من هي مريم المجدليّة؟
من هي الشاهدة الأولى للربّ القائم من الموت؟ إنّها القدّيسة مريم المجدليّة.
أمام التساؤلات حول من كانت الشخصيّة الأولى التي رأت وشَهِدَت للربّ يسوع بعد قيامته من بين الأموات؛ يأتي الجواب واضحاً وجميعنا نعرفه، هي مريم المجدليّة. وهذا صحيح. فكيف عرفنا ذلك؟
أوّلاً، من الكتاب المقدّس:
في إنجيل القدّيس مرقس يقولها بشكل واضح: “قام يسوع فجر الأحد، فتراءى أوّلاً لمريم المجدليّة” (مرقس 16: 9).
ويؤكّد لنا إنجيل القدّيس يوحنّا في الفصل 20 منه أنّ مريم المجدليّة جاءت فجر يوم أحد القيامة إلى قبر المسيح، فرأته فارغاً. وها هو يتراءى لها لتظنّه البستانيّ أوّلاً إلى حين يناديها باسمها: “مريم”! فزلزل صوتُهُ قلبها المضطرب وصرخت له: “رابّوني”!
إنّ الآيات من 1 إلى 18 في الفصل 20 من إنجيل يوحنّا تكشف لنا حقيقةً أنّ مريم المجدليّة كانت الشاهدة الأولى للمسيح القائم والمبشِّرة الأولى به.
ثانياً، تعليم آباء الكنيسة:
إنّ مريم المجدليّة، الشاهدة الأولى للقيامة، تكلّم عنها وعن لقائها بالمسيح القائم من الموت، تقريباً كلّ آباء الكنيسة، وقد لا تكفي الصفحات لنستعرض كلّ ما علّموه وقالوه إنطلاقاً طبعاً من دراستهم وتأمّلهم في الكتاب المقدّس. إلّا أنّ البابا القدّيس غريغوريوس الكبير (القرن السادس) قد وصفها بكلمات رائعة قائلاً بأنّها “شاهدة الرحمة الإلهيّة”.
وقد قال القدّيس بيدا (القرن الثامن) أنّ مريم المجدليّة هي “التلميذة الأولى التي شاهدت المسيح القائم والأولى التي أعلنت للرسل قيامة المسيح”.
ثالثاً، ما تقوله وتعلّمه الكنيسة:
في الرسالة البابويّة Mulieris Dignitatem، يؤكّد البابا القدّيس يوحنّا بولس الثاني هذا الموضوع قائلاً بوضوح: “إنّ الإنجيل يسلّط الضوء على الدور الخاصّ لمريم المجدليّة. فهي الأولى التي التقت بالمسيح القائم. لهذا السبب يُطلق عليها لقب “رسولة الرسل”، مريم المجدليّة كانت الشاهدة بالعين للمسيح القائم قبل الرسل، ولهذا السبب، كانت أوّل من شهدت للقيامة أمام الرسل”.
ثمّ أعاد وأكّد مرّة أخرى هذا الأمر خلال صلاته للتبشير الملائكي يوم 22 تمّوز 2001 أنّ “مريم المجدليّة تلميذة المسيح هي الشاهدة الأولى لقيامته”.
وفي بركة عيد قيامة المسيح الخاصّة Urbi et Orbi يوم أحد القيامة في 8 نيسان 2012، قال قداسة البابا بنديكتوس السادس عشر: “لِيَصل إليكم جميعاً صوت الكنيسة المُبهِج، مع كلمات الترنيمة القديمة التي تأتي من شفاه مريم المجدليّة، الأولى التي شاهدت يسوع القائم في صباح يوم القيامة. هي التي ذهبت مُسرعةً إلى الرسل، وقلبها يخفق، قائلةً لهم: لقد رأيتُ الربّ”!
في 3 حزيران 2016، أقرّ مجمع العبادة والأسرار، بطلب من قداسة البابا فرنسيس عيد القدّيسة مريم المجدليّة كعيدٍ رسميّ وكبير في الكنيسة الجامعة، وذلك لأنّها “الأولى التي رأت القيامة والأولى التي أعلنت المسيح القائم والشاهدة الأولى للرحمة الإلهيّة”.
وهذا ما أعاده قداسة البابا فرنسيس في المقابلة العامّة يوم 17 أيّار 2017 قائلاً إنّ مريم المجدليّة “بحسب الأناجيل هي أوّل من رأت يسوع القائم… وكم هو جميلٌ أن نعرف أنّ ظهور المسيح القائم الأوّل، ودائماً بحسب الأناجيل، جاء بطريقة هكذا شخصيّة”!
لماذا مريم المجدليّة هي أوّل من رأت والتقت بالمسيح القائم؟
قد يتبادر إلى أذهاننا هذا السؤال، وقد نتساءَل ألم يكن بالأجدر أن يتراءى المسيح أوّلاً لأمّه العذراء مثلاً، أو لبطرس أو يوحنّا أو أحد رسله؟ إلّا أنّ ما يكشفه لنا الكتاب المقدّس هو في غاية الأهميّة والروعة.
إنّ صورة مريم المجدليّة انطبعت دائماً بصورة المرأة الخاطئة، التي طرد منها يسوع سبعة شياطين. فكم هو رحومٌ إلهنا، كم أنّ رحمته عظيمة لكي يختار هذه الامرأة التي خطئت كثيراً، ولكنّها أحبّته أكثر، لكي يظهر لها؛ وذلك ليقول لنا أنّ رحمته هو القائم من الموت لا حدّ لها، فهي تختار الأضعف لكي تظهر له جمال المسيح القائم والمنتصر على الخطيئة والشرّ والموت. إنّ مريم المجدليّة هي حقًّا “شاهدة الرحمة الإلهيّة” بامتياز!
وسأنهي كلامي هذا، بكلمات لقداسة البابا بنديكتوس السادس عشر الذي يقول في 11 نيسان 2007: “ماذا أقول في مريم المجدليّة؟ باكية، بقِيَت قُرب القبر الفارغ مع رغبتها الوحيدة في معرفة أين أخذوا سيّدها. ثمّ وجدته وعرفته عندما ناداها باسمها”. إنّ مريم المجدليّة هي شاهدة الفصح، بكلّ ما للكلمة من معنى، هي الامرأة التي اتّضعت، أحبَّت، بقيَت أمينة، وشَهِدَت؛ ذلك لأنّها تابت. ويكمل قداسة البابا قائلاً: “مريم المجدليّة اكتشفت أنّ القبر كان مفتوحاً وفارغاً، وخافت لحظتها أن يكون جسد الربّ قد أُخِذَ. حينها ناداها المسيح باسمها، وحصل في داخلها تغيّر عميق: تحوّل اليأس والضياع إلى فرح وحماس. وباهتمامٍ كبير توجّهت إلى الرسل وأعلنت: لقد رأيتُ الربّ”!
أعطنا ربّنا يسوع القائم من الموت، أن نعرفكَ عندما تدعونا بأسمائنا، ونهتف لكَ مع القدّيسة مريم المجدليّة، الشاهدة الأولى لقيامتكَ: “رابّوني”! آمين.
منقول من صفحة الله محبة