تفرّغ لخلاص نفسك وطهّر قلبك
بواسطة كيرلس الأورشليمي
الآن وقت الاعتراف فاعترف بما اقترفته بالقول والفعل ليلاً ونهاراً. اعترف في الوقت الملائم ( 2 كور 6:2)، وفي يوم الخلاص تقبّل الكنز. اذكر الأشياء التي قيلت، لأننا نقولها، ليس فقط لكي تسمعها، بل لكي تحفظها بالإيمان. اطرح عنك كل اهتمام دنيوي، وجاهد في سبيل خلاص نفسك (أمثال 7:23 ). اترك الأمور الدنيوية لأنَّها باطلة.
أمّا العطايا التي يمنحها الرب فهي عظيمة. دع الخيرات الحاضرة واسْعَ إلى الخيرات المقبلة. لقد قضيت السنين الطوال في العمل بدون جدوى لأجل العالم، ولاتتفرّغ أربعين يوماً لأجل خلاص نفسك؟ “كّفوا واعلموا أني أنا الله” يقول الكتاب (مز 45:11). إمتنع عن الكلام غير المفيد، ولاتنمّ على أحد ولاُتمل أذنك إلى النمامين، بل اجتهد أن تكون دائماً حاضراً للصلاة، وأظهر بزهدك قوة قلبك. “نقِّ كأسك” (متى 23:26) لكي تتقبّل فيضاً أكثر من النعم. إن مغفرة الخطايا ُتمنح للجميع بالتساوي. ولكنّ الشركة في الروح القدس توهب حسب إيمان كل واحد (رو 12: 6). فإن كنت تعمل قليلاً تنال قليلاً، وإن كثيراً تنال أجراً عظيماً (متى 5: 12 ). أنت تركض في سبيل خيرك، فاهتمّ بمصلحتك.
إن كان لك شيء على أحد فاصفح عنه، وتعالَ لتنال مغفرة خطاياك. من الضروري أن تغفر للذي أخطأ إليك، وإلاَّ بأي وجه تقول للرب: “اغفر خطاياي الكثيرة بينما أنت لا تغفر لأخيك زلاته الصغيرة؟” (متى 18:23-25 ).
واظب على اجتماعات الكنيسة بنشاط ليس فقط في هذا الوقت الذي يطالبك فيه الكهنة بإظهار غيرتك، بل بعد أن تنال النعمة. إن كنت قبل أن تنالها وجدّت فائدة في المجيء أليس من الأجدى لك أن تأتي أيضاً بعد نوالها؟ وإن كان من المفيد قبل زرعك أن ُتسقى ويُعتنى بك، فكم بالحري بعد زرعك؟ جاهد الجهاد الحسن (2تيمو 4:7) في سبيل نفسك ولا سيما في هذه الأيام، وغّذها بالقراءات المقدسة، لأن الرب أعدّ لك مائدة روحية. وقل في نفسك مع صاحب المزامير: “الرب راعيّ فلا يعوزني شيء؛ في مراع خصبة يُقيلني، ومياه الرحمة يوردني. يردّ نفسي ويهديني إلى سبيل البرّ من أجل اسمه” (مز 22:1-3).
تصرّف بحيث الملائكة ذاتها تفرح معك، ويتسنَّى للمسيح الكاهن الأعظم وهو يتقبّل قصدك الصالح ويقدّمك إلى الآب أن يقول: “ها أنا والأولاد الذين أعطانيهم الله” (أشعيا 8: 18؛ عبر 2 :13).
… أما من جهة الطعام، فلتكن هذه قوانينكم، إذ كثيرون يعثرون بسببه. فالبعض لا يُبالي مما يقدّم للأوثان، بينما يمتنع البعض الآخر عن أكله. ولكن في نفس الوقت يدينون مَن يأكلون منه(رو 14:3). وهكذا بسبب الطعام تتدّنس نفوس البعض ( 1كور 8:7 ) لجهلهم أسباب الذين يأكلون والذين يمتنعون. فنحن نمتنع عن الخمر واللحم، لا كرها مّنا بل أملاً في المكافأة، إذ باحتقارنا الأشياء المادية سنتمّتع بالوليمة الروحية العقلية. “وإذ نزرع الآن بالدموع سنحصد بالترنيم” في الحياة الآتية (مز 125:5). فلا تحتقر إذاً الذين يأكلون بسبب ضعف أجسادهم (رو 14:3) ولاَتُلم الذين يتناولون قليلاً من الخمر من أجل معدتهم وأمراضهم المتواترة ( 1تيمو 5: 23)، ولاتعتبرهم خطأة لأجل ذلك. لاتكره اللحم كأنه عدو، فإن الرسول عرف أناساً من هذا القبيل، عندما كتب: “إنهم ينهون عن الزواج وعن أطعمة خلقها الله ليتناولها ويحمد عليها الذين آمنوا وعرفوا الحق” (1تيمو 4: 3). لاتمتنع عن هذه الأطعمة على أنها أمور دنسة، فإنك قد لاتنال أجراً لذلك؛ ولكن انظر إليها كأشياء صالحة تمتنع عنها للحصول على خيرات وهبات روحية أفضل.
القديس كيرلس الأورشليمي
عن رسالة رعية مطرانية اللاذقية