ماهي نصائح القديس يوحنا الذهبي الفم للوالدين في تربية أولادهم؟
يتطلع القديس يوحنا الذهبى الفم إلى دور الآباء فى تربية أطفالهم أنه عمل مقدس، يمارسه الآباء لقدموا لله ذبائح شكر موضع سروره وبهجته. يؤكد أنه لا يطلب كل طفل الحياة الرهبانية أو أن يُعد لها، إنما يعلم الآباء أبناءهم أن “يكونوا وقورين (فى الرب) من شبابهم المبكر” ([876]). إذ يدعوه عملاً مقدساً، يجعل من الوالدين أن يقتربا إلى أطفالهما لا منذ ولادتهم بل وهم فى البطن كما إلى مقدسات إلهية، بروح التقوى، مسنودين بروح الله القدوس، ليقدموا لله ما يليق بهم. إنهم عطية الله، وكلاء عن هذه العطية الفائقة. يقول القديس يوحنا الذهبى الفم:
[أن يكون (للمؤمن) أطفال هذا يمس الطبيعة، أما تربيتهم وتعليمهم فى الفضائل فهو أمر يخص الفكر والإرادة]. [لا أعنى بالالتزام بالتنشئة هو ألا يُترك الأطفال يموتون جوعاً فحسب، كما يقف كثيرون عند هذا الحد بخصوص أطفالهم، فإن هذا تعلنه الطبيعة نفسها كما بصوت عالٍ، ولا يحتاج إلى كتب أو سنن لتعليمه. إنما ما أتكلم عنه هو الاهتمام بقلوب الأطفال والتقوى. هذا واجب مقدس، من ينتهكه يرتكب بصورة ما جريمة قتل للأطفال].
[هذا الالتزام يخص الآباء كما الأمهات أيضاً. يوجد آباء يضحون بكل شئ لكى يؤمنون لأطفالهم معلمين للتمتع بالملذات، ويجعلون منهم ورثة أغنياء. أما أن يصير الأولاد مسيحيين ويمارسون التقوى، فلا يبالون كثيراً بهذا. يا للعمى الذى يُحسب جريمة! إنه إهمال سخيف، مسئول عن الارتباك الذى يجعل المجتمع فى مرارة. لنفترض أنك تُعد لهم ممتلكات عظيمة. فإنهم إن كانوا يجهلون كيف يسلكون فى حياتهم، فحتماً لن تدوم هذه الممتلكات معهم. إنها ستتبدد، وتهلك مع أصحابها، ويصير ميراثاً غاية فى الخطورة!].
[سيكون أبناؤك فى غنى بما فيه الكفاية على الدوام، إن تقبلوا منك تنشئة صالحة، قادرة أن تدبر حياتهم الأخلاقية وسلوكهم. هكذا ليتك لا تجاهد لتجعلهم أغنياء، بل لتجعلهم أتقياء، سادة على أهوائهم، وأغنياء فى الفضائل. علمهم ألا يفكروا فى احتياجات مخادعة، فيحسبون أنهم يُكرمون حسب مستواهم الزمنى (العالمى المادى). راقب بلطف تصرفاتهم، ومعارفهم وأصدقاءهم، ولا تتوقع أية رحمة تحل من عند الله إن لم تتمم هذا الواجب].
ركز القديس يوحنا الذهبى الفم على النقاط التالية:
أولاً: لا تشغلنا ممتلكاتنا عن تربية أبنائنا. [إننا نهتم بممتلكاتنا من أجل أبنائنا، أما أبناؤنا أنفسهم فلا نبالى بهم قط! أية سخافة هى هذه؟! شكل نفس ابنك باستقامة، فينال كل ما تبقى بعد ذلك، فإنه متى كان بلا صلاح لا ينتفع شيئاً من الغنى، أما متى كان صالحاً فغنه لا يصيبه ضرراً من القفز].
ثانياً: لا نوبخهم كمنبوذين بل كأبناء. [ليتنا لا نمنعهم من عمل ما هو مقبول بل مما هو ضار، ولا نتهاون معهم كمنبوذين بل كأبناء ([877])]. [لا تغيظوا أولادكم كما يفعل الكثيرون بواسطة حرمانهم من الميراث، أو التبرؤ منهم، أو معاملتهم بتصلف كأنهم عبيد لا أحرار].
ثالثاً: تعليمهم حب الحكمة الحقيقية. [إن علمناهم من البداية حب الحكمة الحقيقية، ستكون لهم ثروة أعظم وأفضل مما يجلبه الغنى. إن تعلم طفل التجارة أو نال تعليماً عالياً فى مهنة مربحة للغاية، هذا كله يُحسب كلا شئ إن قورن بفن التخلى عن الغنى. إن أردت أن تجعل طفلك غنياً علمه هذا. أن يكون بالحقيقة غنياً فلا يشتهى الممتلكات العظيمة، ولا يحيط نفسه بالثروة، بل لا يطلب شيئاً!].
رابعاً: قدم له الأمور العظيمة لا التافهة. [لا تسأل كيف يمكنه أن يتمتع بعمر طويل هنا، بل كيف يتمتع بحياة ابدية لا نهائية فى الحياة العتيدة. لا تجاهد لتجعل منه خطيباً بارعاً… لست أقصد أن التعليم الزمنى بلا قيمة وأن نتجاهله، وإنما يلزمك الا نرتبك به فى مبالغة!].
خامساً: سلّمه فى يدىّ الرب! [لماذا ترفضون الاقتداء برجل نساء العهد القديم القديسين؟ أخبرونى، خاصة أنتن أيتها الأمهات، فلتفكرن فى حنة كمثال، أنظرن ماذا فعلت. لقد أحضرت ابنها الوحيد صموئيل إلى الهيكل حينما كان لا يزال طفلاً!… (1صم1: 28) أؤدعيه فى يدىّ ذاك القادر أن يجعله عظيماً. ومن هو هذا؟ الله!… لتخجلوا أيها الرجال أمام حكمة هذه المرأة].
سادساً: لتقتدوا بالآباء المهتمدين بأبنائهم. [لتقتدوا بأيوب الذى كان يهتم باستمرار بأبنائه، ويقدم ذبائح لأجل الرحمة عن أى فعل خاطئ ربما ارتكبوه خفية (أى1: 5). لتقتدوا بإبراهيم الذى لم يشغل نفسه بطلب الغنى مثل انشغاله بحفظ كل عضو فى بيته شريعة الله، فشهد الرب له. “لأنى عرفته لكى يوصى بنيه وبيته من بعده أن يحفظوا طريق الرب ليعملوا براً وعدلاً” (راجع تك18: 19)].
سابعاً: الاهتمام المبكر بتربية الطفل. يطالب الذهبى الفم شعب الله أن يبكروا فى تربية أطفالهم قدر المستطاع. فإن الطفل فى بدء حياته يكون أكثر استعداداً لقبول التوجيه ([878]). فإن تأخر الشخص فى بدء التربية يصعب تغيير شخصية الطفل وتوجيهها إلى ما هو أفضل ([879]).
[إن كان الرسول يأمرنا أن نهتم بالآخرين أكثر من اهتمامنا بأنفسنا، وإن كنا نحسب مخطئين متى أهملنا ما هو لنفعهم، ألسنا بالأكثر نكون مخطئين إن كان هذا يخص من هم قريبين منا؟ سيقول لنا الرب: “ألست أنا الذى أعطيت لهؤلاء الأطفال مكاناً فى عائلتكم؟ ألست أنا الذى عهدت بهم لرعايتكم، وجعلتكم سادة وحراساً وقضاة عليهم؟ لقد أعطيتكم سلطاناً كاملاً عليهم. سلمتهم بالكامل لأيديكم من أجل تنشئتهم. ستخبروننى أنهم لم يريدوا أن يحنوا رقابهم للنير، وأنهم طرحوه عنهم. لكن هذا كان يُمكن تجنبه من البداية ذاتها. كان يليق بكم أن تحنوا نفوسهم الصغيرة تحت نير الالتزام، وتعودوهم على ذلك، وتعلموهم هذا، وتضمدون الجرح فى بداية انفتاحه. كان يليق بكم أن تقتلعوا الزوان عندما بدأ يظهر حول النبات، وما كان يليق بكم أن تنتظروا حتى تتعمق جذوره، فصار لا يمكن ضبط الأهواء وترويضها بتقويتهم تدريجياً خلال تكوينهم ونموهم].
[الأبناء الخاضعون والمخلصون لله فى طاعتهم لشريعته يجدون مصدر فيض للسعادة حتى فى هذه الحياة الزمنية. الرجل الفقير مع أخلاقيات مسيحية يوحى للآخرين بتقديم الوقار له والحب. بينما من كان له قلب شرير منحرف، لن يُنقذك كل غناك من غضب كل أحد حولك وبغضه لك].
[الشاب الذى تهبه نشأة صالحة ليس فقط يتمتع بتقدير عام، وإنما سيصير عزيزاً جداً لك أنت أيضاً. سيكون التصاقك به ليس عن انجذاب طبيعى مجرد، وإنما لثمرة فضائله. لهذا فإنك فى شيخوختك تتقبل منه ثمرة خدمات محبته البنوية. سيكون عوناً لك. وكما أن الذين لا يوقرون الرب يستخفون بوالديهم، فإن الذين يوقرون الله، أب كل البشر، سيقدمون كل أحترام للذين أعطوهم الحياة].
No Result
View All Result