كنيسة القديس يوحنا الدمشقي تحفة من الصنعة الدمشقية المطرزة بالتاريخ
القرن: التاسع عشر
تاريخ التأسيس: 1850
كنيسة “يوحنا الدمشقي” أيقونات مطرزة بالتاريخ
تعد كنيسة القديس يوحنا الدمشقي للروم الأرثوذكس مع كنيسة القديس حنانيا الرسول في محلة الميدان من أجمل الكنائس الأرثوذكسية في دمشق إن لم تكن أجملها على الإطلاق. فهي من المعالم الروحية والأثرية والسياحية العابقة برائحة دمشقية متميزة في موقعها وطراز عمارتها وجمال هندستها الداخلية، فهي غاية في الروعة من الصنعة الدمشقية، تخللها أخشاب شجر الحور المدهون باللون البني، و زخارف ونقوش دمشقية تتكون من الرخام والمرمر والحجر المزاوي الوردي الرائع الوصف.
يقصدها زوّار الكاتدرائية المريمية التي لا تبعد عنها إلا حوالي الخمسين متراً. مؤخراً خضعت لترميم أبرز جمالها المعماري الكنسي. فقد تم كشط جدرانها وإزالة الطبقة الكلسية عن أحجارها وأعمدتها السوداء تنفيذاً لتوجيهات غبطة البطريرك أغناطيوس الرابع كلي الطوبى فبرزت في حلتها الدمشقية الأصيلة.
تقع الكنيسة عند تقاطع حارة الآسية مع نزلة «سفل التلة» المسماة حالياً (حارة يوحنا الدمشقي) في باب توما. أما قصة بنائها فتدل على جهاد وصبر وألم لأنها تزامنت مع إحدى أكبر الفتن الطائفية التي حصلت في دمشق هي فتنة عام 1860.
كانت تقام الصلاوات في كنيسة القديس يوحنا الدمشقي لأجل السلام في سورية.
في اسم الكنيسة
بنيت هذه الكنيسة على اسم القديس يوحنا الدمشقي، الذي كني دفاق الذهب من باب تماثل أقواله الإلهية فائقة العذوبة مع تدفق مياه نهر بردى الذي ينعش دمشق وما حولها.
ولد القديس يوحنا في مدينة دمشق في سورية نحو سنة 675م في عائلة مسيحية دمشقية مؤمنة أيام الخلافة الأموية، وكان والده سرجون محبوباً عند الخلفاء مكرماً عند المسيحيين و غير المسيحيين لما اتصف به من خصال عالية و أخلاق حميدة.
كان اسمه منصور بن سرجون، وكان لعائلة درجة مرموقة. عمل جده مسؤول المالية وتبوأ محكامية دمشق في زمن الإمبراطور موريس والإمبراطور هرقل (610 – 641م)، أما والده فولاه الخليفة معاوية بن أبي سفيان ديوان المالية في أرجاء الدولة الأموية.
دعي “مجرى الذهب” بسبب النعمة المألقة في كلامه وحياته. تتلمذ مع أخيه بالتبني قزما لراهب من صقليا علوم عصره. أخضع يوحنا الفلسفة اليونانية وعلوم عصره لإيضاح الإيمان الأرثوذكسي، في أول عمره عاش حياة الأثرياء كان صديقاً حميماً مع يزيد بن معاوية، كما أنه اكتسب أيضاً معرفة القرآن والديانة الإسلامية. وقد شغل منصباً إدارياً في الدولة الأموية. وبقي مكانته هذه حتى أن الأحوال انقلبت على المسيحيين وعاد اضطهادهم من قبل المسلمين، فالخليفة عمر الثاني (717- 720م) أصدر قانوناً حظر فيه على المسيحيين أن يستلموا وظائف رفيعه في الدولة.
عندما اندلعت الهرطقة محاربي الأيقونات، بمساندة الإمبراطور البيزنطي لاون، هب يوحنا مدافعاً عن الأيقونات الشريفة وإكرامها. فكتب رسائل عديدة بهذا الشأن إلى كل اتجاه. وقد اشترك في مجمع أورشليم المنعقد بهذا الشأن. ولما كانت سوريا وفلسطين قد احتلتا من المسلمين ولا تخضعا للإمبراطورية الرومية، أراد لاون الملك أن يسكت يوحنا الدمشقي، فأرسل برسالة مزيفة إلى الخليفة مدعياً أنها بخط الدمشقي إذ يطلب بها يوحنا مساعدة الروم على المسلمين. فإذ اطلع الخليفة عمر بن عبد العزيز على الرسالة أمر الخليفة بقطع ذراع يوحنا اليمنى وتعليقها في ساحة المدينة. وبالحيلة استرد يوحنا يده المقطوعة، متذرعاً بضرورة دفنها، فأخذها ودخل إلى بيته وارتمى عند أيقونة والدة الإله جاعلاً يده المقطوعة على مفصلها. وصلى، وإذ ترائت له والدة الإله وقالت له يدك قد عوفيت. وبالفعل هكذا حدث. على إثر العجيبة حاول الخليفة استمالة يوحنا واعطاءه مكانة مرموقة، إلا أن يوحنا كان قد آثر الزهد. فذهب إلى فلسطين إلى دير مار سابا، وترهبن هناك، وبعد زمن سامه بطريرك أورشليم كاهناً رغم تمنعه. ممنذ ذاك أصبح يوحنا واعظ المدينة المقدسة. واهتم أيضاً بالتدريس وقد ألف عدة مؤلفات، كتاب “ينبوع المعرفة” كتاب فلسفي عقائدي يرضخ به الفلسفة لإيضاح اللاهوت، ويشير إلى تاريخ الهرطقات المئة وثلاث ويحاربها. كما وأنه كتب كتب أخرى ضد هرطقات عصره النسطورية وبدعة محاربي الأيقونات. كما وأنه وضع الخطوط العريضة لطريقة الجدل مع المسلمين.
كما وأنه كان له دور في الحياة الليتورجية الكنسية فقد ألف العديد الطروباريات والقناديق، فقد أسس كتاب المعزي الثماني الألحان، وكان له دور كبير في وضع الموسيقى الكنسية الرومية (البيزنطية).
أمضى القديس يوحنا ثلاثين سنة من عمره في الدير. كان رقاده بسلام في الرب في شيخوخة مخصبة بالصالحات ما بين العامين 749- 750م بقيت رفاته في الدير لغاية القرن الثاني عشر ثم نقلت إلى القسطنطينية وأودعت بجوار رفات يوحنا الذهبي الفم وغريغوريوس اللاهوتي. وقد أعلن المجمع المسكوني السابع 787م قداسة يوحنا واعتبره بطل الحقيقة والإيمان.
تعيّد له الكنيسة في اليوم الرابع من شهر كانون الأول وتعد أيقونة العذراء ذات الثلاثة أيدي الجوهرة الثمينة للقديس يوحنا الدمشقي، وقد حفظها بشكل خاص بتضرعاته وصلواته داخل بيته في دمشق.هذا كان في بداية القرن الثامن.
تاريخها
بنيت هذه الكنيسة في زمن البطريرك الأنطاكي ايروثيوس (1850 ـ 1885م) على أرض كانت من قبل داراً للقنصلية الروسية في دمشق باعتها إلى الحكومة العثمانية بعد انتقالها إلى موقع آخر.
وعندما قام الباب العالي العثماني بزيارة دمشق عام 1856، طلب منه البطريرك ايروثيوس الموافقة على بناء كنيسة أرثوذكسية ثانية في دمشق غير كنيسة مريم (الكاتدرائية المريمية) معيداً بذلك إلى الأذهان أنه كانت للرعية الأرثوذكسية على الدوام كنائس عديدة في دمشق قبل السيطرة الإسلامية للمدينة، فوافق الباب العالي ووهب لغبطته هذه الأرض باسم الحكومة العثمانية لينفّذ عليها هذا المشروع المبرور. ولما علمت الحكومة الروسية بذلك، أظهرت غيرتها الأرثوذكسية وأوعزت إلى قنصليتها في دمشق بأن تقدم باسمها مبلغ ثلاثين ألف قرش مساهمةً منها في بناء هذه الكنيسة.
مواصفاتها
الكنيسة مربعة الشكل تقريباً، تشابه من الخارج كل البيوت الدمشقية في فن عمارتها الذي يعود إلى القرن الثامن عشر حيث تظهر مواد بناء البيت الشامي بواجهة من الحجارة البازلتية السوداء مع خطوط عرضانيّة من الحجارة البيضاء.
حنية الكنيسة نصف مستديرة محدبة نحو الخارج، وفي صدرها نافذتان متطاولتان، وبجانبها إلى اليسار مذبح التقدمة فوقه إيقونة الميلاد فهيكل “لمار الياس” وبجانبها إلى اليمين مذبح تعلوه إيقونة القيامة “إيقونة القديس يوحنا الدمشقي .
عمارة الكنيسة عمارة معاصرة، وجهتها إلى الشمال الغربي، وتتألف من واجهة مرتفعة فيها فتحة معقودة بقوس كبير نصف دائري تعلوه نافذة مستديرة مزخرفة، وتنتهي الواجهة في أعلاها بسطح يعلوه صليب، فوق باب الكنيسة الخشبي حشوة كبيرة مستطيلة مقوسة من الفسيفساء تمثل القديس “يوحنا الدمشقي”، وفي زاويتها السفلية اليمنى كتابة بالفسيفساء الصفراء تحمل اسم هذا القديس».
يقوم باب الكنيسة الخشبي الكبير بدرفتين يليه مدخل مستطيل وفوقه شعرية كبيرة لجوقة المرتلين، نمط الكنيسة بازيليكي وأرضيتها رخامية، ينتشر في سوقها الوسطي صفان من المقاعد الخشبية، وفي الجدار الشرقي والغربي عقد كبير يصل إلى سطح الكنيسة وضمنه خمسة نوافذ طويلة محددة ملونة من كل جهة، وبين هذين العقدين الكبيرين ترتفع قبة تحتوي على أربعة أزواج من النوافذ، وفي كل من طرفي صدر الصحن قراية وكراسي للكهنة، وإلى اليسار عرش البطريرك، ويخلو الصحن من أية زينة إيقونوغرافية».
أما منطقة قدس الأقداس فكانت في الكنيسة “إكليريكية” في “القدس الشريف” وهي عبارة عن: إيقونتين كبيرتين مقدستين محمولتين على قاعدة خشبية فسيفسائية ترقيان إلى عام /1907/.
أما السقف، فهو محمول على أخشاب شجر الحور. يتقدم الواجهة الحجرية ومن جوانبها الجنوبية والغربية والشمالية رواق محمول على أعمدة مربعة من الحجر الأسود المرصوف والقناطر، ويتوسط واجهتها الغربية بابان عاليان للدخول تحيط بهما زخارف ونقوش دمشقية من الرخام والمرمر والحجر المزّاوي، تتوسطهما لوحة حجرية نقش عليها بالعربية أنها بنيت في عهد إمام الأحبار البطريرك ايروثيوس 1864م، مع باب من الجهة الجنوبية وآخر من الجهة الشمالية، إضافة إلى بعض النوافذ. وللهيكل باب خارجي يقع في طرف الرواق الجنوبي أما في طرف الرواق الشمالي، فيوجد درج يُصعد منه إلى شعرية النساء التي تلتف حول الكنيسة من الداخل وتطل على صحنها من جمع جوانبها عدا الشرقية. تُضاء الطبقة العليا من نوافذ عديدة موزّعة على محيطها. أمّا سطحها الخارجي، فإنه مستوٍ، في زاويته الجنوبية الشرقية جرسية خشبية جميلة متداعية تم تجديدها. داخل الكنيسة مقسوم إلى ثلاثة أقسام بواسطة صفين من الأعمدة المتنوعة التي منها قسم اسطواني من الحجر الأسود البازلتي وقسمٌ من الحجر المزّاوي الضارب إلى الحمرة. وقد كشطت الطبقة الكلسية البيضاء عن حجارتها الداخلية فظهرت بلونها الأصلي الأسود مكحّلة بخطوط عرضانية من الحجارة البيضاء تتخلّلها بعض النقوش الحجرية الدمشقية المتناثرة بشكل هندسي غير متناسق.
أما أيقونسطاس الكنيسة الخشبي المحفور، فإّنه غاية في الروعة من الصنعة الدمشقية التي كانت قد اختصت بها أسر مسيحية عربية دمشقية (١٣) . فيه أيقونات بديعة من المدرسة القدسية، “الأورشليمية” وهو، بمجمله وبالصلبوت الذي يعلوه، من الفن السوري الجميل المميّز بكيفية صف أيقونات الرسل وبدقة الصنع وبكرسيّي كل من البطريرك والمطران الموضوعين في الكنيسة.
على جدران الكنيسة الداخلية تنتشر أيقونات وأيقونسطاسات رخاميّة تقليدية من مدارس الأيقونة البيزنطية والسورية والروسية.
زياح وتكريس أيقونة العذراء ذات الثلاثة أيدي
تم زياح وتكريس أيقونة العذراء ذات الثلاثة أيدي خلال ترأس البطريرك يوحنا العاشر صلاة الغروب الاحتفالية بمناسية عيد القديس يوحنا الدمشقي والقديسة بربارة في كنيسة القديس يوحنا الدمشقي في باب توما – دمشق ٣ كانون الأول ٢٠٢٢ . بحضور أصحاب السيادة الأسقف موسى الخوري والأسقف يوحنا بطش والأسقف أرسانيوس دحدل والأسقف موسى الخصي وكهنة وشمامسة مدينة دمشق وعدد غفير من المؤمنين. وقُبيل صلاة الغروب تم الزياح بأيقونة العذراء ذات الثلاثة أيدي من الكنيسة المريمية إلى كنيسة القديس يوحنا الدمشقي بحضور شعبي كبير من المؤمنين. وعند الوصول إلى الكنيسة تم تكريس الأيقونة وتبرّك الموجودون منها طالبين شفاعتها. وقبل نهاية صلاة الغروب وضع البطريرك يوحنا يده على قدس الأب باسيليوس موسى وصيّره أرشمندريتاً.
الجدير بالذكر إن ما ورد عن تاريخ هذه الكنيسة هو غيض من فيض احتوته عنها الوثائق البطريركية وخاصة وثائق أبرشيتي دمشق وبيروت. كما توجد دراسة عن هذه الكنيسة في كتاب أديرة وكنائس دمشق.