أَنِّي ما جئتُ مِن نَفْسي فالَّذي أَرسَلني هو صادِق
إذا تأمّلنا في سلوك الرّب يسوع المسيح خلال حياته البشريّة، نرى أنّه كان يبذل جهدًا كبيرًا لإخفاء نوعًا ما المعرفة التي كان يعطيها عن ذاته بالملء. ويبدو أنّه أرادنا أن ننعم بها ولكن ليس حالاً، كما لو وُجِبَ أن تكون كلماته موجودة كإعلان للعالم، فيما كان عليها الانتظار طويلاً لتلقى تفسيرًا. لقد كان الرّب يسوع المسيح يحتفظ بها إلى مجيء مَن سيلقي الضوء عليه وعلى كلماته… عندما حلّ الرُّوح القدس على الرسل، فهموا أخيرًا مَن كان معهم، فتعرّفوا إلى الحقيقة عندما تمّ كلّ شيء وليس في حينه.
هنا نفهم المبدأ العام الذي يظهر مرّات عديدة في الكتاب المقدّس كما في مسيرة العالم: عندما يأتي الله إلينا ويتدخّل في العالم، لا ندرك حضوره في اللحظة ذاتها حين يكون في داخلنا، وحين يعمل وسطنا، ولكن بعد أوان، حين نلقي نظرة إلى الوراء، متمعّنين في ما حصل وفي ما تمّ… في الحقيقة، إنّها العناية الإلهيّة الرائعة، والصامتة بقدر ما هي فاعلة وثابتة وغير قابلة للهزيمة!
“إِنَّ أَبي ما يَزالُ يَعمَل، وأَنا أَعملُ أَيضاً” (يو 5: 17). يد الله تسهر دائمًا على أبنائها؛ هو يقودهم ويدفعهم إلى الأمام، على طريق لا يعرفونها، غير مدركين بالاتّجاه الذي يسلكونه… كلّ ما عليهم فعله هو الإيمان، وتسليم القيادة إليه بدون رؤية واضحة للطريق.
الطوباويّ يوحنّا هنري نِيومَن (1801 – 1890)