الدلائل الكتابية و الآبائية لتقليد تغطية الرأس خلال العبادة ، ولماذا هو مهم ؟
جرى التقليد منذ ألفي عام في الكنيسة الأرثوذكسية أن تغطّي النساء والفتيات رأسهن خلال العبادة إن كانت في الكنيسة عند الخدم الليتورجية أو في البيت عند وقت صلاة العائلة .ماهي الدلائل الكتابية و الآبائية لهذا التقليد ، ولماذا هو مهم ؟سوف ننظر في هذا المقال لغطاء الرأس في العهدين القديم والجديد. بحسب الكنيسة الأولى ، في الأيقونات وفي أيامنا هذه.
غطاء الرأس في العهد القديم:
خلال قرون قبل ولادة المسيح، كان غطاء الرأس عند النساء مقبولة لشعب الله. لم يكن مجرّد خيار للواتي تُردْن أن تكنّ قديسات. لكنه كان أمراً واقعياً أن تغطي النساء رأسهن.
عندما أوحى الله لموسى أن يدوّن الكتب المقدسة الخمس الأولى، كان غطاء الرأس يُعتبر ممارسة طبيعية . في سفر العدد، يُحدّد الكتاب احتفالاً وحيداً يتم خلاله نزع غطاء الرأس :
” و يوقف الكاهن المرأة أمام الرب و يكشف رأس المرأة و يجعل في يديها تقدمة التذكار”. (عدد 5: 18) بالتأكيد لا معنى لهذا الأمر إن لم تكن العادة أن تغطي النساء رأسهن .
حتى قبل هذا، نقرأ في سفر التكوين عن رفقا خلال رحلة قامت بها للقاء زوجها المستقبلي اسحق :
” و رفعت رفقة عينيها فرأت اسحق فنزلت عن الجمل ، و قالت للعبد من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائنا فقال العبد: هو سيدي فأخذت البرقع و تغطّت”. ( تكوين 24: 64_ 65 ).
اجتهادها الإلهي هو امثولة لنساء اليوم. لم تتفاخر بجمالها الجسدي. بل سترت ذاتها، وازدادت جمالاً من خلال إظهار تواضعها .
يمكن إيجاد غطاء الرأس عند النساء في قصّة سوسنّة. إنها القصة العجيبة لامرأة جميلة وفاضلة قد اتُّهِمت زوراً ومن ثم ظهرت براءتها بواسطة دانيال الكلي الحكمة. كانت سوسنة تلبس ستراً يغطي رأسها ووجهها أيضاً . يستنكر الكتاب المقدس نزعها السِّتر:
” وكانت سوسنة ترفة جداً وجميلة المنظر ، فأمر هذان الفاجران أن يكشف وجهها وكانت مبرقعة ليشبعا من جمالها ، وكان أهلها وجميع الذين يعرفونها يبكون” . ( دانيال 13: 31 _ 33 )
يظهر في هذا النص الكتابي أن الفاضلين يقبلون بستر المرأة و غطاء رأسها، بينما يسعى الأشرار لنزعه.
غطاء الرأس في العهد الجديد :
إن غطاء الرأس هو واحد بين عدة نقاط التشابه بين إسرائيل والكنيسة . لقد كانت النساء التقيّات تغطي رأسهن قبل أن يأتي المسيح بآلاف السنين. واستمرت النساء التقيّات في هذه الممارسة عندما وُلدت كنيسة العهد الجديد.
يعلّم القديس بولس الرسول في رسالته إلى أهل كورنثوس أن يتبع الجميع التقاليد المقدسة التي استلموها :
” فامدحكم أيها الأخوة على أنكم تذكرونني في كل شيء و تحفظون التعاليم كما سلّمتها إليكم “. ( 1 كورنثوس 11: 2).
إن غطاء الرأس عند النساء هو واحد من التقاليد المقدّسة التي تسلّمتها الكنيسة، ويتحدث القديس بولس عنها في الآيات التالية. يقول أن غطاء الرأس يمثّل الإكرام في سياق العبادة:
” كل رجل يصلّي أو يتنبأ و له على رأسه شيء يشين رأسه، و أما كل امرأة تصلّي أو تتنبأ و رأسها غير مغطّى فتشين رأسها لأنها و المحلوقة شيء واحد بعينه”. ( 1 كورنثوس 11: 4_ 5).
النص واضح هنا : إنه لشرف للمرأة أن تغطّي رأسها خلال العبادة، لكن من المُعيب أن يغطي الرجل رأسه . لأجل ذلك ينزع الرجال قبّعاتهم خلال الصلاة ، حتى في أيامنا هذه.
لا يكتفي القديس بولس بهذه النقطة ، فهو يكرّرها بعد بضع آيات. يجب أن تغطّي النساء رأسهنّ ويكشف الرجال رأسهم:
” فإنّ الرجل لا ينبغي أن يغطّي رأسه لكونه صورة الله و مجده و أمّا المراة فهي مجد الرجل” .( 1كورنثوس 11: 7)
” لهذا ينبغي للمرأة أن يكون لها سلطان على رأسها من أجل الملائكة “. ( 1كورنثوس 11: 10 )
يُظهر العهد القديم أن هذا التقليد قديم لكنّه يلمّح على مبرراته. يعطينا العهد الجديد هنا المبرّرات لهذه الممارسة. فبحسب 1كور 11،يمثّل غطاء الرأس شرف وكرامة المرأة ، وهو مهم أيضاً “من أجل الملائكة”. فالملائكة حاضرون معنا عندما نصلّي وفي العبادة. يمكن لنا ألا نفهم تماماً أهمية غطاء الرأس بالنسبة للملائكة، لكن يكفي أن هذا السبب موجود في الكتاب المقدس . فإن كان الكتاب كلّه يشير إلى أن غطاء الرأس مهم من أجل الملائكة، فعلينا إذاً أن نأخذ هذا الأمر على محمل الجد.
غطاء الرأس بحسب آباء الكنيسة الأولى :
يتكلم القديس يوحنا الذهبي الفم في عظة بمناسبة عيد الصعود عن الملائكة وعن غطاء الرأس عند النساء قائلاً :
” الملائكة موجودون هنا … فافتحوا أعين الإيمان وشاهدوا هذا المنظر. فإن كان الهواء الطلق مملوءاً بالملائكة، فكيف تكون حال الكنيسة!؟ … اسمعوا ما يُعلّم الرسول عندما يشترط أن تغطّي النساء رأسهن بسبب وجود الملائكة”.
قال أوريجنس وهو معلم لامع في الكنيسة الأولى :
” هناك ملائكة موجودون في ما بيننا… يوجد هنا مجموعتين من الكنيسة: الأولى مكونة من الناس والأخرى من الملائكة… وبما أن الملائكة حاضرون… يجب على النساء تغطية رأسهن خلال الصلاة بسبب هؤلاء الملائكة. إنهم يؤازرون القديسين ويفرحون في الكنيسة”.
لقد كُتبت مجموعة التقليد الرسولي في القرن الثاني، ويُعتقد أن كاتبها هو القديس إيبوليتوس الرومي. يحتوي هذا الكتاب على تعليمات للموعوظين ، يرد فيها مايلي:
” ولتغطي جميع النساء رأسهن بقماش غير شفّاف “
وكتب القديس كيرلّس الاسكندري تعليقاً على الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس :
“يصعُب جدّاً على الملائكة تحمّل هذه الحال إذا ماتمّ الازدراء بواجب غطاء الرأس عند النساء “.
غطاء الرأس في الأيقونات:
الأيقونات في الكنيسة الأرثوذكسية هي دليل بصري للإيمان، إنها نوع من “كتاب مصوَّر “للمسيحية. تعلّمنا الأيقونات عن حياة وموت وقيامة المسيح، وعن حياة العديد من المسيحيين الذين عاشوا قبلنا.
تعلّمنا الأيقونات أيضاً عن غطاء الرأس .
جميع الأيقونات تظهر بوضوح المرأة مع غطاء على رأسها. بحسب معلوماتي، القديسة مريم المصرية هي الاستثناء الوحيد لأنها عاشت متوحّدة في الصحراء بعيداً عن جميع الناس .
جميع القديسات اللواتي عشن في المجتمع قد لبسن غطاء الرأس كما يظهر في الأيقونات.
حتى مريم والدة الإله، المرأة الفائقة البركات في الكون أجمع تظهر في الأيقونات لابسة غطاء الرأس.
هل يأتي على بالكم أمثولة أعظم من هذه؟
غطاء الرأس اليوم:
جميع النساء والفتيات مدعوات لتغطية رأسهن في كنيستنا، طاعة لوصية الله في الكتاب المقدس، واحتراماً لتقليد الكنيسة المقدّس. لدينا على مدخل الكنيسة سلّة تحتوي على أغطية للرأس . يُغطّى الرأس أيضاً في البيت خلال صلاة العائلة .
فيما تكريم الله هو مكافأة للنفس ، هناك فوائد أخرى كثيرة لغطاء الرأس . على سبيل المثال:
غطاء الرأس يظهر كرامة المرأة . كما يشير القديس بولس في الكتاب المقدس ، المرأة تُكرّم ذاتها عندما تغطّي رأسها خلال الصلاة.
غطاء الرأس هو حافز للتواضع . النساء التّقيّات يأتين إلى الكنيسة من أجل العبادة فقط ، وليس من أجل لفت انتباه الآخرين. يمكن للفتاة أن تقع في تجربة التفاخر بتسريحة شعرها . لكن هذه التجربة غير موجودة عندما تغطّي رأسها . يمكنها التركيز على الصلاة عوضاً عن شعرها.
غطاء الرأس يوفّر الوقت . في ثقافة اليوم يمكن أن يقع الشخص في تجربة استنفاد وقت طويل في تسريحة الشعر. لكن غطاء الرأس هو سهل وسريع . وضع غطاء الرأس يحتاج لوقت أقصر بكثير من تسريحة شعر مزيّنة للاستعراض.
يساعدنا غطاء الرأس على إظهار المحبة لإخوتنا . يأتي الشباب الأتقياء إلى الكنيسة من أجل العبادة لكن ضفائر المرأة الجميلة المزيّنة يمكن أن تشتّت الذهن . فالمرأة تظهر تواضعها من خلال غطاء رأسها وتزيل أي مجال للتشتت.
لقد نشرت مجلة لاهوتية إنكليكانية مؤخراً مقالاً عن غطاء الرأس عند النساء .وسرعان ما اهتدت كاتبة المقال إلى الكنيسة الأرثوذكسية . تُبيّن الكاتبة بشكل بارع الهدف الأبرز لغطاء الرأس :
“إن لباسي لغطاء الرأس ليس فقط إشارة بأنني أتفق وأعمل بأمر الرب ، بل أنني أخضع له ، بشكل منظور ، بإرادتي. بالخضوع والطاعة تأتي البركة”. (كريستا كونراد)
في عدد من مجلة ” أمة الله” (handmaiden ) ، تعطي سيدة اسمها إليزابيت شهادتها في غطاء الرأس :
لقد لبستُ ستراً (غطاء الرأس) دوماً. أرى الآن أنه كان – ومازال – ضرورياً في سبيل ومسيرة خلاص نفسي . الأمر الأهم بالنسبة لي – وعدد متزايد من إخواتي – يبقى الطاعة. وبالطاعة يأتي التمييز أنني في المكان الحق في عالم الله الذي صنعه بترتيب ونظام، مُبتهِجة مع الملائكة. أقول الآن بكل امتنان ” ها أنا! ” بحضور الإله العظيم المدعو ” أنا هو ” ، في الصلاة وفي الكنيسة ، محفوفة بالمراتب الملائكية ، في عبادة ربّنا وملكنا ، الله، الآب والابن والروح القدس ، له المجد، الآن وكل أوان وإلى دهر الداهرين ، آمين! ” .