أعجوبة كنيسة سيدة القلعة (قرية شحتول)
لمحة تاريخية
قرى قضاء كسروان قصصها جميلة وأصبحت أساطيرا لا يزال الجميع يتحدث عنها. و في الماضي ، كانت تلك القرى الرائعة شغف العاشق في تتبع خطى عشتار وأدونيس ، وحلم المؤرخ على أبواب التاريخ، وطريق الناسك على درب الإيمان . نعم ، لقد كانت قرى قضاء كسروان أساطيرا وأحلاما. وفي هذا الألبوم سأتحدث عن قرية قرية شحتول ومعجزة سيدة القلعة …..
قبل الحديث عن هذه القرية الجميلة ، سأعود في التاريخ حتى عام 1914 والحرب العالمية الأولى التي استمرت 4 سنوات ، وخسرت الإمبراطورية العثمانية تلك الحرب, بينما عاش كل لبنان أحد أسوأ أوقاته في التاريخ. في تلك الأيام ، تعرضت منطقة جبل لبنان ، التي تشكل منطقة كسروان جزءًا منها أيضًا ، للمجاعة الكبرى وتوفي ثلث سكانها تقريبًا بسبب الجوع. نعم ، 300 ألف شخص جاعوا حتى الموت بسبب مباشر للسلطان العثماني الذي اصدر فرمان سفر برلك (نفير عام 1914 ) والذي يدعوا فيه الرجال الذين بلغت اعمارهم بين ( 15 حتى 45 سنة) من رعايا الدولة العثمانية ، “ومن بينهم لبنان” إلى الالتحاق بالخدمة العسكرية الاجبارية. و عام 1915 دخل جمال باشا السفّاح لبنان و أعلن حصارًا تموينيًّا وتجويعيًا مقصودًا برًّا وبحرًا على الجبل والقرى والمدن الساحلية، و صادر كلّ المحاصيل، وفرض الضّرائب الباهظة, و طبّق نظام السّخرة, و أعلن الأحكام العرفيّة, و نصب المشانق. و هٰكذا بين نفي, و تهجير, و تجويع, و قتل، على مدى ثلاث سنوات متتالية بين 1915 و1918، انتهى الأمر إلى مقتل ثلث سكّان لبنان بسبب الجوع والحرب. الكثيرون تمكنوا من الهرب, ولكن قتل بعضهم وغرقت قواربهم في أعماق البحار. هناك الكثير من الأماكن التي لا تزال خاوية منذ ذلك الحين وترك سكانها منازلهم على أمل أن يعودوا يومًا ما ؛ ومع ذلك ، فإن معظمهم لم يعودوا مرة أخرى أبدًا ، وقد يكون إجمالي اللبنانيين الذين يعيشون خارج لبنان أكثر بثلاث مرات من أولئك الذين يعيشون داخله. ونتيجة لذلك ، كان سكان قضاء كسروان من بين الذين قتلوا أو عاشوا الجوع حتى الموت ….
عاشت قرية شحتول معاناة الجيش العثماني حيث قُتل العديد من سكانها وجلبت الحرب العالمية الأولى المزيد من الجوع والمرض. كان هذا حتى 10 تشرين الثاني عام 1918 عندما لاحظ القرويون ضوءًا وحريقًا وسماء مشتعلة في جبل القرية, وكانوا قلقين وخائفين من جيش العثمانيين. لم يكن بمقدور أي شخص معرفة ما كان يحدث ، خاصة وأن الحريق كان يأتي من داخل كنيستهم المحببة التي تسمى “كنيسة سيدة القلعة “. في اليوم التالي ذهب الجميع إلى هناك للتحقق من ما حدث ولكن لم يكن هناك شيء خطأ. في وقت لاحق أدركوا أنها كانت علامة نهاية الحرب العالمية الأولى وهزيمة الإمبراطورية العثمانية. و أصبحوا أحرارا في النهاية ….
كنيسة سيدة القلعة
من ناحية أخرى ، يتحدث أهالي شحتول عن المكان وكيف تم بناء تلك الكنيسة. وفقًا لذلك ، في أواخر القرن التاسع عشر، تكرّر ظهور السيّدة العذراء مريم في مرتفعات القرية في مكان كان يتواجد فيه الرعاة وماعزهم، وحيث بعض الكهوف الجميلة التي اعتادوا الاختباء فيها بعيدًا عن المطر أو أشعة الشمس. لذلك , قام أالفلاّحون والرعاة بوضع صورة للعذراء مريم داخل المغارة، واعتبروه مزارا . في تلك الأيام كانت الأرض جزء من أملاك مار عبدا – القطين وتم إخبار قضية النور والقديسة مريم للأب يوسف حاتم أصاف – رئيس الدير الذي قام بفحصها وخلال بضع سنوات، شيّدت الكنيسة على ظهر المغارة حيث كان الظهور العجائبي، ونقلوا صورة العذراء مريم من المغارة إلى داخل الكنيسة، وأطلقوا عليها اسم سيّدة القلعة بسبب موقعها على الصخر. بعد حين، اختفت صورة العذراء من الكنيسة ووجدت داخل المغارة حيث كان الظهور الأوّل، فأعادها الأهالي إلى الكنيسة. غير أن هذا الحال العجائبي حصل مرارًا وتكرارًا لمدّة من الزمن . وفي وقت لاحق ، تم ترميم الكنيسة بالكامل بمساعدة السيد كلاسي…..
أصبح مزار سيدة القلعة ملجأ وملاذاً لجميع المؤمنين الوافدين اليه من جميع المناطق اللبنانية ومن بلاد الانتشار، وكان المؤمنون ولا يزالون يعتبرون أن العذراء لا تردّهم خائبين وأن عجائبها التي لا تعدّ ولا تحصى بشهادة الأجداد، تلقى عند كل من آمن بها، فنال مبتغاه.
قرية شحتول
قرية شحتول في منطقة فتوح كسروان على ارتفاع حوالي 1500م في قمم القرية العالية ، وعلى مسافة 36 كلم عن بيروت عبر غزير – قطين – عرمون – حياطة. أو 62 كلم عبر نهر إبراهيم – يحشوش – الغينة. واسم شحتول يحتمل تفسيره عدّة إحتمالات ، أبرزها ما يقال في عاميّة لبنان : ” الشحتول” ، أي الفقير الزري الثياب.وفي العربيّة; أصل الإسم (شيح ـ تل) أي (تل الشيح) . والشيح كلمة تعني أنواعا عديدة من الأشجار الصغيرة. و شحتول الماعز هو زعيم الماعز وأحد ينابيع المياه في القرية كان يسمى عين الشحتول وهذا يشير إلى أن المنطقة هي مكان زراعي به أشجار وقطعان من الماعز والأغنام…
و قرية شحتول مليئة بالأشجار في جميع أنحاء جبالها و وديانها وبعض القرويين هناك لديهم مزارعهم العضوية الخاصة حيث إنتاج عسل النحل العضوي. كما يزرع البعض الآخر جميع أنواع التين ,والزيتون, والعنب , وجميع أنواع الخضر الأخرى. من ناحية أخرى ، بعض المزارعين الآخرين هناك لديهم الكثير من قطعان الماعز والأغنام ، وأعتقد أن اسم شحتول مشتق من هذه العادات. والقرية هي أيضا مسقط رأس الكاتبة اللبنانية مي زيادة ، ويوجد تمثال لها عند مدخل القرية…..