نظرة سريعة وتأمل في صعود المسيح الى السماء
إن صعود المسيح إلى السماء كان صعودًا حقيقيًا بالجسد. لقد ارتفع من الأرض تدريجيًا وقد رآه الكثيرين الذين كانوا موجودين هناك. وكانت عيون التلاميذ شاخصة إليه
20 ابريل 2018 – 00:35 بتوقيت القدس
حازم عويص
نفهم مما هو مكتوب في الكتاب المقدس أن صعود المسيح إلى السماء كان صعودًا حقيقيًا بالجسد. لقد ارتفع من الأرض تدريجيًا وقد رآه الكثيرين الذين كانوا موجودين هناك. وكانت عيون التلاميذ شاخصة إليه لعلها تستمر في رؤيته، لكن أخفته سحابة عن أعينهم، وظهر ملاكان ووعداهم بعودته مرة أخرى «أَيُّهَا الرِّجَالُ الْجَلِيلِيُّونَ، مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى السَّمَاءِ؟ إِنَّ يَسُوعَ هذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا إِلَى السَّمَاءِ» (أع 1: 11).
ولنعد الى قبل ذلك، فبعد قيامة المسيح من الأموات “أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا” (أع 1: 3) للنساء عند القبر (مت 28: 9-10)، ولتلاميذه (لو 24: 36-43)، ولأكثر من 500 آخرين (1كو 15: 6).
بعد قيامته بأربعين يومًا، ذهب الرب يسوع وتلاميذه إلى جبل الزيتون، قرب أورشليم. وهناك وعد تلاميذه أنهم ينبغي ان يستعدوا لاستقبال الروح القدس، وأوصاهم أن يمكثوا في أورشليم حتى يحل عليهم. ثم باركهم. وبينما هو يباركهم، بدأ يرتفع إلى السماء. وقصة صعود المسيح مسجلة في لوقا 24: 50-51 وأيضًا أعمال الرسل 1: 9-11.
الصعود كان علامة على نهاية خدمته على الأرض، وكان علامة على نجاح عمله. لقد أتم وأكمل كل ما جاء ليعمله، عودته للمجد السماوي اشارت إلى تمجيد الآب له (أف 1: 20-23). كان هو “الذي سر به الآب” (مت 17: 5) وقد قبله في مجد وإكرام وأعطاه إسمًا فوق كل إسم (في 2: 9). لقد ذهب ليعد لنا مكانًا (يو 14: 2). ويمارس بداية عمله الجديد كرئيس الكهنة ليشفع فينا كمؤمنين (عب 4: 14-16).
الصعود تمهيد لعودة المسيح ثانيةً كما قرأنا في بداية المقال الشاهد من سفر الأعمال: “إن يسوعُ هذا الَّذي رُفِعَ عَنكُم إِلى السَّماء سَيأتي كما رَأَيتُموه ذاهبًا إِلى السَّماء” (أع 1: 11). وهذه العبارة تقيم ارتباطًا وثيقًا بين ارتفاع المسيح إلى السماء وبين عودته ثانية في آخر الأزمنة، حينذاك سيأتي كما انطلق، نازلًا من السماء (1 تسا 4: 16) على السحاب (رؤ 14: 14- 16)، بينما يصعد المؤمنون لملاقاته، هم أيضا (1 تسا 4: 17). فالتاريخ يتحرك نحو نقطة محددة هي مجيء الرب يسوع المسيح ثانية ليدين العالم، ويملك على كل المسكونة. وينبغي علينا، أن نكون مستعدين لمجيئه المفاجئ (1 تسا 5: 2).
وجدير بالذكر ان السحاب ارتبط بظهور الرب ومجده. فقد ظهر مثلا على جبل سيناء عند حلول الله وحضوره وسط الشعب (خر 19: 16)، وكان عامود السحاب يتقدم الشعب في مسيرته (خر 13: 21)، والسحاب ملأ البيت لأن مجد الله حل فيه (2 أخ 5: 14)، وفي حادثة التجلي جاءت سحابة نيرة وظللتهم (مت 17: 5). فالسحاب وهو المرتفع عن الأرض إشارة إلى السماء فكان منطقيًا أن يظهر في صعود الرب إلى السماء، وستكون السحب هي العلامة التي تظهر في السماء عند المجيء الثاني للرب “هوذا يأتي مع السحاب وستنظره كل عين” (رؤ 1: 7).
علينا ان نلاحظ انه قيل عن المسيح أنهُ أُصعد إلى السماء لأن الوحي يُراعي ارتفاعهُ كإنسان بحيث أن الله أصعدهُ ومجدهُ. وأما في بعض المواضع الأخرى في (أف 8:4، 9) مثلًا فقيل: أنهُ صعد بحيث الإشارة إلى مجدهِ الشخصي.
يقول اغسطينوس في رده على هرطقة الأريوسيين: الرب لم ينقص شيئا بسبب تجسده كذا لم يزد شيئا في صعوده، لا هو قل في تجسده ولا هو كثر في صعوده، فمجده لم ينقص حينما أخذ جسدا بشريا، ولا هو أخذ مجدا ليس له حينما صعد إلى السماء فإنه أي المسيح جلس عن يمين العظمة أي الآب [الرد على هرطقة أريوس- “شرح (عبرانيين 1: 3) لأغسطينوس”].
الصعود يجعل المسيحي الحقيقي يحيا منذ الآن في حقيقة العالم الجديد الذي يملك المسيح فيه. إن المومنين وهم في انتظار تلك الساعة، هم من الان متحدين بسيدهم الممجّد، وهم يطلبون الأمور التي فوق ومدينتهم كائنة في السماوات. لا نقول اننا يجب ان ننسلخ عن العالم، بل نقول ان لنا رسالة في العالم وعلينا أن نحيا فيه بطريقة جديدة، تقود الناس الى معرفة المسيح الممجد. فالخطية والخوف والرعب والمعاناة على الارض ليس لها الكلمة الاخيرة. سيعود الرب يسوع بالمجد والبهاء ويبسط سيطرته على ممالك هذا العالم.
يقول وليم ماكدونالد معلقًا على الآية: «وبالإجماع عظيمٌ هو سرُّ التقوى: الله ظهر في الجسد، تبرَّر في الروح، تراءى لملائكة، كُرِزَ به بين الأُمم، أُومِن به في العالم، رُفِعَ في المجد» (1تي 3: 16).
يُجمِع المفسّرون على أن العبارة «رُفع في المجد» تشير إلى صعود المسيح إلى السماء بعد أن أكمل عمل الفداء، وإلى مَقامه الحالي هناك. يشير فنسِنت Vincent إلى أنه ورد «رُفع بالمجد» (وليس في المجد)، أي ”بكلَّ مظاهر الأبّهة والعظمة، كما يصح في قائدٍ عسكريٍّ مظفَّر“ يرى بعضهم هذه القائمة من الأحداث بحسب تسلسلها الزمني. فيعتبرون، مثلاً، أن «ظهر في الجسد» تشير إلى التجسّد؛ وتبرّر بالروح تشير إلى موت المسيح، ودفنه، وقيامته؛ وتراءى لملائكة تصف صعوده إلى السماء؛ وكُرز به بين الأمم وأومن به في العالم. هي الأحداث التي تلت صعوده، وأخيرًا رُفع في المجد تتحدث عن يوم آتٍ فيه يُجمَّع مفديوه جميعهم، ويُقام الراقدون من الأموات، ويُدخَلون المجد معه.
فهذه الآية، في بساطتها، تحوي حقًا عظيما، لأنها تتضمن أسرارًا لا حصر لها، ولأنها تشمل كل مراحل حياة المسيح، مِن تجسُّده إلى صعوده.
أيقن التلاميذ أن الذي رُفع وأُخذ بعيدًا عنهم وهو حيّ، لن يكون أمامهم بالجسد بعد الآن، بل في داخلهم. وسيبقى معهم طوال الأيام إلى انقضاء الدهر: ” وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر.” (مت 28: 20). عرف الرسل أن الصعود ليس ذهابًا وفراقًا بل إنه اختفاء ان جاز التعبير، من أجل حضور أشمل وأعمق وأبقى. كما عرفوا أن السحابة التي حجبت الرب يسوع عن أنظارهم هي حجاب مؤقت سيزال ساعة يشاء الله فيرونه. وهذا الاكتشاف لمع أمام عيونهم وولَّد في نفوسهم فرحًا عظيمًا. إذ علموا أن الصعود بداية حلول الروح القدس وبالتالي يكون الفراق بداية التحام أشد وأقوى بالمسيح.