حَيَاةُ العَذْرَاءِ، فِي الهَيْكَل
خَصَّصَتْ سَاعَاتِ صَلاةٍ، مُنْذُ الصَّبَاحِ و حتَّى السَّاعَةِ التَّاسِعَة. ثـُمَّ، مِنَ السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ حتَّى الثَّالِثَة بَعْدَ الظـُّهْر، كَانَتْ تَعْمَلُ بحِيَاكَةِ الصُّوفِ. ثـُمَّ، كَانَتْ تَعُوْدُ للصَّلاةِ، ثَانِيَةً. و كَانَ رَئيْسُ المَلائكَةِ يَأْتِيْها بالطَّعَامِ، مَرَّةً وَاحِدَةً، فِي اليَوْم، بَعْدَ السَّاعَةِ الثـَّالِثَةِ ظـُهْرَاً، و أَمَّا الطَّعَامُ، الَّذِي كَانَتْ تَأْخُذُه مِنَ الكَهَنَةِ، فكَانَ يُوَزَّعُ عَلَى الفُقَرَاء.
حَيَاتُها، هَذِه المُنَظَّمَةُ بطَرِيقَةٍ إِلَهِيَّةٍ، جَعَلَتْها كحَمَامَة. كَانَتْ، كُلَّ يَوْمٍ، تَتَحَدَّثُ مَعَ المَلائكَةِ، الَّذِينَ حَفِظـُوها و سَاعَدُوها فِي الانْشِغَالِ بالأَشْيَاءِ الصَّالِحَةِ، فصَارَتْ أَكْثَرَ كَمَالاً فِي عَمَلِ الرَّبّ.
و بَعِيْدَاً عَنِ اضطرَابِ الحَيَاةِ اليَوْمِيَّة، كَانَتْ تَتَأَمَّلُ، و تُغَذّي رُوحَها، لاهِجَةً بالأَسْفَارِ المُقَدَّسَةِ، لَيْلَ نَهَار. لَمْ تَفُقْها بَقِيَّةُ العَذَارَى فِي التَّسْبِيْحِ و السَّهْرَانِيَّات، و تَعَلُّمِ حِكْمَةِ النَّامُوسِ، و التَّوَاضُعِ، و رَوْعَةِ التَّرْنِيْمِ، و كَمَالِ الفَضَائلِ.
يَقُولُ القِدِّيسُ أَمبرُوسِيُوس عَنْ دَوَامِ بَتُولِيَّةِ العَذْرَاءِ، أَنَّها صَارَتْ مِثَالاً للحَيَاةِ النَّقِيَّةِ، كَونها خَاضِعَة و مُطِيْعَة للجمِيْعِ، صَدِيْقَة للكُلّ. لَمْ تُضَايِقْ أَحَدَاً. لَمْ تَقُلْ كَلِمَةً قَاسِيَةً بحَقِّ أَحَدٍ، أَبَدَاً. و لَمْ تُفَكِّرْ فِكْرَاً سَيِّئَاً. كَانَتْ مُخْلِصَةً، ثَابِتَةَ العَزْمِ، غَيْرَ مُتَبَدِّلَة.
لَمْ يَرَ أَحَدٌ مَرْيَمَ غَاضِبَةً، أَبَدَاً، و لا سَمِعَها تَتَكَلَّمُ بالسُّوْء.
امْتَلأَتْ أَحَادِيْثُها بالنِّعْمَةِ، و دَاوَمَتْ عَلَى الصَّلاةِ، و لَهِجَتْ بالنَّامُوسِ، و كَانَتْ حَرِيْصَةً عَلَى رَفِيقَاتِها خَوْفَاً مِنْ أَيِّ خَطِيْئَةٍ يَقْتَرِفْنَها، بكَلِمَةٍ أَو نَبْرَةِ صَوْت، أَو بضِحْكَةٍ عَالِيَة أَو بنَظْرَة.
انْتَبَهَتْ خَشْيَةَ أَنْ تُزْعِجَ، عَلَى غَفَلَةٍ مِنْها، إِحْدَى رَفِيقَاتِها، أَو تَبْدُوَ مُتَكَبِّرَةً عَلَيْهِنَّ. كَانَتْ تَشْكُرُ اللهَ، وتُمَجِّدُه، وتُسَبِّحُه، دَائمَاً.
يَقُولُ القِدِّيسُ غريغُورِيُوسُ بالامَاس: أَنَّ العَذْرَاءَ كَانَتْ أَوَّلَ شَخْصٍ يَأْخُذُ عَلَى عَاتِقِه أَمْرَ الصَّلاةِ، بِلا انْقِطَاع. إِنَّ نُسْكَ مَرْيَمَ جَعَلَها تَفْهَمُ أَكْثَر طَبِيْعَةَ الخَطَايَا. امْتَلأَتْ بالشَّفَقَةِ عَلَى النَّاسِ، لذَلِكَ قَرَّرَتْ أَنْ تَسْكُنَ عِنْدَ اللهِ، بقَلْبِها و فِكْرِها و رُوحِها. سَعَتْ إِلَى البَقَاءِ مُتَيَقِّظَةً و مُجَاهِدَةً فِي الصَّلاة.
فَهِمَتْ أَنَّ أَفْضَلَ طَرِيقَةٍ للحَدِيثِ مَعَ اللهِ هِيَ مِنْ خِلالِ الصَّمْتِ المُقَدَّسِ، و صَمْتِ العَقْل. انْسَحَبَتْ مِنَ العَالَمِ و اهْتِمَامَاتِه، و ارْتَقَتْ إِلَى التَّأَمُّلِ باللهِ بواسِطَةِ صَمْتِ الأَفْكَارِ، و الصَّلاةِ لَيْلَ نَهَار. و بالصَّمْتِ نَقَّتْ قَلْبَها.
صَارَتْ فِي شِرْكَةٍ مَعَ النِّعْمَةِ الإِلَهِيَّة. صَارَتْ سَحَابَةً مُنِيرَةً للمَاءِ الحَيّ، فَجْرَاً للنَّهَارِ السِّرِّيّ، و مَرْكَبَةً نَارِيَّةً للكَلِمَة. بالصَّمْتِ المُقَدَّسِ، و الصَّلاةِ الدَّاخِلِيَّةِ، و اليَقَظَةِ، صَارَتْ مِثَالاً لهؤُلاءِ المُزْمِعِينَ أَنْ يُصْبِحُوا نُسَّاكَاً لابْنِها و إِلَهِها. و لأَنَّها كَانَتْ تَشْعُرُ بضَعْفِ الطَّبِيْعَةِ البَشَرِيَّةِ، أَكْثَر، فَقَدْ تَاقَتْ، جِدَّاً، لمَجِيءِ المَسِيْح.
No Result
View All Result