حالة المعمّدين المطلّقين مدنيّاً تزوَّجوا مرّة ثانية وإمكانية منحهم المناولة الإفخارستيّة:
ما يُسمى ” الزواج المدني” هو ارتباط عقدي، تنظمه القوانين المدنيّة في كل ما يتعلق بانعقاده وانحلاله وموانعه ومفاعيله وغير ذلك، كسائر العقود ويستمد انظمته من الشريعة المدنية. فالعنصر الأساسي الذي لا مفرُّ منه للإنشاء الزواج المدني هو الرضى المصُّرح من كلا الزوجين أمام السلطة الشرعية المختصة في أن يتخذ احدهما الأخر زوج اوزوجة، مع القرار المصرّح من السلطة المدنية أن الزوجين قد اتحدا في عقد زواج . فالمقارنة البسيطة بين الزواج المسيحي بصفته سرّ من أسرار الكنيسة والعقود المدنية تظهر لنا مايأتي: في العقد المدني يمكن للمتعاقدين تنظيم علاقاتهما على الوجه الذي يريانه مناسبا شرط التقيد بالقوانين المرعيّة الإجراء وعدم مخالفتها للنظام العام، كما أن إرادة المتعاقدين التي تتجلى في الاتفاق تبقى السيدة في التنظيم والتعديل في حين ان العلاقة القانونيّة الناتجة عن سر الزواج هي من وضع ارادة الله، أي أنَّها مستمدة من الحق الطبيعي والحق الكنسي الذي هوامتداد للحق الطبيعي. كما أنَّ إرادة الزوجين لا تضع الشريعة بل تخضع لها بحيث انهما لا يستطيعان اجراء أي اتفاق مخالف لها وحيث تحديدها لمدة الزواج مثلاً: باعتبار ان ديمومته مستمدة من الحق الطبيعي[1]. فالزواج المدني هوزواج غير دائم، شأنه شأن جميع الارتباطات العقدية، يجوز لأي من عاقديه أن يتحلل من احكامه. ويتم انحلال الزواج بين المتزوجين زواجاً مدنياً في ضوء القانون المدني نفسه، والقضاء المدني هوالذي يفصل مثل هذه المنازعات ويحكم بها.أمّا عن موقف الكنيسة الكاثوليكيّة فقد جاء على لسان البابا بيوس التاسع الذي أعلن حق الكنيسة وسلطانها الحصري على نظام زواج المعمدين وقرّر أن كل زواج يعقد أمام السلطة المدنية ليس سوى حالة تسرّ مشينة ومخجلة تحرّمها الكنيسة (Acerbissimum1852): “لايمكن أن يحصل زواج، بين مؤمنين، لا يكون في الوقت عينه سراً. ولذلك كل اتحاد اخر عند المسيحيين، رجل وامرأة خارجاً عن الزواج، وإن عقد بقوة الشريعة المدنية، ليس سوى تسرًّ مخز ومسيء”[2] .
يرى مجمع التوبة المقدس 15 كانون الثاني 1866: “من النافل تذكير أيّ كان بأن كون الزواج واحداً من الأسرار السبعة التي أسسها المسيح الربّ هوعقيدة معروفة جداً في ديانتنا الجزيلة القداسة، وأن منحه بالتالي يخص فقط الكنيسة نفسها، التي أودعها المسيح ذاته توزيع اسراره الإلهيّة. ويرى كذلك من النافل تذكير أيّ كان بالصيغة التي رسمها المجمع التريدنتيني والتي بدون حفظها في الأمّاكن التي أصدرت فيها لا يمكن أن يعقد زواج صحيح. وعلى الرعاة، انطلاقاً من هذه المبادىء وهذه العقائد الكاثوليكيّة ومن غيرها، أن ينشئوا تعليمات عملية يقنعون بها كذلك المؤمنين بما أعلنه سيدنا الجزيل القداسة في المجمع السري، في 27 أيلول 1852. ويستطعون أن يستنتجوا من ذلك بسهولة أن الإجراء المدني لا يٌنكَر عليه فقط، أمام الله وكنيسته، ألاّ يكون سراً، بل لا يمكن أيضاً أن يٌعَدَّ عقداً، بأيّ وجه من الوجوه، كما أن السلطة المدنية لا تقدر على ربط مؤمن في الزواج، كذلك هي غير قادرة على حله. لذا…يكون أيّ حكم يصدر عن سلطة علمانية في شأن فصل الأزواج الذين ارتبطوا بزواج شرعيّ أمام الكنيسة غير ذي قيمة.
والزوج الذي يسيء استعمال هذا الحكم فيتجاسر على الاقتران بشخص اخر يكون في الحقيقة زانياً، كذلك يكون في الحقيقة متسرراً من يجرؤ على البقاء في الزواج بفعل إجراء مدني فحسب. وكلاهما لايستحقان الحلّ ما دأمّا لم يندما ولم يرتدا إلى التوبة خاضعين لفرائض الكنيسة”[3].يقول البابا القديس يوحنَّا بولس الثاني، فيما يخص قيمة الزواج المدني في الارشاد الرسولي إلى الأساقفة والكهنة ومؤمني الكنيسة الكاثوليكيّة جمعاء في وظائف العائلة المسيحية في عالم اليوم: “غالباً ما يتأتّى ان يفضّل كاثوليك عقدَ زواج مدني فقط، أو ارجاء الزواج الديني، إلى ما بعد، على الأقل، وذلك بدافع من أسباب عقائدية أو عملية. فلا يمكن إذن مساواة وضعهم بوضع من يتساكنون دون أي وثاق زواجي، ذلك لأن، لديهم على الأقل، قصداً في اتباع نمط حياة محدّد، مستقرّ، على الارجح، ولو بقي لديهم، على الغالب، مجال لطلاق محتمل. وبما أن الزوجين يطلبان من الدولة الاعتراف علناً بهذا الوثاق، فانهما يظهران استعدادهما للقبول، في وقت معاً، بما في هذا الزواج من فوائد والتزأمّات. لكن الكنيسة لا يمكنها أن تسلّم بهذا الوضع. فعلى العمل الرسولي، في هذه الحالة، أن يسعى إلى افهام الزوجين واجب التوفيق بين ما اختاراه من حياة ويعترفان به من ايمان، وأن يبذل ما في الطاقة ليعمل امثال هؤلاء الازواج على تصحيح وضعهم وفقاً للمبادىء المسيحية. وبرغم على ما يجب على الرعاة الكنيسة ان يعاملوهم به من محبة بالغة ويحثّوهم على الاشتراك في حياة جماعتهم الخاصة، فلا يجوز، وياللاسف، ان يسمحوا لهم باقتبال الأسرار”[4]. إنّ ما يستند إليه البابا يوحنا بولس الثاني في ارشاده الرسولي، فيما يخص سرّ الزواج، ينبع من إيمان الكنيسة الجامعة، التي لها موقف تقليدي يؤكّد أنّ الزواج المسيحي سرّ.روما, (زينيت)