القيامة، علامة انتصار الرّبّ في الإنسان
بقدر ما نعاين علامات القيامة في عمق كياننا الإنساني نؤمن بها. فقيامة الرّبّ ليست حدثاً فلكلوريّاً أو أسطورة ألّفها الإنسان انطلاقاً من تجربته الواقعيّة، أو قادته الحاجة لاختراعها. القيامة حدث حقيقيّ لا يشبه أيّ حدث آخر على الرّغم من كثرة الإسقاطات والمقارنات الّتي لا تمتّ إلى حدث القيامة بصلة.
القيامة انتصار وليست عودة إلى الحياة. إنّها غلبة الحبّ والحياة والحرّيّة وليست هوس الخوف من حقيقة الموت. وهي اكتمال الحياة الواحدة والعيش مع الله إلى الأبد، وليست حياة ثانية نعوّض بها ما حرمنا منه في العالم. ندرك هذا المعنى العميق عندما نعاين علامات القيامة في حياتنا فنشهد للرّبّ المنتصر فينا ونحيا القيامة كلّ حين.
– “وكان الاثنان يركضان معاً. فسبق التّلميذ الآخر بطرس وجاء أولاً إلى القبر، وانحنى فنظر الأكفان موضوعة، ولكنّه لم يدخل.” ( يوحنا 5،4:20)
( انحنى فنظر). الانحناء فعل تواضع واحترام، وهنا يأتي في سياق الاهتمام لمعاينة القيامة. بمعنى آخر، من الصّعب فهم حدث القيامة كانتصار وغلبة على الموت إلّا من خلال الاهتمام للعلامة القياميّة الممنوحة لنا من الرّبّ. والعلامة تندرج في إطار تجربة شخصيّة مع المسيح القائم من الموت، واختبار علائقي نحياه في عمق أعماقنا حيث نرى السّيّد ونتحاور معه ونصغي له ونتفاعل معه.
عندما دخل التّلميذ الآخر بعد أن انحنى ونظر، آمن. ” حينئذ دخل أيضاً التّلميذ الآخر الّذي جاء أولاً إلى القبر، ورأى فآمن، لأنّهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب: أنّه ينبغي أن يقوم من الأموات.” الآية التّالية لا تحدّد إشارة خارقة تؤدّي إلى الإيمان. كذلك الآيات السّابقة ( يوحنا 7،1:20). فما عرفه سمعان بطرس والتّلميذ الآخر من مريم المجدليّة أنّ السّيّد ليس في القبر. “وفي أوّل الأسبوع جاءت مريم المجدليّة إلى القبر باكراً، والظّلام باق. فنظرت الحجر مرفوعاً عن القبر. فركضت وجاءت إلى سمعان بطرس وإلى التّلميذ الآخر الّذي كان يسوع يحبّه، وقالت لهما: «أخذوا السيّد من القبر، ولسنا نعلم أين وضعوه!».” خرج بطرس والتّلميذ الآخر في الظّلام (والظّلام باق) ولعلّ هذه العبارة تشير إلى قلق التّلميذين واضطرابهما (لأنّهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب). لا شكّ أنّ التّلميذين يعرفان الكتاب من جهة المعرفة التّقليديّة، إلّا أنّ الظّلام امّحى وتبدّدت كلّ الشّكوك بعلامة من الرّبّ ليفهما الكتاب ويختبرا سرّ القيامة. ” انحنى فنظر الأكفان موضوعة، ولكنّه لم يدخل. ثم جاء سمعان بطرس يتبعه، ودخل القبر ونظر الأكفان موضوعة، والمنديل الّذي كان على رأسه ليس موضوعاً مع الأكفان، بل ملفوفاً في موضع وحده.” ( 7،5:20).
– ” قال لها يسوع: «يا امرأة، لماذا تبكين؟ من تطلبين؟» فظنّت تلك أنّه البستانيّ، فقالت له: «يا سيّد، إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته، وأنا آخذه». قال لها يسوع: «يا مريم» فالتفتت تلك وقالت له: «ربوني!» الّذي تفسيره: يا معلم.” ( يوحنا 16،15:20).
( يا مريم) عبارة صغيرة لكنّها أرسلت إلى قلب مريم شعاعاً قياميّاً جعلها تعاين المسيح القائم من الموت. في حين أنّها لم تعرفه من قبل لأنّها كانت تبكي. ” ولما قالت هذا التفتت إلى الوراء، فنظرت يسوع واقفاً، ولم تعلم أنّه يسوع.” ( 14:20). ناداها الربّ باسمها، ما يشير إلى معرفة السّيّد لشخصها كما معرفته لشخص كلّ واحد منّا. وما يؤكّد على أنّ قلب مريم أبصر القيامة كفعل حقيقيّ، وعاينت الرّبّ الشّخص. لذا اقتربت لتلمسه، ما ينفي الوهم والشّكّ والقلق لتتجلّى الحقيقة كاملة.
القيامة هي انتصار المسيح فينا، وغلبة الموت في عمق كياننا الإنساني. ما يعوزنا إلى اختبار هذا الانتصار باستمرار وتعميق العلاقة مع المسيح الحيّ، فتستحيل حياتنا حدثاً قياميّاً يحثّنا دوماً على الانطلاق والخروج إلى العالم لإعلان الحقيقة. ” جاءت مريم المجدليّة وأخبرت التّلاميذ أنّها رأت الرّب، وأنّه قال لها هذا.” ( 18:20).