لأنَّ أمّي، الأمينة لكَ، بَكَت لأجلي
إلى كلّ أمّ ترى ابنها يعيش في الخطيئة ولم تَعُد تعلم ماذا تفعل.
إلى كلّ أمّ تتألّم من أجل ابنها الذي فقد إيمانه وصلاته وحبّه للّه وللكنيسة.
إلى كلّ أمّ تبحث عن ابنها الضائع في عالم المال والإغراءات أو الهرطقات والبدع.
إلى كلّ أمّ تبكي بمرارة على ابنها الغارق في عالم المخدّرات والسكر والإدمان.
إلى كلّ أمّ تسهر اللّيالي بانتظار عودة ابنها من سهرات اللّيل الطويل والصُّحبة السيئة.
إلى كلّ أمّ فقدَت قيمتها في عينيّ ابنها الذي أغرتهُ المناصب والسلطة والشهوات.
لا تيأسي… لا تتعبي من الصلاة… لا تستسلمي ولا تفقدي الرجاء!
فها هي القدّيسة مونيكا التي بَكَت وصلّت لسنوات طويلة من أجل ابنها أغُسطينوس لكي يعود إلى الإيمان وإلى الطريق الصحيح، بعد أن كان يعيش في الخطيئة والإلحاد وكلّ أنواع التفلّت الأخلاقيّ.
أغُسطينوس الذي صار فيما بعد واحدًا من أهمّ القدّيسين واللّاهوتيين في الكنيسة، وهو الذي أصبح مِثالًا لكلّ خاطئ يتوب، بأنّ عند اللّه لا شيء مستحيل، وأنّ القداسة هي دعوة للجميع، مهما كَثُرَت وكَبُرَت خطاياهم، قد نسب هو بذاته إرتداده في كتابه “الاعترافات” إلى صلوات ودموع والدته، قائلًا: “لقد أخرجتَ نفسي يا اللّه من تلك الظلمة العميقة، لأنَّ أمّي، الأمينة لكَ، بَكَت لأجلي”.
فقد صلّت القدّيسة مونيكا لحوالي عشرين سنة دون توقّف، ودون أن تتعب، ودون أن تستسلم، وحاولت بكافّة الطرق أن تساعد ابنها، حتّى أنّها طلبت يومًا من أسقفًا أن يردّ ابنها عن طريق الهرطقات الذي يسلكه، فقال لها: “إذهبي في طريقكِ، وليبارككِ اللّه، فلا يُمكن أن يضيع إبن هذه الدموع”.
لقد لجأت القدّيسة مونيكا إلى والدة الإله مريم، سيّدة الزنّار، طالبةً منها بدموعها أن تردّ ابنها عن طريق الضلال والخطيئة. وكانت منذ أن توفّي زوجها قد طلبت من العذراء القدّيسة أن تعلّمها كيف تتشبّه بها حتّى في لباسها.
من هنا جاء تكريم القدّيسة مونيكا لسيّدة الزنّار التي كانت لها الشفيعة والسند في صلاتها لارتداد ابنها.
هذه هي قوّة الصّلاة! أيّتها الأمّهات، ثقنَ بتوقيت اللّه، فصلواتكنّ ودموعكنّ لا تذهبنَ أبدًا سُدىً مع اللّه، مهما طالت السنوات!
إذهبنَ إلى مريم، فهي أمٌّ مثلكم؛ تمسّكنَ “بزنّار مريم” ولفّوا به أسماء أولادكنَّ؛ فمهما قَوِيَت يد الشرّ، تبقى مريم مُنتصرةً عليه في حياتهم.
كم نحن بحاجةٍ اليوم أكثر من أيّ وقتٍ مضى لأمّهات مصلّيات في البيوت والعائلات؛ أمّهات قدوة لأولادهنَّ في الصلاة وحبّ اللّه؛ أمّهات تقتدين بمريم، ولا تفقدنَ الرجاء بالسماء!
الأب جورج بريدي م.ل.
No Result
View All Result