كاتدرائية آيا صوفيا في كييف
كاتدرائية القديسة صوفيا هي كاتدرائية مدينة كييف يعود تاريخ بنائها إلى حكم كييف روس، اليوم هي واحدة من أهم المعالم في أوكرانيا ومدرجة ضمن مواقع التراث العالمي مع دير كهف كييف، اسم الكاتدرائية أتى من أيا صوفيا وألتي كانت موجودة في القسطنطينية وقد بُنيت في سنة 989 ميلادية
هي من أروع الآثار لفن العمارة الروسي القديم وكاتدرائية رئيسية لمطارنة كييف في الماضي. بنيت كاتدرائية آيا صوفيا من قبل الأمير يارروسلاف الحكيم تذكاراً لانتصاره العظيم على جيش قبائل البجناك الضخم في عام 1037. يتراوح تاريخ وضع حجر أساسها في المدوّنات التاريخية المختلفة بين عام 1017 أو 1037. كان الهدف من إنشاء هذه الكنيسة الضخمة إثارة الوعي الديني عند الروس والتبشير عن طريق فنّ العمارة وبهاء الخدمة الكنسية. كانت الكاتدرائية مثل سمّيتها البيزنطية مكرّسة للحكمة الإلهية، وصارت مركزاً اجتماعياً وثقافياً لروسيا الكييفية، حيث كانت تتمّ فيها مراسم تنصيب الأمراء على العرش واستقبال السفراء ويجتمع عند جدرانها مجلس الشعب وأنشئت فيها أوّل مكتبة في روسيا الكييفية.
♱ تاريخها
بنيت الكنيسة على يد المعماريين البيزنطيين وزُيّنت من قبلهم أيضاً. بالرغم من أعمال الترميم وإعادة البناء في العصور اللاحقة، يمكن اعتبار هذه الكنيسة نموذجاً لفن العمارة البيزنطي ليس في روسيا الكييفية فقط، بل في أوروبا كلها، وهي بناء وحيد يبقى قائماً منذ القرن الحادي عشر على أراضي روسيا التاريخية.
كانت الكاتدرائية في عصر ياروسلاف الحكيم محاطة بالكنائس الحجرية وقصور النبلاء وبيوت أهل المدينة. ولكن لم يصل إلى أيامنا هذه إلا أطلال البوابة الذهبية وهي المدخل الرئيسي إلى كييف آنذاك.
الشكل الأوّلي للكاتدرائية كان طويلاً ويشبه الهرم، يتكوّن من خمسة أقسام. كان التصميم الداخلي والخارجي يبرز شكل الصليب. كانت القبّة الرئيسية محاطة بأربع قباب أصغر حجماً، وعلى أركان الكاتدرائية ثماني قباب صغيرة جداً. كان طول الكاتدرائية (بدون الأروقة) 29 متراً ونصف وعرضها أكثر من 29 متراً، وارتفاعها حتى قمّة القبّة الرئيسية 28 متراً ونصف، علماً بأن الكنائس في بيزنطة في ذلك العصر كانت أصغر حجماً وكان لها 3 أقسام وقبّة واحدة فقط. في نفس الوقت كان لشكل كاتدرائية آيا صوفيا رمزية عميقة: كانت القبّة الرئيسية للكنيسة في فن العمارة البيزنطي ترمز إلى رأس الكنيسة أيْ المسيح، والقباب الاثنتا عشرة الأصغر حجماً كانت ترمز إلى الرسل، وأربعة منها ترمز إلى الإنجيليين.
لا تزال الرسومات الجدارية الأصلية الرائعة من الفسيفساء موجودة في الكاتدرائية وهي ترجع إلى القرن الحادي عشر. داخل القبّة توجد صورة المسيح الضابط الكل وحوله أربعة من رؤساء الملائكة.
في الثلاثينات من القرن السابع عشر تسنّى لمطران كييف بطرس موهيلا الحصول على موافقة الملك البولندي فلاديسلاف الرابع على إرجاع كاتدرائية آيا صوفيا المخرّبة إلى الكنيسة الأرثوذكسية وترميمها. فقام بترميمها وأسّس ديراً للرجال فيها وجعلها مقرّاً لكرسي مطارنة كييف من جديد، فاحتفظت الكاتدرائية بهذه الصفة حتى بداية القرن العشرين. في عام 1654 أقرّ أهل كييف في الكاتدرائية قرار “مجلس بيرياسلاف” بقيادة الهيتمان (الأتامان) بوغدان خميلنيتسكي حول إعادة اتحاد أوكرانيا وروسيا.
في العشرينات من القرن العشرين استولى على الكاتدرائية أتباع الانشقاق الكنسي الأوكراني. ولكن سيطرتهم لم تدم طويلا. كانت السلطات البلشفية في البداية تدعم الانشقاق وهي تهدف إلى تدمير الحياة الكنسية في أوكرانيا عن طريقه. ولكن لم يتبع المنشقين إلا عدد ضئيل من الناس، فانفكّت السلطات السوفييتية عن دعم الانشقاق. في عام 1934 تم إغلاق كاتدرائية آيا صوفيا وفي عام 1935 أُعلنت هذه الكنيسة القديمة محمية معمارية تاريخية حكومية “متحف صوفيا”. على كل حال كان نصيبها أحسن مقارنة مع دير القديس ميخائيل وكاتدرائية الرقاد للافرا المغاور وغيرهما من كنائس كييف العريقة التي تم تدميرها في الحقبة السوفييتية.
✥ صورة والدة الإله “أورانتا”
أشهر فسيفساء للكاتدرائية هي صورة والدة الإله المعروفة باسم “أورانتا” (معناها باليونانية “المصلّية” ويسمّونها في روسيا أيضاً “سور لا ينهدم”) وهي موجودة في الجزء العلوي من انحناءة الهيكل الرئيسي. هذه الصورة هي السائدة في الكاتدرائية وأيقونتها الرئيسية. ارتفاعها حوالي 6 أمتار. عند صعودك الطابق الثاني للكاتدرائية المخصّص للأمير والنبلاء تفهم بأن صورة والدة الإله على الأيقونة الرئيسية تظهر بشكل مختلف: عندما تعبر عتبة الكنيسة تجد “أورانتا” كأنها تخطو خطوة نحوك، وإذا نظرت إليها من الهيكل تراها جالسة على العرش، ولكن من الطابق الثاني ترى أن والدة الإله في الحقيقة واقفة وهي ترفع يديها في الصلاة.
كان أهل كييف يربطون بصورة “أورانتا” منذ قديم الزمان معانٍ ميستيكية خاصّة وكانوا يؤمنون بأنه ما دامت “أورانتا” موجودة في آيا صوفيا ستبقى كييف قائمة. “أورانتا” هي رمز لكييف الخالدة. كانت العصور تتلاحق والكاتدرائية تتعرّض لغارات ونهب ويتمّ ترميمها، ولكن “أورانتا” كانت تبقى كما هي وكأنها ترس يحمي كييف بالصلاة.
★ ملاحظة:
كان في الكاتدرائية حوالي 100 ضريح من بينها تابوت الأمير ياروسلاف الحكيم (الذي لا يزال موجوداً اليوم) وأضرحة أبناء سلالته التي لم تصل إلى أيامنا هذه. في عام 1240 تم نهب الكاتدرائية وتدميرها جزئياً على يد جنود المغول بقيادة باتو خان. ولكن آيا صوفيا كانت لا تزال في ذلك العصر مقرّاً للمطارنة الروس، وكانت الخدمة تستمرّ فيها بالرغم من التخريب. في أواخر القرن الرابع عشر قام المطران كبريانوس بإعادة ترميمها. في عام 1596 بعد عقد اتحادية برست استولى الروم الكاثوليك الوحدويون على كاتدرائية آيا صوفيا لثلاثة عقود من الزمن (ولكن تمكّن أهل كييف الأرثوذكس من صدّ محاولات الوحدويين في الاستيلاء على لافرا مغاور كييف وكنائس كييف الأخرى). أثناء سيطرتهم تدهورت حالة الكاتدرائية أكثر.