يقول القدّيس يوحنّا السلّميّ “كمال الطهارة أساس معرفة الله” (السلّم إلى الله 30: 20) كما أنّ الربّ يقول في عظته على الجبل “طوبى لأنقياء القلوب لأنّهم يعاينون الله” (متى 5: 8). الطهارة جسديّاً جسمٌ خالٍ من الأوساخ. الطهارة روحيّاً نفسٌ خاليةٌ من الخطايا.
الطهارة الروحيّة ليست نافيةً للجسد بل هي مُرًوحِنَةٌ له.
الإنسان الرّوحيّ هو الذي لا يَقتبل في نفسه إلاّ الزرع الإلهيّ. أعني كلمة الله ووصاياه.
الإنسان الطاهر يصبح عروساً لله. الله روحٌ والإنسان الروحيّ الطاهر يقتبل في نفسه بسهولة الزرع الروحيّ.
باستطاعته عندئذ لا أن يقتبل كلمة الله فحسب لأنّه يفهمها، بل وأيضًا أن يُوصلَها إلى الآخرين، أعني بعبارة أخرى أن يلد المسيح كلمة حيّة وأن ينقله إلى الآخرين.
الكلمة المنقولة تكون إمّا تعليماً وبشارة ووعظاً وإمّا عملاً وذبيحة حيّة، أعني تضحيةً وخدمةً مجانيّة.
هذا ما نأخذه نحن المؤمنين المعمّدين في الذبيحة الإلهيّة. في القدّاس الإلهيّ نتناوَلُ المسيحَ كلمةً إنجيليّةً تعليميّةً وعظيّة، كما نتناولُهُ قرباناً، ذبيحةَ جسدِ المسيح ودمِه في المناولة.
ما نأخذه في القدّاس الإلهيّ نعطيه للآخرين إنْ كُنّا طاهرِين، أعني إنْ كُنّا دائماً في تواضع وتوبة إلى الله.
قلت إنّ الإنسان الطاهر، أي المنزّه عن الأهواء، التائبَ إلى ربّه، بالزّرعِ الإلهيِّ يصبح عروساً لله. بوسِعِه أنْ يحتضن الآخَرين كما يحتضننا الله برحمته وحنانه.
يَلِدُ الآخرين في الإيمان والمحبّة. يصبح أباً روحيّا، بل أمّا محتضنة أولادها بكلّ معنى الكلمة.
هذا الخصب الروحيّ، أعود وأقول، إنّه يقتضي أوّلاً إفراغاً للذّات مِن كُلِّ أنانية. لا يحصل إلّا بقوّة الروح القدس الذي وحده باستطاعته تطهير النفس التائبة إلى ربّها.