أيقونة التجلي لثيوفانس اليونانيّ
نجد عند كاتب الأيقونات ثيوفانس اليونانيّ (1350-1410) أسهمًا تنبعث من السيّد لتشكّل مع السيّد نفسه نجمًا بستة رؤوس ويشّع في كلّ الاتجاهات.
لهذا الشكل من النجم – معنىً – مثلّثان متساويان متداخلان – وهو اتحّاد الروح بالمادة، واتّحاد العوامل القويّة بالضعيفة (الإيجابيّة والسلبيّة)، وأيضًا يُشير إلى حركة قوّة لا تتوقّف Le rythme du dynamism”” ، وهو يُدعى أيضًا خاتم سليمان في اللغة القديمة، وهو شكلٌ يرمز إلى القوّة والجبروت والسلطة على كلّ المخلوقات الحيّة.
وهنا الشيء نفسه، فيسوع هو سيّد السماء والأرض والجحيم.
هذه القوّة أعطاها الله للإنسان، “الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فالأعمال اللتي أن أعملها يعملها هو أيضًا،ويعمل أعظم منها (يوحنا 12:14)”.
هذا بالظبط ما تسميّه الكنيسة “مؤازرة” Synergy أي العمل معًا، الله يعمل فينا بإرادتنا ونحن نعمل معه. المؤازرة هذه تصل بالتجلّي إلى كمالها، فهي لا تكشف فقط عن طبيعة الرّب يسوع الإلهيّة بل، تكشف عما يمكن للإنسان أن يُصبح عليه إذا ما اتّحد بهذا النور.
هذه هي ثمار التجسّد، الذي ليس ما يحويه: يتّحد بالطبيعة الإنسانيّة إتّحادًا كاملًا ليرفعها إلى الإلهيّات (القدّيسين ذيذيموس الضرير وأثناسيوس الكبير، القرن الرابع ميلادي). حبّ إلهيّ مطلق نازل من فوق، وقبول وجهاد صاعد إلى فوق.
ومن الشعاع ينبثق شعاعات ثلاثة تتّجه نحو التلاميذ الثلاثة، كلّ واحد بدوره، وهذا تاكيد لمشاهدتهم نور الرّب.
ينشد القدّيس كليمنضس الاسكندري (150-215) في هذا الأمر مفارقة إيجابيًّة تفوق العقل والإدراك فيقول:“في التجلّي، يكشف المسيح عن طبيعته الإلهيّة، بحيث أن الذين أصعدهم معه ليروا هذا المجد لا يستطيعوا أن يروا”
هذا تمامًا ما تقصده طروباريّة التجلّي:” … بحسب ما استطاعوا”.
من هنا يقصد كاتبوا أيقونة التجلّي أن يميّزوا بين بياض النور الصادر من الرّب وبين النور القريب من التلاميذ اذي يميل إلى الرمادي أو يغمق بعض الشيء، وهو طبعًا لا يخفّ بطبيعته وإنّما ليشير على ضعف قدرة احتمال التلاميذ.
بطرس الرسول يُشير إلى الرّب يسوع تأكيدًا لقوله: أنت هو المسيح ابن الله الحيّ. (متى 16)
حركة يوحنّا تترجم المهابة والرهبة.
يعقوب يحاول أن يستر وجهه، هذا طبيعي، وكانّه بذلك يكشف لنا العهد القديم بكامله:
– “لا تستطيع أن ترى وجهي يقول الرّب (خر20:33)”.
– “لم يكن يستطيع العبرانيّون مشاهدة وجه موسى النبيّ بعد نزوله من الجبل، وفي كلّ مرّةٍ كان يدخل فيها خيمة الاجتماع ليلتقي بالله، لذا كان يضع برقعًا على وجهه (خروج 29:34-35)”.
دائرتان وكواكب ونجوم خلف الرّب يسوع:
نشاهد في بعض الأيقونات دائرتين خلف الرّب يسوع وفي الدائرة الأولى كواكب ونجوم.
هذا مرتبط ببعض الأحاديث التي تناقلت حول أن السماء انفتحت والشعوب، جيل بعد جيل، كانت تأتي لتنظر إله يعقوب، مشتهى الأمم، وكانت تنتقل بالتالي إلى السماء الثانية.
الكواكب والنجوم ترمز إلى المسيح القائم والمتلّحف بالأبيض، لون القيامة، والى الصالحين والأطهار. نقرأ في سفر دانيال: “وكثيرون من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون، هؤلاء إلى الحياة الابديّة، وهؤلاء إلى العار للازدراء الأبديّ. والفاهمون يضيئون كضياء الجلد، والذين ردّوا كثيرين إلى البرّ كالكواكب إلى أبد الدهور (2:12-3)”. و“مجد الشمس شيء ومجد القمر آخر ومجد النجوم آخر، لأن نجمًا يمتاز عن نجمٍ في المجد.(1كور41:15)”.
وأيضًا، نقرأ في سفر العدد :” أراه – يقول بلعام- ولكن ليس الأن.أبصره ولكن ليس قريبًا. يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب من اسرائيل، فيحطّم طرفي مؤاب ويهلك كلّ بني الوغى. (17:24)”.
نلاحظ جليًّا هنا كيف أن النبؤّات تنجلي أمام الذي يتجلّى، لأنّه هو”هو” أيّ الكائن:
“أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية، يقول الرّب الكائن والذي كان، والذي يأتي القادر على كلّ شيء” (رؤ1: 7، 8).
والنجم الأساسيّ او الكوكب الأساسي الأوّل مبدأ كلّ النجوم وصانعها موجود في الوسط: “أنا أصل وذريّة داود. كوكب الصبح المنير(رؤيّا 16:22)”.
من المهم جدًّا أن نعيّ ما المقصود بقول “كوكب الصبح“. فهو الذي يُعلن الولادة المستمرّة للنهار أيّ الحياة، وهو مبدء الحياة وعلّتها.
المسيح يشرق على الدنيا بأسرها، على كلّ الشعوب، والنور يبدّد الظلام، ظلام الخطيئة وسواد الشرير.
وهكذا تتحقّق مرةً تلو المرّة آية أشعياء النبي:“الشعب السالك في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا. الجالسون في أرض ظلال الموت اشرق عليهم نور (2:9)”.
التجلّي والبعد الثالث:
البعد الأول في الأيقونة هو ارتفاعها، والبعد الثاني هو عرضها، أمّا البعد الثالث فهو العمق.
هو عبور من ما هو زائل وترابيّ إلى ما هو أبديّ وإلهيّ. إنّه جمال ما بعده جمال، جمال يذهب أبعد بكثير من العين الترابيّة.
هذا ما نسميّه بالبعد الثالث غير المنظور. فلنذهب إلى العمق ونرمي شباكنا للصيّد الإلهيّ.
No Result
View All Result