اقتد بالمسيح وحِبّ من يعاديك
القديس يوحنا ذهبي الفم
أرجو يا أحبائي أن نقتدي به، نعم نقتدي بالرب، ولنصلِ من أجل الأعداء. وإن كنت قد نصحتكم بفعل هذا الأمر بالأمس، إلاّ إني أكرر النصح الآن، فطالما أنك عرفت مقدار عظمة هذه الفضيلة، اقتدِ بسيدك إذن لأنه وهو مصلوب صلى من أجل صالبيه.
قد تتساءل: كيف يمكنني الاقتداء بالمسيح؟ أعلم أنك تستطيع ذلك إذ أردت ، فلو لم يكن بإمكانك أن تقتدي به لما قال ” تعلموا منى لأني وديع ومتواضع القلب” (مت29:11). وإن لم يكن في مقدور الإنسان أن يقتدي به، لما قال بولس الرسول ” تمثلوا بي كما أنا أيضًا بالمسيح” (1كو 29:11). وإن لم ترد أن تقتدي بالسيد ، اقتد بخادمه وأعنى استفانوس، الذي كان أول من استشهد، لقد اقتدى بالمسيح. إن الرب وهو مصلوب بين اللصين، قد تشفع إلى الآب من أجل صالبيه، هكذا أستفانوس خادمه الذي كان وسط الراجمين والحجارة تنهال عليه من الجميع فإنه احتمل الرجم ولم يبال بالأوجاع الناجمة عنه وقال “يارب لا تقم لهم هذه الخطية” (أع59:7).
أرأيت كيف يتكلم الابن؟ أرأيت كيف يصلى الخادم؟ قال الابن ” يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون” وقال خادمه استفانوس ” يارب لا تقم لهم هذه الخطية”. وأعلم أيضًا أنه لم يصلِّ وهو واقف، بل ركع على ركبتيه وصلى بحرارة وخشوع كثير.
أتريد أن أريك إنسانًا آخر صلى صلاة عظيمة من أجل أعدائه؟ أسمع بولس المُطوب يقول ” من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلدة إلا واحدة، ثلاث مرات ضربت بالعصي، مرة رجمت، ثلاث مرات انكسرت بي السفينة، ليلا ونهارًا قضيت في العمق” (2كو24:11ـ25). ومع هذا قال ” فإني كنت أود لو أكون أنا نفسي محرومًا من المسيح لأجل إخوتي أنسبائي حسب الجسد” (رو3:9).
أتريد أن أريك أيضًا آخرين من العهد القديم لا من العهد الجديد، يفعلون نفس الأمر؟ ويستحقون كل تقدير إذا أن وصية محبة الأعداء لم تكن قد أُعطيت لهم بعد بل كانت عندهم وصية العين بالعين والسن بالسن، ومجازاة الشر بالشر، ولكنهم بلغوا قامة مسلك الرسل، فأسمع ما قاله موسى عندما كان اليهود مزمعين أن يرجموه ” والآن إن غفرت خطيتهم وإلاّ فأمحني من كتابك الذي كتبت” (خر32:32).
أرأيت كيف أن كل واحد من هؤلاء الأبرار كان مهتم بخلاص الآخرين قبل خلاصه؟! ولنسأل أي واحد منهم، إن كنت لم تخطئ، فلماذا تريد أن تشترك معهم في القصاص؟ وسوف تكون إجابته ” لا أشعر مطلقًا بالسعادة عندما يتألم الآخرون”.
وستجد آخرين فعلوا هكذا؟ وأنا أسوق هذه الأمثلة لكى نُصلح من أنفسنا ولكى نستأصل هذا المرض الخبيث والذي هو بغضة الأعداء، من داخلنا.
فالسيد المسيح يقول ” يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون”، ويقول أستفانوس ” يارب لا تقم لهم هذه الخطية”، ويقول بولس الرسول ” كنت أود لو أكون أنا نفسي محرومًا من المسيح لأجل أخوتي أنسبائي حسب الجسد”، ويقول موسى ” والآن إن غفرت خطيتهم وإلاّ فأمحني من كتابك الذي كتبت”.
فقل لي، أي غفران سننال نحن إذا كان السيد وخدامه في العهدين القديم والجديد، كلهم يحثوننا على الصلاة من أجل الأعداء، بينما نحن نفعل العكس ونصلى ضدهم؟ إن ما أرجوه هو ألاّ تهملوا هذا لأنه بمقدار ما تزداد النماذج التي يجب أن نقتدي بهم، بقدر ذلك يزداد عذابنا إن نحن لم نتمثل بهم.
الصلاة من أجل الأعداء مرحلة أسمى من الصلاة من أجل الأحباء. لأن الثانية لا تكلفنا مثل الأولى: ” فإن أحببتم الذين يحبونكم فأي فضل لكم؟” إذا صلينا من أجل الأحباء فلن نكون أفضل من الأمم والعشارين. أما إذا أحببنا الأعداء فإننا نصبح متشبهين بالله بقدر ما تسمح به طبيعتنا البشرية فإن الله ” يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين” (مت45:5).
فطالما لدينا أمثلة مما فعله المسيح وأيضًا خدامه، فلنتشبه بهم، ولنقتنى هذه الفضيلة، لنكون أهلاً لملكوت السموات، مستعدين دائمًا لنقترب بدالة أكثر وبضمير نقى تمامًا إلى المائدة المهيبة، ولنتمتع بما وعدنا به الرب من خيرات بنعمة ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح ومحبته للبشر، الذي له المجد والعزة مع الآب والروح القدس. الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور. آمين.
No Result
View All Result