شهادات من القرون المسيحية الأولى في تكريم والدة الإله
١- بدء تكريم والدة الإله:
– تعريف:
لوالدة الإله مكانة كبيرة في الكنيسة وحياة المؤمنين، وظهرت هذه المكانة من القرون الأولى في ليتورجية الكنيسة وصلواتها وفنّها الكنسي.
وقد أدرك المؤمنون أهميّة شفاعة العذراء مريم، أوّلًا من جهّة سيرتها الطاهرة وتواضعها الكامل وطاعتها غير المشروطة لمشيئة الله وتدبيره الخلاصي إذ كانت العذراء دائمًا ”تحت االسمع“ أي تسمع كلمة الله بطاعة كبيرة وتحفظ كلّ الأمور في قلبها، وثانيًا لأنّها لم تطلب يومًا شيئًا لنفسها.
أولى الدلالات على تكريم المؤمنين لوالدة الإله هي:
الرسومات الجداريّة في دياميس روما: تظهر والدة الإله في هذه الجداريّات بأشكال مختلفة:
جدارية في دياميس بريسكيلا في روما:
والدة الأله ترضع الربّ يسوع وآمامها رجل يشير
إلى نجم فوق الربّ والعذراء مريم.
150 ب.م
جدارية تعود إلى القرون الثلاثة الأولى في دياميس روما:
نشاهد فيها العذراء في الوسط والمجوس الثلاثة والنبي بلعام – العئراء جالسة على العرش (Kyriotissa) وفي حضنها الربّ يسوع
العذراء مريم رافعة ذراعيها للتضرّع:
تسمّى هذه الجدارية التي يعود تاريخها إلى القرن الرابع ميلادي المتضرّعة أو الأرحب من السّموات Platitera وأيضًا هي عذرا. الآيّة أو المتضرّعة.
ارتبطت هذه الرسومات بالأحداث الإنجيليّة التي تتعلّق بوالدة الإله، وهذا يشير إلى أمرين:
– الأوّل: استعملت الكنيسة منذ الأيّام لأولى للمسيحيّة الجداريات ولاحقًا الأيقونات لتعبّر عن إيمانها ولاهوتها
– الثاني: ترجمت هذه الرسومات صلوات الكنيسة وعقيدتها.
2- من صلوات الكنيسة الأولى:
إكتشاف مخطوطة صلاة لوالدة الإله تعود للقرن الثالث ميلادي
عُثر قرب الإسكندرية على أقدم صلاة حتى الآن موجهّة مباشرة ً إلى والدة الإله بعنوان “إلى رأفتك”. وقد كُتبت على ورقة بردي قبطية ترقى بحسب علماء متخصّصين إلى القرن الثالث الميلادي.
الصلاة مكتوبة باللغة اليونانية أي باللغة نفسها التي كُتبت فيها الأناجيل والرسائل، وهي كناية عن صلاة تشفعّية صادرة عن المؤمنين المسيحيين أبان الإضطهادات التي كانت تصيبهم لردّهم عن إيمانهم بالله المتجسّد الرّب يسوع المسيح.
ترجمة نص الصلاة المكتشفة إلى اللغة العربيّة:
إلى رأفتك Ὑπὸ τὴν σὴν εὐσπλαγχνίαν نلتجئ، يا والدة الله καταφεύγομεν Θεοτόκε
فعن طلباتنا Τὰς ἡμῶν ἱκεσίας لا تغفلي في الضيقات μὴ παρίδῃς ἐν περιστάσει لكن نجينا من المخاطر
ἀλλ᾽ ἐκ κινδύνων λύτρωσαι ἡμᾶς يا نقيّة وحدك ، يا مباركة وحدك μόνη Ἁγνή, μόνη εὐλογημένη.
هذه الصلاة نفسها ما زلنا نرتّلها في الصلوات الأرثوذكسيّة وهي من صلب الليتورجية الأورثوذكسية ولكن بترجمة محدّثة باللغة العربية.
فالمسيحية منذ البدء عرفت الصلوات التضرّعيّة وشفاعة القدّيسين وعلى رأسهم والدة الإله.
صحيح أن العبادة هي للرّب يسوع فقط ولكن تكريم القدّيسين وطلب شفاعتهم هو من صلب الإيمان المسيحيّ. فنحن مدعوون لتحقيق ما أسّسه الرّب يسوع بتجسّده وفدائه على الصليب وقيامته وهو أن نكون جميعنا واحد أحياءً وراقدين متمحّورين حول خالقنا وسيّدنا وإلهنا الرّب يسوع المسيح.
نلاحظ في هذه الصلاة تكرار المناداة لوالدة الإله:” μόνη Ἁγνή, μόνη εὐλογημένη.” فهذا يعطي قوّة هذه الصلاة التي تسلّط الضوء على أهميّة ودور والدة الإله ومفهوم شفاعة القدّيسين عند المسيحيين الأوّلين.
Copyright Greek Orthodox Patriarchate of Antioch and All the East