دير مار أليشع هو دير يعود للعصور الوسطى يقع في وادي قاديشا في محافظة الشمال في لبنان. تم تسجيل الدير في قائمة اليونسكو للتراث العالمي في عام 1998، كجزء من وادي قاديشا أو الوادي المقدس وحرش أرز الرب.
وهو عبارة عن مغارة محفورة في الصخر. يقع في اللحف الشمالي لأعالي وادي قاديشا، في باطن جرف صخري شاهق، تحت مدينة بشري. إنه مغارة، تتغلغل في شعاب الوادي وسط مناظر طبيعية تعكس مجد الله، عاش فيها نساك ومتوحدون جاعلين منها ملاذاً لعزلتهم الحميمة مع الله. تحوّلت هذه المغارة إلى دير اتّخذه أساقفة بشري الأوائل مركزاً لهم، وكان أولهم الأسقف بطرس الذي كان قاطناً فيه، ومترئساً عليه عام ١٣١٥. تسلّمه في العام ١٦٩٦ مؤسّسو الرهبانية اللبنانية، الشبان الحلبيّون. عمد هؤلاء إلى توسيع دير مار أليشاع، وفتحوا فيه مدرسة مجانية، لقّنت طلّابها اللغتين السريانية والعربية، وعقدوا فيه مجمعهم الأول، ووضعوا القانون الرهباني. عند قسمة الرهبانية إلى لبنانية بلدية ولبنانية حلبية، عام ١٧٧٠ رسميّاً، كان هذا الدير من نصيب الرهبانية اللبنانية الحلبية التي أصبحت، في العام ١٩٦٩، الرهبانية المارونية المريمية.
ديره الجديد – سنة ١٨٨٧، في عهد رئاسة الأباتي سابا دريان العشقوتي، تسلّم القس جرمانوس الدلبتاوي رئاسة دير مار أليشاع فباشر ببناء الدير الجديد كامتداد تراثي للدير القديم. بناه فوق صخر مُطلّ على وادي قاديشا، في مزرعة مار نوهرا-بشري، وعند اكتمال بناء كنيسته الجميلة عام ١٨٩٧ انتقل اليه الرهبان من الدير القديم.
وادي قاديشا يُعرَف بِهذا الاسم نِسبةً الى مغارة قاديشا الواقعة فيه، ولَكِنَّه اشتهر باسم وادي قنّوبين نسبة لدير قنّوبين الذي يقوم فيه. ويقع هذا الوادي جغرافياً في جِبَّة بشرّي، تلك الناحية الجَبلية العالية في شمال لبنان، ولأجل ذلك اكتسبت اسم “الجِبَّة” لأن هذه الكلمة تعني بالسِريانية العلوَّ والارتفاع. أمّا كَلِمة قَنّوبين فَمُتحَدِرَة من اللغة اليونانية Koinobion التي تعني “جماعة تعيش حياةً مُشتركة عِمادُها المَحَبة والصلاة”. وكلمة “قاديشا” آرامية آتية من جَذْرٍ ساميّ، وأصلها “قاديشو” بمعنى “المُقدَّس”، فوادي قاديشا هو “الوادي المقدَّس”.
ولكنَّ هذه الصِفَة لم تُطلَق عليه إلّا مُنذ القرن السابع، حين قَصَدَه المَوارنة وإنتَشَر نُسّاكهم وحبساؤهم في مَغاورِه والمحابس التي زرعوها على جانبيه، وتَكرَّسَ هذا الاسم نهائياً في القرن السابع عشر على يد المُرسَلين الغربيين والبطريرك إسطفان الدويهي. وهو يُسمّى أيضاً “وادي الذخائر”، نِسبةً لذخائر القِديسين الذين زُرِعوا بالمِئات في مَغاوِرِه وحَفافيه، إذ توالى عليه كثير من المُتَعبِّدين على اختلاف مُعتَقَداتِهم، ولكنَّ الموارنة طَبعوه بِطابَع نُسكِهِم أكثر من غيرهم لأنهم لجأوا اليه ليس فقط للتعبُّد، بل للحماية من الاضطهادات، وطلباً للعيش والصمود والقداسة. ويَمتَدّ هذا الوادي من موقِع مَغارة قاديشا التي يتدفَّق منها نبعٌ تنحدر مياهه نزولاً حتى مزرعة النهر حيث يلتقي هناك بوادي قزحيّا. وهو يَتَمَيز عن سائر الأودية بكونه يبدأ بخسوفٍ حادّ، يوحي بأن الارض قد تكون تَعرَّضَت لعوامِل طبيعية أدَّت الى هذا التجويف العميق.
دَير مار ليشَع هو من الأديرة العَريقة في هذا الوادي، كدير سَيّدَة قنّوبين مَركَز البَطارِكَة المَوارنة من القَرن الخامِس عَشر حتى القَرن التاسِع عَشر، ودير سَيّدَة حَوقا أوّل إكليريكية مارونية في الشرق، ودير مار أنطونيوس قزحيا حَيثُ اٌقام فيه حُبساء كان منهم عِدَّة بطاركة، ودير مار أبون…
فدير مار ليشَع مَبنيٌّ في لِحفِ جُرفٍ صَخريٍّ شاهَق، تَحتَ مَدينة بشرّي، لا يُعرف بالتَحديد مَتى تأسَّس، لَكِنَّ أقدَم وثيقةٍ عَنه تَعود إلى سنة 1315 م، وهي نَشرَة صادِرَة عن الدَير المَذكور تُفيد “أن هذا الدير المُشيَّد على اسم مار اليشاع النبي، قديم جداً”، فهو ولا شَك مَوجودٌ قَبل مَحبَسَة مار سِمعان العامودي التي بُنيت سنة 1112 في قلب الصَخر تَحت بَلدة بقِرقاشا.
تَسلَّمَت الرَهبَنَة اللبنانية المارونية الدير في عام 1696، حيثُ قام المؤسسون الثلالة جبرائيل حَوّا، عبدالله القراعلي ويوسف البتن بِتوسيعَه وإلحاقه بمَدرسة مَجانية، تُلقِّن طُلابَها اللغة السِريانية والعربية.
وهذا الدير، حَسبَ البَطريَرك العَلاّمة إسطفان الدويهي (1670-1704) والمُستَشرقين الكُثر مِثل الأب سلستينو الكرملي، أوجاري، دي لاروك وغيرهم، هو عِبارة عن عِدَّة مَغاوِر تؤلّف كنيسة الدير وغرفه، في قلب الصخر الكبير الكائِن تَحتَ بَلدَة بشَرّي والمُشرف على نَهر الوادي المقدَّس.
يُحيط بِهذا الدَير عَدَدٌ من التَجويفات، وتُعتَبَر مَنطَقَة دير مار ليشع غنيَّةً بالمَحابِس الأثريَّة. حالة الدير مُمتازة، وهو في عِهدَة الرهبانية المَريَميَة ويَشهَد نَشاطاً مُمَيزاً.
أمّا كنيسة الدير القديمة، فكانت مؤلفة من ثلاث مَغاور مع ثَلاثة مَذابِح. وعند ترميمها في القرن التاسع عشر، واتقاءً من خطر سقوط الصخور، عَمدَ الرُهبان على ما يَبدو، الى إزالة المَغاور وبناء الكنيسة الجديدة في عُمقها، حيثُ نقرأ فوق بابِها الخارِجي: “قد تَمَّ بناء هذا الهيكل المُبارك على اسم القديس إليشاع في أيام ورئاسة السيّد ماري يوسف حبيش الكُليّ الطوبى وكان الأب العام على الرهبانية الأب روفائيل البِكفاوي المُحتَرم على يَد المُعتني به الأب أنطون الشِمراوي اللبناني رئيس الدَير المذكور بوقته، وكان خلوص البنيان في 5 أيار 1835”.
يُذكَر أنَّ الناسك الفرنسي فرنسوا دي جالوب دي شاستويل الذي أقام في الدير مَدفون منذُ في العام 1644، كَذَلك دُفِن في الدَير المَذكور الأب الناسِك أنطونيوس طَرَبَيه المُتوفي في 1998.