*عيد مريم أم الكنيسة*
يُحتفل به في الاثنين التالي لعيد العنصرة
أعلن مجمع العبادة الإلهية وانضباط الأسرار في روما عن يوم للاحتفال بعيد مريم أم الكنيسة يوم الاثنين بعد عيد العنصرة، إذ تم إدراجه في التقويم الروماني وسيتم الاحتفال به كل عام ابتداء من هذا العام.
أشار رئيس المجمع الكاردينال روبرت ساره أن هذا البيان، الذي أصدره قداسة البابا فرنسيس في ١١ آذار ٢٠١٨، يعزز التعبّد المريمي تحت لقب “مريم أمّ الكنيسة” لتشجيع إنماء الإحساس بأمومة مريم الروحية. ويضيف البيان أن هذا العيد يحظى بأولوية الاحتفال في حال مصادفته لعيد أحد القديسين أو المكرسين.
تاريخ هذا العيد
1-لقد دُعيت مريم “أمّ الكنيسة” أوّلًا من القديس أمبروسيوس، ولاحقًا من الباباوين بنديكتوس الرابع عشر ولاون الثالث عشر، وغيرهم…
وأعلن قداسة البابا بولس السادس هذا اللّقب في ختام المجمع الفاتيكاني الثاني في 21 تشرين الثاني 1964 كمفاجأة، قائلًا:
“من أجل مجد العذراء ومن أجل تعزيتنا، نُعلن مريم الكليّة القداسة “أمّ الكنيسة”، أي أمًّا لكلّ شعب الله، مؤمنين ورعاة، الّذي يدعونها “الأمّ الأكثر حبًا”. ونودّ أن تُكرَّم العذراء وأن يدعوها جميع المسيحيّين بهذا اللّقب العذب.
وهو ليس بلقبٍ جديد على تقوى المسيحيّين (…) فكما أنّ الأمومة الإلهيّة هي أساس علاقة مريم الخاصّة بالمسيح وعلاقتها في تدبير الخلاص الذي يحقّقه يسوع المسيح، كذلك هذه الأمومة تشكّل أيضًا الأساس الرّئيسي لدور مريم بالكنيسة ، كونها أمّها التي، منذ اللّحظة الأولى لتجسّده في حشاها العُذريّ ، اتّحدَت به، كرأسٍ لجسده السّريّ الذي هو الكنيسة…”
المسيح هو رأس الكنيسة، وَهُوَ مُخَلِّصُ الْجَسَدِ.” (أف 5: 23). “هكَذَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ(…)” (رو 12: 5)
2- لقد فاجأ البابا بولس السادس الجميع بهذا الإعلان، ولم يَسأل أحدًا من الأساقفة والكرادلة المجتمعين في المجمع الفاتيكاني الثاني. وهذا حقٌّ لرأس الكنيسة، كونه لا يتناقض مع الإيمان الموروث والمجامع كافّةً (…)
وجاء كضربة موجِعة لأصحاب التعليم اللّيبراليّ (المُجدِّدون في الكنيسة)، الّذين انبثّوا داخل المجمع لتغيير وجه الكنيسة وتجديد تعاليمها الإلهيّة الثّابتة، والذين استطاعوا -للأسف الجديد- إدخال بعض البنود التعليميّة الضبابيّة والمُتناقِضة، علمًا بأنّ المجمع ليس عقائديًّا بل راعويًّا، لتدبير شؤون الكنيسة وليس لإصدار تعاليم أو عقائد جديدة، بل فقط التّشديد على التعاليم الثابتة كما أعلن البابا بولس السّادس: ” إنّ ما علّمته الكنيسة خلال العصور، هو تمامًا ما نُعلّمه نحن أيضًا في المجمع”
فوسط التّعاليم الجميلة والسّامية في المجمع عن دور العذراء (منها لقلب شريكة الفداء بند 56) ورغم التّشديد على أهميّة إكرامها والازدياد بالممارسات التّقويّة لها، نقرأ على مثال ذلك هذه الكلمات الضبابيّة والّتي يستشهد بها (دون سواها) الإكليروس المُتحرّر، ويحرّفونها أكثر، من أجل التّخفيف من إكرام العذراء وإلغائه في بعض الظّروف، كما يحصل اليوم من قِبل بعض الإكليروس، الذين لا يستشهدون إلّا بهذه الكلمات، ويُسمّون إكرام العذراء التّقويّ: “تديّنًا طبيعيًّأ، تقوى عجزة، إهانةً للمسيح، سذاجةً عقليّة، إيمانًا سطحيًّا ومزيّفًا، عبادة العذراء مكان الله، تزمّتًا وجهلًا، مصدر شكوك للآخرين، إيمانًا فرّيسيًّا،إلخ…”
ويمنعون المؤمنين من التبرّك من تماثيل العذراء وأيقوناتها والسّجود أمامها، وحَمل المسبحة الورديّة ولبس ثوب الكرمل، إلخ… كما يحاول اللّاهوتّيون اللّيبراليّون محاولةَ وصفِ إيمان البروتستانت (المحروم كنسيًّا) على أنّه صحيح، وبأنّهم إخوةً لنا، على العِلم بأنّ كلمة “الإخوة المُنشقّون” الواردة تعني الأرثودوكس وليس البروتستانت إطلاقًا:
” يُحرّضُ المجمع بإلحاحٍ اللّاهوتيِّين والمبشّرين أن يمتنعوا بحرصٍ عن كلِّ مغالاةٍ مضادّةٍ للحقيقة، وعن تزمّت غير مبرَّر، عندما يتكلّمون على كرامةِ أمّ الله الفريدة (…) وليَحرصوا كلَّ الحرص، على أن يُبعدوا في كلامهم وأعمالهم، كلَّ ما من شأنه أن يقودَ إلى الضّلال، في تعليم الكنيسة الحقّ، إخوتنا المنشقّين أو أي شخص آخر. وليذكُر المؤمنون أنّ التكريم الصّحيح الحقيقيّ لا يقوم البتّة على حركة من العاطفة عقيمة عابرة، ولا على السّذاجة الباطلة، فالتّكريم الصّحيح ينبثق من الإيمان الحقّ الذي يحملنا على الاعتراف بكرامة أمّ الله السّامية…” (بند 67)
2- أدخل قداسة البابا فرنسيس هذا العيد في التقويم العالمي للكنيسة الكاثوليكية في مرسوم في ١١ آذار ٢٠١٨، بمناسبة مرور ١٦٠ عاماً على ظهورات السيدة العذراء في مدينة لورد الفرنسية.
وأعطى قداسة البابا بولس السادس اسم “مريم أم الكنيسة” لمريم العذراء خلال المجلس الفاتيكان الثاني، بحسب الفصل السابع من الدستور العقائدي في الكنيسة “نور الأمم“.
نتأمل في يوم العنصرة، وهو من أهم الأعياد في الكنيسة. نذكر في هذا العيد حلول الروح القدس على التلاميذ ومريم وهم في العلية، حيث منحهم موهبة التكلّم بلغات غير لغاتهم، والتبشير بيسوع المخلص الفادي. في هذه الأيام الأولى لولادة الكنيسة، نجد مريم مع الرسل لتواصل رسالتها بينهم. في العليّة، نرى مريم مع الرسل، تصلي معهم وتنتظر حلول الروح القدس، الذي وعد به يسوع، والذي سيبقى معنا ليقودنا في حياتنا ورسالتنا على الأرض. فالروح القدس الذي وهبه لنا يسوع سيبقى معنا حتى النهاية.
مريم حاضرة منذ اليوم الأول لنشأة الكنيسة. وهي ترافقها طيلة التاريخ لتظل أمينة على كلام يسوع، إذ عرفت كيف تحفظه وتتأمل فيه. ومريم هي مصدر رجاء للمسيحيين على الأرض، بينما ينتظرون الحياة الأبدية: “صلّي لأجلنا نحن الخطأة، الآن وفي ساعة موتنا”. تواصل مريم المنتقلة إلى السماء رعاية الكنيسة والمحافظة عليها. لذلك نكرمها ونعظمها وننظر إليها كمثال يقربنا من يسوع، لنتشبه به ونصبح من تلاميذه الحقيقيين على هذه الأرض، فنتغلب على الأمور التي تبعدنا عن الله وتمنعنا من القيام برسالتنا. فهي اليوم أم الكنيسة وأمنا نحن الجماعة الحية الموجودة في الكنيسة. مريم هي أم الرجاء وأم الكنيسة وأم أبناء الكنيسة.
صلاة
يا مريم العذراء يا حنونة، تشفعي لنا يا والدة الإله، صلي لأجلنا يا أم فادي الكون، كوني معنا في شدائدنا يا أم ملك الملوك، لا تتركينا، احمي ارواحنا وقلوبنا وأعمالنا وأفكارنا وأولادنا وعائلاتنا من كل شر، أبقينا تحت جناحيك، نوّري عقولنا ونقي قلوبنا، يا أم يسوع الهنا ومخلصنا، ارأفي بنا، كوني معنا في حياتنا ومماتنا.
أيها الآب الإلهي، يا من علمتنا أن المحبة تبدأ من أرحام الأمهات، حين أتيت إلى العالم من رحم سيدتنا مريم، امنحنا أيها الآب الحبيب قلوبًا محُبة، فبشفاعة أمنا البتول ومحبتك، وبقدر ذات الحب، أتضرع إليك أن تضع عائلتي تحت عينيك الساهرتين، وأن تنير دربها وتعطيها العقل المدرك والقلب الرحيم، وفوق كل شيء مخافتك. يا أمنا مريم، اجعلي جراحات وحيدك تنطبع في قلوب أفراد عائلتي، ليبقوا مخلصين للحب الأبدي. آمين.