عن الإيمان والبساطة ومخافة الله
القديس مارفيلوكسينوس
-
ان ربنا ومخلصنا يسوع المسيح قد دعانا في انجيله الحي ان ندنو بحكمة من عمل حفظ وصاياه، وان نضع في نفوسنا كما ينبغي اساس تعليمه لكي ما يرتفع بنا برج فضائلنا باتزان، لأن من يعرف أن يبدأ بمعرفة بناء ذلك البرج الذي يرتقي بنا الى السماء، فهو بالتالي لا يقدر ان يكمله ويوصله الى حدود الحكمة. لأن هذه الامور البداية والنهاية و الاسس، فان العلم والحكمة هما اللذان يوجهانها ويرتبانها ويجريانها. ومن يبدأ هكذا فأن قول مخلصنا قد رعاه حكيما: كل من يسمع اقوالي هذه ويعمل بها اشبهه برجل عاقل بنى بيته على الصخر فنزل المطر وجاءت الانهار وهبت الرياح ووقعت على ذلك البيت فلم يسقط لأنه كان مؤسس على صخر. وكل من يسمع اقوالي هذه ولا يعمل بها يشبه برجل جاهل بنى بيته على الرمل (متى 7: 24 – 27) فإذا صدمت تلك العناصر بنائه الضعيف فأنها تهدمه.
- فأذا نحن مطالبون بحسب قول ربنا ان نكون مجتهدين ليس فقط في الاستماع بل أيضا في العمل بكلام الله. لأن الذي يعمل به دون ان يستمع اليه افضل من الذي يجتهد في الاستماع وهو خالي من الأعمال، كما يعلمنا قول بولس الرسول لأن ليس الذين يسمعون الناموس هم أبرار عند الله، بل الذين يعملون بالناموس هم يبررون.لأنه الأمم الذين ليس عندهم الناموس، متى فعلوا بالطبيعة ما هو في الناموس، فهؤلاء إذ ليس لهم الناموس هم ناموس لأنفسهم، الذين يظهرون عمل الناموس مكتوبا في قلوبهم، شاهدا أيضا ضميرهم (رو2 : 13 – 15).
- جيد هو الاستماع للناموس، لأن هذا يقود الى الاعمال. وجيد ان نقرأ ونهذ في الأسفار المقدسة لأن هذا يطهر عقلنا سرا من افكار الشر. ولكن القراءة والاستماع والهذيذ باجتهاد والمداومة في كلام الله دون تحقيق ما نقرأه بالاعمال، فهذا أمر ردئ قد ادانه روح الله مسبقاً وتوبخ على فم داود الطوباوي، وايضا نهى على أن يمسك (الانسان) الكتاب المقدس بيديه النجستين: للخاطئ قال الله: لا تلمس كتب وصاياي. لماذا حملت عهدي على فمك وانت قد أبغضت تأديبي و طرحت كلامي خلفك؟ (مز 49 (50): 16 – 17).
- كل من هو مجتهد في القراءة ولكنه مبتعد عن الاعمال سيكون فيما يقرأه إدانة له. و يستحق حكما صعبا بقدر ما يحتقر ويستخف باستمرار بكل ما يسمعه كل يوم. انه يشبه الميت و كجثة بغير نفس: فاذا كانت اصوات آلاف الابواق تتردت في اذن الميت ولا يسمعها، وبالمثل تلك النفس المائتة بالخطية والعقل الذي فقد تذكار الله لا يسمعان نداء وصراخ الأقوال الإلهية ولا يهتزان لصوت ابواق الاقوال الروحية، لأنهما غارقان في نوم الموت الذي يلذ لهما. ولكونهما ميتين فلا ينتبهون لكي ما يتحولا و يطلبا الحياة. وكما أن الميت بالطبيعة لا يدرك موته هكذا ايضا الميت بأرادته من معرفة الله لا يتوجع ولا يتفطن لكي ما يقدر ان يطلب العودة للحياة.
- هكذا فأن الله لما راى اليهود كانوا مائتين لأنهم كانوا بأرادتهم قد سدوا اذانهم و اغمضوا عيونهم و قسوا قلوبهم تجاه تذكار معرفة الله، نبه اشعياء النبي لكي يوقضهم وينادي بصوت عال صارخا باذانهم ناد بصوت عال. لا تمسك. ارفع صوتك كبوق وأخبر شعبي بتعديهم، وبيت يعقوب بخطاياهم.(اشعياء 58: 1). و في موضع اخر يقول النبي صوت قائل: «ناد». فقال: «بماذا أنادي؟» «كل جسد عشب، وكل جماله كزهر الحقل. (اشعياء 40: 6). اي مثلما يبيس العشب ويذبل الزهر في الشمس، لأن المطر ومياه الابار لا تقدر ان ترويه طالما انه قد فقد رطوبته الطبيبعة، هكذا ايضاً فأن الشعب الذي مات من حياة الروح يصير مثل العشب والزهر، فيزوى و يجف بفعل الإهمال والنسيان من شدة حرارة الشر.
- لأن النفس تموت اذا ما فقدت تذكار الله، وتموت معها كل بصيرتها، ولا يبقى فيها اي اهتمام بالأمور السماوية، فهي تعيش طبيعتها ولكنها مائتة في إرادتها،وهي تحيا في بنيتها و لكنها تكون قد فقدت حريتها. فينبغي اذاً لتلميذ الله ان يكون تذكار معلمه يسوع راسخا في نفسه، وان يفكر فيه ليل نهار.
- و يجب عليه ان يتعلم من اين يبدأ، وكيف ومن اين يشيد بنيان بيته، وكيف يكمله، لئلا يهزأ به جميع المارين كما قال ربنا عن الذي بدأ يبني برجا ولم يستطيع ان يكمله: انه صار هزءاً وسخرية لكل الذين رأوه. وهو الذي بدأ يبني البرج في المثل الذي قال مخلصنا، إن لم يكن هو التلميذ الذي يشرع في المسير على طريق إنجيل المسيح؟ وبداية بناء هذا التلميذ هو وعده وعهده مع الله فهو يعد بالخروج من العالم ويحفظ وصاياه، بالبدء (في البناء) والاستمرار فيه وتكميله، وذلك بجمع واعداد الأحجار الكريمة بصفة خاصة والفضائل الجميلة، لتشيد ذلك البرج وارتفاعه إلى السماء.
- و الأساس يوضع ويثبت، وبحسب قول القديس بولس هو يسوع المسيح الهنا. و كل واحد يبني على هذا الأساس كما يريد. لأن الاساس قد تنازل مرة في محبته، واحتمل كل ما وضع عليه إلى أن يأتي يوم الاستعلان، حيث سيمتحن عمل كل واحد و يختبر، حين يظهر ذلك الذي هو الأساس في أسفل البناء و يصير هو الديان والرأس والقائم في اعلى البناء، كما قال القديس بولس ولكن إن كان أحد يبني على هذا الأساس: ذهبا، فضة، حجارة كريمة، خشبا، عشبا، قشا، فعمل كل واحد سيصير ظاهرا لأن اليوم سيبينه. لأنه بنار يستعلن، وستمتحن النار عمل كل واحد ما هو. (ا كو 3: 12 – 13). و الفضائل ومحاسن وأعمال البر هي التي يقارنها الرسول بولس بالذهب والفضة والحجارة الكريمة: فالإيمان كالذهب، والعفو والصوم و الزهد وبقية أعمال البر هي كالفضة، والحب والسلام والرجاء والأفكار النقية المقدسة و الذهن الروحي الذي يداوم التأمل في الله وفي عظمة طبيعته، والذي يحفظ السكون برعدة أمام أسرار الله التي لا ينطق بها وتفوق كل وصف. هذه كلها يشبهها بالحجارة الكريمة و هكذا نرى ان القديس بولس يقول: ان هذه الافكار وهذه الحركات والاشتياقات الروحية والسمائية هي حجارة كريمة، وان الخطية والشر من عمل كل الشهوات هي خشب وعشب وقش.
- والأساس الراسخ في الأرض، يبني عليه كل واحد ما يريد. الى ان يستعلن يوم التمييز و يأتي ذاك الذي قيل عنه (الذي رفشه في يده، وسينقي بيدره، ويجمع القمح إلى مخزنه، وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ) لوقا 3: 17. حينئذ فإن الزارع الذي غرس شجر بشريتنا في العالم، سوف يستعلن كديان: فهو سيأخذ الفاس في يده ويقطع الشجرة التي لا تحمل ثمرا جيدا و يلقيها في النار، وسوف نرى الصيار يلقي الشبكة في بحر العالم ويملأها من السمك الصغير والكبير، اي من اجناس و قبائل الشعوب و اجيال بني البشر، اللغات المتنوعة والأمم التي بلا عدد، وفي ذلك الوقت يجتذب شبكتهِ ويصعدها على شاطئ البحر كما قال، ويجمع الجياد في اوعيته التي هي الاهراء الحية التي لملكوته، وأما الأردياء فيطرحها خارجا الى الظلمات الخارجية هنالك يكون البكاء وصرير الاسنان.
- و هذه الأمور محفوظة لذلك الزمان حيث ستظهر حينما يستعلن رئيس الرعاة في مجد ملكوته. لأن شئ هو وقت الامتحان وشئ آخر هو زمن التلمذة وشئ هو وقت الدرس وشئ آخر هو وقت الدينونة. فالذي يكون في فترة التلمذة لا يكون له بعد امتحان، كما ان الذي يكون في وقت الامتحان لا يكون بعد في حالة التلمذة. إذا احبائي فلنسمع لصوت الإله الحي، الذي دعانا لكي يعطينا الحياة الابدية. لأن هذه الأصوات ممتلئة حياة، و تهب الحياة للذي ينصت اليها. فالاقوال الإلهية قيلت بواسطة الحياة، والحياة تعطى بأقوال الحياة لكل اللذين ينصتون لكلماتها بأذن حية.
- ولكن ينبغي ان نميز بين المواضيع ونتكلم عن كل موضوع في مكانه، لكي ما نعرف ما هي الوصية الاولى وماهي التي تليها، وكيف تحفظ الفضائل وتكتمل الواحدة بعد الاخرى. ولهذا السبب كتبنا هذه المقدمة كتمهيد للمقالات التي ستتبعها. لأنه ينبغي على من يبدأ في السير في طريق وصايا المسيح ان يعرف بأي وصية يبدأ و ما هو الحجر الاول الذي نبدأ به تدبير سيرة التلميذ، ثم الثاني فالثالث، خوفا من انه اذا لم يعرف الترتيب لا يدرك بماذا يبدأ، وبالتالي لا يعرف بماذا وكيف يكمل، و اذا يخطئ معرفة تدبيره كتلميذ يجعل الحجارة الأخيرة في البداية و الاولى اخيرا، ولا يضع بعضاً منها في الوسط.
- ان الفلاحين والزارعين في هذا العالم يعرفون متى يكونون اوان اللقاء البذور وغرس الاشجار، ومتى يأتي اوان الحصاد وجمع الثمار، و يحفظون نظام الفصول حتى لا تتعرض خيراتهم للضرر او الفساد. فكم بالاكثر يجب على الباذر والزارع الروحاني، و تلميذ الحق ان يعرف ما هو مناسب لبداية التلمذة، و بأي شيئ يبدا، لكي ما بعد ان يكون قد ارسى الحجر الاول في مكان الاساس، يكمل بقية البناء كل على اكمل وجه. البناؤون والمهندسون يعملون الشيئ نفسه عندما يكونون قد وضعوا الاساس قواعد متينة وحجارة جيدا، فأذا وضعوا فوقها مواد ضعيفة يستطيع ذلك الاساس ان يقبلها و يتحملها. اذا ما وضعوا المواد الضعيفة في الأساسات والحجارة الكبيرة فوقها، فأن كل بنيانهم ينهار ويسقط. ولنا خذ ايضاً مثال المعلمين اللذين يقومون بتثقيف الاطفال، فهم يقدمون لهم التعليم بمقياس، ولا يتجاوزون او يخلون بأنظمة تلقين المعرفة البشرية، لأنهم يعرفون جيدا ماهي المواد التي تقدم لهم في البداية و تلك التي تليها، الى ان يصل التلميذ الى نهاية منهج التعليم.
- والتدريب على كل صنائع العالم محدود ايضا بناموس، فالاشياء الصغيرة في الصنعة هي التي تعطى للمتدرب المبتدئ، حينما يبدأ تدريبه، كما ان معلمه يشرح له اولا كيف يعملها بحسب قياس معرفته القليلة، حتى اذا ما حدث اي خطأ يكون قليل الاهمية. وهكذا الحال في صنعة المصارعين: فهم يتعلمون اولا اوضاع الصراع التي يبدأون بها والدرجات التي يتقدمون بها يظهرونها في صنعتهم: فيتعلمون في البداية الاستعداد لوضع الانقاء الواحد منهم في مواجهة الاخر، ثم بعد ذلك وضع الايدي الواحد على الاخر و هكذا يستفزن الواحد الاخر ويتقدمون للمصارعة الكاملة. وعلى هذا النمط ايضا يتعلم المتطوعون للخدمة في الجندية صنعة القتال: ولا يكون التعليم كيفما اتفق، بل يعطي لهم كل شيئ في موضعهِ وبحسب ترتيبهِ، وكل ما في العالم له بداية ووسط ونهاية محددة.
- إذا بموجب الأمثلة التي اوردناها، كم هو نافع لنا نحن بوجه خاص هذا الترتيب. فمن الضروري لنا ان نعرف ما هو العمل الأول، وما هو الذي يأتي بعده، لأنه بهذا نتعلم الجهاد الروحي، وهذا من اجل جندية السماء التي دعينا إليها، و كما ان الذين اختيروا لخدمة ملوك العالم يتعلمون الشرائع والأعراف الملكية من الذين سبقوهم، والتي يعلمها القدامى للمستجدين، حتى في طريقة المشي والنظر والصوت، إلى أن يسمح لهم بالكلام أمام الملك هكذا هنا ايضاً. فمن اللازم الذي يتقدم لخدمة المسيح سواء بعزم مشيئة أو بنذر ابوية، أن يتعلم هذه الخدمة من الذين سبقوه. او من الأسفار المقدسة، أو من أشخاص روحانيين يكونوا قد سلكوا في هذا الطريق بحسب قوانينه و يكونوا قد بدأوا بأعمال الجهاد و أكملوا بالروح وأدركوا الهدف بالحب.
- الجميع يعرفون ما هي الشهوات التي تحاربنا في البداية والوسط ونهاية الطفولة: و كما ويعرفون ايضا تلك التي تكون بداية ووسط ونهاية الشباب، وبالمثل في سن الكهولة حتى نهاية تلك المرحلة: واخيرا في الشيخوخة وحتى خروجنا من العالم، ونعرف ايضا الشهوات التي تأتي من نفوسنا في الطفولة والصبوة بواسطة الحركات الطبيعية قبل ان نقتني تمييز الحرية ونفرق بين الخير والشر، ولكنه يلزمنا ايضا ان نعرف ان الأوجاع والرغبات يضاد بعضها البعض و تتصارع فيما بينها في الوقت الذي نقوم فيه بتتميم قوانين واعمال سيرة التلمذة.
- ولكن يجب علينا ايضاً عندما نبدأ بتكميل تلك القوانين والأعمال ان نعرف اي وجع يحارب الوجع الاخر واي شهوة تتصارع مع الاخرى، وعندما نقوم بعمل من اعمال الصلاح، ما هو الشر الذي يثور مقابلنا حرب اوجاع النفس، واذا ابطلنا الشر خارجيا يعود ليواجهنا ويغرقنا داخليا في أفكارنا، وكيف اننا بعدما نكون قد قطعناه و طرحناه خارجياً، يعود فيدخل بخداعة فينا ليعيش في داخلنا.
- وينبغي ان نعرف اي وجع يتولد في النفس من صوم الجسد ومن العفة، ومن التزمير بصوت مرتفع، ومن الصلاة في سكوت، ومن ترك المقتنيات والزهد والملابس، و اي وجع يتولد فينا من الصداقة والخلطة مع الناس، و اي وجع ينهض مقابلنا حينما يكون تدبيرنا افضل من تدبير اخينا، وما هي الاوجاع التي تلحق بنا من معرفة الأفهام التي نتعلمها و التي نحصل عليها من الكتب، و في اي وجع نسقط حين نكون قد غلبنا محبة البطن والاهتمام بالاطعمة، وما هي الأوجاع التي تقوم علينا بعد ان نكون قد انتصرنا نهائيا ضد الزنا، وما هي الأوجاع التي تتولد من طاعة الرؤساء، وتلك التي تكون من الطاعة للجميع، وما هي الافكار التي تكون فينا حين نرفض الطاعة وبواسطة اي تعليم تبطل افكار العناد تجاه الروؤساء، و بأي فكر نقتلع منا الأعتداد بالمعرف التي نتصورها من نفوسنا لذواتنا، و اي وجع ينغلب من الاخر. و اي شهوة تبطل بواسطة الاخرى.
- كذلك يجب معرفه ما هي الحروب التي تقوم ضد الذين يجاهدون بالجسد، وتلك التي تكون ضد الذين يجاهدون في النفس، وايضا ضد الذين يجاهدون بالروح، وما ينبغي ان يعمله الذين يقاتلون في الجسد لكي ما يقمعوا شهواته، والذين يقاتلون في النفس لكي ما يغلبون اوجاعها والذين يجاهدون في الروح لكي يحترسوا السقطات التي تحصل للروحانيين في طريق الروح، والى اين تمتد الحروب في جميع هذه الأحوال، و كيف نعرف متى تكون حركة الشهوة منها، وكيف ومتى تجد لها موضعاً فينا بفعل هجمات العدو من الخارج، وبماذا تنغلب الشهوة التي تتولد منها، وتلك التي يثيرها العدو مقابلنا، وهل تنغلب الشهوة عينها بالطريقة نفسها بكل حين ام ان طرق التغلب عليها تختلف بالضرورة بحسب الأوقات، وكيف وبماذا نشعر حين نغلب شهواتنا، ام بقوة صبرنا ام بنعمة الله.
- ينبغي ان نعرف اي حرب تقاتلنا حين نكون في المجمع، وايها حين نكون في الوحدة، و في اي مكان بصفة خاصة تتنقى فيه النفس و تتطهر، واي مكان هو مناسب للقتال مقابل الجسد، و بأي نوع يجب علينا ان نبدأ حين ندنو من تدبير سيرة التلمذة للمسيح، و ماهو الوجع الذي يتحرك داخلنا من جراء المدح الذي يحصل لنا من الروؤساء و من اجل علمنا و اعمالنا، و ذلك الذي يأتينا عندما يصير لنا المدح من محافل الناس، و بأي الافكار نميز علل الاوجاع، وكيف نحترس لأنفسنا حتى لا نضطرب حين تهاجمنا، و اي افكار نجلبها على انفسنا اذا تغلبنا عليها، و كيف نحظى بأقتناء التواضع، و بأي افكار نبطل روح التشامخ الذي هو عدو الاتضاع، وما هي الافكار التي بواسطتها نقتني الصبر في نفوسنا، و ماهو نسك الجسد و ماهر الزهد في العالم، وماهو جحد النفس، وكيف نقتني غنى مواهب المسيح متى زهدنا في غنى كل ما يرى.
- كذلك ينبغي ان نعرف ماهي الوصايا التي يجب علينا ان نحفظها في بداية سيرة تلمذتنا ، و كيف نسمع لروؤسائنا اللذين يرشدوننا و يعلموننا الاعمال الفاضلة بصرف النظر عن أخطائهم، واي قوة تبعدنا عن كل عمل من تلك الاعمال الصالحة التي نعملها، و كيف يجب ان نسلك بأسلوب جيد في مساكن اخوتنا، و بأي قدر ينبغي ان نصوم و كيف نزيد او ننقص مقدار طعام الجسد حسب كل الاوقات، و كيف و بأي قدر نتناول الغذاء حينما تثور مقابلنا حرب الشهوة، و ماذا ينبغي ان نعمل ان كنا نريد ان نميت في داخلنا اهواء النفس، وبأي اعتبارات و افكار يمكن ان نقتلع العداوة منا. و كيف ومن اين تولد فينا الصلاة النقية، وماهي الوسائل التي تجتذبنا للتامل الى الله، و كيف ينبغي ان نلهب في قلوبنا الاشتياق اليه، و ماهي المشاعر و الاحاسيس التي تمتلكها هذه الشهوة لله. و كيف يمكننا من اوقات السكون ان نحرس افكارنا من التشتت خارجا عنها. و ماهي الخسارة التي تحصل للانسان من اختلاطهِ بالهراطقة، و كيف يمكن ان يتقسى القلب و يظلم من تذكار الله و دوام التفكير فيه بسبب اللقاءات و الاحاديث العالمية. كذلك يجب ان نعرف ماهو صوم الجسد وصوم النفس و صوم الروح، و ماهو الفرق بين سكوت الجسد و سكوت النفس و سكوت الروح، و كيف تتعلم النفس الصوم عن الشر كما يصوم الجسد عن الطعام.
- هذه الامور الكثيرة و ما يشبهها، يلزم بالضرورة لتلميذ المسيح ان يتعلمها و يعرفها لكي ما يتقدم بثقة في طريق خدمتهِ و يصنع مشيئات الملك السمائي الذي تعين جنديا له. لأنه اذا كان الذين يتعلمون صنائع العالم يظهرون مثل هذا الاهتمام في تعلم كل طرائفها واسرارها، كم بالاكثر جدا يليق بالذي اختير بصناعة الروح هذهِ ان جاز ان نسميها صناعة ان يعرف جميع اسرار ذلك التدبير الالهي، وان يعى انه انما دعى لكي يخدم بطقس الروحانين بينما هو مايزال بالجسد و في هذا العالم. ولذلك فنحن ملتزمون، بما اننا تلاميذ، ان نطلب و ان نتعلم كتلاميذ كل الاشياء التي نجد فيها حياتنا، ان نتعلمها و ان نتسلمها من المعلمين الروحانيين كما يتعلم التلاميذ الصنائع المختلفة من معلميهم. لأنه لا يمكن ان يصير احد معلماً مالم يكن اولاً تلميذاً، ولا يقدر ان يساعد الاخرين كي يصبحوا نافعين مالم يقتني هو اولاً المنفعة من المعلمين بتسلمهِ المعرفة منهم، وبأعتبارهم اكثر قدراً و سمواً منه.
- ولنتفطن بوجه خاص ان طبيعتنا هي طبيعة مخلوقة، واننا نوجد بأرادة خالقنا في حين كنا غير موجودين من قبل. اذا فنحن بالمثل بواسطة الطبيعة الجديدة يمكننا ان نقتني معرفة الصلاح. و كما اننا نوجد الان بعد ان كنا غير موجودين من قبل. كذلك نصير ابرار في حين اننا خطاة. فينبغي للانسان ان يهجر العالم تماما لكي يتزين بمثال المسيح، لانه لا يقدر ان يتسربل برداء معرفة المسيح ان لم يكون قد خلع اولاً الثوب الوسخ و أغتسل من دنس الشرور بدموع التوبة. ولأنه قد اتسخ بأفكار و اعمال الأثم فمن ثم يلزمه ان يشفى اولاً جروحهِ و يغسل ادناس نفسهِ و جسدهِ: فأنه لكي يسمح له ان يدخل منزل وليمة الاسرار الالهية يجب ان يتسربل بالثياب الروحانية اللائقة بالمدعوين للدخول.
- ولهذا يجب على من يريد ان يصير تلميذا للمسيح ان يضع اساس تدبيره سيرة تلمذته من الطفولة الى كمال قامته بالعادات الفاضلة، وان لا يتقدم الى هذه الخدمة الجديدة بعد ان يكون العالم قد استنفذ كل قوة جسدهِ ونفسهِ وصار مثل اناء عتيق وبالِ، بل كما قال ربنا (ولا يجعلون خمرا جديدة في زقاق عتيقة، لئلا تنشق الزقاق، فالخمر تنصب والزقاق تتلف. بل يجعلون خمرا جديدة في زقاق جديدة فتحفظ جميعا) متى 9: 17. هكذا اذا نضع في نفوسنا الخمر الجديدة التي لتعليم المسيح في مبتدأ شبابنا حينما يكون غرسنا مازال جديدا، فأن قوتنا تبقى فينا و جدة سيرتنا لا تتعتق في خطايانا. و بهذا نستطيع ان نحتمل لهيب المحبة التي للتعليم المقدس و بحفظها نحترس من قوة الشرور، لأن قوة نفسنا لن تسلب منا او تضعف بواسطة خدمة الغرباء.
- وينبغي من يبتدأ في هذا التدبير في طفولته ان يكون تحن الرعاية الساهرة للمعلمين، وان يطيع اقوالهم و لا يحكم على نقائصهم. كما يجب على المعلمين ان يعتبروا انفسهم كمربين عهد اليهم بأبناء ملك سمائي. وان اباهم ملك، و اخاهم ملك، وامهم ايضا ملكة. وكما ان اولئك اللذين يعلمون ابناء ملك ارضي يظهرون اهتمام بلا حد في تثقيفهم. و يجتهدون بذلك ان يحظوا برضى والديهم بل و رضى الابناء انفسهم عندما يصلون الى شرف الملوكية، هكذا ايضا يجب على معلم التلاميذ ان يعد نفسه كمربي ابناء الملك ويكون يقضاً و منتبهاً لحراستهم و تقدمهم داخليا وخارجياً.
- ويجب علينا ان نكون اطباء لنفوسنا للواحد تجاه الاخر. فلا يوجد طبيب اذا كان مريضاً، ألا و يعتني بنفسه قبل ان يهتم بالعناية بالاخرين، اما اذا كان الاخرون هم المرضى فأن شريعة الطب تطالبه ان يسوع لمداوتهم. وينبغي لنا اولا كأطباء ان نعرف علل الأمراض، وبعدئذ نستعمل الأدوية التي تمنع تفاقم المرض، لأننا حين خلقنا الله تقبلنا نفساً وجسداً ونحن مطالبون ان نعتني بكليهما. اما عن الامراض والالام الجسدية فأن طبيعة الجسد تطالب من نفسها بطعامها وشرابها و كسائها، اما حاجته الطبيعية فهي التي تحملنا على ان نهتم بها، ولهذا فنحن لا نستطيع ان نتغافل عنها حتى ولو اردنا ذلك، فنحن مضطرون ان نوفرها له. اما بالنسبة لنفوسنا فأن وصية الله هي التي تلزمنا ان نهتم بمداواة امراضها و تخفيف اتعابها، و ان نشبع جوعها بالطعام الروحاني، ونروي عطشها بمعرفة الله، و نكسوها برداء الايمان و نحذوها باستعداد الرجاء ونقيمها من العادات الفاضلة وفي ممارسة الاعمال الصالحة وفي طاعة وصايا الله.
- فأذا كانت اعمالنا الداخلية مقدسة واعمالنا الخارجية نقية، فأننا نكون اواني مهيئة لروح الله الذي يسكن في القديسين و الانقياء فقط، هذا عندما نداوي الامراض التي بنا بمعرفة وحكمة وحينما نضعد جراحات الخطية في نفوسنا.
- ولايوجد مرض من امراض النفس لم تقدم كلمة الله له رواءً. وكما انه توجد ادوية يدربها ويعدها روح الله ضد ارجاء الخطيئة، لكي ما يجد كل من يحس بمرضهِ الدواء بجانبهِ و يجد عوناً سريعاً لنفسهِ. وجميع الامراض تشفى بما يضادها. فالتي تأتي من البرد تداوى بالاعشاب الحارة، والتي تحدث من السخونة تداوى بالاعشاب المرطبة، والتي من الرطوبة تداوى بالاعشاب المجففة. فخذ لك من هذا مثال، ايها الحكيم الذي يريد شفاء امراض النفس، واعمل لنفسك كما يعمل الاطباء للجسد. لأن ترتيب الامور الخارجية موضوعة امام اعيننا كنموذج لترتيب الامور الداخلية، ولكي نداوي النفس بالاسلوب الذي يداوى بهِ الجسد.
- فالنعد اذا مقابل كل وجع من الاوجاع الدواء المضاد له، الايمان مقابل الشك، الحق ضد الخطأ، اليقين مقابل التردد، الصراحة مقابل الكذب، البساطة مقابل المكر، الاخلاص مقابل التحايل، الصفاء مقابل التكدر، الوداعة مقابل قساوة القلب، اللطف مقابل الوحشية، الشهوة الروحية مقابل الشهوة الجسدية، التوجع مقابل اللذة، فرح المسيح مقابل فرح العالم، الاناشيد الروحية مقابل الاغاني، التنهدات والدموع مقابل المزح والضحك، الصوم مقابل الشراهة، التعطش الى التمييز مقابل شرب الخمر، العمل باجتهاد ضد الرقاد، التبكيد مقابل التلذذ، والتمتع بالافكار الروحية ضد المتعة الجسدية، التأمل مقابيل الاحاديث، السكوت مقابل المشاغل الدنيوية، النشاط مقابل الرخاوة، العمل الذهني مقابل الباودة، امعان الفكر مقابل تدني الافكار، الثبات ضد صغر النفس، الرحمة ضد الشر، صلاح النفس ضد رداءة الخلق. التواضع ضد الغضب، احتقار الذات ضد الغرور، الخضوع ضد الطموح، لوم النفس ضد المجد الباطل، العوز ضد شهوة الغنى، التجرد ضد محبة القنية، السلام مقابل العداوة، المحبة مقابل البغضة، التصالح مقابل الغيظ، الهدوء ضد السخط، محبة الخير ضد الحسد، المحبة ضد الغيرة الرديئة، البركة مقابل اللعنة، تحويل الخد الاخر مقابل اللطم على الخد الايمن. وكذلك الفرح مقابل الحزن، الرجاء الواثق بالله مقابل الاعتداد بالذات، الاشتياقات الروحية مقابل الاهواء الجسدية، الحياة حسب الروح مقابل الحياة حسب الجسد، المظهر البسيط مقابل التزيين بالملابس البراقة، الزهد مقابل البذخ، الهذيذ بالامور السماوية مقابل شهوة الاطعمة المختلفة، تذكار الامور الغير المرئية مقابل المتعة بالمرئيات، طلب العلم الاتي مقابل العلم الحاضر، محبة الاباء الروحانين مقابل محبة الاباء الجسدانيين، الارتباط بعائلتنا السماوية مقابل التعلق بعائلتنا البشرية، وسكنى اورشليم العليا مقابل المدينة والمنزل الارضي.
- فجميع هذهِ الامراض تداوي وتشفي اذاً بما هو مضاد لها، ومن يرغب باقتناء الامور الروحية يجب عليه ان يتخلى عن الاشياء الجسدية، لأن الشهوة الواحدة لا تعيش فينا قبل موت الاخرى، اي ان شهوة الروح لا تعيش في افكارنا قبل ان تموت فينا شهوة الجسد، فموت الواحد هو حياة للاخرى. فاذا كان الجسد حياً فينا بكل شهواتهِ، فأن النفس حينئذ تكون مائتة بكل اشتياقاتها واذا كانت للنفس شركة في حياة الروح وكانت كل اعضائها اي افكارها تعيش معها (في هذهِ الشركة)، فأن الانسان يكون قد قام من الاموات ويعيش الان الحياة الجديدة التي للعالم الجديد. وليس بأمكاننة ان نلبس الانسان الجديد الذي هو روحاني قبل ان نكون قد خلعنا الانسان العتيق الذي هو جسداني. ومع اننا قد لبسنا الانسان الجديد في المعموذية، الا اننا لا نحس بهِ.
- وبما ان كل الامراض تشفى بواسطة الادوية المضادة لها، فأنه يتوجب على كل واحد ان يعرف مرضه ويصير طبيباً لنفسهِ ويستعمل الادوية المضادة، فكل مرض قد وضعت له الأعشاب التي تداويه، ولكل جرح الضمادة التي تبرئه. فإن كنت تروم شفاء أمراضك، فليس رواؤها بالبعد عنك: يعوزك فقط ان تشعر بها، وان تقتني الاعشاب التي تداويها.
- على هذا النمط المختصر الذي رسمته لك، عليك ان تفهم الباقي بمجهودك الخاص لأن التعليم لا يفهمك كل شيئ لئلا تصير نائماً وخاملاً. وان كنت تعتبر ان ماقيل لك و ماسوف يقال انه فوق قدرتك، ادع الله لمعونتك فتنال منه النعمة التي تعينك. و نحن انفسنا فأنه بمعونة الله قد اجتهدنا ان نكتب ما في امكاننا، اي بقدر ما أعطنا من نعمة من اجل معونتنا شخصيا ومن اجل منفعة الاخرين.
- ونحن نقدم هذه المقالة بحسب ترتيبها. وقد أظهرنا اولا بماذا يبتدئ التلميذ عمله، ثم كيف يتقدم. وشرحنا كافة مراحل التدبير إلى أن يبلغ اخيرا الى درجة الحب العالية، ومنها الى درجة الكمال. لأنه حين ان يدرك المواضع الروحية التي لفرح المسيح ويصل هناك، عندئذ يكون قد انعتق من الاوجاع وتخلص من الشهوات، ويكون قد وطئ جميع اعدائه تحت قدميه. عندئذ يردد بكل يقين ما قاله الرسول (احيا لا انا بل المسيح يحيا في) غلاظية 2: 20. امين له كل المجد الى الابد امين.