تاريخ “كنيسة يوحنا المعمدان” التي حولت إلى الجامع الأموي
تاريخيا: كاتدرائية القديس يوحنا المعمدان (كاتدرائية دمشق)
كلمة كاتدرائية من كلمة كاتدرا اليونانية ومعناها المنصة أو السدة.
وهي كنيسة البطريرك أو المطران أو رئيس الأساقفة. ومن هنا كرسي الكاتدرا الذي يوضع عادة في هيكل الكنائس الأرثوذكسية الكبيرة خلف المائدة المقدسة. ككرسي الكاتدرا الجميل في الكاتدرائية المريمية بدمشق. والكاتدرا الحجري الفخم في كاتدرائية القديسين بطرس وبولس في مدينة أنطاكية.
كاتدرائية دمشق حسب تسلسلها الزمني التاريخي:
كانت أولا كنيسة حنانيا الرسول ( وهي غير موجودة حاليا ولكن بجانبها وهي بيت حنانيا الرسول) وهي التي تحولت إلى المسجد الواقع في المنطقة. وكانت تسمى كنيسة المصلبة أو كنيسة الصليب المقدس. وكانت دار أسقفية دمشق تقع بجانبها. وفي عام 379م مسيحية أمر الامبراطور ثيودوسيوس الكبير بإنشاء كاتدرائية يوحنا المعمدان (كاتدرائية دمشق).
نبذة في تاريخها:
في عهد ابراهيم الخليل المكنى أنشأ الآراميون في القرن العشرين قبل المسيح معبدا للإله رمون إلههم. وكانت دمشق وقتئذا دولة آرامية قوية انتهت حين استيلاء الآشوريين عليها 720 ق.م . وفي عهدهم استولى المصريون على سوريا مدة من الزمن في القرن السادس قبل الميلاد. وحكموا دمشق وأدخلوا في معبدها عبادة إلههم آمون. كما كانت عادة كل الفاتحين الذين يدخلون آلهتهم في عبادة الشعوب المغلوبة مع اقتباسهم لآلهة هذه الشعوب وتسميتها لأسماء من عندهم وكان معبد رمون يشكل مربع مساحة دمشق آنذاك. مع قيام الاسكندر المقدوني بفتح سوريا في أواخر القرن الرابع قبل الميلاد حول معبد رمون الدمشقي إلى هيكل للآلهة عشتروت إلهة الزهرة التي يعبدها.
يتضح ذلك من خلال الأعمدة الضخمة القائمة إلى اليوم في الجهة الشرقية عند آخر جادة القيمرية (آيا ماريا) التي إلى النوفرة. كما في الجهة الغربية عند باب البريد بمحلة المسكية التي على أحد أعمدتها كتابة يونانية.
اليونان الهلنستيون هم اللذين رفعوا المعبد وجعلوا تحته فراغا كبيرا لمنافع واستعمالات تليق بالعبادة. وفي هذا يقول مؤرخ دمشق الكبير مثلث الرحمات الخوري العلامة أيوب سميا ” أنه عندما منذ سنوات خلت فتحت دائرة الآثار في دمشق ذلك الفراغ ظهر في أحد جدرانه حجر مبني فيه تمثال الإله المصري آمون بغير اكتراث من اليونان الهلنستيين الذين حولوا المعبد إلى هيكل لهم وهم لا يعبدون آمون. أما الرومان فمنذ فتحوا دمشق حولوا معبدها إلى عبادة معبودهم الأكبر جوبيتير التي استمرت حتى أصبحت مسيحية.
وباعتلاء الامبراطور ثيودوسيوس 379 م عرش الامبراطورية الرومانية الشرقية ( الرومية) الذي فرض المسيحية دينا رسميا للدولة. وحارب عبادة الأوثان وأمر بتحويل المعابد الوثنية لكنائس في أرجاء الامبراطورية الرومانية وبتحويل ممتلكاتها إلى أوقاف مسيحية.
وبهذا تحول معبد جوبيتير إلى كنيسة على اسم النبي يوحنا المعمدان وجعلت كاتدرائية دمشق لضخامتها حيث كانت مع حرمها تشكل ربع مساحة مدينة دمشق القديمة وجعلت بجانبها دار أسقفية دمشق وإلى الجنوب منها قصر والي دمشق وهو قصر العظم حاليا.
كان والي دمشق يدخل الكنيسة كل صباح للصلاة من بابها الجنوبي (سوق الصاغة القديم حاليا) ويخرج منه وقد نقشت على ساكف هذا الباب باليونانية عبارة من المزامير : “مُلكُك أيها المسيح إلى أبد الدهور.. وسلطانك إلى جيل فجيل” . وما زالت هذه العبارة موجودة حتى الآن ولم تزل كما أزيلت كل الرسوم والنقوش المسيحية التي ظهرت بعد أزيلت دكاكين الصياغة والقباقبية من الجهتين الجنوبية والغربية الملصقة بجدار الجامع الأموي أثناء إعادة ترميمه. ومنها الأيقونة الرائعة للرب يسوع (الضابط الكل) المنقوشة على أعلى الجدار الجنوبي للجامع .
نقل رأس القديس يوحنا المعمدان: أما الامبراطور الرومي مركيانوس فقد أمر عام 450 م بنقل رأس القديس يوحنا المعمدان الذي كان محفوظا في القسطنطينية إلى دمشق. ليوضع في كاتدرائيتها التي هي على اسمه. وقد تم وضع الرأس في صندوق من الفضة الخالصة على المائدة المقدسة في العام ذاته وبقي إلى 614 م حينما اجتاح الفرس بلاد الشام ونهبوا “أيلياء القدس” وأخذوا خشبة الصليب المقدس من موضعه في كنيسة القيامة إلى بلادهم. لذلك خاف المسيحيون الدمشقيون على ذخيرتهم المقدسة فحفروا حفرة عميقة في أرض الكنيسة وأخفوا بداخلها الرأس المقدس ضمن الصندوق مع الكتابة اليونانية بداخله للدلالة على صاحبه. وميزوا المكان بعلامة خاصة لا يعرفها إلا القليل حفاظا على السرية. ويقال أن مكان إخفاء الصندوق كان في القسم الشرقي من الكاتدرائية \ محلة النوفرة حاليا أي موقع مقهى النوفرة تحت الكاتدرائية في ذلك الفراغ الذي كان الهلنستيون قد اتخذوه والذي أصبح في وقت أحداث الكاتدرائية منسكا رهبانيا .
القصة الكاملة لتحويل الكنيسة لجامع:
بنى الامبراطور الرومي ثيوذوسيوس كنيسة يوحنا المعمدان في دمشق عام 379م. وكان مسيحيي دمشق يصلون بها. كانت الكنيسة تابعة لطائفة الروم الأرثوذكس.
عام 634م هاجم العرب دمشق ليحتلوها ، فهاجمها “خالد بن الوليد من جهة الشرق ” و”ابو عبيدة بن الجراح من جهة الغرب “. الروم دافعوا عن مدينتهم من جهة “خالد” بالقتال ، فيما سلموا المدينة صلحاً من جهة “ابي عبيدة”. ولذلك فقد اتفق على أن يتحول نصف الكنيسة من جهة خالد مسجداً للمسلمين ، وأن يبقى نصفها الثاني من جهة ابي عبيدة كنيسة.
لكن خليفة الأمويين الوليد بن عبد الملك ، نكث العهد عام 705م ، وأراد ان يحول “كل الكنيسة مسجداً”.
ويقول “ابن عساكر” :” لما صارت الخلافة إلى الوليد بن عبد الملك عزم على أخذ بقية هذه الكنيسة وإضافتها إلى ما بأيدي المسلمين وجعل الجميع مسجداً واحداً ، وذلك لتأذي المسلمين بسماع قراءة المسيحيين في الإنجيل ورفع أصواتهم في الصلاة” ، على حد تعبيره.
حاول الخليفة إقناع المسيحيين بالتخلي عن كنيستهم ، بالترغيب أولاً ففشل. ثم أمر بالهدم.
فحزن المسيحيون وأتوا إليه وقالوا : “إن من يهدم هذه الكنيسة يجن” ، فقال : “أنا أحب أن أجن في الله” .
ثم صعد الخليفة بنفسه إلى المنارة الغربية وكان فيها صومعة بداخلها “راهب يصلي”. فأمره الخليفة “بالنزول منها” ، فرفض. فدحرجه من فوق ، وقضىى شهيدا للمسيح.
ثم وقف على “أعلى مكان من الكنيسة فوق المذبح الأكبر” و”أخذ فأساً وضرب أعلى حجر فألقاه ، فتبادر الجنود والأمراء إلى الهدم وهم يصرخون : “الله أكبر” “الله أكبر”…
أما المسيحيون فقد “بدأوا يصرخون بالبكاء والعويل على درج باب البريد وجيرون ، وقد تجمعوا ، فأمر الخليفة رئيس الشرطة “أن يضربهم” ويفرقهم ، وهدم المسلمون الكثير من المذابح والرموز المسيحية فيها.
كيف أعاد الوليد بناء المسجد (الكنيسة المسلوبة) ؟
أرسل الوليد إلى ملك الروم في القسطنطينية يطلب منه عمالاً في الرخام والأحجار ليعمروا هذا المسجد على ما يريد ، وأرسل يهدده ويتوعد إن لم يفعل ليغزونّ بلاده بالجيوش ، وليخربنّ كل كنيسة في بلاده ، حتى كنيسة القيامة في القدس ، وجميع كنائس الروم”.
فبعث ملك الروم عمالاً كثيرين وكتب إليه :”إ إنك هدمت الكنيسة التي رأى أبوك تركها فإنْ كان حقًّا فقد خالفت أباك، وإنْ كان باطلاً فقد أخطأ أبوك ” . فلم يعرف كيف يجيبه .
ويقول فيليب حتي إن الوليد أرسل الى امبراطور الروم في طلب مئة من الفنانين اليونان لبناء المسجد ، بينما يجعلهم ابن عساكر “مئة الف” ، و”أن بعضهم استخدم في بناء مكة والمدينة”.
ويخبر يزيد بن واقد ، الذي كان مسؤولاً عن العمال الروم في بناء المسجد ، أنهم وجدوا هناك “مغارة ، فأخبر الخليفة بذلك” .
فأتى ليلاً ، ومعه شمع فإذا هي كنيسة أخرى صغيرة ، فيها صندوق ، ففتح الصندوق ، فإذا فيه إناء ، وفي الإناء راس يوحنا المعمدان” كما يقول “.
هذا وإن أهم آثار المسيحيين المتبقية في هذه الكنيسة ، هو رأس يوحنا المعمدان (السابق) ، وجرن المعمودية ، والكتابة الرومية (اليونانية) الموجودة على الباب الجنوبي : ” ملكك أيها المسيح إلى أبد الدهور ، وسلطانك إلى جيل فجيل”.
كما اكتشف مؤخراً رسم للسيد المسيح على رأسه إكليل شوك”.
قصة خروج الدم من قبر القديس العظيم مار يوحنا المعمدان بالجامع الاموى فى دمشق
داخل الجامع الأموى الكبير فى دمشق وتحت هذه القبة يحفظ جزء من رفات القديس يوحنا المعمدان ، وهو على الأرجح من رأس القديس ، وذلك منذ أن كان كنيسة كبيرة شيدها الروم البيزنطيين فى القرن الرابع الميلادى على اسم هذا القديس ، وقبل أن يتم تحويله الى ” الجامع الأموى ” فى القرن الثامن الميلادى ، بعد احتلال العرب لبلاد الشام !
فى العهد الخلافة الفاطمية ، وهو أشد العهود قهراً واضطهاداً للمسيحيين فى بلاد الشام ، أمر والى دمشق بإزالة قبر القديس يوحنا المعمدان من مكانه داخل الجامع الأموى ، فما أن باشر العمال المكلفون عملهم ، ومع ضربات المطرقات والمعاول الأولى لإزالة المقام ، حتى نفر من الضريح سيل غزير من الدماء وجرى باتجاه منطقة ” باب مصلى” التى كانت عبارة عن ميدان الحصى الذى كانت تجرى عليه سباقات الخيل فى الماضى ، وتقع عند تقاطع شوارع ابن عساكر – المجتهد – الميدان – الزاهرة ، فأُصيب العمال بالذعر الشديد والذهول ! وسرعان ما انتشر الخبر فى دمشق كلها ، وجاء والى الشام بنفسه لينظر ما حدث ، وسارع الأئمة والمشايخ الى المكان وبدأوا بالأدعية والصلوات من أجل ايقاف جريان الدم ، ولكن دون جدوى …!
عندها أبلغ مطران دمشق الذى توجه إلى المكان يرافقه رجال من الكهنة والشمامسة والرهبان الأرثوذكس ، فلما وصلوا الى المكان بدأوا يتلون الصلوات … عندئذ توقف الدم عن الجريان والامتداد ، وبدأ بالانكفاء والانقطاع تدريجياً حتى دخوله الضريح … بعد ذلك تراجع الوالى عن قراره وأمر بإبقاء المقام داخل الجامع الأموى على حاله
ويقال أيضاً بأن سبب تسمية المقهى المعروف قرب الجامع الأموى ب ” مقهى النوفرة “ يعود إلى هذه الحادثة أى نسبة الى ” نفور الدم “ من داخل القبر ، وأن ” باب مصلى “ أُطلقت عليه لاحقاً هذه التسمية نسبة الى ” صلوات ” الأساقفة والكهنة الأرثوذكسيين التى أُقيمت بقربه من أجل إيقاف سيل الدماء .
هذا ما حفظته الذاكرة الشعبية المسيحية الدمشقية ، وورد ذكره أيضاً فى مخطوط تاريخى موجود فى دير سيدة البلمند البطريركى فى لبنان .
بدايات إنشاء الكنيسة
تنقسم مدينة دمشق إلى قسمين متميزين أحدهما دمشق القديمة والأخرى دمشق الجديدة، وتتميز دمشق القديمة كأقدم مدن العالم وشهيرة بآثارها الكثيرة ومنها كنيسة يوحنا المعمدان الذي سلب وأصبح الجامع الأموي حاليا، ، ويقال إن الجامع الأموي أقيم مكان المعبد الآرامي «حَدَد ْ» الذي يرجع إنشاؤه إلى مطلع الألف الأول قبل الميلاد، وقد بني عليه المعبد الروماني للإله «جوبيتر الدمشقي» في القرن الثالث الميلادي وقد أقام البيزنطيين المسيحيين كنيسة لقديس «يوحنا المعمدان» في نفس المكان أواخر القرن الرابع الميلادي.
أهم المعالم المسيحية في الكنيسة:
جرن معممودية داخل كنيسة مار يوحنا
إن وزارة الأوقاف السورية، إذ تقوم اليوم بعمليات إصلاح وتجديد وترميم كبيرة على المسجد الأموي، بالإضافة إلى ضريح القديس يوحنا الذي لا زال قائمًا داخل المسجد، هناك أيضًا داخل المسجد في الجهة الشمالية الشرقية، جرن رخامي عظيم القدم تظهر على جوانبه آثار المستحاثات وكان يستعمله المسيحيون لعماد أطفالهم.
الكتابة اليونانية على الباب الأساس لكنيسة مار يوحنا
أما ما يُخشى عليه فهو الكتابة الموجودة على البوابة الجنوبية والمنقوشة بالأحرف اليونانية الموجودة على الباب الجنوبي: “ملكك أيها المسيح إلى أبد الدهور، وسلطانك إلى جيل فجيل”..
هنالك أيضًا صورة لوجه السيد المسيح وعلى رأسه إكليل شوك، ظهرت مؤخرًا على يسار البوابة الجنوبية الأخرى المواجهة لسوق الصاغة وقيل أنه قد سبق وأن حاول البعض إزالة هذه الكتابات والصور ولكن تدخل هيئة الآثار الدولية وتقديم تبرعات مادية قد حال دون ذلك.
مدفن رأس يوحنا المعمدان
وفي أركان المصلى يقع مقام جدرانه شبكية مذهبة وهو «يوحنا المعمدان» الذي قام بتعميد السيد المسيح في «نهر الشريعة» (وهو جزء من «نهر الأردن»)، ويضم رأس «النبي يوحنا» داخل الكنيسة القديمة.
نفق قديم يربط بين الكنائس
أما في باحة الكنيسة، فهناك بقعة من الأرض تحت فناءٍ مسقوف، إذا ما وقف الزائر في منتصفها وضرب عليها بقدمه، فإنه يسمع صدىً عميقًا لهذه الضربات. ومردّ ذلك هو أن هذه البقعة، حسب خبراء الآثار، كانت مدخلًا أو مخرجًا لنفق طويل يربط كنيسة القديس يوحنا بكنيسة حنانيا، وهي كنيسة صغيرة تبعد عن المكان بما يقل عن الميل، وتقع إلى الجهة الشمالية من الباب الشرقي لدمشق في نهاية طريق صغير يحمل اسم الكنيسة نفسها. ولدخول هذه الكنيسة، ينبغي للزائر أن ينزل عدة درجات تحت الأرض وهناك يجد نهاية النفق في أسفل منتصف الحائط الغربي، وقد سدّ ببعض الأحجار خوفًا من دخول أحد إليه. وقيل أن المسيحيين كانوا يستعملون هذا النفق للانتقال بين الكنيستين أو كمعبر هروب خوفًا من الاضطهاد. وفي الستينات، خلال عمليات الترميم والحفر التي كانت تجري لتوسيع وترميم كنيسة الروم الأرثوذكس المعروفة بالمريمية الشهير في دمشق القديمة، والواقعة بين كنيسة يوحنا وحنانيا، ظهرت أجزاء من النفق وقيل أن جماجم وهياكل بشرية عثر عليها في داخلها تعود لعصور تاريخية قديمة.
العمارة
الفناء وحرم الكنيسة المسلوبة
أرضية الكنيسة هي مستطيلة شكل وهي بقياس 97 متر عرض و 156 متر طول. ويحتل الفناء الجزء الأكبر من الكنيسة وهو يغطي الجزء الخارجي الشمالي في حين يغطي الحرم الجزء الجنوبي من الكنيسة. ويحيط الفناء أربعة جدران خارجية. أما الأرصفة الحجرية للفناء فقد أصبحت متفاوتة بمرور الزمن بسبب الإصلاحات التي مر بها الكنيسة المسلوبة على مدار التاريخ، وقد سُويَّت مؤخرًا. أما الأروقة المحيطة بالفناء فقد دُعِمت بأعمدة حجرية وأرصفة بشكل متناوب. ويوجد رصيف واحد بين كل عمودين. نظراً لأن الجزء الشمالي من الفناء قد دمر في زلزال وقع في عام 1759، كما أن الممرات ليست متسقة؛ ويرجع ذلك لعدم وجود الأعمدة التي كانت تدعم ذلك، عندما أعيد بناء الجدار الشمالي. كما يوجد أيضاً داخل صحن الكنيسة عمودان ذوو رأس نحاسي مزخرف كانا يستعملان للإضاءة.
تطورت هذه العمارة في سوريا نتيجة الاحتكاك الوثيق مع تقاليد عمارة العصور القديمة المتأخرة – بداية العصر البيزنطي. تماشياً مع نمط البازيليكا المستخدم في بناء الكنائس، توجد صفوف من الأقواس المرتفعة المكوَّنة من طابقَين تمتد بشكل موازٍ للجانب الطولاني في الحرم الواسع ذو الإضاءة الساطعة، وتشكل صفوف الأقواس التي تحمل السقف، ثلاثة مجازات. ترتكز كل من تلك الصفوف على عشرين من الأعمدة الطويلة المعاد استخدامها والتي تحمل تيجاناً كورنثية.
على الرغم من التأثيرات البيزنطية وإعادة استخدام المواد القديمة، فقد تم توجيه الحرم بطريقة مختلفة عن البازيليكا، فهو يتألف من مجاز مركزي واسع مستعرض تغطي منتصفه قبة تُبرز الحيز الموجود أمام المحراب المركزي في جدار القِبلة الجنوبي.
وبذلك تتكون المساحة الداخلية من الحرم من ثلاثة أروقة. ودُعِمت الأروقة بصفين من الأعمدة الكورنثية. وكل واحد من هذه الأروقة ينقسم إلى مستويين. ويتألف المستوى الأول من أقواس نصف دائرية كبيرة، في حين أن المستوى الثاني يتكون من أقواس مزدوجة. ويتكرر هذا النمط في أروقة الفناء. أما الأروقة الداخلية الثلاثة تتقاطع في وسط الحرم مع رواق كبير، يوازي جدار القبلة («اتجاه الصلاة») ويواجه المحراب والمنبر. وينقسم الجناح المركزي في الأروقة إلى نصفين ويتكون من أحد عشر قوسًا. والحرم الشريف هو بقياس 136 متر طول و37 متر عرض.
كما يوجد داخل فناء الكنيسة المسلوبة ثلاث منشئات صغيرة وهي:
-
قبة الخزنة
أنشئت قبة الخزنة بداية في العهد العباسي في عام 789م، واستخدمت كخزنة للأموال، ومن ثم أصبحت مكتبة للكتب والمخطوطات النفيسة.
-
قبة الوضوء
أنشئت قبة الوضوء بداية في العهد العباسي، وانهارت بعد وقوع زلزال في عام 1759م، وقد جددت في العهد العثماني بأمر من والي دمشق عثمان باشا الكرجي، وتقع في وسط الفناء وهي مجوفة مثمنة من رخام قائمة على أربعة أعمدة رخامية في وسطها أنبوب ماء من النحاس يمج الماء إلى الأعلى.
-
قبة الساعات
تقع في الجهة الشرقية من الفناء، ويعود تاريخها إلى العهد العثماني، أما عن تسميتها بقبة الساعات، فيعود إلى العصر العثماني الذي نقل إليها الساعات الموجودة على باب الجامع، وجعل منها مركز التوقيت.
المحاريب
يوجد أربعة محاريب على خط جدار الحرم، ووفقا للمهندس العباسي موسى بن شاكر، بُني المحراب الأخير خلال مرحلة التشييد الأولى للمسجد. أما المحاريب الباقية فهي:
-
محراب الخطيب
-
محراب الحنفية
-
محراب الحنابلة
واجهة الحرم
واجهة المسجد الحالي
زُيين الفناء والحرم الشريف بواجهة فخمة تزيد المسجد فخامة ووقاراً معروفة بواجهة الحرم، وتقع في الجهة الجنوبية، وتطل على الفناء والذي يضم 25 باباً خشبياً تنفتح مباشرة على الحرم.
ويعتقد المؤرخون أن واجهة الحرم كانت مماثلة للأسلوب والنمط المعماري لبقية الأروقة من حيث تناوب العضائد والأعمدة، وأعيد بناء الواجهة من غير أعمدة بعد حريق وقع عام 1067، وحلَّ محل هذه الأعمدة عضائد يرتفع في منتصفها كتلة فخمة مازالت على وضعها الأصلي، وتتألف هذه الكتلة من ثلاثة أبواب بقناطر نصف دائرية ترتكز على عضادتين يتوسطهما عمودان، وفوق هذه الأبواب الثلاثة قوس كبير يحتوي ثلاثة نوافذ.
وقد وُضِع على جانبي هذه الكتلة برجان صغيران تعلوهما قبتان صغيرتان من الرصاص فوقهما ثلاث تفاحات وهلال من النحاس.
وفي عهد الوليد كانت هذه الواجهة بما فيها مكسوّة بـالفسيفساء، سقط معظمها إثر الحرائق والزلازل على مدار التاريخ، وبقيت على حالها حتى الستينات من القرن الماضي حيث تمت عملية ترميم واستصناع الفسيفساء بإشراف وزارة الأوقاف والمديرية العامة للمتاحف، وكُسيت هذه الواجهة برسوم فسيفسائية مستوحاة من الأسلوب الأموي الأصيل.
قبة النسر
هي إحدى إنجازات الوليد بن عبد الملك وأكبر قبة في المسجد الحالي، وقد جددت هذه القبة في عهد نظام الملك وزير ملك شاه السلجوقي في عام 1075، وقام صلاح الدين الأيوبي بتجديد ركنين منها في عام 1179، واستبدلت القبة الخشبية الأصلية وبنائها من الحجر في أعقاب الحريق الذي وقع عام 1893.
وتقع القبة فوق مركز قاعة الصلاة، بارتفاع 45 متر وقطرها 16 مترًا، وترتكز القبة على طبقة تحتية مثمنة مع اثنين من النوافذ المقوسة على جانبيها، ودُعِمت بأعمدة الممرات الداخلية المركزية.
أما عن تسميتها بقبة النسر فيقول ابن جبير في كتابه أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم: «يشبهها الناس بنسر طائر، كأن القبة رأسه والغارب جؤجؤه، ونصف جدار البلاط عن يمين والنصف الثاني عن شمال جناحاه»
أبواب الكنيسة المسلوبة
تحتوي على أربعة أبواب رئيسية وهي:
-
باب جيرون
هو أحد أبواب الكنيسة المسلوبة الأربعة، ويقع على الحائط الشرقي للجامع ويقابل حي النوفرة، وهو مؤلف من ثلاث فتحات، حيث يوجد في الوسط باب كبير وإلى جانبيه بابان صغيران، أما عن تسميته بـ باب جيرون فتوجد عدة نظريات تشرح ذلك، فالمؤرخون العرب ينسبوه إلى جيرون بن سعد بن عاد، ويعتقد أنه هو الذي بنى مدينة جيرون التي سميت لاحقا بدمشق، ويوجد تحليل آخر للاسم وهو لغوي مشتق من الجذر جار، وهو للدلالة على الأحياء المجاورة، ويطلق على هذا الباب الآن أسم باب النوفرة نسبةً لـ حي النوفرة المقابل له.
-
باب العمارة/باب الكلاسة
هو أحد أبواب الكنيسة المسلوبة الأربعة، ويقع على الحائط الشمالي للجامع تحت مئذنة العروس من ناحية العمارة، وهو مؤلف من بوابة واحدة تطل على صحن الفناء، وقد سُمي بعدة أسماء نذكر منها باب الفراديس، وباب الناطفانيين لكونه كان يطل على الحي المشهور بصناعة الناطف، ويسمى أيضا باب الكلاسة نسبة إلى حي الكلاسة المقابل له، ويعرف أيضاً بباب العمارة نسبةً لحي العمارة القريب منه.
-
باب بريد
هو أحد أبواب الكنيسة المسلوبة الأربعة، ويقع على الحائط الغربي مقابل ساحة المسكية، وهو مؤلف من ثلاث فتحات، حيث يوجد في الوسط باب كبير وإلى جانبيه بابان صغيران، كما أن باب بريد يقابل باب جيرون، ويشرح المؤرخون هذه التسمية بأن بريد هو شقيق جيرون، وهو ابن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح وقد سميت البوابتان الرئيستان باسمهما، ويطلق على هذا الباب أيضا اسم باب المسكية نسبةً لسوق المسكية المقابل له.
-
باب الزيادة
هو أحد أبواب الكنيسة المسلوبة الأربعة، ويقع في الجهة الغربية من الحائط الجنوبي مقابل سوق الصاغة، وهو الباب الوحيد المؤدي مباشرة للحرم، وقد سُمي بهذا الاسم لكونه أُحدث زيادةً في سور المعبد، ويعرف أيضاً باسم باب الساعات في نهاية الألفية الأولى حيث وصفه ابن عساكر بقوله: «سمي بباب الساعات لأنه كان عُمِلَ هناك ساعات يُعلم بها كل ساعة تمضي من النهار»
وقد زودت الكنيسة المسلوبة في كل العهود بساعة شمسية، وساعة فلكية، وساعات أخرى، اختلفت أشكالها وأحجامها باختلاف العصور، وقد اشتهرت منها ساعة وصفها بدقة الرحالة ابن جبير قائلاً:
«كانت تتألف من طاقات صغيرة لها أبواب من النحاس كلما مضت ساعة أغلق واحد منها وقبل اغلاقه تسقط بندقتان من فمي بازين من النحاس في طستين فيسمع لهما دويّ، ولهذه الساعة في الليل تدبير آخر يقوم على وجود ألواح من الزجاج مستديرة عند كل طاقة وخلف كل زجاجة مصباح يدور وكلما انقضت ساعة احمرت الدائرة الزجاجية بأكملها وهكذا في كل ساعة.»
وفي عام 1200، انتقلت هذه الساعات إلى باب جيرون، وانتقلت هذه التسمية أيضاً إلى باب جيرون.
ويعرف باب الزيادة الآن باسم باب الصاغة نسبةً لسوق الصاغة المقابل له. ويسمى أيضا بـ باب القوافين نسبة إلى سوق القوافين القديم وحي القوافين الذي كان موجوداً هناك آنذاك.
ضريح رأس «يوحنا المعمدان»
خلفية تاريخية
في داخل حرم كنيسة يوحنا المعمدان المسلوبة بالقسم الشمالي يقع ضريح النبي «يوحنا المعمدان» وقد أقيم عليه قبة وبناء يشبه القلعة، ذكر المؤرخين في كتبهم أن بعض العمال أثناء البناء عثروا على مغارة بنفس مكان القبر لأن كنيسة “يوحنا المعمدان” كانت قد خربت عمرانياً أيام الاحتلال الإسلامي فنزل إليها “الوليد بن عبد الملك” فوجدوا صندوقاً فيه سلة بداخلها رأس سليم الجلد والشعر الملامح مكتوب عليه أنه رأس «يوحنا المعمدان» فأمر “الوليد” بتركه على حاله وجعل عموداً قائماً على المغارة كعلامة مميزة ثم وضع فوقه تابوت ودوّن عليه اسم النبي «يوحنا المعمدان»
وصف ضريح رأس «يوحنا المعمدان»
المقام تم بنائه بشكل مستطيل ووضع على طرفه الطولي ستة أعمدة من الرخام، وعلى رأس كل عمود يوجد تاج من الحجر الرخامي، وأما على طرفه العرضي تم إنشاء أربعة أعمدة على كل واحد منها تاج من الرخام أيضاً، بين كل عمود وآخر.
يوجد سياج حديدي مزخرف مطلي بلون الذهب وخلف السياج يوجد زجاج لرؤية القبر من الداخل. القبر من الداخل مغطى بقماش أخضر اللون ومكتوب عليه بعض الآيات الكريمة وارتفع فوق البناء قبة متوسطة الحجم وكتب على المقام من الخارج هذا مقام رأس نبي الله «يوحنا المعمدان»
يوجد بقرب القبر جرن حجري كبير وأمامه صخرة أسطوانية الشكل كان المسيحيين يعمّدون به، وعلى الصخرة كان يقف الطفل أمام الشعب المؤمن ويباركه الكاهن وبعد الانتهاء من العماد أي التغطيس بالمياه كانوا يسحبون غطاء صغير من داخل الجرن لتذهب المياه المباركة من قاع الجرن عبر مصرف إلى أراضي زراعية حول الكنيسة قديماً وهذا الجرن والحجر مازالوا موجودين إلى هذا اليوم، وبعد الحريق الكبير الذي تعرض له الجامع الحالي تم بناء قبة لطيفة فوق المقام.
(المصادر :
* كتاب نزهة الأنام في محاسن الشام ، نقلاً عن ابن عساكر ، أهم الوثائق التي تؤرخ لدمشق” )
*سور دمشق وأبوابها ، د/ جوزيف زيتون.
*المقدس /ممدوح صليب
*الشارع المستقيم ” الأب المؤرخ أيوب نجم سميا – مجلة النعمة البطريركية – مجلة الإيمان
ضريح رأس «يوحنا المعمدان»
صورة السيد المسيح لا زالت أثارها باقية على حائط
الجامع الأموي
جرن المعمودية شاهد في الباحة ..
مما يؤكد على أنه كنيسة … يوحنا المعمدان ..
الكتابة اليونانية على مدخل الباب الجنوبي للجامع الأموي ( باب الخضراء ) :
( مُلكُك أيها المسيح إلى أبد الدهور.. وسلطانك إلى جيل فجيل )