كنيسة السيدة العذراء أم الزنار
كنيسة أم الزنار من أقدم الكنائس بالعالم واسمها الرسمي كاتدرائية السيدة العذراء أم الزنار وتقع في محافظة حمص في منطقة الحميديّة بسوريا. هي كنيسة تاريخيّة أثريّة ترقى للقرن الأول ودعيت بهذا الاسم لوجود زنار ثوب مريم العذراء محفوظًا فيها. كانت الكنيسة في أواسط القرن العشرين مقر بطريركية أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، وغدت بعد انتقال الكرسي البطريركي إلى دمشق العاصمة مقر أبرشية حمص وحماه للسريان الأرثوذكس.
تشتهر الكنيسة بنمطها المعماري الفريد، وقد استخدم الحجر البازلتي الأسود في البناء كجامع خالد بن الوليد القريب، فضلاً عن القناطر الحجرية. تحت الكنيسة الحاليّة، يوجد كنيسة تعتبر من أقدم كنائس العالم، ويوجد بقربها نبع ماء يصل لعمق 20 متر. يلحق بالكنيسة مزار خاص يعرض فيه زنار العذراء، وفي 15 أغسطس من كل عام وهو عيد انتقال العذراء ينقل من الكنيسة ويطاف به في الشوارع المجاورة. تمّ في الكنيسة عدة عمليات ترميم أكبرها أواخر القرن التاسع عشر، ومن ثم عام 1953 أيام البطريرك إغناطيوس أفرام الأول برصوم.
والكنيسة الآن مقر المطرانية السريانية ومركز حج هام لكثير من الزوار المؤمنين، ومؤخراً تم التعاون بين المطرانية ووزارة السياحة السورية لإجراء دراسة أثرية حيث تم الاتفاق على إقامة جدران استنادية وإكمال أعمال الحفر والترميم وما زال المشروع قيد التنفيذ. وأهم مرجع تاريخي تحدث عن تاريخ الكنيسة فهو منشور بعنوان «اللؤلؤ المنثور» للبطريرك إفرام برصوم.
التاريخ
التاريخ القديم
يعود تاريخ تشييد الكنيسة التحت أرضيّة لعام 59 وكانت أشبه بقبو تحت الأرض تتم العبادة فيه سرًا خشية من الحكم الروماني الوثني، وذلك على يد إيليا أحد تلاميذ المسيح السبعين؛ وبعد أن أصبحت حمص مقر أبرشيّة كانت الكنيسة كرسي الأبرشية الأسقفي وأقام فيها أول أساقفتها سلوانس قرابة الأربعة عقود حتى وفاته عام 312. بعد صدور ميلانو عام 313 بدأ مسيحيو حمص تشييد كنيسة كبيرة فوق الكنيسة القديمة المحفورة تحت الأرض، واستعملوا في بنائها الحجر الحمصي الأسود، وسَقفوا الكنيسة بالخشب لكن ليست لدينا المعلومات الكافية عن طولها وعرضها وإليها نُقل الزنار المقدس الذي كان محفوظاً بوعاء معدني وضمن جرن بازلتي، أما عمود الجرس أو الجرسيّة فقد بنيت في القرن السادس أو القرن السابع.
بموجب التقاليد المسيحية، فإن الزنار كان من نصيب القديس توما الذي نقله إلى الهند ومكث فيها أربع قرون، حين نقل إلى الرها مع رفات القديس توما، ومنها إلى حمص سنة 476، حيث أن راهبًا يدعى الأب داود الطورعابديني قدم إلى الكنيسة ومعه الزنار وحفظ الزنار في الكنيسة وسميّت الكنيسة نسبة للزنار.
التاريخ الحديث
في عام 1852 قام المطران يوليوس بطرس بترميم الكنيسة، فردم السقف الخشبي وبعض الجدران، وأشادوا الكنيسة الحالية القائمة على ستة عشر عاموداً ضخماً منها ثماني أعمدة وسط الكنيسة والباقي ضمن جدرانها، وأشادوا في وسطها قبة نصف اسطوانية مزخرفة. أما الزنار فقد وضع ضمن جرن بازلتي في وسط المذبح، ووضعوا فوقه حجرًا ونقشوا عليه بالخط الكرشوني تاريخ تجديد الكنيسة وأسماء المتبرعين، وذكروا أنَّ الكنيسة تَرجع لعام 59. في عام 1901 أضيف للكنيسة الجرسيَّة الحالية، وفي عام 1910 وبأمر من السلطان العثماني محمد الخامس جددت الكنيسة، وفي عام 1953 وخلال حبرية البطريرك إغناطيوس أفرام الأول برصوم تم إخراج الزنار من وسط المذبح، وعرضه في مزار صغير مجاور للكنيسة؛ وفي عام 1954 قام البطريرك أفرام الأول برصوم بتوسيع الكنيسة لجهة الغرب وإضافة جناح لها.
أما خلال الحرب السورية الأخيرة، تعرضت الكنيسة للدمار وألحق بها بعض الأضرار الخارجيّة. كما احترق عدد من المحلات المجاورة، في حين نفت المطرانية أن تكون الكنيسة بحد ذاتها قد نُهبت أو أن يكون الزنار قد سُرق وقالت إن الأضرار في الكنيسة خارجيّة فقط.
كانت عمليات الترميم مستمرة في الكنيسة، لا سيما في الجزء الخاص بمزار الزنار الملحق بالكنيسة التي تم إنجازها.
والآن تعتبر الكنيسة مقر المطرانية السريانية الأرثوذكسية ومركز حجّ مهمّ لكثير من الزوار المؤمنين. ومؤخرًا تم التعاون بين المطرانية ووزارة السياحة السورية لإجراء دراسة أثرية فيها، حيث تم الاتفاق على إقامة جدران استنادية وإكمال أعمال الحفر والترميم فيها.
قصة الزنار الذهبي
يروي الأب زهري خزعل، القائم على شؤون الأبرشية حاليًا، رؤيا القديس توما بعد وفاة السيدة مريم بثلاثة أيام، حيث رآها تصعد إلى السماء محمولة في موكب ملائكي عجيب، فأخذ بركة الجسد الطاهر، وطلب علامة، ليبين لأخوته التلاميذ، حقيقة صعود العذراء بلا جسد إلى السماء، فأعطوه “الزنار المقدس”، فحمل الزنار حتى وفاته حيث دفن الزنار مع رفاته، ونقل بعدها إلى مدينة حمص سنة 476م.
وفي رواية أخرى وبموجب التقاليد المسيحية، فإن الزنار كان من نصيب القديس توما الذي نقله إلى الهند، ومكث فيها أربعة قرون، حيث نقلها إلى مدينة الرها مع رفات القديس توما، ومنها إلى حمص سنة 476م، حيث أن راهبًا يدعى الأب “داود الطور عابديني” قدم إلى الكنيسة في طريقه إلى القدس، ومعه الزنار وبسبب مرض ألم به منعه من إكمال رحلته، حفظ الزنار في الكنيسة التي تلقبت نسبة له.
الزنار منسوج بخيوط الصوف والحرير وموشى بالذهب، وجد في علبة أسطوانية من الفضة المتأكسدة كانت في جرن ضمن مذبح الكنيسة، ويقول الأب خزعل إن هذا الاكتشاف جاء من قبل البطريركية اعتمادًا على وثائق خفية عثرت عليها، أشرف عليها البطريرك إفرام برصوم في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، والذي تواصل مع الجهات المختصة لإجراء عمليات التنقيب، وتم الكشف عن الزنار في سنة 1953م.
يخبرنا الأب طوني حنا أن الزنار محفوظ حاليًا في الأبرشية بعد الأحداث التي ضربت المدينة، وعند انتهاء عملية إنجاز المزار الخاص به سيعرض للزوار، ولا يتم إخراجه حاليًا إلا في الخامس عشر من آب/ أغسطس من كل عام، وهو عيد “انتقال العذراء” حيث ينقل من الكنيسة، ويتم الطواف به في الشوارع المجاورة.
“الزنار محفوظ في الأبرشية بعد الأحداث التي ضربت المدينة، وعند انتهاء عملية إنجاز المزار الخاص به سيعرض للزوار، ولا يتم إخراجه حاليًا إلا في الخامس عشر من آب/ أغسطس من كل عام، وهو عيد “انتقال العذراء””
من ملجأ إلى كنيسة فأبرشية
أتجول مع القس طوني حنا في أرجاء الكنيسة حيث حدثني عن تاريخ هذه الكنيسة الأخاذة قائلًا إن تاريخ تشييد الكنيسة التحت أرضيّة يعود لعام 59، وهي تقع أسفل الكنيسة المشادة حاليًا التي تتسع لـ 500 مصل. ننزل إليها عبر درج بجوار الكنيسة. وهي أشبه بقبو تحت الأرض كانت تتم العبادة فيه سرًا خشية من الحكم الروماني الوثني، وذلك على يد إيليا، أحد تلاميذ المسيح السبعين؛ وبعد أن أصبحت حمص مقر أبرشيّة كانت الكنيسة كرسي الأبرشية الأسقفي وأقام فيها أول أساقفتها سلوانس قرابة الأربعة عقود حتى وفاته عام 312.
ويتابع طوني قائلًا: إن الكهف القديم كان يسع حوالي 30 مصليًا، ولم يكن يضم أي علامات علي أن هذا المكان “كنيسة”، خوفًا من تعرض المؤمنين للاضطهاد، الذي كان يتعرض له المؤمنون حينها، وعقب انتشار الديانة المسيحية بنيت كنيسة من الحجر الأسود، مارس فيها المصلون شعائرهم الدينية، ثم ردموها وبنوا الكنيسة الحالية الضخمة التي تتسع لـ 500 مصل. وفي عام 313 بدأ مسيحيو حمص تشييد كنيسة كبيرة فوق الكنيسة القديمة المحفورة تحت الأرض، واستعملوا في بنائها الحجر الحمصي الأسود، وسَقفوا الكنيسة بالخشب وإليها نُقل الزنار المقدس الذي كان محفوظًا بوعاء معدني وضمن جرن بازلتي، أما عمود الجرس أو الجرسيّة فقد بنيت في القرن السادس أو القرن السابع. وفي عام 1852 قام المطران يوليوس بطرس بترميم الكنيسة، فردم السقف الخشبي وبعض الجدران، وشيدوا الكنيسة الحالية القائمة على ستة عشر عامودًا ضخمًا منها ثمانية أعمدة وسط الكنيسة والباقي ضمن جدرانها، وشيدوا في وسطها قبة نصف أسطوانية مزخرفة. أما الزنار فقد وضع ضمن جرن بازلتي في وسط المذبح، ووضعوا فوقه حجرًا ونقشوا عليه بالخط الكرشوني تاريخ تجديد الكنيسة وأسماء المتبرعين، وذكروا أنَّ الكنيسة تَرجع لعام 59. في عام 1901 أضيف للكنيسة الجرسيَّة الحالية، وفي عام 1910 وبأمر من السلطان العثماني محمد الخامس جددت الكنيسة.
وفي عام 1953 وخلال حبرية البطريرك إغناطيوس أفرام الأول برصوم تم إخراج الزنار من وسط المذبح، وعرضه في مزار صغير مجاور للكنيسة؛ وفي عام 1954 قام البطريرك أفرام الأول برصوم بتوسيع الكنيسة لجهة الغرب وإضافة جناح لها. كانت المنطقة التي تحوي الكنيسة، قد شهدت عدة اضطرابات منذ بداية الأحداث السورية عام 2011. فتم وفقًا للأب طوني حنا إفراغ الكنيسة مؤقتًا من محتوياتها قبل أن تعود لها الحياة بعد عام 2014م .