الأمراض معونة للإنسان
لكي يذهب أحد إلى الفردوس العذب، ينبغي هنا (أي في هذه الحياة) أن يتذوّق الكثير من المرارة، وأن يكون في يده جواز سفر خاص بالتجارب (أي أن يكون قد مُحّص في حياته).
ماذا يحصل في المستشفيات؟ كم من المصائب! وكم من الأوجاع يعاني الناس! كم من الأمّهات المسكينات أُصبن بنوبة وجع معيّن فتقلق أفكار أولادهن ويضطرب كل أفراد عائلاتهن! كم من أرباب العائلات المصابين بمرض السرطان يخضعون لعلاج شعاعي، وكم من العذاب والألم يعانون! لا يقوون على العمل، يتكلّفون مبالغ باهظة لإجراء علاجهم وينبغي أن يسددوا فواتيرهم.
وإذا كان الذين يتمتعون بصحة جيدة، ويشتغلون ليلاً ونهاراً، لا يستطيعون تغطية تكاليف المستشفيات، فكم بالأحرى الذين أُعدموا صحتهم ولا يستطيعون العمل؟ الكثير من المشاكل تعترض الناس. كم نسمع في كل يوم عن أوجاع، متاعب، مصاعب البشر!.. الفم ممرمر طول النهار، وفي المساء أرقد صائماً دون أن أستطيع أن أذوق شيئاً لأرتاح قليلاً. أشعر بتعب جسدي كثير، ولكن من الداخل راحة أكبر.
– ياروندا، دوماً تنفع الأمراض؟
– نعم، دوماً هي نافعة. الأمراض تساعد الناس لكي يصبحوا أبناء الله ويستأهلوا الخلاص من لدنه ولو لم يعملوا أية فضيلة. الصحة أمر مهم جداً، ولكن المنفعة التي يقدمها المرض لا تستطيع الصحة أن تعطيها. المرض مرشد روحي عظم! إحسان كبير، وكبير جداً، ينقّي الإنسان من الخطايا، ويؤمّن له راتباً مع ضمان في كثير من الأحيان.
إن نفس الإنسان هي بمثابة جوهرة ذهبية، والمرض هو النار التي تنقي وتصهر هذا الذهب. وقد قال المسيح للرسول بولس: “إن قوتي في الضعف تكمل” (2 كور 9:12). فبقدر ما يشقى الانسان في المرض، بقدر ما يتنقى ويتقوّى. يكفيه فقط أن يصبر ويتقبل مرضه برضى حتى يملك الفردوس.
بعض الأمراض تتطلب قليلاً من الصبر فقط، فيعوّض الله عن ذلك للمريض أجراً ويزيل عنه الكثير من الشوائب. وذلك لأن الأمراض الجسدية تساعد كثيراً في علاج الأمراض الروحية. فهي تزول من المريض بسبب حالة التواضع التي يضيفها المرض على صاحبه.
الله يفعل كل شيء من أجل الخير. كل ما يسمح به هو في سبيل تقدمنا الروحي. يعرف ماذا يحتاج كل واحد منا فيسمح بأن تحل بنا بعض الأمراض، وعوضاً عن ذلك، ينزع عنا خطايانا ويمنحنا الميراث العتيد في فردوسه العذب.
الشيخ باييسيوس الآثوسي من كتاب الحياة العائلية
إصدار دير الشفيعة الحارة
No Result
View All Result