والدة الإله بين العهدين القديم والجديد
العذراء مريم جسرٌ بين العهدين.
هي الإناء الذي تجسّد فيه الله الخالق ووسّع حشاها بما لا تسعه السّموات.
تكلّم عنها الأنبياء بشغف كبير وصور سرّيّة كُشفت بالرّوح القدس في العهد الجديد، وكُتبت فيها الصّلوات والمدائح، وقيلت فيها العظات وأصبحت المثال والقدوة لبني البشر أجمعين.
واظبت والدة الإله على الأسفار المقدّسة بحقّ وقبلت بحرّيّة كاملة دعوة الله لها بأن يتجسّد منها.
بطاعتها الكاملة لكلمة الله أعادت كرامة المرأة الأولى المفقودة بالسّقوط، فهي كانت تحت الطاعة لكلمة الله، وهذا هو المعنى الكامل للإصغاء ακούω. هذا الإصغاء القلبي جعلها أن تكون والدة الإله.
آية أذهلت العلماء
حوالي القرن الثّامن قبل الميلاد وقف نبيٌّ في وسط الشّعب وأعلن آيةً من عند الرّبّ:“وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً:هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ”. (إش١٤:٧).
هذه الآية التي وردت في العهد القديم تحقّقت بملئها في العهد الجديد. إنّه إعلان السّرّ الذي قبل الدّهور وإشارة واضحة إلى ميلاد الرّبّ يسوع المسيح المخلّص.
قوّة هذه الآية في كلماتها، لنلاحظ هنا أربعة أمور:
١- آية:
“السيّد يعطيكم نفسه آية”. كلمة آيّة تعني شيئًا غير عادي. وكان عجيبًا أن يتجسّد الله. فالحدث إلهيّ وليس بشريّ. وهو ولادة المخلّص، وليس أي ملك أرضي آخر.
٢- العذراء:
قال النبي “العذراء” وليس عذراء، إذًا هي عذراء معيّنة. وأتت الكلمة العبرية “علما” مع ال التعريف التي تعني الفتاة الصغيرة، العذراء، وقد تكون مخطوبة، وتُرجمت الكلمة في السبعينيّة في اللغة اليونانيّة إلى “العذراء” ἡ παρθένος.
ملاحظة:
في اللغة العبرية تُستعمل كلمة “بيتولا” للدلالة على فتاة عذراء غير متزوجة مهما يكن عمرها، وكلمة “ايشاه” للمرأة التي بلغت سن الرشد وما فوق، وكلمة “علماه” للفتاة الصغيرة في مرحلة تسلّم المسؤولية الدينية (مكرّسة) وليست متزوجة شرعًا وقد تكون مخطوبة.
٣- الابن:
الابن في هذه الآية أي المسيح المولود يأتي من العذراء وليس من رجل لأنّه ليس من زرع بشري.
وهذا عينه ما قاله الله للحيّة في سفر التكوين “أضع عداوة بينك وبين المرأة، هو يسحق رأسك وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ” (تك١٥:٣). فكان يتكلّم عن المخلّص الذي يأتي من حواء.
من هنا، الرّب نفسه يعطي الآيّة ليكون هو نفسه الآيّة وتتحقّق به، فهو يأتي ويتجسّد، لا ليخلص شعبه من أشور بل من الشيطان والخطيئة، إنّه الرّب يسوع المسيح المخلّص الآتي إلى العالم.
4- عِمَّانُوئِيلَ:
كلمةٌ عبرية تعني “الله معنا”.
خلاصة:
في الإصحاح السادس من سفر إشعيا، يكّلمنا إشعياء عن الرؤيا التي حصلت معه، إذ شاهد الله جالسًا على العرش، وهنا نشاهد الله نفسه مولودًا مِن عذراء ليسكن فينا ويرفعنا إلى عرشه السماوي.
فيا أيّتها الإناء الذي وسّع حشاها ما لا تسعه السّموات، خلّصي بشفاعتك نفوسنا.
ملاحظة:
الأيقونة المرفقة مِن مجموعة أيقونات دير القدّيسة كاترينا في سيناء الذي يحوي أكثر مِن ٢٤٠٠ أيقونة.
تمثّل هذه الأيقونة التي تعود إلى القرن الثالث عشر والدة الإله حاملةً الرب يسوع المسيح، ويقف على يمينها إشعياء النبي ينحني أمام هذا الحدث الخلاصي ويرفع يديه مسبّحًا وممجّدًا.
Copyright Greek Orthodox Patriarchate of Antioch and All the East
No Result
View All Result