رموز العذراء مريم في العهد القديم
القسم الأول: بقلم المطران كريكور اوغسطينوس كوسا أسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك
١ – العذراء مريم تشبه العليقة التي رآها موسى النبي في البريّة، تلك العليقة المتقدة، التي غمرها الله بالعظمة والمجد، وجعلها وسط النيران الملتهبة سالمة سليمة، محافظةً على رطوبة جذورها وخضرة أغصانها وعطر أزهارها.
هكذا السيدة العذراء غمرها الله بالنعم والخيرات، وملأها من القوة الإلية، وحافظت بين عظائم السماء وتمجيد الملائكة على كمال البتولية عندما ولدت لنا عمانوئيل إلهنا .
٢ – عصا هارون أزهرت دون غرس بشري على خلاف سنن الطبيعة. ومريم العذراء القديسة حبلت وولدت بأعجوبة خارقة الطبيعة قدّوس الله، تلك الزهرة التي تنبأ عنها الأنبياء: ” فلذلك يؤتيكم السيد نٓفسُه آيةً : ها إنّ العذراء تحمِلُ فتلِدُ ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل ” ( أشعيا ٧ : ١٤ ) .
٣ – تابوت العهد عرش الله وحصن إسرائيل : صُنع من خشب الأرز الثمين الذي لا يفسد، وطلي بالذهب، وأغناه الله بأجمل الزينات، وأعدّه ليحوي لوحي العهد، والمنّ العجيب الذي نزل من السماء في الصحراء.
هكذا السيدة العذراء هي أنقى من الذهب وأمتن من خشب الأرز الذي استعمل لبناء تابوت العهد. وقد زينها الله بكل مواهب الطبيعة والنعمة، وأعدّها لتحوي في أحشائها المشرّع الإلهي والمن العجيب، ذلك الخبز الحي النازل من السماء .
٤ – برج داؤد القوي بدروعه العديدة، الذي كان يحمي شعبه من شرّ عدوان أعدائه. والعذراء مريم الذي قال عنها الكتاب المقدّس ” المرهوبة كصفوف تحت الرايات “. هي سند الكنيسة، شفيعة المؤمنين وحاميتهم ضد عدو البشرية الغادر ابليس- الشيطان.
وفضلاً عن هذه الرموز، يقدّم لنا الكتاب المقدّس عدة عناصر وتشبيهات بديعة تُشيد بأمجاد السيدة العذراء .
فيقول عنها الكتاب المقدّس انها: ” جميلة كالسوسنة بين الأشواك ” ( نشيد الأناشيد ٢ : ٢ ) ، وهي : “كالأرز في لبنان ارتفعت وكالسرو في جبال حرمون، كالنخل وكغراس الورد في أريحا، كالزيتون النضيرِ في السّهل وكالدُّلب ارتفعت. كالدّارٓصيني والقُندول العطر فاح عِطري، وكالمُرِّ المُنتقى انتشرت رائحتي، كالقِنّةِ والجٓزع والميعةِ ، ومثل بُخار اللُّبان في الخيمة. إني مددت أغصاني كالبُطمة، وأغصاني أغصان مجدٍ ونعمة. أنا كالكرمةِ أنبتُ النعمة، وازهاري ثمارُ مجدٍ وغنى. تعالوا إليّ أيُها الراغبون فيّ وأشبعوا من ثماري. فإنّ ذكري أحلى من العسل، وميراثي ألذُّ من شهدِ العسل ” ( يشوع بن سيراخ ٢٤ : ١٣ – ٢٠) ، يعلو مجدها كما تعلو جبال لبنان التلال التي تحيطها .
إن ّ المزامير وأناشيد سليمان الحكيم وأسفار الأنبياء حافلة بذكر العذراء. فهي كالشمس التي تبعث أشعة أنوارها البهيّة في الفضاء قبل بزوغها في الأفق .
نعم ، إنّ معنى هذه النبؤات كان مخفياً على الكثيرين وغير واضحاً، ولكن أُمنا الكنيسة المقدّسة ، أزاحت عنها الستار وأظهرت لنا تلك الرموز من الأشخاص والأشياء، صورة بديعة للسيدة العذراء ، التي ابدعتها يد الله القديرة ، وجعلتها إناءً طاهراً ونقياً للكلمة المتجسد .
حقاً ، إنها جميلة ورائعة تلك الصورة التي أشارت إليها الكتب المقدّسة ، وعظيمة تلك النبؤات التي قيلت وكُتبت عنها . ولكن أعظم منها هي ، بلا شكّ ، الحقيقة نفسها .
هذه النبؤات ما هي إلاّ ظلّ الحقيقة ، وليست شيئاً أمام شخص مريم . فهي أشبه بهذه الأنوار القمريّة الضئيلة التي تتوارى بظهور كوكب الشمس المنير .
القسم الثاني: صفحة ساليزان الشرق الأول
هي العذراء التي هي مسكن الله مع الناس (خر25:8-9) لذلك سميت بالمسكن حيث كان الله فيها يتجلى ويكلم موسي والكهنة. وكانت الخيمة مقامه بين اسباط بني اسرائيل الاثني عشر. “ثم غطت السحابة (مجد الله) خيمه الاجتماع وملأ بهاء الرب المسكن فلم يقدر موسى أن يدخل خيمة الاجتماع لان السحابة حلّت عليها وبهاء الرب ملأ المسكن ” (خر 40:35) فهي قدس الأقداس التي دخل فيها وخرج رئيس الكهنة الاعظم مرة واحدة عب 8-1)).
وفي ثيؤطوكية (مديح العذراء) الأحد نقول عن العذراء “من يقدر أن ينطق بكرامة القبة التي صنعها موسى النبي على جبل سيناء؟ شبهوك بها يا مريم العذراء القبة الحقيقية التي في داخلها الله”.
فكان يحمل عصوين واحدة لموسى وأخرى لهارون أما العذراء فقد حملت من صلب على عصوين متعارضين ألا وهما خشبتا الصليب (خر25:16) وتابوت العهد العتيق حوي قسط المن أما العذراء فكانت قسطاً للمن الجديد السماوي الذي لا يموت آكله (يو:38-42).
فتابوت العهد مكث في بيت عوبيد أدوم ثلاث شهور قبل أن يكون في بيت داود النبي والقديسة مريم العذراء الحاملة الرب الإله مكثت في مدينة اليهودية ثلاث شهور. كان حمل التابوت يبعث الفرح في الشعب” وكان داود يرقص بكل قوته أمام التابوت (2صم 6) وهكذا وصول العذراء بعث في أليصابات الفرح (لو1:44).
في ثيؤطوكية الأحد “شُبهت القديسة مريم بتابوت العهد المصنوع من الخشب الذي لا يسوس مغشى بالذهب من كل ناحية وأنت يا مريم العذراء متسربلة بمجد اللاهوت من الداخل والخارج “فالعذراء هي تابوت الله الحقيقي الحاملة المن الحقيقي يسوع المسيح وتقول ثيؤطوكية الأربعاء ” تكلموا بكرامات من أجلك يا مدينة الله لأنك أنت مسكن جميع الفرحين”.
والعذراء مريم هي الغطاء رمز الكنيسة حيث يجلس الله علي عرش رحمته وسط شعبه وهي ممتلئة بالخليقة السماوية وتقول ثيؤطوكية يوم الأحد “كاروبا الذهب مصوران على الغطاء بأجنحتهما كل حين يظللان على موضع الأقداس في القبة الثانية وأنت يا مريم العذراء ألوف ألوف وربوات ربوات يظللان عليك مسبحين خالقهم وهو في بطنك هذا الذي أخذ شبهنا…”
قد قال الرب يسوع عن نفسه: “أنا هو خبز الحياة الذي نزل من السماء ليس كما أكل آباؤكم المن في البرية وماتوا، هذا هو الخبز الذي نزل من السماء لكي يأكل منه الإنسان. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد والخبز الذي أنا أعطيه هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم” (يو6: 49).
وفي ثيؤطوكية الأحد “أنت هي قسط الذهب النقي المن المخفي في داخله خبز الحياة الذي نزل إلينا من السماء وأعطى الحياة وأنت أيضاً يا مريم العذراء حملت في بطنك المن العقلي الذي أتى من الآب”.
في ثيؤطوكية الأحد “أنت المنارة الذهبية النقية الحاملة المصباح المتقد كل حين الذي هو نور العالم غير المقترب منه…الذي تجسد منك بغير تغيير…كل الرتب العلوية لم تقدر أن تشبهك أيتها العذراء، أضاء لكل انسان أتى إلى العالم لأنه شمس البر ولدته وشفانا من خطايانا”.
العليقة المتقدة بالنار تتوقد ولم تحترق وقال الرب “إني رأيت مذلة شعبي الذي في أرض مصر وسمعت إلى صراخهم…. فنزلت لأخلصهم من أيدي المصريين” (خر3:2-10).
وثيؤطوكية يوم الخميس تقول العليقة التي رآها موسى النبي في البرية والنار مشتعلة فيها ولم تحترق أغصانها هي مثال العذراء مريم غير الدنسة الهادئة التي تجسد منها كلمة الآب ونار لاهوته لم تحرق بطن العذراء وأنت بعد ما ولدتيه بقيت عذراء.
وفي الغد دخل موسى إلى خيمة الشهادة وإذا عصا هارون لبيت لاوي قد أفرخت فروخاً وأزهرت زهراً وأنضجت لوزاً” (عدد 17:8).
العصا التي أفرخت هي مثال العذراء التي ولدت الله بدون زرع بشر.
ثيؤطوكية الأحد تقول “مرتفعة أنت بالحقيقة أكثر من عصا هارون أيتها الممتلئة نعمة ما هي العصا إلا مريم لأنها مثال بتوليتها.
(تك 28:6-13) “وَرَأَى حُلْماً وَإِذَا سُلَّمٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الأَرْضِ وَرَأْسُهَا يَمَسُّ السَّمَاءَ وَهُوَذَا مَلاَئِكَةُ اللهِ صَاعِدَةٌ وَنَازِلَةٌ عَلَيْهَا وَهُوَذَا الرَّبُّ وَاقِفٌ عَلَيْهَا فَقَالَ: “أَنَا الرَّبُّ إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ أَبِيكَ وَإِلَهُ إِسْحَاقَ. الأَرْضُ الَّتِي أَنْتَ مُضْطَجِعٌ عَلَيْهَا أُعْطِيهَا لَكَ وَلِنَسْلِكَ.”
العذراء هي الواسطة التي جعلت علاقة بين السماء والأرض وبقدسيتها استحقت أن تلد الرب يسوع الوسيط بين الله والناس.
في ثيؤطوكية الثلاثاء يقال: “أنت هي السلّم الذي رآه يعقوب ثابت على الأرض ومرتفع إلى السماء والملائكة نازلون عليه”.
ثيؤطوكية الثلاثاء “كلمة الله الآب الحي الذي نزل ليعطي الناموس على جبل سيناء هو أيضاً نزل عليك أيها الجبل العقلي الناطق… هذا هو الحجر الذي رآه دانيال قد قطع من جبل ولم تلمسه يد إنسان البتة هو الكلمة الصادرة من الآب أتى وتجسد من العذراء بغير زرع بشر حتى خلصنا” راجع (دا 2:34).
(حز44:2) “فَقَالَ لِيَ الرَّبُّ: هَذَا الْبَابُ يَكُونُ مُغْلَقاً، لاَ يُفْتَحُ وَلاَ يَدْخُلُ مِنْهُ إِنْسَانٌ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ دَخَلَ مِنْهُ فَيَكُونُ مُغْلَقاً. اَلرَّئِيسُ الرَّئِيسُ هُوَ يَجْلِسُ فِيهِ لِيَأْكُلَ خُبْزاً أَمَامَ الرَّبِّ. مِنْ طَرِيقِ رِوَاقِ الْبَابِ يَدْخُلُ، وَمِنْ طَرِيقِهِ يَخْرُجُ”.
وكما خلّص نوح ومن معه بواسطة الفلك كذلك خلصنا نحن بتجسد الرب يسوع من العذراء مريم.
-
مدينة الله أورشليم الجديدة:
هي السماء الثانية التي حوت في أحشائها الله الكلمة.
التي حملت جمر اللاهوت في أحشائها.
التي يجلس عليها الرب الاله (اش 19).
التي كتب عليها كلمة الله والعذراء حملت كلمة الله في أحشائها.
No Result
View All Result