دعوا الوحوش تفترسني فقد داهمتني آلام مخاض الحب
القديس اغناطيوس الانطاكي
أتوق أن أسلم عليكم في قيود لأجل المسيح يسوع، ان كانت مشيئته نحوي أن أحسب مستحقاً لبلوغ القصد، لأن البداية كانت يسيرة لعلي أنال نعمة لألقي مصيري [01] دون تدخل، فانني أخشي محبتكم التي قد تسئ اليّ [02]، لأنه ما أيسر أن تحققوا ما تريدونه، لكن من العسير عليّ أن أصل الي الله ان لم توفروا لي هذا.ـ
لا أريدكم أن ترضوا الناس، بل أن ترضوا الله، مثلما تفعلون حقاً، لأنني لن أنعم مرة أخري بمثل هذه الفرصة لأصل الي الله، ولا أنتم بقادرين علي انجاز عمل أعظم ما لم تسكتوا وتتركوني، لانكم ان بقيتم صامتين وتركتموني وشأني أصير كلمة الله، لكن ان أحببتم جسدي فانني أصير مجرد صوت، لا تقدموا لي سوي أن أنسكب صعيدة لله والمذبح لا يزال قائماً، حتي في محبة تصيرون جوقة ترنمون للآب في يسوع المسيح. لأن الله قضي أن يُحسب الأسقف من سوريا [03] مستحقاُ أن يكون في الغرب [04] وقد جمعه من الشرق [05]. جيد أن أغرب عن العالم حتي أشرق عند الله [06] …ـ
فقط تضرعوا أن تتوفر لي قوة خارجياً وداخلياً حتي لا أتكلم فقط بل أن أرغب أن أعمل ما أقوله حتي لا أدعي فقط مسيحياً بل أبرهن فعلاً اني كذلك، لأنني ان أثبت أنني مسيحي، يمكن لي أن أدعَي أيضاً مسيحياً، وحينئذ أصير أميناً حين لا أصبح بعد منظوراً في العالم … ان عملي ليس مجرد بلاغة مقنعة، فالمسيحية بالأحري هي الأعظم حين تكون مكروهة من العالم.ـ
أنني وبارادتي الحرة الذاتية أموت من أجل الله ما لم تعيقوني أنتم [02] وأتوسل اليكم لا تشفقوا عليّ بلا لزوم، دعوني أصير طعاماً للوحوش المفترسة، بهذا يمكنني أن أصل الي الله، أنا حنطة [07] الله، تطحنني أسنان الوحوش الضارية لأثبت أنني خبز نقي، وأفَضِّل أن تهيجوا عليّ الوحوش المفترسة ليصيروا لي قبراً، فلا يتبقي من جسدي شئ، حتي لا أثقل علي أحد بعد رقادي. وحينئذ أصير تلميذاً حقيقياً ليسوع المسيح، حين لا يري العالم جسدي بعد. صلوا الي الرب عني، حتي أبرهن بهذه الأدوات أن أصير ذبيحة لله … اذ أتألم سأكون حراً من أحرار يسوع المسيح وسوف أقوم حراً فيه … كأسير أتعلم ألا اشتهي شئ.ـ
لا أطراف الأرض ولا ممالك هذا الدهر تنفعني. خير لي أن أموت ليسوع المسيح عن أن أحكم أطراف الأرض، اياه أطلب، من مات عنا، اليه أتوق من قام لاجلنا، داهمتني آلام المخاض، احتملوا معي، أخوتي وأخواتي: لا تمنعوني عن الحياة [08] لا تشتهوا موتي [09] لا تقدموا للعالم من يريد أن يكون من خاصة الله أو تغوونه بالماديات، دعوني أستقبل النور الصافي، لأنني حيث أصل هناك أصير انساناً, دعوني أتمثل بألم الهي. ان كان منكم من يمتلكه [10] في داخله ليدرك هذا الشخص ما أصبو اليه، ويتعاطف معي عالماً ما يمكن أن يعوقني.ـ
يريد رئيس هذا العالم أن يأسرني ويفسد نواياي التقية، لذا يجب ألا يساعده أحد من الحاضرين، بل عوضاً عن ذلك قفوا الي جانبي، اي الي جانب الله، لا تتحدثوا عن يسوع المسيح بينما تشتهون العالم، لا تسمحوا أن يسود الحسد بينكم، وحتي عند وصولي وان توسلت أنا نفسي اليكم لا تنساقوا وراء كلماتي، بل صدقوا عوضاً عن ذلك الأمور التي أكتب اليكم عنها، فانني رغم اني لا أزال حياً، فانني في حال الحب والاشتهاء للموت بينما أكتب اليكم، لقد صلب حبي الشهواني وما عاد في داخلي أي نار لاشتهاء الماديات، بل يتكلم في باطني الماء الحي قائلاً: “تعال الي الآب” لم أعد أتلذذ بطعام فاسد أو بلذة هذه الحياة، أريد خبز الله الذي هو جسد المسيح من نسل داود، والشراب الذي أريده هو دمه، الذي هو المحبة عديمة الفساد.ـ
ما عدت أريد الحياة بحسب معايير البشر، سيكون هذا هو حالي، لو رغبتم في ذلك فارغبوا حتي يرغب الله فيكم ! بهذه العبارات القصيرة أطلب منكم هذا فصدقوني ! … صلوا لأجلي لأبلغ الهدف، اكتب اليكم لا حسب منظور بشري، بل بحسب فكر الله. فان كنت أتألم فلأنكم أردتم ذلك، وان تم رفضي [11] تكونون كمن يكرهني.ـ
وداعاً حتي نلتقي أخيراً، في طول أناتنا، بيسوع المسيح !ـ