني. تشدّه عبوديته للذّة إلى الموت. يصير عاشقاً للموت، عميلاً للموت، خادماً للموت وهو لا يدري. هو يظنّ العكس. يظنّ ان اللذّة هي الحياة وانه باتّباعها يطلب ملء الحياة. ولكنه مخدوع. اللذّة فيه هي الخدعة، هي الكذبة الكبرى. للمتعة مظهر الفرح لكنها لا تخلِّف سوى الحزن والألم والفراغ. لها مظهر الحياة لكنها طعم الحياة المائتة، مذاق العدم، رائحة الموت.
الزاني يبثّ الموت في نفسه وحواليه كيفما تحرّك. الزنى تفكيك للحياة. أتظنون أن ما أقوله تنظير؟ اسمعوا ما يقوله القدّيس يعقوب الرسول:”من أين الحروب والخصومات بينكم؟ أليست من هنا من لذّاتكم المحاربة في أعضائكم؟ تشتهون ولستم تمتلكون. تقتلون وتحسدون ولستم تقدرون ان تنالوا. تخاصمون وتحاربون ولستم تمتلكون لأنكم لا تطلبون. تطلبون ولستم تأخذون لأنكم تطلبون رديئاً لكي تنفقوا في لذّاتكم” (يع 4).
كل مآسي الأرض، كل الحروب، كل المجاعات، كل الأمراض نابعة من هنا “من لذّاتكم المحاربة في أعضائكم”. لذلك الزنى تعدٍّ على الطبيعة، تعدٍّ على الله. “ليس الجسد للزنا بل للرب والرب للجسد… ألستم تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح. أفآخذ أعضاء المسيح وأجعلها أعضاء زانية” (1 كور 6).
هذا المسرى المنافي للطبيعة له في لغتنا الكنسية تسمية واحدة هي الخطيئة. الخطيئة، في العمق، هي الزنى بالمعنى الشامل. ما كان الإنسان ليقع في خطيئة الزنى لو لم يكن قد أسلم نفسه لزنى الخطيئة أولاً. الخطيئة زنى على الله، خيانة لله، انقطاع للشركة مع الله. لذلك دُعيت إسرائيل لما خانت ربّها زانية. والخاطئ الزاني يحبّ الموت. تشتاق الخطيئة فيه إلى العدم. تشدّه إلى الموت رغماً عنه، فيَسقط ذِكرُه من سفر الحياة. “مَن أخطأ إليّ”، قال الرب، “أمحوه من كتابي” (خر 32). “مَن وُلد من الله لا يخطئ” (1 يو 5) ولا يستطيع أن يخطئ لأن زرع الله يثبت فيه.
مَن يفعل الخطيئة من معدن إبليس يكون. يصير إبليسُ أباً له من دون الله “لأن إبليس من البَدء يخطئ” (1 يو 3). إبليس هو الزاني الأكبر وأبو الزواني.
ما يضربه الزنى في الناس
يضرب الزنى أهمّ ما في الإنسان: الحب والحياة والحرّية. يمسخ الحبّ ويُفسد الحياة ويُجهض الحرّية. لماذا يمسخ الحبّ ؟ لأن الحبّ شركة حياة. لأن الحبّ هو ان يتبنّى الشريك شريكه، أن يلتزمه، أن يكون أميناً له إلى المنتهى، أن يعينه، أن يحبّه كنفسه.
علاقة الشريك بالشريك، في كتابنا العزيز، هي على نحو علاقة المسيح بالكنيسة. فما الذي يفعله الزنى بهبة الحبّ هذه؟ يُجَسْـدِنُها. يجعلها علاقة أجساد، علاقة مشاعر وأحاسيس مريضة. يستعمل الزاني الآخرين ويستعمل جسده استعمالاً كآلات للمتعة. اهتمامه بالآخرين هو اهتمام بتحقيق مأربه في الآخرين. الزاني لا يحبّ ولا يمكنه ان يحب لأنه لا يخرج من ذاته ولا يستطيع لأنه لا يطلب إلا ما لنفسه. المتعة فيه تخدّر قلبه، تجعله ثقيلاً بلا إحساس، بلا قلب. يضرب الزنى قلب الإنسان بالعقم.
ليس للزنى من الحب سوى الشكل الخارجي نظير التماثيل ليس لها من الناس سوى المظهر ولا حياة فيها. لكل ذلك الزنى هو الحبّ ممسوخاً، هو الحبّ مزيّفاً. الزنى هو ضد الحبّ. الزنى هو الخداع، هو الرياء في الحبّ. الزنى قتلٌ للحبّ، لِذا قتلٌ للآخر.
والزنى، أيضاً، يُفسد الحياة. لماذا؟ لأن الزاني يستعمل القوى الحيوية فيه في غير محلّها. يبدّدها. تستحيل عنده أدواتٍ للمتعة.
بدل ان تكون للبناء تصير للهدم. يهدم نفسه والآخرين لأنه لا يحبّ. وحده الحبّ يعطي الحياة، يشيعها، ينميها. لا يهتمّ الزاني بالحياة إلا بمقدار ما يحصّله لنفسه منها. لا يتعهّدها ولا يفرح بها. لا تعنيه إلا بمقدار ما تقدّمه له. يأخذ منها ولا يعطيها. وإذا ما أعطاها فليأخذ منها. همّه الأخذ لا العطاء. هو، في المدى الأخير، يأخذ حياة ويبثّ موتاً لذلك يفسد الحياة باستمرار.
والزنى، أيضاً، يُجهض حرّية الإنسان. الزناة يظنّون العكس. يعتبرون الزنى تعبيراً عن حرّيتهم الشخصية. يحسبون أنفسهم أحراراً من عقدة الجسد. الحرّية، عندهم، هي ان يطلقوا العنان لأهوائهم.
الحصان الجامح الذي ليس له ما يلجمه ولا ما يضبطه إلى أين يُفضي بصاحبه؟ إلى الهلاك لا محالة! فالأهواء قوّة غاشمة تحتاج إلى كبح ولجم. الضبط، بلغة اليوم، واأسفاه، يسمّونه كبتاً. يحاولون ان يتخلّصوا من التوتّر الداخلي، من المشاداة الداخلية فيهم، بالاستسلام لأهوائهم. لكن الأهواء، إذا ما استسلمنا لها، لا تعطينا سلاماً بل فراغاً وجوعاً وموتاً. الأهواء لا تُشبَع.
الاستسلام لها يزيل التوتّر الذي تحدثه، بصورة مؤقتة. وإن أدّى هذا إلى شعور بالنشوة فإن شعوراً بالفراغ يتبع ثم يليه شعور بالجوع أشدّ. والأهواء أيضاً تجعلنا نفقد حرّيتنا الداخلية.
الإنسان قد يستسلم للأهواء عن اختيار، بملء حرّيته، لكنه بعد ذلك يصبح أسيراً لها. “مَن يصنع الخطيئة”، كما يقول الكتاب المقدّس، “يصبح عبداً للخطيئة”. مَن يُدمن المخدّرات يصبح عبداً لها. بالعكس، الحرّية مرتبطة بالحبّ، مرتبطة بالحق. ولو كانت نفس الإنسان ميّالة إلى الخطيئة، بسبب حالة السقوط التي هو فيها، فإن عليه أن يضبط نفسه، أن يخرج من نفسه، ان يتبنّى الآخرين لأجلهم هم لا لأجله هو.
إذ ذاك يصير حرّاً. المحبّة هي التي تحرّر الإنسان. تحرّره من الموت الذي فيه. بالمحبّة وفقط بالمحبّة يصير الإنسان حرّاً وتدوم حرّيته.
ما الذي يُحدثه الزنى في النفس؟
بالزنى تضعف إرادة الإنسان وقد تصل إلى حدّ الإنحلال. ويصيب شخصيّته التلفُ وتتفكّك أوصال نفسه فلا يعود قادراً على الصمود أمام سطوة الشهوة وإغرائها. بمجرد ان تتراءى له تستبد به فيحشد قواه ليستجيب لها. يقع في براثنها كما يقع الفأر في مخالب القط. يتذرّع بأنه لا يقدر.
يتعلّل بعلل الخطايا. قد يزعجه ضميره لبعض الوقت وقد لا يزعجه. قد تكون حجّته ان كلّ الناس هكذا يفعلون. قد يدّعي انه هكذا خلقه الله وان ما يفعله هو أمر طبيعي. مهما يكن المنطق الذي يعتمده فإن صوت ضميره لا يلبث ان يخفت ويتخدّر حسّه وتظلم نفسه ويُمسي مغشياً عليه، في دوار، نصف نائم.
وإذ يستغرق الزاني في زناه تتمحور اهتماماته، بالأكثر، في روح الزنى. بدل أن يكون الحبّ هو محور الحياة بالنسبة إليه يصبح الزنى محور الحياة. كل شيء ينطلق، في نفسه، والحال هذه، من عشق الأجساد ويصبّ في التوق إلى الأجساد. الثياب، العطورات، الكحول، التدخين، المآدب، السهرات، الأضواء، اللياقات، كلّها تصبح مشبعة بروح الزنى، إطاراً لروح الزنى تتوخّى إشباع شهوة الزنى لديه. حيويته ونشاطه، إذ ذاك، يستمددهما، بصورة خاصة، من روح الزنى. بدون زنى تمسي الحياة في عينيه باهتة، لا طعم لها ولا قيمة.
الظروف وتأثيرها
بعض الناس يتذرّع بالظروف أنها ضاغطة، غير مؤاتية وان نار الزنى مستعرة في كل مكان ولا حول لهم ولا قوّة. هذا تعلّل بعلل الخطايا. كل ظرف مجال لعمل الله والشهادة لله. كلّما اشتدّت التجربة ازدادت النعمة جداً. أتظنّون ان ظروف الكنيسة الأولى كانت أيسر؟ لا بل كانت أصعب ألف مرّة مما هي عليه اليوم. عبودية، فقر، اضطهاد، فساد، فجور. الانحلال في الأمبراطورية الرومانية كان عارماً.
الفجور كان من ضمن أخلاق الناس. الزنى، في الهياكل الوثنية، كان فعل عبادة، شأناً مقدّساً. ومع ذلك، رغم كل شيء، استمات المسيحيون إيماناً بالله. سلكوا في الفضيلة. اعتصموا بالعفّة. تخلّقوا بأخلاق يسوع. دونكم ما قاله يومذاك بعض الكتبة المدافعين عن المسيحيين وبعض ما قيل عنهم من قبل الوثنيين.
القدّيس يوستينوس الشهيد (القرن 2 م) قال عن نفسه وعن المسيحيين في زمانه:” نحن الذين سبق لنا ان كنا عبيداً للفجور نجد الآن بهجة في نقاوة الأخلاق… نحن الذين سبق لنا ان كنا محبّين للربح أكثر من كل شيء آخر نتخلّى الآن عمّا هو لنا ابتغاء الخير العام، نشترك والمحتاجين فيما لنا…” وترتليانوس المعلّم، الذي عاش في القرن 3 م، تباهى بأنه ليس مسيحي واحد يُعاقَب كمجرم أو كسارق. فقط لأنه يتمسّك بإيمانه بيسوع.
مينوسيوس فيليكس خاطب الوثنيين هكذا:” تمنعون الزنى في القانون وتمارسونه في السرّ… ونعتبر مجرد اقتباله في الفكر جريمة. تخشون ان يُفتضح أمرُكم ولا ترهبنا غير ضمائرنا”. حتى بليني الصغير الحاكم، وهو وثني، أطلع الأمبراطور ترايان على ان المسيحيين يتعهّدون بألا يرتكبوا سرقة أو زنى فيما الاحتيال والنجاسة والدعارة، من كل نوع، متفشّية في كل مكان. وثمّة وثني آخر، اسمه لوقيانوس، يشهد لإحسان المسيحيين ومحبّتهم وعنايتهم ببعضهم البعض.
عن أية ظروف نتحدّث إذاً؟! الظروف الداخلية، لا الخارجية، غيرُ موافقة. العلّة هي في الإرادة. الموضوع هو ما إذا كان القلب لله أم لا. هنا لبّ المشكلة. الزنى قابض على الزناة لأنهم لا يريدون ان يسمعوا، لا لأن ظروفهم لا تساعدهم. “لو ان شعبي استمع لي”، قال الرب، “لو أنّ إسرائيل سلك في طريقي لكنت أذللت أعداءهم [أي أهواءهم] بسرعة وألقيت يدي على مضايقيهم” (مز 80).
المشكلة أننا لا نريد أن نتألم من أجل الحق، من أجل الحياة، من أجل العفّة، من أجل الخلاص، من أجل يسوع. نهرب باللذّة من الألم فنقع في الفراغ والعدم. ولكنْ ما ضاع باللذّة لا يمكن أن يُستردّ إلا بالألم. ما فُرِّط به برخاوة السيرة لا يمكن أن يُستعاد إلا بالتعب. وما حُرمناه بأكلنا من العود الحرام لا يمكن أن يُستعاد إلا بالصليب الحلال، فإنّه “بالصليب أتى الفرح إلى كل العالم”.
هل يمكن للزنى أن يتعايش مع الفضيلة؟
بعض الناس يظنّ أن بإمكانه أن يعوِّض عن خطيئة يستسلم لها بفضيلة يسلك فيها. بعض الناس يسلك في الزنى لكنه يعطي الفقير أو يصلّي أو يصوم أو يتبرّع للأديرة والكنائس. هل هذا مقبول عند الله؟
الحقيقة أن الفضيلة والرذيلة لا يتعايشان. فإما أن تلقي الفضيلةُ الرذيلة خارجاً، وإما أن تُفسِد الرذيلةُ الفضيلة. فإن تمسّك الزاني بزناه بَطُلت صلاته، وإن تمسّك بصلاته انعتق من زناه ولو بعد حين. في المقالة الخامسة من نسكيات القدّيس إسحق السرياني ان مَن أسلم نفسه للزنى وصنع صدقة فإن الله لا يقبل صدقته كتعويض عن زناه. التعويض عن الزنى يكون بالسلوك في العفّة
ولكن كيف يسلك الإنسان في العفّة وجسده يشاغب عليه وأفكار الزنى لا تغادره ولا تكفّ عن إزعاجه؟ آمن تأمن. الله حيّ. وهو قادر على كل شيء. أنت عاجز؟ لا بأس. حسبك ان تريد. أتريد أن تبرأ؟! إذا كانت لك إرادة الشفاء فإن رحمة الله تشفيك. هذه مشكلة الزاني، بكلام القدّيس مرقص الناسك، انه يبقى في حبّ اللذّة ولا يريد ان يوجِّه القوّة الطبيعية التي فيه نحو الصلاح ويدّعي ان النعمة الإلهية لا تساعده. الزاني يكذب ثم يصدِّق كذبه. فقط رِدْ. لتكن فيك إرادة الحياة. كن مؤمناً لا غير مؤمن.
ثم عبِّر عن إرادتك في كل حين وبكل الصور الممكنة. ليست الإرادة رغبة مبهمة، مجرّد حنين. يا ليت! الإرادة تصميم. روح الضعف لا يشفي غليلاً. المريد الخلاص إنسان يعرف انه سجين جسده ونفسه وعاداته وخطيئته وضعفه، لكن نفسه مضطرمةٌ فيه، متوتّرة، وثّـابة إلى الانعتاق، متحرّقة إلى النور. “أخرج من الحبس نفسي لكي أشكر اسمك”.
لا يكفّ المريد عن الصراخ ليل نهار. كلّه يستحيل صرخة، دمعة، سجدة إلى الحضيض. “إلهي، إلهي… أنظر إليّ. لماذا تركتني؟ لماذا ابتعدت عن نصرتي وعن كلمات أنيني؟ إلهي أنا في النهار أصرخ إليك فلا تستجيب. وفي الليل أيضاً دون أن أستريح… دودة أنا لا إنسان… كل الذين رأوني استهزأوا بي… اتّـكلَ على الرب فلينجّه ويخلّصه… انسكبتُ كالماء وتفكّكت جميع مفاصلي… يبست مثل الفخّـار قوّتي… ثقبوا يديّ ورجليّ…” (مز 21).
ويُصِرّ المريد ويثبت وينتظر. ولو سقط ألف مرّة رغماً عنه فإنه يعود وينهض من جديد. لست أفعل ما أريده، بل ما أُبغضه فإيّاه أفعل… ليس ساكناً فيّ، أي في جسدي، شيء صالح… الإرادة حاضرة عندي وأما أن أفعل الحسنى فلست أجد… فإن كنت ما لست أريده إيّاه أفعل فلست بعد أفعله أنا بل الخطيئة الساكنة فيّ…” (رو 7). ويُصِرّ المريد ويعنف في إصراره ولا يستسلم كاشفاً ضعفه وعجزه كل حين معلناً ثقته بيسوع كل آن. فإن ثبت إلى المنتهى يخلُص. تُعطى العفّة له نعمة من فوق.
يصير كالطفل جديداً، في سلام عميق. ولو كان قد ارتكب في سالف عهده ألف ألف زنى يصير عفيفاً. “قدّم للرب ضعف طبيعتك معترفاً كلّياً بكامل عجزك تنل موهبة العفّة وأنت لا تشعر” (القدّيس يوحنا السلّمي). بالإرادة الصامدة ونعمة الله تُعطى العفّة. حيّ هو الله الذي أنا واقف أمامه. كل الذين سبق لهم ان كانوا زناة وتعفّفوا وتقدّسوا يشهدون. إن لم يكن الله كذلك فلا نعبدنّه. ولكن هذا هو إلهنا. “تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم”.
في العفّة عافية
المبتلون بالزنى، من الموقع الذي هم فيه، قد يرون العفّة مُضجرة، باهتة، رتيبة، لا إثارة فيها. أو لعلّهم يحسبون العفّة غير ممكنة أو يعتبرون العفيفين معقَّدين. وقد يظنّون ان العفيفين الحقيقيّين من غير طينة الناس. العفيفون بشر مثلنا، وقد كانوا، في وقت من الأوقات، حيث نحن اليوم.
سيرتهم تعنينا، وتعنينا في الصميم، لأنّهم ينقلون لنا خبرة لا نعرفها عسى ان تتحرّك قلوبنا إلى محاكاتهم. كيف يعرف النقاوة مَن ينظر بعين غير نقيّـة؟! أو كيف يحكم في النور مَن هو قابع في الظلام؟! فلنقرأ ونصدّق لأن القدّيسين أيضاً من لحم ودم.
إذا كان الزنى هو المرض فالعفّة هي العافية. الزنى يشلّع النفس، أما العفّة فتجمعها. العفّة توحّد الإنسان مع نفسه والآخرين فيما يغرِّب الزنى الإنسان عن نفسه وعن الآخرين. الجسد للزاني بيت وأداة للنجاسة وللعفيف هيكل وأداة للطهارة. ولا يحسبنّ أحد انه لا مجال للطهارة في الزواج. بالعكس.
القدّيس يوحنا الذهبي الفم في عظته 14 على إنجيل متّى يقول وبوضوح: إن الغرض من الزواج هو المحافظة على نقاوة الجسد، وإن لم يكن الزواج كذلك فلا جدوى منه. والقدّيس أمبروسيوس، أسقف ميلان، يتحدّث لا فقط عن عفّة الذين حافظوا على عذريتهم بل عن عفّة المتزوّجين والأرامل أيضاً.
ولا عجب فالقدّيس بولس في رسالته إلى تيطس يوصي الشيوخ الأساقفة بأن يكون كل منهم بعل امرأة واحدة – الأساقفة يومذاك كانوا يتزوّجون – وأن يكون، في آن معاً، متعقّلاً باراً متعفّفاً (راجع الإصحاح الأول من الرسالة). التعفّف، كما ورد في الرسالة إلى أهل غلاطية، هو ثمرة من ثمار الروح القدس.
العفّة، عند آبائنا، اسم جامع لسائر الفضائل (القدّيس ديادوخوس فوتيكي، القدّيس يوحنا السلّمي) وهي من الرفعة بحيث ساواها العديد من القدامى بـ”اللاهوى”. اسمع ما يقوله عنها الشيخ يوسف الهدوئي:” ليست هناك تضحية إلى الله أطيب من عفّة الجسد… حتى عندما يغيّر العفيفون ملابسهم تعبق منها رائحة زكية عطرة تنتشر في المكان كأنك فتحت لتوّك إناء من المرّ…”
اسمع أيضاً أية بركات يمنحها الله لمن يحافظون على عفّتهم.
- هل سبق لك ان قرأت عن يوسف الصدّيق في سفر التكوين؟ هذا تمسّك بعفّته ولم يستجب لدعوة امرأة فوطيفار، رئيس شرطة فرعون مصر، لمعاشرتها. أتعلم بمَ باركه الله؟ جعله الوزير الأول لفرعون وحفظ به أباه وإخوته وعشيرتهم من الموت جوعاً.
- لا أظنّك سمعت عن قدّيس اسمه نيقولاوس السلافي؟ أتعلم مَن يكون؟ هذا نعيّد له في 24 ك1 . كان عسكرياً في أحد فيالق الجيش البيزنطي للامبراطور نقفر الأول، في القرن التاسع للميلاد. وفي معركة التحم فيها البيزنطيون والبلغار في 26 تموز سنة 811 م أُبيد الجيش البيزنطي عن بكرة أبيه.
جندي واحد فقط بقي على قيد الحياة هو نيقولاوس هذا، الذي صار راهباً فيما بعد. أتعرف لماذا نجا؟ لأنه حافظ على عفّته وصدّ ابنة صاحب الفندق الذي نزل فيه في طريقه إلى أرض المعركة.
- أتعلم أن هناك نساء انتحرن ومع ذلك اعتبرتهنّ الكنيسة قدّيسات، وعظيمات أيضاً؟ القدّيسة بيلاجية البتول الأنطاكية المعيّد لها في 8 ت1 هي واحدة من هؤلاء. هل تعلم انها انتحرت لتحفظ عفّتها؟ هل تعلم ما قاله القدّيس يوحنا الذهبي الفم في شأنها؟ قال إن الملائكة أحاطت بها وعظّمها رؤساء الملائكة وكان الرب يسوع المسيح نفسُه معها.
- أتعلم ما فعلته القدّيسة البارة مستريديا الاسكندرانية (24 ت1) لتحفظ عفافها وعفاف شاب وقع في هيامها؟ سألته: ماذا يعجبك فيّ؟
فأجابها:” عيناك!” فرفعت إبرة الخياطة التي كانت في يدها وقلعت عينها وأعطته إيّاها وهمّت بقلع الأخرى، فوقع الشاب عند قدميها ورجاها بدموع ألا تفعل. وإذ عاد إلى رشده ذهب وترهّب.
- وماذا أقول عن القدّيسة إيبا السكوتلاندية ورفقتها (2 نيسان)؟ أتعلم ماذا فعلن ليحافظن على عفّتهنّ لما درين بأن البربر آتون إليهنّ؟ جدعن أنوفهنّ وقطعت كل منهنّ شفتها العليا.
- إقرأ أخبار القدّيسين العفيفين تجد ما يدهشك. العفّة، بالنسبة إليهم، كانت أثمن ما في الحياة وأثمن من الحياة لأن العفّة هي الحياة جديدة وتقرّب الإنسان إلى الله، تُهيِّـئُه لسكنى الله فيه أو قل هي سكنى الله فيه. فإلى فلك المحبّـة الإلهية تنتمي العفّة، كما قال المغبوط أوغسطينوس.
لا تخف! الخلاص قريب المنال
ليس أحد منا مغلوباً على أمره بالكلّية. لم يعد الإنسان يائساً لأن الله “إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطيئة ولأجل الخطيئة دان الخطيئة في الجسد” (رو 8). لم تعد الخطيئة غلاّبة فينا. المسيح قَوِيَ عليها من أجلنا. أقصى نجاح تصيبه الخطيئة ان تبثّ فينا اليأس.
توسوس لكل واحد منّـا أنْ ” لا خلاص له بإلهه”. لذلك أهمّ ما في الأمر إلا يستسلم أحد منّا لقدره، ألا ييأس. في ذواتنا نحن عاجزون، علينا أن نُدرك ذلك جيِّداً، لكننا في المسيح قادرون. “أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقوّيني”. نحن ضعفاء؟! لا بأس.
لا بل يتحدّث الرسول بولس عن ضعفه بافتخار. السبب؟ “لكي تحلّ عليّ قوّة المسيح”. لأن قوّة المسيح في الضعف تُـكمَـل. فحين أكون ضعيفاً، إذ ذاك أصير، في المسيح، قوياً. لم يأت المسيح ليدعو صدّيقين بل خطأة إلى التوبة. لم يأتِ ليدعو أقوياء إلى الخلاص لأنّه ليس أحد قويّـاً في ذاته. جاء ليدعو راغبين وهو يقوّيهم. في الخاطئ التائب، بصورة خاصة، تتجلّى محبّة الله وعظمته وقدرته. استيقظ أيها النائم ليضيء لك المسيح! مهما كنتَ خاطئاً، مهما كنتَ مستغرقاً في زناك، مهما كنت ضعيفاً، فالمسيح قادر على إخراجك من الجب الذي أنتَ فيه. المهم فقط أن تريد، أن تشتاق إلى العفّة، ان تسعى إليها أن تصرخ، أن تبكي. ولو فشلت ألف مرّة قم ألف مرّة. لست أسوأ حالاً من القدّيسة مريم المجدلية التي أخرج منها الرب سبعة شياطين والبارة بيلاجية الأنطاكية (8 ت1) والبارة تائيس الإسكندرانية (8 ت1) والقدّيسة أفدوكيا البعلبكية (أول آذار) والقدّيسة مريم الرهّاوية (29 ت1)، وخصوصاً القدّيسة مريم المصرية (أول نيسان). هؤلاء امتهنّ الزنى وغرقن في الفجور حتى أنوفهنّ ومع ذلك تُبن وتقدّسن فصرن، بالمسيح، معلّمات للعفّة، بصورة مميّزة. المهم ألا تبقى في خطيئتك. المسيح يسامحك لكنه يوصيك: إذهب ولا تخطئ بعد لئلا يصيبك أشر.
يا أخي ويا أختي، المسافة بين الزنى والعفّة أقصر مما تتصوّر. تبدأ برغبة، بقرار: “أتريد أن تبرأ؟”. من هناك عليك ان تصمد ما وسعك. جاهد ألا تسقط، وإذا ما سقطت، قم ثانية بكل نيّـة صادقة وعزم كامل وابدأ من جديد. كلّما فعلتَ ذلك فعلَتْ فيك نعمة الله. ألقِ أنت بفلسك فيلقي المسيح مقابله بألف دينار. لا تريد ان تتألّم؟! إذاً لا يمكنك ان تخلص! الألم، في كل حال، مفروض عليك. فأيهما أنفع لك ان تتألّم من أجل الحقّ أم من أجل الباطل؟ أتظن أنك إن ألقيت بنفسك في الفجور هرباً من المواجهة ستكون في حال أفضل؟ معاناتك وأنت أسير الفجور ستكون أكبر. ألم الفراغ وانتظار الموت أكبر بكثير. وستتألّم حينئذ على غير طائل. لن تنتفع شيئاً. الخيار خيارك.
كل ما تحتاج إليه لتحظى بالعفّة هو إرادة طيّبة وعزم ثابت. وفي الوقت المناسب يعطيك الله إيّاها هبة من عنده. الثمن الذي تدفعه ليس بشيء قياساً بقيمة العفّة كأنك تشتري سيارة بثمن دولاب. كن ملحاحاً، كن لجوجاً في طلب رحمة الله فتأتيك من حيث لا تدري. اسمع هذه القصّة:
“أخبروا عن أخ مقاتَل بروح الزنى أنه كان يسقط مرّة بعد مرّة. فأقام كارهاً لنفسه صابراً على بليّته. وكان يصلّي إلى ربّه قائلاً: يا رب! أنت ترى شدّة حالي وحزني فانتشلني يا رب أشئت أنا أم أبيت، لأني كالطين، أشتاق وأحب الخطيئة. ولكن أنت الإله الجبّار اكففني عن هذا الفعل. فإنك ان كنت ترحم القدّيسين فقط فليس هذا بعجيب. وإن كنتَ تخلّص الأطهار فقط فما الحاجة لأن أولئك مستحقون، ولكن فيّ أنا، غير المستحق، يا سيّدي، أَظْهِرْ رحمتك العجيبة لأني إليك أسلمت نفسي”. هذا ما كان يردّده كل يوم، أَخَـطئ أم لم يُـخطء. فلما كان ذات يوم وهو واقف يصلّي ان الشيطان ضجر من رجائه الحسن وشدّة عناده، فظهر وقال له: كيف تقف بين يدي الله، يا هذا، وتنطق باسمه وكلّك نجس؟!
فأجابه: ألست أنت تلحّ عليّ بتجاربك؟! أنا أيضاً ألحّ عليك بصلاتي إلى الله. أنت توقعني في الخطيئة وأنا أطلب من الإله الرحيم ان يتحنّن عليّ. سوف أقف لك بالمرصاد حتى الموت ولا أقطع رجائي بإلهي. لن أكفّ عن التصدّي لك. وسترى مَن يغلب: أنت أم رحمة الله. فلما سمع الشيطان كلامه غادره خشية ان يزداد رجاءً بإلهه”.
أمثلة، من حياة القدّيسين الشباب، كيف جاهدوا وحافظوا، بنعمة الله، على عفّتهم وكيف ربحوا ملكوت السموات
عندنا، بين القدّيسين، مَن تمسّكوا بعذريتهم وسلكوا في العفّة اقتداء بيسوع حتى الموت. وعندنا أيضاً قدّيسون شردوا، أوّل أمرهم، ثم تابوا وصاروا عفيفين، لا بل معلّمين للعفّة.
– القدّيسة لوسيا الصقلية المعيَّد لها في 13 ك1 كانت مخطوبة. قرّرت، في سرّها، أن تبقى عذراء عفيفة وتوزّع ثروتها على الفقراء. عرف خطيبها فحاول إقناعها بالعدول عن رأيها فلم ينجح. وشى بها أنها مسيحية. قبض عليها الوالي وهدّدها بأن يلقيها في سوق الدعارة لينجّسها إذا تمسّكت بموقفها من العذرية.
أجابت: لا يتنجّس الجسد من دون رضى الفكر. وقد حفظها الله ولم ينجح أحد في التعرّض لبتوليتها إلى أن قطع الحاكم رأسها.
– القدّيسة الشهيدة خاريتيني (6 ت1). هي أيضاً تمسّكت بعذريتها وعفّتها فأراد الوالي ان يلقيها في أحد بيوت الدعارة لاذلالها فصلّت إلى الله فأخذها إليه.
– القدّيسة البارة مريم المصرية (أول نيسان) كانت تتعاطى الدعارة ثم تابت وصارت عفيفة وقدّيسة عظيمة في الكنيسة.
– القدّيسة البارة بيلاجيا الأنطاكية (8 ت 1) كانت أيضاً امرأة هوى ثم تابت وصارت قدّيسة عظيمة. وكذلك القدّيسة أفدوكيا (أول آذار).
– القدّيسة البارة مريم الطرسوسية (14 أيلول). كانت امرأة شاردة، تحرّشت براهبَين فصدّاها فعادت إلى نفسها وتابت وصارت قدّيسة.
– القدّيسة مريم الفلسطينية (29 أيلول) كانت قارئة مزامير في أورشليم. وكانت سبب إعثار لبعض النفوس الضعيفة بسبب جمال خلقتها. فلكي لا تجرح نفس أحد من الضعفاء خرجت إلى البرّية وتنسّكت وتقدّست.
– القدّيسة البارة بريجيت الإيرلندية (أول شباط) كانت جميلة جداً. تهافت عليها طلاب الزواج. أما هي فاشتهت حياة البتولية. صلّت ليضربها الله بالبشاعة، فينفر منها طالبوها. فقدت إحدى عينيها. في اليوم الذي انضمّت فيه إلى أحد الديورة استردّت نظرها وجمالها.
– القدّيسة الشهيدة أغنيس الرومية (21 ك2) كانت ترشد النساء إلى المسيح وهي بعد في الثانية عشرة. أُلقيت في أحد بيوت الدعارة. كل الذين حاولوا الاقتراب منها صدّتهم قوّة غير منظورة. أحد العنفاء حاول أخذها بالقوّة فسقط على الأرض ميتاً.
– القدّيسة مريم الرهّاوية (29 ت1). غرّر بها أحد الشبّان رغم انها كانت بتولاً للمسيح. يئست واستسلمت لحياة الدعارة. أرسل لها الرب الإله مَن جعلها تعود إلى نفسها وتتوب. تابت وتقدّست.
– القدّيس كورنيليوس الدمشقي (3 ك1) كان إنساناً ماجناً. تاب إلى ربّه وشاء أن يوزّع ثروته على الفقراء. التقى امرأة جميلة جداً على زوجها دين كبير أُلقي بسببه في السجن. فلكي يحمي كورنيليوس المرأة من بيع جسدها أعطاها كل ثروته لتوفي الدين.
– القدّيسة الشهيدة بيلاجية البتول الانطاكية (8 ت1). كانت في الخامسة عشرة حين وُشي بها أنها مسيحية. فلما جاء الجنود لإلقاء القبض عليها عرفت انهم سينالون منها.
فطلبت أن يُسمح لها بإعداد نفسها فسمحوا فدخلت إلى الداخل وبكت وطلبت من الله أن يعينها فألهمها أن تلقي بنفسها من الطابق العلوي فألقت بنفسها وماتت.
– الشهيدة دومنينة الانطاكية وابنتاها برنيقي وبروسدوكي (4 ت1). استاقهنّ الجنود من الرها في الطريق إلى منبج. فلما توقّفن بقرب نهر الفرات عرفن أن الجنود سوف يعتدين عليهنّ، فصلّين وألقين بأنفسهن في المياه فقضين غرقاً.
بإمكاننا أن نسترسل في الحديث عن العفيفين والعفيفات وكم كانوا مستعدّين لبذل كل غال ورخيص من أجل الحفاظ على عفّتهم. هؤلاء كانوا مثلنا وكانت ظروفهم، أحياناً، أصعب من ظروفنا، لكنهم أحبّوا الله من كل قلوبهم. اختاروا يسوع اختياراً نهائياً ولم يردّهم عنه شيئاً.
كيف أتوب عن الزنى؟
ربما تسألني يا أخي أو تسألينني يا أختي: كيف أتوب؟ إليك ببعض ما يمكنك أن تفعله في هذا الاتجاه:
1- اذهب إلى الكاهن واعترف بكل خطاياك. لا تترك واحدة منها إلا تعترف بها. اذكرها دون تفاصيل. إذ ذاك تغتسل بالحل من الخطايا. تُمسَح خطاياك. يصير بإمكانك ان تبدأ من جديد.
2- إذ تفعل ذلك قرّر، بنعمة ربّك، ألا تعود إلى الزنى، ألا تعود إلى الخطيئة مهما ضايقتك وألحّت عليك. ضع الموت حدّاً لجهادك إذا لزم الأمر.
3- اتّـخِذْ لك أباً روحياً أو أمّاً روحية، حيثما توفّرتْ. اكشف له أتعابك، حركة نفسك، كل حين، كما تكشف أمراضك للطبيب. إذا كان السرطان أرهب الأمراض الجسدية فالزنى سرطان القلب، سرطان الكيان. وكل ما يقوله لك طبيب النفوس تمسّـك به. كنْ له مطيعاً طاعتك لله.
4- كنْ رقيباً على حواسك، على عينك أولاً. لا تسمح لها ان تشرد إلى رؤية القبائح. ولسانك اضبطه، وكذلك أذنك وبقية حواسك.
5- توقّف عن معاشرة الذين زنيت معهم وعن معاشرة الذين يشجّعونك ويشدُّونك إلى الزنى. ابتعد عن الحفلات الصاخبة الماجنة. هذه مستنقع زنى.
6- لا تتعاطى مع أفكار الزنى التي تراودك. لا تحاورها. لا تتأمّل فيها. قاومها بذكر اسم الرب، بصلاة يسوع. تعلّم صلاة يسوع. تعلّم السجود. إذا اشتدّت عليك الأفكار اسجد عشر مرّات، عشرين مرّة، ثلاثين، أربعين، خمسين، مئة مرّة. أصرخ “اللهم بادر إلى معونتي. يا رب أسرع إلى إغاثتي”. ستوحي لك الأفكار انك لن تُفلت. لا تصدّقها. سيراودك شعور انه خير لك أن تستسلم لتتخلّص من التوتّر الذي في بدنك.
لا تَـقْبله. إذا قبلتَـه ستُـلقي نفسك في فراغ. سيكون أصعبَ عليك ان تنهض من جديد. كل انتصار تحقّقه باسم الله يجعل انتصارك في التجارب المقبلة أدنى إليك. لا تَـخُـرْ، قاوم يُعِنْـك الله. آمن ترَ مجد الله! الله الحيّ.
7- لا تَدِنْ أحداً. كن رحيماً، رئيفاً بالناس. ابتعد، قدر الإمكان، عن المديح والكلام عن نفسك.
8- انتبه لطعامك. الطعام الدسم ابتعد عنه. وكذلك التوابل والمشروبات. النظام الغذائي يؤثّر.
9- ليكنْ لك قانون صلاة يوميّة وقراءات.
10- انتبه للآخرين. اخدمهم دون مقابل. فكِّر في الآخرين. اقصد ان تفتقد المرضى وتسأل عن المضنوكين: الأرامل والمسنّين واليتامى والمعاقين وكل مضروب بعلّة. عُدِ المرضى المدنَفين (المشرفين على الموت) وتأمّل في حالهم. هذا يهدِّئك كثيراً. زُرِ القبور، بشكل منتظم، لئلا تنسى إلى أين المصير.
اخرجْ من نفسك تجدْ نفسك. امتدّ صوب الآخرين تجد طريقك إلى قلب الله. في هكذا مناخ تهيّئ نفسك لسكنى العفّة فيك. ليس عملُك هو أساسَ حياتِك ولا مدرستُـك ولا مقتنياتُـك. هذه ينبغي ان تكون ثانوية لديك. الحاجة هي إلى واحد.
همّـك الأوّل يجب ان يكون شفاء القلب، شفاء الكيان. لو درى مريض السرطان بمرضه أما كان ينسى كل شيء ويصغر في عينيه كلُّ شيء ولا يعود يطلب إلا الشفاء؟! سرطان الكيان أفظع. اعرِفْ نفسك. عدْ إلى نفسك كالابن الشاطر. اطلبوا أوّلاً ملكوت السماوات وبرّه وكل ما عدا ذلك يزاد لكم.
11- ثابر على ذلك. اثبت. مَن يثبت إلى المنتهى هذا يخلص. إنها قضية الحياة، معركة العمر. وفي وقت مناسب يعطيك الرب ما تطلب وفوق ما تطلب. “لقد ذهبوا وهم يبكون إذ كانوا يُلقون بذارهم لكنهم سيرجعون فرحين حاملين أغمارهم”.
كلمة أخيرة
نَقَل القدّيس غريغوريوس اللاهوتي، في وقت متأخر من حياته، انه حين كان فتى أتاه حلم انطبع في نفسه ان عذراوَين جاءتا إليه مجلّلتَين بالبياض،
اسم إحداهما “طهارة” واسم الثانية “عفّة” وأخبرتاه أنهما ترافقان الرب يسوع على الدوام وكذا الذين يلتمسون الحياة السماوية.
كما دعتاه إلى توحيد قلبه وروحه بهما حتى إذا ما امتلأ من بهاء البتولية قدّمتاه إلى نور الثالوث القدّوس.
Discussion about this post