لقب «والدة الإله» في فكر آباء الكنيسة الأوائل
بقلم: سهيل لاوند
حلب, الثلاثاء 30 مايو، 2023
يرد في صلاة السلام الملائكي لقب مميّز للعذراء مريم هو «والدة الله»، لا تعترف به الكنيسة الكاثوليكيّة فحسب، بل تتبنّاه الكنيسة الأرثوذكسيّة أيضًا. فمتى ظهر هذا اللقب؟ ومن استخدمه؟
لم يرد مصطلح «والدة الإله» في العهد الجديد، بل وردت عبارة «أمّ يسوع» (يوحنا 2: 3)، وأيضًا «أمّ ربّي» (لوقا 34:1). كما لم يُعثر حتى الآن على دليل بأن هناك من استخدمه من آباء الكنيسة الأوائل في القرون الميلاديّة الثلاثة الأولى.
وقد أشار مخطوط في مكتبة جون ريلاندز بإنكلترا إلى أن هذا المصطلح قد يعود إلى أواخر القرن الثالث إذ ورد في الصلاة الآتية: «يا والدة الإله، لقد لجأنا إلى حنانك، فلا تعرضي عن ابتهالاتنا في المحن، بل نجّينا من المخاطر، يا من هي وحدها نقيّة ومباركة».
أما أوّل شهادة كنسيّة رسميّة على استعمال هذا المصطلح (لفظه في اليونانية ثيوتوكوس)، فنجدها في رسالة أسقف الإسكندريّة ألكسندروس من خلال شرحه مجريات جلسات مجمع الإسكندريّة الذي انعقد سنة 320. وجاء فيها: «بعد تناولنا عقيدة القيامة من بين الأموات حيث صار فيها ربّنا يسوع المسيح باكورة الثمار. فقد لبس في الحقيقة، لا في المظهر، جسدًا اتخذه من مريم والدة الإله».
بعد ذلك، ظهر مصطلح «والدة الإله» في كتابات عدد من آباء القرن الرابع القديسين، منهم أثناسيوس الكبير وكيرلس الأورشليمي وغريغوريوس النزينزي، بالإضافة إلى غريغوريوس النيصي الذي قال: «حقّ للعذراء أن تُدعى والدة الإله».
في القرن التالي، اعتُمد رسميًّا مع المجمع المسكوني الثالث الذي انعقد في أفسس سنة 431، بينما عارضه بعض رجال الإكليروس، في طليعتهم بطريرك القسطنطينيّة نسطوريوس.
ولا يزال الطقس البيزنطي الذي يستقي تعابيره اللاهوتيّة من آباء القرون الأولى غنيًّا حتى اليوم بقصائد المدائح والتسابيح (الأوذيات) والأناشيد الطقسيّة (يُذكر فيها هذا اللقب)، منها ترنيمة شهيرة يركّز كاتبها على أمومة العذراء للإله: «إنه واجب حقًّا أن نغبطك يا والدة الإله الدائمة الغبطة، والمنزّهة عن كل عيب وأمّ إلهنا. يا من هي أكرم من الشيروبيم، وأمجد بلا قياس من السيرافيم. يا من بغير فساد، ولدت كلمة الله. إنك حقًّا والدة الإله، إيّاكِ نعظّم».
أسي مينا