الزواج الذي لا طلاق فيه!
العدد السادس عشر – الأحد 3 أيلول 2006
سؤال: “هل يحلّ للرجل أن يُطلِّق امرأته لكل علّة؟”
جواب: “ما جمعه الله لا يفرقه إنسان”.
سؤال: “لِمَ أوصى موسى أن يُعطى كتابُ طلاق فتُطلَّق؟”
جواب: “لقساوة قلوبكم أذِن لكم أن تُطلِّقوا نساءكم. وأقول لكم مَن طلَّق امرأته إلاّ لعلّة الزّنا وتزوّج بأخرى يزني. والذي يتزوّج بمطلّقَةٍ يزني”.
هذا الكلام الذي استعرناه من أنجيل متّى (الإصحاح 19) يؤكّد أمرَين:
أولاً . أنّه، في فكر الله، لا مكان للطلاق تحت أي ظرف.
ثانياً . أنّ الطلاق من قساوة قلوب الناس. والله يأذن به رأفة بالعباد “لتستطيعوا أن تحتملوا” (1 كو 10: 13).
لكن الأمر خاضع للضبط حتى لا يستسلم أحدٌ للفساد، في حركة شرود عن الله، على رجاء التأدّب بتنازل الله وطول أناته وحُسن إمهاله.
مَن شاء أن يَعدل، إذاً، من جهة الله، فلا يطلِّقن!
لِمَ لا وما دلالة الطلاق؟
كلٌّ، في مؤسّسة الزواج، للآخر، رمزٌ للعالم بأسره. علاقتك بشريكك تنمّ عن علاقتك بكل الناس.
إذا ما أحببتَ إنساناً واحداً، شريكَك، في حميميتك، من كل القلب ومن كل النفس ومن كل القدرة، فكأنّك، كيانياً، قد أحببت العالم كلّه. لا همّ، بعد ذلك، مَن تلتقي ومَن لا تلتقي. تخرج من نفسك إليه، كائناً مَن كان. تتّخذه، تحتضنه، سيّان أعَلى قُربٍ أو على بُعد. الحبُّ يتخطّى، أبداً، حدود السمع والبصر. ليس هو مجرّد شعور وعاطفة بل موقف كياني عميق. كذلك، إذا ما تخلّيتَ عن إنسان، ولو واحد، فكأنك تتخلّى عن العالم كلّه. لا فرق، بعد ذلك، مَن تُسبِغُ عليه عواطفك. هذا يكون من هواك وبنات مزاجك، ولا تكون قد أحببت بحال. لذلك، إلى الطلاق، أمران يُجهضان حقيقة الزواج الداخلية ولو انحفظ شكله الخارجي:
– الأنانية الفردية : أن يكون أحد الزوجَين لنفسه والآخر تابعاً له، نجماً في فلكه.
– الأنانية الثنائية : أن يكون الجامعُ بين الاثنين نوعاً من “المصلحة المشتركة” بإزاء العالم، شيئاً من روح القبيلة.
في مقابل ذلك، للزواج، حتى يحيا ويُحيي، شرطان:
1- أن يطلب كلٌّ لا ما لنفسه بل ما لشريكه:
الشريك مدرسة فيها يتعلّم الشريك التماس ما لله في شريكه. الشريك أمانة وروض وامتحان. هذا ما يعادل أن يلتمس كلٌّ ما لخير شريكه.
2 – أن يطلب الشريكان معاً، كوحدة واحدة، كجسد واحد، ما لله أولاً ثمّ ما للآخَرين :
كمثل ما يطلبان ما لنفسيهما، لأنّ الوصيّة الثانية والعظمى هي هذه: “أحبب قريبك كنفسك”.
الآخَر معين: معين إلى الله والإخوة.
هذا كلّه يتطلّب نسكاً ونسكاً شديداً. ليس النسك ما له علاقة بالصوم والسهر والسجود والدموع والصلوات وحسب.
النسك، في العمق، أن تخرج من دبوقة نفسك وأهوائك وذاتيتك إلى جفاف صحراء الآخر، إلى صحراء شريكك.
الآخر صحراء. كلّما دنوتَ منه اعتورتك، بشرياً، الخيبةُ من جهته. يبدأ الإنسان كتلة أهواء ذات منحى ذاتي، لذا يبدو الآخر، متى شرعت تستعرفه، تحدّياً وإزعاجاً… وجحيماً.
لذا، بعد أن تزول القشور، قشورُ الحبّ والخيال والظنّ، في تعاملك مع شريكك، تتقلّص تعزياتك البشريّة ويمسي ما لديك في مصاف العاديّات.
إذ ذاك تَخبر الصحراءَ ويبدأ مسيرُك إلى وجه شريكك في الحقّ. هذا إن أخذت تُفرِغ نفسك وثبتَّ يُفرِعُ فيك الحبُّ الأصيل من ربّك. الزواج مسيرٌ عبر الصحراء والبحر الأحمر المخضّب بدم الصبر والجهاد والاتضاع والتعب والثبات إلى الأرض الزاخرة باللبن والعسل
إلى أرض الميعاد، إلى أورشليم العلويّة. الشريك إلى شريكه صليبٌ إلى قيامة حقّانيّة، إلى حبّ لا يسقط أبداً، تؤسّسه بنعمة ربّك والأتعاب والأعراق والدموع والأسهار والصلوات
أليس هذا ما تعمر به صحارى الناسكين؟
تمتدّ في آفاق شريكك فيمدّك ربّك عموداً في كنيستك. الحبّ الذي تذخر به نفسُك، إذ ذاك، يكون من ربّك.
لذلك تقتني مع الحبّ سعة. يجعلك ربُّك لوحةً منه يكتب عليه كلماتِه، إيقونة، فتلقاه فيك شاملاً البشريّةَ جمعاء فلا يعود بينك وبين أحد، في الدنيا، حاجزٌ لأنّ الذي أزال الحاجز المتوسّط بات مستوطناً فيك.
مَن حَسِب النسك للرهابين أخطأ. طالما الصليب لمَن شاء أن يتبع المعلّم على درب الكمال الإنجيلي فإنّ النسك للجميع. كلُّه نسك. لا فرق في النوع بل في الأشكال والألوان. كل يختطّ ما تتحرّك نفسه إليه. لا ينمو، فقط، في النعمة والقامة مَن سلك درباً دون سواه، بل كلّ يُسهم في اكتمال فسيفساء الكنيسة. الكل ينمو بالكل ويكون الكلّ لبنيان الجميع. بالأعضاء الكثر تكمل وحدة الجسد الواحد ويتآزرون.
القِبْلة، في نهاية المطاف، أن تكون الكنيسة العروسُ إلى ختنها. كلُّ عرس إلى عرس المسيح والكنيسة
“لأنّنا أعضاءُ جسمه من لحمه ومن عظامه” (أف 5: 30).
في هذا العرس كلٌّ عروس، الراهب في ديره والناسك في منسكه والكاهن في رعيّته والزوجان في العائلة. الكل بحاجة للآخَرين.
ما شاء الربّ الإله التنوّع في المواهب الفضلى إلاّ توقيراً للشخصانيّة المحبّية التي من دونها ما كان ثالوث ولا كانت بشريّة، ولكيما، بالتنوّع، تبرز وحدانية الروح الذي يجمع الكل، في الكلمة، إلى واحد ليصير الآب الكلَّ في الكل.
يوم يتحقّق ذلك يكون الزواج الكياني قد بلغ مآله الكوني في الله ولا يكون، بعدُ، طلاق.
Discussion about this post