محبسة مار بطرس وبولس – عنايا
مدرسة القداسة على خطى مار شربل
على قمّة جبل عنّايا، تربو محبسة مار بطرس وبولس يقصدها الملايين من كلّ أنحاء المسكونة ليجدوا سكون العالم في زواياها ويتنشّقوا رائحة قداسة نثرها نسّاك عاشوا فيها، ويشتمّوا عبير قدّيسهم الأحبّ مار شربل الّذي دخلها في 15 شباط/ فبراير 1875 وسكنها مدّة ثلاثة وعشرين سنة حتّى فارقت روحه جسده في 24 ك1/ ديسمبر 1898.
حصل شربل على إذن الاستحباس بعد أن تمّت أعجوبة السّراج. ففي إحدى اللّيالي، طلب شربل من الخادم أن يملأ له السّراج زيتًا، فملأه ماء. ولكن ها إنّ السّراج يضيء! الأمر الّذي جعل رئيس الدّير يقتنع بضرورة السّماح لشربل أن ينتقل من دير مار مارون إلى المحبسة.
ولادة محبسة القديسَيْن بطرس وبولس-عنّايا
في العام 1798، بدأ يوسف بو رميا وداود عيسى خليفة (من إهمج) بناء محبسة القديسَيْن بطرس وبولس التابعة لدير مار مارون- عنّايا على تلّة رويسة عنّايا التي يبلغ ارتفاعها 1350 مترًا عن سطح البحر، بهدف عيش النسك والزهد، وأنهيا أعمال بنائها في العام 1811.
وحملت المحبسة اسم دير «تجلّي الربّ»، وتألّفت من 6 صوامع صغيرة وكنيسة تحمل اسم وأيقونة مار بطرس وبولس ، يفصلهما رواق ينتهي بغرفة للحطب. يستقبل تمثال القديس شربل ذو اللون السكّري الزائرين مما يضفي خشوع على المكان.
من ثمّ، حوّل البطريرك الماروني يوحنا الحلو في 9 أغسطس/آب 1812 اسم الدير من دير التجلّي إلى دير مار بطرس وبولس.
سكن يوسف وداود الدير الذي شيّداه وجمعا فيه بعض الشبّان من إهمج وألبساهم الزيّ الرهباني، وأصبحا راهبَيْن منفردَيْن غير منضويَيْن في جماعة رهبانيّة، فدُعِيَ الأوّل بالأخ يوسف والثاني بالأخ بطرس، وارتقى الأخير إلى الدرجة الكهنوتيّة.
من دير إلى محبسة
طلب يوسف وداود من الرئيس العام للرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة آنذاك الأب إغناطيوس بليبل في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 1814 إرسال كاهن من الرهبانيّة ليكون راعيًا ومرشدًا لأهالي إهمج الذين يقطنون قرب هذا الدير، وفوّضا إليه حقّ التصرّف بهذا المبنى والأرض التابعة له بموجب مرسوم وجّهه البطريرك يوحنا الحلو إلى الأب العام، ودخلا الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة، وظلّ الأخ يوسف في دير مار مارون-عنّايا حتى وفاته في 7 مايو/أيّار 1853.
في العام 1820، قرّرت الرهبانيّة تأسيس دير جديد في ذلك الموضع يحمل اسم مار مارون، فلم يَرُقْ موقع دير مار بطرس وبولس للأب بليبل لوعورة أرضه وتعرّضه للعواصف والصقيع، فاختار التلّة التي بُنِيَ عليها دير مار مارون حاليًّا.
أمّا دير القديسَيْن بطرس وبولس، فتحوّل إلى محبسة في العام 1828 أي في السنة التي انتهى فيها البناء الأول في دير مار مارون – عنّايا وهي السنة التي وُلِدَ فيها مار شربل.
حبساء عنّايا الأبرار
كان الأب إليشاع كسّاب الحرديني أوّل حبيس دخل المحبسة من أبناء الرهبانيّة اللبنانيّة المارونيّة، وهو شقيق القديس نعمة الله الحرديني.
وسكن محبسة مار بطرس وبولس حبساء أبرار طبعوها بحبّهم اللامتناهي لله، وهم: الأب يوحنا العاقوري، والأب يواكيم الزوقي، والأب ليباوس الراماتي، والأب مكاريوس صوما المشمشاني، والأب أنطونيوس الغلبوني، والأب أنطونيوس الحصاراتي، والأخ بطرس المشمشاني، والأخ مخايل التنّوري، والأب أنطونيوس قزحيّا، والأب الياس أبي رميا الإهمجي، وهو آخر حبيس سكن هذه المحبسة، إذ بعد العام 1950، انتشرت عجائب قديس عنّايا وتحوّلت المحبسة إلى مزار عالمي.
أمّا القديس شربل مخلوف (8/5/1828-24/12/1898)، فدخل المحبسة في 15 فبراير/شباط 1875 أي بعد وفاة الأب أليشاع الحرديني ومات فيها.
“محبسة العجايب”
محبسة العجائب… مدرسة الحبساء الأتقياء المنحنية على تلّة صامتة… كأنّ الله اختار هذا المكان المقدّس ليكون جبلَ تجلٍّ جديدًا لأن الأسماء التي حملتها هذه التلّة وجوارها مستوحاة من الأراضي المقدّسة، مثل قمّة عنّايا «جبل التجلّي»، وطورزيا «طورزيت جبل الزيتون»، و«صخرة قيافا» إلى الشمال، ومعبد «يواكيم وحنّة» إلى الغرب.
وتبقى محبسة عنّايا شاهدة على قلوب مشتعلة بالإيمان اختارت العزلة كي تلتقي إلهها في صمت وخشوع لتلد أبرارًا وقديسين عبروا القارات بسيرة حياتهم الناضحة بالحبّ الإلهي وتجلّياته.
المؤمنون يؤمّون المكان ليسمعوا صمت شربل المتجلّي في ظلال الشّجر المزروع على الدّرب صعودًا نحو “محبسة العجايب”. يقصدونها كبارًا وصغارًا، بعضهم يأتونها حفاة الأقدام وفاء لنذوراتهم، وآخرون يتمتمون كلمات نابعة من قلوب تقيّة حمل أصحابها كلّ نواياهم الدّفينة ليضعونها عند أقدام شربل السّكران بالله.
في غرف المحبسة رهبة استثنائيّة تلمس الفؤاد في كلّ مرّة تدخل إليها، وتشعل فيك شرارة الإيمان. هناك، حيث صلّى شربل وصمت وصام وأكل ونام وعمل بكدّ في الحقل، لا يزال السّراج مشتعلاً. لا يزال حضوره ملموسًا.. تشعر وكأنّه بجانبك، تتخيّله راكعًا أمام القربان على طبق القصب الخاصّ به، فتناجي الرّبّ بإلهام منه. تتمنّى لو تراه نائمًا على فراشه أو جاثيًا أمام صورة العذراء مريم. ترغب لو تمسك معوله وكلّ تلك الأدوات المعروضة في غرف المحبسة فتأخذ بركة الرّاهب العامل.
هناك عاش شربل مجاورًا السّماء مصلّيًا هامسًا في أذن الله مناجيًا.. هناك “تبارك الّذي نشر في الكون آيات الرّبّ أطيب من الطّيب وأشهى من الميرون وأذكى من الرّيحان”. واليوم في ذكرى دخوله إلى المحبسة، نصلّي بدورنا إلى الله بشفاعة الرّاهب النّاسك القدّيس، مردّدين معه صلاته: “يا أبا الحقّ، هوذا ابنك ذبيحة ترضيك!” لكي يتحوّل قلب كلّ واحد منّا إلى الطّاعة والعفّة والفقر فنحبّ يسوع ونخدمه حتّى السّاعة الأخيرة، آمين!
محبسة عنّايا في الماضي
كنيسة القديسَيْن بطرس وبولس في محبسة عنّايا
المصدر:
صفحة آسي مينا
#saint_charbel_radio #إذاعة_مار_شربل