دير والدة الإله سوميلا طرابزون
دير سوميلا في تركيا أعجوبة العمران و جمال المنظر على ارتفاع 1200 متر .
من بين طيات التاريخ، يبرز لقب “سوميلا”، والذي يتشابك أصله مع مفهوم الظلام الأعمق. وهذه الكلمة، تنبع من “دبس السكر”، مصطلح يشير إلى الظلام الكثيف. أُطلق على المكان الجغرافي المحيط “أوروس ميلاس”. وقد كان المسمى الأولي للدير هو “باناجيا سو ميلاس”، وقد ذُكر هذا الاسم في أرشيفات الإمبراطورية العثمانية على هيئة “سو (س) ميلا”.
دير سوميلا: (باليونانيّة: Μονή Παναγίας Σουμελά، بالجورجية: სუმელას მონასტერი؛ بالتركيّة: Sümela Manastırı) هو دير أرثوذكسي شرقي يقع في جبال البنطس شمال شرق تركيا على ساحل البحر الأسود. تأسس دير سوميلا، الذي يدعى أيضًا بدير مريم العذراء، على المنحدرات الحادة في ماتشكا، بالقرب من طرابزون في القرن الرابع، وتم تحسين الهيكل في القرن الثامن عشر والقرن التاسع عشر، وزين بصور عديدة من المشاهد التوراتية.ويتكون مجمع الدير من كنيسة الصخرة، مصليات وغرف الطلاب، وكذلك مكتبة والربيع المقدس ومطبخ وبيت الضيافة.
تاريخ الدير
تم تأسيس منطقة الدير في عهد الإمبراطور ثيؤدوسيوس الأول سنة 386 من طرف الراهبان اليونانيان برنابا وصفرنيوس المنحدران من منطقة كولشيد (جورجيا).
حسب ما هو معروف رأيا أيقونة لوالدة اﻹله والطفل يسوع مرسومة بيد لوقا اﻹنجيلي تسقط من السماء على هذا المكان وقد ظهرت السيدة العذراء وطلبت بناء بيت لها…
و رأى الراهبان موقع “سوميلا” على أنه المكان الذي تتواجد فيه “الأيقونة الأم” ، و التي يعتقد أنها من صنع القديس لوقا ، و سافر كليهما إلى مدينة طرابزون ، عن طريق البحر ، دون أن يعرفا بعضهما البعض .
و تحدث الراهبان عن حُلمهما بمجرد رؤية بعضهما البعض ، و استنتجا أنها معجزة .
و بعد وصولهما إلى المكان الذي تتطابق أوصافه مع الحلم ، بدأ كلاً من برنابا و سوفرونيوس في عملية البناء لتوسيع الكهف الذي وجداه ، ثم قاما ببناء كنيسة الصخرة التابعة للدير ، حيث أمضيا كل حياتهما فيها . توفي الراهبان بعد مرور سنوات في اليوم نفسه . و استمر تلاميذهما في تطوير الدير لأجيال عديدة .
وفي القرن السادس ، تم ترميم الدير بطلب من الإمبراطور جستنيان (الامبراطورية الرومانية الشرقية / البيزنطية) الذي كان عرشه بالقسطنطينية ، الامبراطور جستنيان هو نفسه أيضاً الذي أقام كنيسة آيا صوفيا في مدينة القسطنطينية (اسطنبول حالياً) و هو نفسه الذي شيد دير سيدة صيدنايا الشهير القريب من دمشق .
من المعروف أن دير “سوميلا” قد وصل إلى حالته الحالية منذ القرن الثالث عشر. دير سوميلا أخذ شكله الحالي منذ القرن الثالث عشر في فترة أوج تطوره خلال فترة حكم الإمبراطور الكسيوس الثالث لامبراطورية طرابزون التي تأسست سنة 1204. تعرضت الامبراطورية للغزو من قبل السلطان العثماني محمد الثاني سنة 1461 و أصبح الدير تابعاً لوصاية السلطان .
و لا يُعد دير “سوميلا” مجمعاً ضخماً بُني في فترة واحدة . و إنما تم اتباع طريقة البناء نفسها للعديد من الأبنية في “سوميلا” ، حيث بُنيت أجزاء جديدة ، و رُبطت بمجمع الدير بحسب الحاجة . و بذلك ، استمرت أعمال البناء و التشييد في دير “سوميلا” لأكثر من 1,600 عام ، أي منذ يوم تأسيسه حتى عام 1923 ، عندما تم هجره .
دير سوميلا التاريخية كانت قبلة للحركات العسكرية لمختلف الأباطرة الذين تعاقبوا على حكم المنطقة حيث تعرضت للهجومات العسكرية في مختلف العصور، كما استفادت في نفس الوقت من عمليات التجديد والتوسعة في مختلف العصور والتي كان ابرزها عملية إعادة البناء خلال القرن السادس عشر من قبل الجنرال بيليساريوس في عهد الإمبراطور جستينيان.
مبنى الدير
يتألف الدير من كنيسة لوالدة اﻹله العذراء ومن 72 غرفة تتوزع على 5 طوابق، استخدم العلوي منها فيما مضى كصالة للعرض ومركز للمراقبة. وقد كانت جدران البناء مغطاة بأكملها باللوحات الجصية والرسومات تعرض الدير للهدم والحرق عدة مرات وأعيد بناؤهاليونانيون أخفوا اﻷيقونة ثم وجدت ..وقد كان هناك الكثير من المفاوضات على هذه اﻷيقونة. يعتبرها اليونانيون رمز للتخلص من اﻹحتلال والبطش التركي وقد انتقلت من عدة متاحف…دير Sumela – Trabzon – Turkey
توجد العديد من المصليات والمطابخ وغرف للدراسة وكنيسة روك ومأوى للزوار ومكتبة وعين مقدسة من طرف الروم الأرثوذكس. توجد بالدير أيضًا قناة للمياه توفر المياه للري والتي تمتاز بأقواسها التي تمت تهيئتها من جديد. كما ان مدخل الدير توجد به العديد من أماكن الحراسة.
تم تحويل البناية الكبيرة بالدير والتي تمتاز بشفرتها إلى مأوى وملاذ للرهبان سنة 1860. المعمار التركي يؤثر بشكل كبير على البنايات الموجودة كال خزائن والمحاريب والمدفآت بالغرف والبنايات.
فنون معمار دير سوميل
دير سوميلا، هذا الصرح الذي يمتد في فضاء طرابزون، يتجلّى فيه تجانس تاريخي منفترات معمارية متنوعة، تتراكم طبقة تلو الأخرى، لترويحكايا مرور الزمن. الجدران الداخلية للدير تحمل لوحات فنية غنية تعكس التفرد والإبداع في مختلف العصور. ففي أولى حقباته، لم يكن الدير بتلك الرُقي والبهاء الذي يعرف به اليوم. تتوزع المرافق، من خلايا للرهبان ومصليات، في متاهة من الأروقة المتشابكة.
اللوحات التي تعتلي الجدران تحمل تواقيع فنية تشارك فيها دير آخر بطرابزون. تُظهر صورة غزال ملفتة، التي يُعتقد أنها ترمز للخلود في التصوير المسيحي الأرثوذكسي القديم، على جانب كنيسة صغيرة قرب برج الجرس، حيث ترتقب هذه الصور العابرين من الفناء الأساسي للدير. وفي كنيسة جيكلي بكابادوكيا، تظل الصور المشابهة للغزلان تلوح في الأفق.
لتجول بين أروقة الدير، يجب على الزائر أن يكون لديه مهارة في التنقل عبر السلالم الضيقة والممرات المُعقدة. هذا القسم من الدير يحمل بصمة الزهد والتقوى. هناك، تحتضن الغرف المطلة على مناظر خلابة توازنًا فريدًا بين البساطة والفخامة، حيث يكشف لنا عن الحياة اليومية التي اختارها الرهبان في ظلال هذا الدير العريق.
داخل الكنيسة المحفورة في الصخر، تكشف الرسومات التي يرجع تاريخها إلى عهد ألكسيوس الثالث قصصًا بيبلية. اللوحات الجدارية الأخرى، التي تمثل ثلاث عصور مختلفة، تتألق بتقنيات رسم فريدة. رغم أن بعضها قد تأثر بزمنها، إلا أنها تعكس الروح الدينية وترسم مشاهد من حياة المسيح وأمه مريم، تعكس التقديس والإيمان المتجذر في تاريخ دير سوميلا.
التصوير المقدس للمريم العذراء
في أروقة التقديس التي تعبر بها الكنيسة الشرقية، يُشار إلى وجود ثلاثة تصويرات أصلية للمريم العذراء، ويُقال إنها من أيدي القديس لوقا بنفسه. وما يثير الدهشة هو أن هذه التصويرات الثلاثة تجد مأواها في المقامات الأرثوذكسية اليونانية: دير بيلوبونيز المخفي بين التلال، ودير كيكوس بجزيرة قبرص، والدير المميز، سوميلا، في أحضان طرابزون.
يُعتبر التصوير الذي يزين دير سوميلا من مصدر طاقة خارقة، وقيل عنه أنه سِترٌ وحماية من الشدائد والأمراض والمجاعات والأوجاع المختلفة. لقرون طويلة، كانت هذه الصورة المقدسة نقطة جذب للمسيحيين للحج إلى هذا الدير. الإيمان بأن هذا التصوير هو نتاج فن القديس لوقا، الذي كان أحد كتاب الأناجيل، يُحيي الفكرة أن التصوير قد جاء من العصور التي شهدت حياة يسوع ومريم. وتقول المقولات أن المريم قد قالت: “في هذا التصوير، روحي تُبارك”. الإكرام الذي تتلقاه هذه الصورة يعكس تقديس الشخصيات التي ترسمها، فكأن الصلاة أمامها تحقق السلام والطلبات.
لزيادة تقديس هذه الصورة، قام رهبان الدير بتوزيع نسخٍ من هذا التصوير المعجزي في مناطق واسعة من آسيا الصغرى وروسيا وشواطئ نهر الدانوب. ليس فقط كان هذا يعظم التصوير، ولكن أيضًا كان له فوائد اقتصادية للدير.
ومع ذلك، فمصدر التصوير لا يخلو من الجدل. في حين يصر البعض على أنه من رسم القديس لوقا، هناك من يشك في ذلك. من المثير أن في الفن الجورجي في القرن الثاني عشر، كانت صور المريم تظهر بوجه داكن لتعطيها حضورًا روحيًا. هذه الممارسة استمرت حتى أوقات أكثر حداثة. بالإضافة إلى ذلك، بعض التصويرات المدهونة بزيت الزيتون تكتسب لونًا داكنًا مع الزمن. ونظرًا للرسوم الموجودة في دير سوميلا التي تحمل الطابع الروسي، وقربه من منطقة القوقاز، قد يكون هذا التصوير هو تمثيل للـ “المريم السوداء”.
عين ماء العذراء المقدسة
يُعتقد أن الماء المتساقط بانتظام من أحد الصخور فوق مجمع الدير هو دموع مريم العذراء ، حيث تم جمع الماء في بركة صغيرة . و هكذا زار العديد من المسيحيين الدير و حجاج من ديانات اخرى ليجدوا الشفاء في هذا الماء المقدس .
و يتم الوصول إلى المدخل الرئيسي للدير عن طريق درج ضيق و طويل جداً ، بينما يتم الوصول إلى الفناء الداخلي من خلال درج آخر يمر عبر المدخل الواقع بجوار غرف الحراسة .
تتميز الكنيسة باحتضانها أيقونات ثمينة مصنوعة بحرفية رائعة ، و هي مرسومة على جدرانها ، حيث تحظى بتقدير كبير من قبل الزوار. وتشير التقديرات إلى أن الأيقونات الجدارية المرسومة على الطراز الأرثوذكسي قد صنعت في القرنين التاسع و الثالث عشر و الثامن عشر .
و هناك أكثر من 100 لوحة جدارية في الدير تحتوي على مشاهد من الكتاب المقدس و تاريخ المسيحية .
أعيد فتح الدير مجدداً أمام الزوار في صيف 2021 و قامت وزارة السياحة التركية بتحويل دير “سوميلا” إلى متحف في عام 1986 ، بعد إجراء العديد من أعمال الترميم و التنظيف ، و فتحه أمام الزوار .
سمحت السلطات التركية للمسيحيين الأرثوذوكس بإقامة قداس فيه مرة واحدة كل عام و ذلك في 15 آب عيد رقاد السيدة العذراء ، و منذ 15 أغسطس/آب 2010 ، تم السماح للمديرية العامة للممتلكات الثقافية و المتاحف التركية ، بإقامة قداس سنوياً للمسيحيين الأرثوذكس .
دير والدة الإله.. ديرنا المسروق.. إني أنا عبدك (مدينتك) يا والدة الإله أكتُبُ لَكِ رايات الغلبة.. يا عدرا احمي العالم واحمي أديارك للأسف تم تدنيس المقدسات في دير سومولا طرابزون من قبل الأشرار الدولة التركية…
يا والدة الإله جميع الأجيالِ تغبِّطُكِ… وأنتِ تخلِّصين ميراثك ابناءكِ وأديارك من المدنّسين.
مراجع
-
^ http://karibche.ambebi.ge/eklesia/tadzrebi-da-monastrebi/2932-arsebobs-cnoba-rom-davith-aghmashenebels-mitsebi-sheutsiravs-monastristhvis.html (بالجورجية) نسخة محفوظة 2023-10-15 على موقع واي باك مشين.
-
^ William Miller, Trebizond: The last Greek Empire of the Byzantine Era: 1204-1461, 1926 (Chicago: Argonaut, 1969), p. 62