الرسالة الراعوية الخامسة
الحركة المسكونية
«ليكونوا بأجمعهم واحدًا» (يوحنا ٢١/١٧)
فصح ١٩٩٩
مقدمة
١. إلى إخوتِنا الأساقفةِ والكهنةِ والرهبانِ والراهباتِ وأبنائِنا المؤمنين في جميعِ كنائسِنا وفي مختلفِ أبرشياتنا في الوطنِ وفي المهجر. “عَلَيكُمُ النَّعمَةُ وَالسَّلامُ مِن لَدُنِ الله أبينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الَسِيحِ” (أفسس ١: ١).
المسيحُ قام. حقًّا قام. نوجَّهُ إليكم، أيها الإخوةُ والأبناءُ الأعزّاء، في غمرةِ الأفراحِ الفصحية، هذه الرسالةَ عن المسكونية. ونسألُ الله أن يرفعَ أنظارَنا إلى العلى، حيث نشاهدُ مجدَه وجلالَه الإلھي، وفي مجدِه نشاهدُ جذورَ وحدتِنا، فنسعى إليها سعيًا جادًا صادقًا، فيما يمللأنا فرحُ الفصحِ والرجاءُ الذي بعثَتُه فينا قيامةُ الربِّ المجيدة. وإنَّنا لنبتهجُ ونحمَدُ الله، إذ نرى أن أبناءَنا أخذوا يزدادون وعيًا لأهميةٍ وحدة المسيحيين في حياتنا الروحيةِ والرَعَوية. وإنَّنا لنرى في هذا الوعي المتنامي والالتزامِ الجادِّ الناجمِ عنه هبةً ثمينةً من الله أبي الأنوار لِكنيستِه المدعوَّةِ اليوم لمتابعةِ رسالةِ ابنِه الخلاصية، في كل أبرشيةٍ من أبرشياتِنا.
الحركة المسكونية اليوم
٢. أصبحَت الحاجةُ إلى الوحدةِ أمرًا مُلِحًّا في حياتِنا الكنسية، لأَنَّنا جميعًا نشكِّلُ معًا “قَطِيعًا صَغِيرًا” (ر.لوقا ١٢: ٣٢)، في منطقةِ الشرقِ الأوسطِ، حيث أرسلَنا الله الآبُ لنتمِّمَ رسالةَ الفداءِ التي أتانا بها ابنه ربُّنا يسوعُ المسيح. فإذا أردُنا أن تكونَ شهادتُنا لهذه الرسالة مقبولةٌ أمامَ إخوتِنا المؤمنين من المسلمين واليهود وجميع الذين أرادَ الله لنا أن نعيشَ معَهم، يجبُ أن تكونَ شهادتنا واحدة. ولن تكونَ خدمتُنا التي نقدِّمُها لمجتمعنا صادقةً وخَصبةً وفعَّالة، إلا بمقدار ما نوحِّدَ جهودَنا المتواضعة ووسائلَ عملِنا المحدودة. بل وأهمُّ من ذلك، إنّ حضورَنا نفسَه ومستقبلَنا في هذا الجزءِ من العالم متوقِّفان على مقدرتِنا على توحيدِ جهودِنا، لنكونُ “قلبًا واحدًا وروحًا واحدة” (ر.أعمال ٢: ٤٤-٤٥) لمواجهةِ القضايا المطروحةِ اليومَ أمامَنا، مثلَ قضيةِ العدلِ والسلامِ وهجرةِ المسيحيين، والعلاقاتِ بينَ الأديان، والاندماجِ الاجتماعي والثقافي في مجتمعاتِنا، إلى ما هناك من القضايا المشتركةِ التي تواجهُ عالَنا العربيَّ وجميعَ كنائسِنا فيه.
كلنا نطلب الوحدة
٣. كلُّنا، السلطاتُ الكنسيةُ والإكليروس والمؤمنون العلمانيون، نرى اليومَ الرؤيةَ نفسَها ونشعرُ بالحاجةِ الملحةِ للوحدة، ولو اختلفَت أحيانا الأولوياتُ وطرقُ التعامل مع هذه القضية. ونرجو أن تكونَ مواقفُنا متكاملةً وإن اختلفَت. فبعضُ أبنائِنا يُلِحّون، ويُمارسون الضغوطَ لكي يعملَ الرعاةُ بجدَّ في هذا المجال، مع أنَنا نرى أنّ بعضَ مطالبهم أو أساليبهم يحتاجُ إلى مزيد من الرويةِ، إذ إنهم لا يدركون دائمًا كلَّ المضاعفاتِ اللاهوتيةَ وحقيقةَ العلاقاتِ الكنسية. رغبتُهم الملحَّةُ على سبيلِ المثال وعملُهم الدؤوبُ في سبيلِ الاحتفالِ معًا بعيدِ الفصحِ قد يكونُ مطلبًا إيجابيًا، مع أنَّه ما زالَتْ هناك عقباتٌ تحولُ دونَ ذلك. ومثالٌ آخرُ يهمُّ المؤمنين ويحتاجُ إلى عمل جاد على طريقِ الوحدةِ هو مجالُ الزواجاتِ المختلطةِ التي تُحدِثُ تمزقًا أحيانًا في داخلِ الكثير من العائلاتِ المسيحية. وقد نظرُنا في هذه القضيةِ وحدّدْنا فيها مواقفَ عمليةً، وذلك في اجتماعِنا في دير الشرفة عام ١٩٩٦ مع إخوتنا بعضِ بطاركةِ الكنائسِ الأرثوذكسية الأجلاء. من الأكيد أنَّ الوحدةَ الكنسيةَ لا تنحصرُ في هذه القضايا فقط، بل تتناولُ أيضًا قضايا أخرى في العقيدةِ لا بدَّ من التوصُّلِ إلى اتفاقِ فيها.
المبادرات المسكونية اليوم
٤. لقد أكَّدُنا على أهميةِ الوحدةِ بينَ المسيحيين منذ لقاءاتنا الأولى عام ١٩٩١ و١٩٩٢. وفي رسالتِنا الثانيةِ المشتركةِ في عيدِ الفصحِ عامَ ١٩٩٢ بعنوانِ “الحضورُ المسيحيُّ في الشرقِ، شهادةٌ ورسالة”، أسهبْنا في الكلامِ على ضرورةِ الحوارِ والتعاونِ المسكوني، وقلنا أنَّنا: “في الشرقِ نكونُ مسيحيين معًا أو لا نكون” (رقم ٣٩). وأوصيْنا باتخاذِ المبادراتِ المناسبةِ في كلِّ بلدٍ وأبرشية. وعلى صعيدِ الشرقِ الأوسط اتخذَنا قرارًا موحَّدًا منذ عامِ ١٩٨٨ لكي تصبحَ العائلةُ الكاثوليكيةُ عضوًا كاملا في مجلسِ كنائسِ الشرقِ الأوسط، الذي غدا الآن ملتقى جميعِ كنائسِ المنطقةِ وأداةَ تواصلٍ بینها.
توجيهات عامة
٥. تسعى كنائسُنا الكاثوليكيةُ اليومَ في أن تطبِّقَ عمليًّا التوجيهات المسكونية للمجمع الفاتیكاني الثاني التي أوضحَها وفصّلَها في ما بعد “الدليلُ المسكوني لتطبيقِ المبادئِ والقوانينِ في المسكونية” في الطبعةِ الجديدة المنشورة عام ١٩٩٣. وفي الرسالة “ليكونوا واحدًا” (أيار/مايو ١٩٩٥)، أراد البابا يوحنا بولس الثاني أن يُعطيَ انطلاقةً جديدةً للتفكيرِ والعملِ المسكوني. وسوف تكونُ هذه الوثيقةُ أهمَّ مصدرٍ نرجعُ إليه في رسالتِنا، بالإضافةِ إلى شهاداتِ آباء كنائسنا الشرقية. تستعدُّ الكنيسةُ الجامعةُ اليومَ للاحتفالِ باليوبيلِ الكبيرِ عامَ ٢٠٠٠، وقد دعا البابا يوحنا بولس الثاني في هذه المناسبة في رسالتِه “على عتبةِ الألفِ الثالث” إلى بذل جهد خاص في سبيل الوحدة. ونحن أيضًا ندعو مع الكنيسةِ الجامعةِ، وفي شركة مع البابا يوحنا بولس الثاني، وتماشيًا مع روحِ الآباء الشرقيين، إلى الالتزامِ والعملِ المسكوني الجادِّ في سبيلِ الوحدة. قال قداسته: “إنَّ اقترابَ نهايةِ الألفِ الثاني يدعونا إلى فحصِ ضميرِنا، وإلى اتخاذِ مبادراتٍ مسكونيةٍ مفيدة، تجعلنا أقدر على التغلب على انقساماتِ الألفِ الثاني. وإن لم توحدنا اتحادًا كاملاً. وكلنا نرى أنه يجب علينا لذلك أن نبذل جهودًا جبارة. ولا بدَّ من متابعةِ الحوارِ العقائدي، وبصورةٍ خاصةٍ يجبُ أن نزدادَ إقبالا على الصلاةِ المسكونية” (رقم ٣٤).
ويحسُنُ بنا، في مطلعِ رسالتِنا أن نستمعَ إلى أبينا القديس اغناطيوس، أسقف أنطاكيا، في رسالته إلى أهل فيلادلفيا، يحذِّرُ المؤمنين من الانقسامات، فيقول: “كونوا جميعًا قلبًا واحدًا غير منقسم. ان الله لا يقيم حيث يكون الانقسام الغضبُ. أتوسل إليكم ألا تعملوا شيئًا بروح المخاصمة، وأن تسيروا وفقًا لتعليمِ الله. تجنَبوا الانقسام، واقتدوا بيسوع المسيح كما اقتدى هو بالله١. وإذا ركَّزْنا تفكيرَنا على وحدةِ الكنيسة، فهذا لا يَعني أنَّنا نريدُ الانغلاقَ على أنفسِنا. قالَ البابا يوحنا بولس الثاني في رسالتِه “ليكونوا واحدا”: “ليست المسكونيةُ قضيةً داخليةٌ تخصُّ الجماعاتِ المسيحيةَ وحدَها. بل هي قضيةٌ موضوعُها حبُّ الله للإنسانيةِ كلَّها في يسوعَ المسيح: وضع العقبات دون هذه المحبةِ هو إهانة التدبيرِ الإلهي الذي يريدُ أن يجمعَ الناسَ كلَّهم في المسيح” (رقم ٩٩).
ولهذا فنحن مقتنعون كلَّ الاقتناعِ أنَّ البحثَ عن الوحدةِ في المسيح هو جزءٌ لا يتجزأ من دعوتِنا المسيحية. وهدفُه هو شهادةٌ صادقةٌ وخدمةٌ أفضلُ للأسرةِ البشريةِ الشرق أوسطية التي دعانا الله لنعيش فيها ومن أجلها.
مخطط الرسالة
٦. سوف نقدِّمُ رسالتَنا بحسبِ المخطَّطِ التالي:
١. غنى التنوع في تراثاتِنا ومأساةُ انقساماتِنا.
٢. الأسسُ اللاهوتيةُ والروحية للمسكونية.
٣. الحوارُ المسكوني.
٤. المسكونية حياة روحية.
١. الرسالة الى أهل فيلادلفيا، مقاطع من الفقرات ٦ و٧ و٨.
٥. عمل رعوي مسكوني.
٦. وسائلُ وأدوات عمل مسكونية.
خاتمة: دعوتنا المسكونية في الشرق الأوسط.
الفصل الأول: غنى التنوع في تراثاتنا ومأساة انقساماتنا
التنوع والوحدة
٧. في رسالتِنا الرابعةِ (ميلاد ١٩٩٦) بعنوان “سرُّ الكنيسة – أنا الكرمةُ وأنتم الأغصان”، تكلَّمْنا بإسهابٍ على لاهوتِ الكنيسةِ وتاريخها في الشرق الأوسط، وذكرْنا ما تقتضيه الشركةُ مع تنوُّعِ التراثاتِ في داخلِ الكنيسةِ الكاثوليكية٢. نريدُ في هذه الرسالةِ أن نوسِّعَ الرؤيةَ فنتكلمَ على الشركةِ والتنوَّعِ في جميعِ الكنائسِ في منطقتِنا. يتميَّزُ الحضورُ المسيحيُّ في الشرقِ الأوسط، أكثرَ من أيِّ مكانٍ في العالم، بتعدُّدِ وتنوُّعِ التراثاتِ الليتورجيةِ واللاهوتيةِ والروحيةِ والقانونية. وهذه التراثاتُ هي جزءٌ من هويةِ الكنائسِ المختلفة، وهي بمثابةِ الرباطِ الحيِّ الذي يربطُ بينَ أجيالِ المؤمنين الذين تعاقبوا عبرَ القرون، ومن خلالِها يتصلُ الجيلُ الحاضرُ بشهادةِ الرسل٣. وهذا التنوُّعُ في التراثاتِ هو مصدرُ غنَّى فريدٍ للكنيسة كلها. ولكن يجبُ أن نعترفَ أيضا أنَ التنوُّعَ أصبحَ أحيانًا سببًا في الانغلاقِ على الذات، ومن ثمَّ كان سببَ انقسام. فإذا أردْنا أن نقومَ بعمل مسكوني حقيقي، لا بدَّ إدًا من التوفيق بين التنوُّع والوحدة، فهما بُعدان أساسيان في حياةِ الكنيسة: “التنوُّعُ المشروعُ لا يعارضُ مطلقًا وحدةَ الكنيسةِ، بل يُعلي شأنَها ويسهم بقدَرِ كبيرٍ في تتميمٍ رسالتِها”٤.
٢. مجلس بطاركة الشرق الكاثوليك، “سر الكنيسة: أنا الكرمة وأنتم الأغصان”، الرسالة الرعوية الرابعة في ميلاد ١٩٩٤، ر. خصوصًا الفصل الأول: “الكنيسة والطائفة والتقاليد”.
٣. سرّ الكنيسة، فصل ١،٣: “تقاليدنا الكنسية” (رقم ١٢-١٦).
٤. يوحنا بولس الثاني، ليكونوا واحدًا ٥٠؛ ر. أيضًا ٥٤ و٥٧.
١. تنوع تراثاتنا وغناها
الوحدة لا تلغي التنوع
٨. صادفَ الإنجيلُ منذ البداية، في القسمِ الشرقيِّ من البحرِ الأبيضِ المتوسِّط، شعوبًا ولغاتٍ وحضاراتٍ عريقةٌ متنوِّعة، وهي حضاراتُ مصر وما بين النهرين، والحضاراتُ اليونانية والسريانية والأرمنية الخ … وقد بشَّرَ الرسلُ وخلفاؤهم بسرّ المسيحِ في كلِّ هذه اللغات المختلفة والحضارات، وعبَّرَ المؤمنون عن إيمانِهم من خلالها. وهكذا اتخدَتْ الجماعاتُ المسيحية أوجهًا حضاريةً مختلفة، وأخذتْ تكوِّنُ جيلا بعدَ جيل تقاليدَها الخاصةَ بها. تجسَّدَ الإيمانُ في الحضاراتِ فأنعش فيها روحًا جديدة، كما تجسَّدَ المسيحُ في طبيعتِنا البشريةِ فخلِّصَها. قلْنا إنّ هذا التنوُّعَ هو غنَّى كبير للكنيسة. والسببُ في ذلك بسيط: لا تقدرُ أيةُ لغةٍ أو حضارةٍ أن تدعي إدراك سرَّ حبِّ الله الذي ظهرَ لنا في المسيحِ إدراكا كاملاً، بل ولا تقدرُ أن تعبِّرَ عنه كما يجب. فقد حاولَتْ كلُّ حضارةٍ من حضاراتنا الشرقية التقرُّبَ من هذا السرِّ من زاويةٍ مختلفة، وبحسب ما يتناسب مع بعض ميزاتها الخاصة. فلو استطعْنا الجمع بيَن هذه الزوايا والميزات، لتمكَّنتْ الكنيسةُ في جامعيَّتِها من التوصُّلِ إلى معرفةٍ أعمقَ وتعبير أدقَّ للسرِّ الذي لا يوصف. يحتاجُ التنوع إذًا إلى الوحدةِ والشركةِ ليدركَ كاملَ معناه. والوحدةُ بدورِها لا تلغي التنوُّع، بل عكس ذلك تزدادُ الحياةُ الكنسيةُ به غنى، والاحتفالاتُ الليتورجيةُ بهاء، وتصبحُ كلمةُ الله معه أكثرَ فعالية، إذ يضعُها التنوُّعُ في الصورةِ المناسبة لتنوع الجنس البشري.
٢. تاريخ انقساماتنا
٩. مع الأسف، غالبًا ما أصبحَ هذا التنوُّعُ عبر التاريخ انقسامًا في حياةِ الكنيسة. والأسبابُ التي أدَّت إلى ذلك كثيرة. وبعض هذه والانقساماتُ الباقيةُ حتى اليومِ تشكِّلُ مصدرَ ضعفٍ للحضورِ المسيحي في منطقتنا بصورة مأسوية، بل هي مصدرَ خطرٍ لمستقبلِه. فنريدُ أن نستعرضَ أهمَّ هذه الانقسامات، وأن نقيِّمَ نتائجَها، لنرى رؤية أفضل ضرورة التغلب عليها والإمكانات المتوفرة لدينا لذلك، وأنَّ ذلك أمرٌ ممكن، إذا أردنا.
مجمع القدس
١٠. منذ أوائلِ الكنيسةِ أدى التنوُّعُ إلى نزاعات في جماعةِ القدس، كما يبيِّنُ ذلك سِفرُ أعمالِ الرسل (أعمال ٦:١-٦؛ ١٥). إلا أنَّ وحدة القلبِ والنفسِ في الروحِ القدسِ مكنتها من التغلُّبِ عليها. فالتأمَ مجمعُ القدس (ر.أعمال ١٥) للردِّ على الأسئلةِ المطروحةِ بسببِ دخولِ تلاميذَ عديدين من أصلٍ وثني في الكنيسة. وغدا هذا المجمعُ فيما بعد نموذجًا لأنماطٍ مختلفةٍ من المجامع، مثلٍ السينودسات أو المجامعِ الكنسية على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو على صعيد الكنيسة الجامعةِ. ففي الاستشارةِ وفي استلهامِ الروحِ القدس تجدُ الجماعةُ المسيحيةُ النورَ والقوة للمحافظةِ على الشركةِ، ولتنميتها بصورةٍ جماعية.
مجامع القرن الخامس
١١. معظمُ النزاعاتِ التي تركَتْ أثرًا باقيًا حتى اليومِ في كنائسِنا حصلَتْ في القرنِ الخامس. حيثُ إنَّ القضايا موضوعَ الجدلِ كانت من القضايا الأساسيةِ في الإيمان، مثلِ ألوهيةِ يسوعَ المسيح أو حقيقةِ التجسد. إلا أنّ بعضَ المجامعِ الكنسيةِ التي دُعِيَت إلى الالتئام لإعادةِ الوحدةِ وتقويتِها أدَّت إلى الانقساماتِ. ولم تكن غالبًا الأسبابُ التي قضَتْ على الوحدةِ كلُّها عقائدية، بل كانَت أسبابًا فلسفيةً وحضاريةً وسياسيةً واجتماعية. وقد جعلت المصالحة أمرًا مستحيلاً ومن تلك المجامعِ مجمعان مسكونيان نجمَ عنهما الانقساماتِ الكنسيةِ الباقيةِ حتى اليوم، وهما مجمعُ أفسس عام ٤٣١، ومجمعُ خلقيدونيا عام ٤٥١.
حدَّدَ مجمعُ أفسس عام ٤٣١ وحدانيةَ الأقنوم في المسيح، ابن الله وابن مريم، مفنِّدًا التعاليمَ المنسوبةَ إلى نسطوريوس. وأكد هذا المجمع أيضًا أنَّ يسوعَ المسيحَ هو إلهٌ وإنسانٌ في شخصٍ واحد، ومن ثم هو ابنُ الله وابنُ مريمَ العذراء في الوقتِ نفِسه. ولذلك ثبت المجمعُ لقبِ “ثيوتوكس” أو “والدة الإله” لمريمَ العذراء. ولم تتمكَّنْ كنيسةُ بلادِ فارس من المشاركةِ في هذا المجمعِ لأسبابٍ عدَّة، ولم تأخذْ علمًا به إلا بصورة جزئية في وقتٍ متأخر. ولهذا لم تقبلْه فعزلَتْ بذلك نفسَها عن باقي الكنائس. وعُرِفَت هذه الكنيسةُ مدَّةٌ طويلةً بالكنيسةِ النسطورية، مع أنها ترفضُ هذه التسميةَ اليوم، وتسمِّي نفسَها بكنيسةِ المشرق الأشورية.
كانَ لمجمعٍ خلقيدونيا المنعقدِ عام ٤٥١ نتائجُ أشدُّ خطورةً على كنائسِ الشرق الأوسط. فقد حدَّدُ أنَّ في المسيحِ طبيعتين، الإنسانية والإلهية، في أقنومٍ واحدٍ هو كلمةُ الله والأقنومُ الثاني من الثالوث الأقدس. ولم تحملْ لفظةُ “الطبيعة” المعنى نفسَه في مختلفِ المدارسِ اللاهوتية في ذلك العصر. ولم تكن الألفاظِ اليونانية (physis أي “طبيعة” وprosopon وhypostasis أي “أقنوم” و”شخص”) وما يقابلُها من ألفاظٍ في اللغة السريانية (knoma وfarsofa وkyana) تحمل المعاني نفسها. فكانَ ذلك سببَ خلطٍ واضطرابٍ وسوءِ فهمِّ كثيرِ أدّى إلى الانقسام، إذ رفضَت كنائسُ رسوليةٌ عديدةٌ قبولَ نصوص هذا المجمع، ومنها الكنائسُ الأرمنيةُ والسريانيةُ والقبطيةُ والحبشية. وسُمَّيَت هذه الكنائسُ آنذاك بالمونوفيزية، لأنها تمسكت بالعبارة “طبيعةً واحدة”، أي، إن في كلمة الله المتجسد طبيعة واحدة (وهو معنى اللفظة اليونانية “مونوفيزس”). وترفضُ الكنائسُ المعنيّةُ هذه التسمية، وتسمِّي نفسَها اليوم “الكنائسَ الأرثوذكسيةَ الشرقية”.
الانقسام بين الشرق والغرب
١٢. حصل في القرنِ الحادي عشرَ الانقسامُ الكبيُر بين كنيستَي القسطنطينية وروما عام ١٠٥٤. وكان ذلك نهايةَ مطافٍ طويلٍ من التباعدِ والتجاهلِ المتبادَل والمتنامي. فقد غدا الشرقِ والغربِ المسيحيان غريبين لبعضها البعض، إذ أصبحَ ينتمي كل واحد منهما إلى عالم حضاري وسياسي مختلف. وقد حلَّت في الشرقِ محلَّ الإمبراطوريةِ الرومانيةِ القديمةِ إمبراطوريةُ بيزنطية أي القسطنطينية ذاتُ الحضارةِ اليونانية، وفي الغربِ تكوَّنَت إمبراطوريةُ رومانيةُ جديدة ذاتُ حضارةِ رومانيةٍ لاتينية. وتكوَّنَت أثر ذلك في كلّ من الشرقِ والغربِ تقاليدُ كنسيةٌ مختلفةٌ كانَ يمكنُ قبولُها من قبلِ كلِّ طرفٍ على سبيلِ التكاملِ، إلا أنَّ الأوضاعَ الحضاريةَ والسياسيةَ جعلَت ذلك أمرًا مستحيلا، واعتُبرَت التقاليدُ الكنسيةُ المتنوعة غيرَ قابلةٍ للتلاقي، ومن ثمَّ صارَتْ سببًا للانقسام.
حركة الإصلاح
١٣. ظهرت في القرن السادسَ عشر حركة الإصلاح الكبير مع مارتن لوثر وقسمَتْ الغربَ بين الكنيسةِ الكاثوليكيةِ والحركةِ البروتستانتية، التي أدَّت بدورها إلى ولادةِ كنائسَ مختلفة، منها الأنجليكانية واللوثرية والكنائسُ المُصلَحة والمشيخية الخ … وظلَّت الكنيسةُ في الشرقِ الأوسطِ حتى القرنِ التاسعَ عشرَ بعيدةً عن هذه الحركة. محاولاتٌ متنوعة لتحقيق الوحدة
١٤. جرَتْ في نهايةِ القرنِ الثالثَ عشرَ وحتى القرنِ الخامسَ عشرَ محاولاتٌ لإعادةِ الوحدةِ بينَ الكنائسِ المنقسمة. وأهمُّها مجمعُ ليون (في فرنسا) عام ١٢٧٤ ومجمعُ فلورنسا (في إيطاليا) عام ١٤٣٩ لإعادةِ الوحدة بينَ الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية. إلا أنها لم تحقق النتائج المرجوة. وقد أدَّتْ بعضُ هذه المساعي إلى نشأةِ الكنائس الشرقيةِ الكاثوليكية، في محاولةٍ لتقریبِ وجهاتِ النظرِ والعملِ الجادِّ في سبيلِ الوحدةِ التي أرادَها يسوعُ المسيحُ لكنيستِه. فإلى جانبِ كلِّ كنيسة أرثوذكسيةٍ توجدُ اليوم كنيسةٌ شرقيةٌ كاثوليكية، في شركةٍ مع كنيسةِ روما. ونحن ندرك أنَّ هذا الوجودَ الكاثوليكيَّ الشرقي أدى إلى صعوبات جديدةً في العلاقاتِ بينَ الكنائس. ولهذا، ما زلْنا نسعى ونصلِّي بتواضعٍ لكي يتمِّمَ الله إرادتَه فينا، في مختلفِ الطرقِ التي وضعنا عليها. وظلَّتْ الكنيسةُ المارونيةُ وحدَها بكاملها كاثوليكيةً لم تنقطعْ قط عن الشركةِ مع كنيسةِ روما. وتواجدَتْ الكنيسةُ اللاتينيةُ في الشرقِ الأوسطِ منذ قرونِ طويلة، تواجدَ كهنةٍ مرسلين ورهبانٍ وراهباتٍ أولاء ثم تكوَّنَتْ حولهَم جماعاتٌ وكنيسةٌ محلية على الطقس اللاتيني، وخصوصًا في الأرضِ المقدَّسة.
الكنائسُ البروتستانتية في الشرق الأوسط
١٥. بدأتْ الجماعاتُ والكنائسُ البروتستانتيةُ إرسالياتِها في الشرقِ الأوسط مندُ القرنِ التاسعَ عشر، واتخذَتْ لها مؤمنين من أبناءِ الكنائسِ الشرقية، فزادَ بذلك عددُ الكنائسِ في الشرق وزادَ انقسامُها. وتشتركُ هذه الكنائسُ اليومَ هي أيضًا في العملِ المسكونيِّ بمختلفِ المبادراتِ الخاصةِ أو المشتركة.
خاتمة العرض التاريخي
١٦. هكذا تكوَّنتْ شيئًا فشيئًا الكنائسُ كما نعرفُها اليومَ في الشرقِ الأوسط. كان لا بدَّ من هذا العرضِ التاريخيِّ السريعِ لنعرفَ كيف نشأتْ، فنفهمَ طبيعةَ العلاقاتِ القائمةِ اليومَ بينَها. وما تقتضيه الروحُ المسكونيةُ منَّا اليومَ هو أن ننظرَ إلى ماضينا بجرأةٍ وصراحةٍ وتواضع، فنفتحَ بابَ المصالحةِ ومن ثم التضامنِ الأخويِّ في الحاضرِ والمستقبل، راحِين أن يوفّقَنا الله إلى تحقيقِ الشركةِ الكاملةِ فيما بيتَنا، وفقًا لصلاة السيّدِ المسيح: “لِيَكُونُوا بِأجمعِهِم وَاحِدًا” (يوحنا ١٧: ٢١).
٣. النتائج الخطيرة لانقساماتنا
عبرَ التاريخ
١٧. تركَت الانقساماتُ التي تلَت مجمعَ أفسس (٤٣١) ثم خلقيدونية (٤٥١) أثرًا عميقًا وبعيدَ المدى في تاريخ كنائسنا المسيحية في الشرقِ الأوسط. يلاحظُ المؤرخون المسلمون أنفسُهم أنَّ الانقساماتِ بينَ المسيحيين مهَّدَت الطريقَ أحياناً أمامَ الفتوحاتِ الإسلاميةِ في المنطقة.
فقد رأى الأباطرةُ البيزنطيون في هذه الانقسامات خطرًا على وحدةِ الإمبراطورية. ولهذا سعَوا إلى فرض عقيدةٍ واحدةٍ، ولو بالقوَِّة أحيانًا. فأيَّدوا قراراتِ مجمع خلقيدونية وفرضوها فرضًا على مسيحيي سوريا ومصر. وقد رفضَها هؤلاء. وأخذَت الكراهيةُ البيزنطية لهذا السببِ تزدادُ في هذين البلدين، إلى حدٍّ أن قسمًا كبيِرا من الشعبِ في كانَ مستعدًّا لاستقبالِ الجيوشِ الإسلاميةِ، ليتحرَّرَ من اضطهاداتِ الإمبراطورية. وبعدَ الفتحِ الإسلامي، سعى الحكّامُ المسلمون إلى تفضيلِ الجماعاتِ غيرِ الخلقيدونية على الجماعات الموالية لعقيدةِ الإمبراطور في بيزنطية وقد رأوا فيها أعوانًا للعدو ومتآمرین معه.
تناقص عدد المؤمنين
١٨. وأدَّتْ هذه الانقساماتِ في القرون التالية إلى تناقصِ عددِ المسيحيين، حتى أصبحوا شيئًا فشيئًا أقلياتٍ في العالمِ الإسلاميِّ العربي. وأدَّى انقسام الكنائسِ وإنعزالها عن بعضها البعض إلى ضَعفٍ في مواقفِها، فلم تتمكَّنْ من أن تقفَ وقفةً متضامنة لتطالبَ بحقوقِها وكرامتِها، ولا سيما في زمنِ الإمبراطوريةِ العثمانية. فكانَ وضعُهم يزدادُ سوءًا وضعفًا. واختفى الوجودُ المسيحيُّ نهائيًّا في بعضِ المناطق. ومنذ النصفِ الثاني من القرنِ التاسعَ عشرَ بدأتْ هجرةُ المسيحيين التي ما زلْنا نشهَدُها حتى اليوم، وقد ازدادَت وتفاقمَ أمرُها في العقودِ الأخيرةِ بصورةٍ خطيرة.
غياب الوحدة عائق دون الشهادة
١٩. حضورُنا المسيحيُّ اليومَ مرتبطٌ بهذا التاريخِ المليءِ بالانقساماتِ والمآسي والآلام. ومن الواضحِ أنَّ غيابَ الوحدةِ بينَنا اليومِ يبقى عائقا كبيرًا دون الجهودِ الراميةِ إلى نفحِ حيويةٍ جديدةٍ في هذا الحضور. غالبًا ما تتواجدُ كنائسُنا المتعدّدةُ في المدينةِ أو القريةِ نفسِها. وتريدُ كلٌّ منها أن تقدَّمَ أفضلَ الخدماتِ لأبنائِها وفي جميع المجالات: كلٌّ منَّا يريدُ أن يُنشئَ مدارسَه ونواديَ لشبيبتِه ومستوصفاتِه ومراكزَه الاجتماعيةَ الخ … فتتعدَّدُ المؤسَّساتُ والخدماتُ نفسُها بينما يتناقصُ عددُ السكّانِ أو حتى عددُ خدَامِ الكنيسة. وتكثّرُ النفقاتُ من غير طائل. وبالرغمِ من كثرةِ المؤسَّساتِ فقد لا تكونُ كافيةٌ لسدِّ حاجاتِ المؤمنين المشروعة، بسببِ قلَّةِ الوسائل أو الأشخاصِ. ولو تمَّ التعاونُ في هذه المجالاتِ المختلفة لنتج عن ذلك فوائدُ کبری.
وحدة القلب والكلمة
٢٠. وهناكَ مجال آخرُ نحتاج فيه إلى التضامن: وهو أن نوحِّدَ قلبنا وكلمتنا في القضايا المشتركة، فتصبحُ الكنيسةُ كلُّها (أي جميعُ كنائسِنا) قويةً ومَهيبةً وفعَّلةً في مجتمعاتِنا، بل ونسهِّلُ بذلك المهمَّةَ على سلطاتِنا المدنيةِ في تعاملِها مع متطلَّباتِ كنائسِنا وحقوقِها. وتُدركُ جميعُ كنائسِنا اليوم، لحسنِ الحظ، هذا الواقعَ الأليم، وكلُّنا نرغبُ بنيةٍ صادقةٍ في إصلاحِه وفي تقويةِ التضامنِ والوحدةِ بينَنا. ونحن نرى أنَّ بعضَ هذا التضامنِ حاصلٌ اليوم، مع كونِ المهمَّةِ صعبة. فطريقُ الوحدةِ والتضامنِ طويلٌ وشاقً. ولكنَنا بدأنا السيرَ فيه، ونعمةُ الله وحدَها هي القادرةُ على تأييدِنا في هذه المسيرةِ والنيةِ الصادقة.
لنصغِ الآن إلى القديسِ باسيليوس الكبيرْ٥ يحثُنا على الوحدة: “أَمِنَ الضروريِّ أن نشرحَ لأبناءِ السلامِ ما هي نعمة السلام؟ وبما أن هذا الأمرَ الجليلَ، والعجيبَ والذي يجبُ أن يسعى إليه بكلِّ جدٌّ جميعُ الذين يحبُّون الربُّ يوشِكُ أن يُصبحَ اسمًا من غير مسمَّى … أرى أنَّه يليقُ بمن يخدمون الربَّ بالصدقِ والحقِّ أن يكونَ الهدفُ الوحيدُ لجهودِهم هو أن يُعيدوا إلى الوحدةِ الكنائسَ التي انقسمَت على نفسِها، بصورِ وطرقٍ كثيرة. العملُ من أجلِ السلامِ هو عملُ المسيحيِّ المميَّزُ. ولهذا وعدَنا الربُّ مقابلَ ذلك بالمكافأةِ الكبرى”.
هجرة المسيحيين
٢١. بدأ المسيحيون منذ فترة من الزمن ينزعون إلى الهجرة، وما زالت هجرتهم مستمرَّةٌ لأسبابٍ اقتصاديةٍ وسياسيةٍ واجتماعيةٍ متشابهةٍ في كلِّ بلدٍ من بلدانِنا، وهي أيضًا تتطلَّبُ توحيدَ الجهودِ لمواجهةِ المشكلةِ بصورة فعالة. المبادراتُ المنعزلةُ لا تكفي، وقد تؤدِّي أحيانًا إلى نتائجَ معاكسة.
كنائسُنا وكنائسُ العالمِ كلُّها تعلن وتعبر عن أسفها لو أدت الهجرة إلى زوالِ المسيحيين من هذا الجزءِ من العالمِ الذي رأى ولادةَ المسيحية، وكانَ بدايةَ انتشار الكنيسةِ في العالم كلِّه. ومع ذلك يجبُ أن نعترفَ أنَّ التطلُّعاتِ والاهتماماتِ في هذا المجالِ لدرءِ هذا الخطرِ ما زالتْ غيرَ كافية. ويجبُ الاعترافُ أنّ إخوائَنا المسلمين في بعضِ البلدانِ العربيةِ ينظرون إلى الوجودِ المسيحيِّ التاريخي وإلى الحضورِ المسيحي بينهم اليوم نظرةً إيجابيةً، يقينًا منهم أنَّه يعزّزُ العيشَ المشتركَ بين المسيحيين والمسلمين، ويؤولُ بالخيرِ عليهم وعلينا جميعًا في أوطانِنا العربية.
التعاون في المجالات الرعوية
٢٢. وإنَّنا نلمسُ أكثرَ فأكثر الحاجةَ إلى التعاونِ المسكوني في المجالاتِ الرعوية. فقد أصبحَ وجودُنا المسيحي، في بعضِ المناطقِ في الشرقِ الأوسط، بسببِ الهجرةِ العامةِ أو الهجرةِ من الريفِ إلى المدن، من القلَّةِ بحيث غدا من المستحيلِ على كلِّ كنيسة، منفردةً، أن تقدَّم الخدمةَ اللازمةَ لأبنائِها، وذلك بسببِ نقصِ الكهنةِ وبُعد المسافات، ممّا قد يسارعُ في رحيلِ ما تبقَّى من العائلاتِ المسيحية. فنحنُ نرى أن الظروفَ نفسَها وضرورةَ المحافظةِ على كنيسةِ المسيحِ وخدمةَ أبنائِنا تفرضُ علينا تعاونًا رعويًا أكبر، حتى نتمكَّنَ معًا من الاستجابةِ لمختلفِ حاجات المؤمنين. ويتطلَّبُ هذا منَّا تدابير جديدة والتزامًا مشتركا لبدايةِ تفكيرِ لاهوتيَّ رعوي. وهذا يفترضُ أيضًا الاعترافَ المتبادلَ بالخدمةِ الكهنوتية وبالأسرار. وإنّنا لنرى أنّ هذه القضيةَ هي قلبُ الحركةِ المسكونية.
٥. الرسالة إلى كيرياكوس اسقف طرسوس؛ ترجمة فرنسية Yves Congar في سيرة القديس باسيليوس، الرسائل، المجلد الثاني، باريس، ١٩٦١ ص ١٧-١٨.
الفصل الثاني: الأسسُ اللاهوتيةُ للمسكونية
الاعتراف بأخطائنا ينعش فينا روح المسؤولية
٢٣. ذكرْنا حتى الآن تاريَخنا الماضي. لأَنَّه يجبُ أن نعرفَ تاريَخنا وجذورَنا وما أدَّت إليه انقساماتنا من نتائجَ خطيرةٍ في كنائسِنا في الشرق. ولكنَّه لا يجوزُ أن نتوقَّفَ عند هذا الحد. إذا عرفْنا بخطئنا وعرفْنا الشكوكَ التي حصلَت ونقض الشهادةِ الناجم عن هذه الانقسامات، وجبُ أن يُنعشَ فينا ذلك كله روحَ المسؤولية، فنعملُ على إعادةِ الوحدةِ ونبحثُ عن السبلِ الملائمةِ للوصولِ إليها، مع الأخذ بعين الاعتبار الظروفِ التاريخيةِ والجغرافيةِ والاجتماعيةِ التي تُدعَى كنائسُنا اليومَ للعيشِ فيها. يجبُ أيضًا إنعاشُ التفكيرِ اللاهوتيِّ لنرى عملَنا الكنسيَّ ومفهومَنا للعلاقاتِ بينَ الكنائس بحسب رؤيةٍ جديدة. فالعملُ المسكونيُّ هو مَطلبٌ لاهوتيٌّ أساسي ومطلبُ حياةٍ روحيةٍ وعملٍ رعوي.
١. الانقسامُ هو عثارٌ ونقضٌ للشهادة
٢٤. انقسامُ المسيحيين ينقضُ كيانَ الكنيسةِ ورسالتَها. فالكنيسةُ هي علامةٌ وأداةٌ مميَّزةٌ في خدمةِ تدبيرِ الله الخلاصي، الذي يريدُ أن يجمعَ في الوحدةِ “شَمْلَ أبنَاءِ الله الُمُشتَّتِين” (يوحنا ١١: ٥٢)، وأن “يَجمَعَ كُلَّ شَيءٍ تَحتَ رَأسٍ وَاحِدٍ هُوَ الَمَسِيحُ” (أفسس ١: ١٠). تأمَّلْنا مليًّا في هذا الموضوعِ في رسالتِنا الرعويةِ الرابعةِ عن سرِّ الكنيسة٦، أنَّ الكنيسةَ مدعوَّةٌ إدًا أن تكون وأن تعيش الرسالةَ التي عليها ان تنادي بها وأن وتبليغِها للعالم.
الانقسامُ ينقضُ كيان الكنيسة
٢٥. يقومُ كيانُ الكنيسةِ بأنَّها “شركة” (كينونيًا باليونانية)، أعني حياةٌ روحيةً واحدةً مشتركةً بينَ أشخاصٍ عديدين٧. ليسَت هذه الشركةُ مسألةَ تفاهمٍ أو تعاطفٍ بشريٍّ فقط. إنما أساسُها صلاةُ المسيحِ وما طلبَه من الآب لتلاميذه: “لِيَكُونُوا بِأجمَعِهِم وَاحِدًا: كَمَا أنَّكَ فِيَّ، يَا أبَتِ، وَأنَا فِيكَ،
٦. راجع خصوصًا الفصل الثاني “سر الكنيسة”، ١٧-٢٦، والفصل الثالث “التعدد والوحدة في حياة الكنيسة”، ٢٧-٤٨.
٧. في سينودس الأساقفة غير العادي لعام ١٩٨٥، بمناسبة الذكرى العشرين بعد المجمع الفاتيكاني الثاني، يقول البيان النهائي أن “تعليم الكنيسة في الشركة هي الفكرة الرئيسة والأساسية لوثائق المجمع”.
فَلْيُكُونُوا هُم أيضًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ العَالَمُ بِأنَّكَ أنتَ أرسَلتَنِي” (يوحنا ١٧: ٢١). فالشركةُ السريةُ القائمةُ بين الآبِ والابنِ في الروحِ القدسِ هي المثالُ والينبوعُ للشركةِ في الكنيسة. ولهذا يكوِّنُ المسيحيون شركةٌ على صورةِ الثالوثِ الأقدس، لأنَّهم يشاركونَ في الحياةِ الإلهيةِ التي قلْنا أنَّها في حدّ ذاتِها شرکة٨.
لقد ركَّزَ القديسُ بولس فكرَه ولاهوتَه على هذه الوحدة. ولذلك قال: “هْنَاكَ جَسَدٌ وَاحِدٌ وَرُوحٌ وَاحِدٌ، كَمَا أنَّكُم دُعِيتُم دَعوَةً رَجَاؤهَا وَاحِدٌ. وَهُنَاكَ رَبٌّ وَاحِدٌ وَإِيَمانٌ وَاحِدٌ وَمَعمُودِيَّةٌ وَاحِدَةٌ، وَإلَهٌ وَاحِدٌ أبٌ لِجَمِيعِ الخَلقِ وَفَوقَهُم جَمِيعًا، يَعمَلُ بهِم جَمِيعًا وَهُوَ فِيهِم جَمِيعًا” (أفسس ٤: ٤-٦). فهو يحثُّ المسيحيين في أفسس، ومن خلالِهم المسيحيين في كلِّ مكان وزمان، أن يسيروا سيرةٌ تليقُ بدعوتهِم: “مِلؤُّهَا التَّوَاضُعُ وَالوَدَاعَةُ وَالصَّبرُ، مُحتَمِلِينَ بَعضُكُم بَعضًا في المَحبَّةِ وَمُجتَهِدِينَ في المحافَظَةِ عَلَى وَحدَةِ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلامِ” (أفسس ٤: ١-٣).
كلُّ انقسامٍ إدًا هو مناقضٌ للدعوةِ المسيحيةِ إلى الوحدةِ ومناقض للشركةِ التي تدعى إليها الكنيسةِ على مثال وحدة الثالوثِ القدوسِ مثالها وينبوعِها.
الانقسامُ ينقضُ رسالةً الكنيسة
٢٦. الانقسامُ ينقضُ أيضًا رسالةَ الكنيسةِ المدعوَّةِ لمتابعةِ عملِ المسيح. ليسَت الكنيسةُ شركةً لنفسِها. بل هي شركةٌ في المسيحِ لمجدِ الله الآبِ ولخدمةِ الملكوت. تعبِّرُ الوثيقةُ المجمعية “الكنيسةُ نورُ الشعوب” عن هذه الحقيقةِ حين تقول: “الكنيسةُ هي في المسيح نوعًا ما السرّ (sacrement)، أي هي في الوقت نفسِه الأداةُ والعلامةُ للاتحادِ الحميمِ مع الله ولوحدةِ الجنسِ البشري”٩. فكيفَ يمكنُها أن
تؤدِّيَ رسالتَها هذه إن كانَت هي منقسمةً على نفسِها؟ إذ لا يبقى في هذه الحالِ معنًى للعلامةِ، وعندئذٍ تفقدُ شهادةُ الكنيسة مصداقيّتَها.
كيف يمكنُ للكنيسةِ أن تناديَ بالشركةِ “مع الآبِ وابنِه يسوعَ المسيح” (ر١٠ يوحنا ١: ٣)، إنْ لم يكنْ أعضاؤِها ورعاةُ الكنائسِ المحليةِ متَّحدين حولَ حقيقةِ الشركة، ولم يكونوا متَّفقِين
٨. ر. “سر الكنيسة” فصل ٢ قسم ٢: “الثالوث الأقدس ينبوع ومثال وغاية حياة الكنيسة”، رقم ١٩-٢٢. ولاحظ أيضًا أن البيان المشترك للجنة الدولية المشتركة للحوار اللاهوتي بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية المعلن في ميونيخ في ٦ تموز ١٩٨٢ عنوانه: “سر الكنيسة والإفخارستيا في ضوء سر الثالوث الأقدس” (ر.النشرة الإعلامية للمجلس الحبري لوحدة المسيحيين Service d’Information du C.P. pour I’Unite des Chretiens عدد ٤٢، ١٩٨٢، ص ١١٥-١٢٠. و Documentation Catholique ١٩٨٢ ص ٩٤١_٩٤٥)
٩. نور الشعوب، ١.
على كيفيةِ عيشِها؟ إن كانَت وحدثُهم علامةً لحقيقةِ رسالةِ الابنِ، فإنَّ انقسامَهم عائقٌ دونَ الذين أرسلَهم الله إليهم (ر.متى٥: ١٣). كيف يمكنُ للكنيسةِ أن تكونَ علامةً وأداةً لوحدةِ الجنسِ البشريّ مع الله وفيه، إن لم يكنْ المسيحيون قادرين على التغلُّبِ معًا على خلافاتِهم القوميةِ والحضاريةِ واللغويةِ في إعلانِهم للبشرى السارَّة، وفي بناءِ مجتمعٍ بشريُّ تسودُه الأخُوَّةُ والعدالةُ والسلام؟ إن الملحُ في هذه الحال يفقدَ طعمَه (ر.متى ٥: ١٣).
ويدعونا القديس يوحنا فمُ الذهب١٠ أن نتجاوزَ التفسيراتِ البشريةَ للواقعِ الإلهِي الذي نحملُه في نفوسِنا، فيقول: “اعتمَدْنا بروحٍ واحدٍ حتى لا نكونَ إلا جسدًا واحدًا، يهودًا أو يونانيين، عبيدًا أو أحرارا”. هذه الكلماتُ تعني أنَّ الذي يجعلُنا جسدًا واحدًا، والذي وَلَدَنا ولادةً ثانيةٌ هو الروحُ وحدَه. لم يعتمِدْ الواحدُ منّا في روحٍ والآخرُ في روحٍ غيرِه. وليسَ المعمِّدُ فقط هو واحد، بل الغايةُ التي من أجلِها اعتمَدنا هي أيضًا واحدة. لم نعتمِدْ لنكونَ أجسادًا مختلفة، بل لنسعى بكل جد واهتمام في أن نكون واحدًا في جسد واحد … فإن كان الروح الواحدُ يوحِّدُنا ويجمعُنا في جسدٍ واحدٍ، فلماذا تعملُ في هذه الظروفِ من غير روية ولا تفكير، على إظهارِ الاختلافاتِ بينَنا؟ وإن كنتَ تدَّعي أنَّ الأعضاءَ كثيرون ومختلفون، فاعلَمْ أنَّ هذا هو بالضبطِ ما هو عجيب. وامتيازُ الجسدِ هو في أنَّ الأعضاءَ العديدِين والمختلفِين يكونون كُلا واحدًا فقط”.
٢. الشركةُ القائمةُ الآن
رغبة متزايدة في تحقيق الوحدة
٢٧. إنَّنا نرى في الرغبةِ المتزايدةِ بينَ كنائسنا في تحقيقِ الوحدةِ تلاميذِ المسيح نداءً إلهيًّا موجَّهًا إلينا ونعمةً خاصةً وهبَنا إياها الله. هذا ما قالَه المجمع الفاتيكاني الثاني في بدايةِ الوثيقةِ عن المسكونية “استعادة الوحدة”١١. وهو يرى أنَّ أساسَ الالتزامِ المسكونّي هو “تعليمٌ في طبيعة الكنيسةِ واضحٌ ومنفتحٌ على جميعِ القيمِ الكنسيةِ الموجودةِ لدى سائرِ المسيحيين١٢.
١٠. العظة ٣٠ في الرسالة الأولى إلى أهل قورنتس ١-٢؛ ترجمة فرنسية RWingling في كتابه “يوحنا فم الذهب يفسر القديس بولس”، مجموعة “الآباء في الإيمان”، باريس ١٩٨٨، ص ٢٩٠-٢٩٢.
١١. Unitatis Redintegratio استعادة الوحدة، ١.
١٢. ليكونوا واحدًا، ١٠.
عناصر من الحقيقة والقداسة
٢٨. في الوثيقةِ المجمعيةِ عن الكنيسة “نور الشعوب”، يؤكَّدُ المجمعُ أولا إيمانَ الكنيسةِ الكاثوليكيةِ أنَّها حافظَت على الأمانةِ والوحدةِ بالرغمِ من الأزَماتِ الخطيرةِ التي هزَّنّها، وبالرغمِ من عدمِ أمانةٍ بعضِ خدَّامِها أو أعضائِها: “كنيسةُ المسيحِ الوحيدة، التي نعترفُ في قانونِ الإيمان بأنَّها واحدةٌ مقدَّسَةٌ جامعةٌ ورسولية، موجودةٌ في الكنيسةِ الكاثوليكيةِ التي يرئِسُها خليفةُ بطرس والأساقفةُ الذين هم في شركةٍ معه”. ويلتفتُ المجمعُ في الوقتِ نفسِه إلى جميعِ المسيحيين ويعترفُ “أنَّه توجَدُ خارجَ هذا الجسدِ الواحدِ الذي هو الكنيسة عناصرُ كثيرةٌ من القداسةِ والحقيقة، وهي مواهبُ حقيقيةٌ وهبَها الله كنيسةَ المسيح، وكلُّها تسعى إلى الوحدةِ الجامعة١٣. وتتابعُ الوثيقةُ عن المسكونيةِ فتقول: “ولذلكَ فإنّ هذه الكنائسَ وهذه الجماعاتِ المنفصلةَ نفسَها، ولو أنَنا نؤمنُ أنَّه ينقصُها شيءٌ، إنَّما ها مكانتُها وقيمتُها في سرِّ الخلاص. ولا يأنفُ روحُ المسيحِ في الواقعِ أن يستخدمَها كوسيلةٍ للخلاص، ومصدرُ فعاليتِها هو ملءُ النعمةِ والحقيقةِ نفسِه الذي أودعَه الله الكنيسةَ الكاثوليكية”١٤.
شركة حقيقية ولو كانت غير كاملة
٢٩. وعلى هذه العناصر المشتركة من الحقيقة والقداسة يؤسس البابا يوحنا بولس الثاني في رسالتِه “ليكونوا واحدًا” فكرة الشركةِ الحقيقيةِ القائمةِ منذ الآن، ولو بصورةٍ غير كاملة: “إنَّ عناصرَ القداسة والحقيقةِ الموجودةَ في سائرِ الجماعاتِ المسيحيةِ بدرَجاتٍ متفاوتةٍ تكوِّنُ الأساسَ الموضوعيَّ للشركةِ ولو بصورةٍ غير كاملةٍ بيَن هذه الكنائسِ والكنيسةِ الكاثوليكية”. فبمقدارِ تواجدِ هذه العناصرِ في سائر الجماعاتِ المسيحيةِ يوجدُ حضورٌ فعَّالٌ لكنيسةِ المسيحِ الواحدةِ فيها. ولهذا سبقَ المجمعُ الفاتيكاني الثاني وقالَ أيضًا إنَّ هناكَ شركةً حقيقيةً ولو أنَّها ما زالت غيرَ كاملة”١٥.
الشركةُ القائمةُ مصدرُ حیاةٍ جدیدة
٣٠. يحسنُ بنا أن نعيَ وأن ندركَ هذا الغنى الحاضرَ والفاعلَ ما وراءَ الحدودِ المنظورةِ للكنيسةِ الكاثوليكية: “كثيرون هم في الواقعِ الذين يُكرِّمون الكتابَ المقدَّسَ ويتخذونه قانونَ حیاةٍ وإیمان، ويتحلَّوْن بغَيْرةٍ دينيةٍ صادقة، ويؤمنون بحبُ بالله الآبِ القديرِ، وبالمسيحِ ابنِ الله المخلَّص، وقد وُسِموا بوسمِ المعمودية الذي يوحِّدُهم مع المسيح، ويعترفون أيضا بغيرِها من الأسرارِ ويقبلونها في كنائسِهم
١٣. نور الشعوب ٤٨ ر. ليكونوا واحدًا، ١٠.
١٤. استعادة الوحدة، ٣.
١٥. ليكونوا واحدا، ١١.
الخاصة أو في الجماعاتِ الكنسية. ويعترفُ الكثيرون منهم برتبةِ الأسقفية، ويحتفلون بالإفخارستيا ويكرِّمون مريَم العذراءَ والدةَ الإله. ويُضافُ إلى ذلك الشركةُ في الصلاةِ وفي سائرِ الخيراتِ الروحية. بل هناك وحدةٌ حقيقيةٌ في الروحِ القدس، بما أنَّه هو الذي يفعلُ فيهم بمواهبِه ونعمِه وبقوتِه المقدَّسة، وهو الذي منحَ البعضَ منهم القوَّةَ حتى سفْكِ دمائِهم في سبيلِ الإيمان. هكذا يُقيمُ الروحُ في جميعِ تلاميذِ المسيحِ رغبةً وعملا يَهدفان إلى وحدةِ الجميعِ في السلامِ ضمن قطيعٍ واحدٍ لراعٍ واحد، بحسبِ الطريقةِ التي أقرَّها المسيح١٦.
وروابطُ هذه الشركةِ حميمةٌ وقويةٌ بصورةٍ خاصةٍ مع الكنائسِ الأرثوذكسية، “لأنَّ لدى هذه الكنائسَ، ولو أنَّها منفصلة، أسرارًا حقيقية، بل لديها الخلافةُ الرسولية، والكهنوتُ والإفخارستيا”. ولذلك استطاع المجمعُ الفاتيكاني أن يُعلنَ في هذه المسألةِ أنَّ “كنيسةَ الله تُبنى وتنمو بالاحتفالِ بإفخارستيا الربِّ في هذه الكنائسِ الخاصة١٧.
٣. تنمية الشركة الجزئية القائمة منذ الآن
انتماء مشترك إلى المسيح
٣١. تنطلقُ الحواراتُ المسكونيةُ من الاعترافِ بالشركةِ القائمة مندُ الآن، وهدفُها توسيعُ قاعدةِ اللقاءِ وتنميةُ الشركةِ حتى كمالِها. منذ المجمعِ الفاتيكاني الثاني استطاعَت العلاقاتُ بين الكنائسِ والجماعاتِ الكنسيةِ أن تتقدَّمَ تقدُّمًا ملحوظًا، وازدادَت الشركةُ الكنسيةُ بها غنَّى كبير. “إنَّ وعيَ هذا الانتماءِ المشترَكِ إلى المسيحِ يتعمَّقُ، والأخُوَّةُ العامّةُ بينَ المسيحيين أصبحَت قناعةٌ مسكونيةً ثابتة”١٨.
من الشركة الجزئية إلى الشركة الكاملة
٣٢. من الممكنِ أن نرى إذًا مع البابا يوحنا بولس الثاني في رسالتِه “ليكونوا واحدا” أنَّ “التقدُّمَ الذي تمَّ في معرفتِنا المتبادلةِ حتى الآن والعملِ على توحيدِ العقائدِ نتجَ عنهما تعميقٌ للشركةِ في المشاعرِ وفي الواقع. إلا أنّ الضميرَ المسيحيَّ الذي يعترفُ بكنيسةٍ واحدةٍ مقدَّسةٍ جامعةٍ رسوليةٍ لا يقفُ عندَ هذا الحد، لأنّ الغايةَ الأخيرةَ لهذا التحرُّكِ المسكوني هو إعادةُ الوحدةِ المنظورةِ الكاملةِ بينَ
١٦. نور الشعوب، ١٥. ر. لیكونوا واحدا، ١٢.
١٧. استعادة الوحدة، ١٥. ر. ليكونوا واحدا، ١٢.
١٨. لیکونوا واحدا، ٤٢.
جميعِ المعمَّدين١٩.
“من هذه الوحدةِ الأساسيةِ غيرِ المكتملةِ يجبُ الانتقالُ الآنَ إلى وحدةٍ منظورةٍ، ضرورية وكافيةٍ، تظهرُ في واقعِ الحياة. لتكون الكنائسُ فعلا علامةَ الشركةِ الكاملةِ في الكنيسةِ الواحدةِ والمقدَّسةِ والجامعةِ والرسولية، التي سيعبر عنها بالاحتفالِ الإفخارستي”٢٠.
الفصل الثالث: الحوارُ المسكوني
حوار الحقيقة والمحبة
٣٣. يحتل الحوارُ بجميعِ أشكالِه مكانًا مميزًا في قلبِ المهمِّةِ المسكونيةِ الكبرى. في العلاقاتِ الأرثوذكسيةِ الكاثوليكية، اعتدنا التمييزَ بين حوارِ المحبَّةِ وحوارِ الحقيقة. وكلاهما ضروري، بل وحوارُ المحبَّةِ شرط لا بد منه لتهيئة حوار الحقيقة. ولا بد أيضًا من أن يرافق حوارَ الحبة حوار الحقيقة، فيكونُ سندًا له وغذاءً وروحًا، ويمكَّنُه من التغلُّبِ على الحدودِ والتحفُّظاتِ البشرية.
حوار الحقيقة
٣٤. حوارُ الحقيقةِ بالمعنى الحصري أو الحوارُ اللاهوتي، يَعني بصورةٍ عامّة دراسةٌ منهجيةٌ مشتركةً، يقومُ بها مندوبون عن الكنائس. المتنوعة، في الحقيقة الموحى بها، وفي مختلفَ صور التعبير عنها وممارستها. والهدفُ من ذلك هو تجاوز الأفكارِ المُسبَقةِ وسوءِ الفهمِ المتوارَثِ عن الماضي، والتوصُّلُ، ما أمكن، إلى فهم مشتركٍ للسرِّ المسيحيِّ، مع التنوُّع في التقاليدِ التي قد تبدو لأول وهلةٍ غيَر قابلةٍ للاتفاق.
حوار الضمائر
٣٥. إلا أنّ الحوارَ لا يتوقَّفُ عندَ “تبادل الأفكار”، بحسب عبارة البابا يوحنا بولس الثاني في الرسالة “ليكونوا واحدًا”. بل هو أيضًا “تبادلُ المواهبِ”، ويجبُ أن يصبحَ أيضًا “حوارَ الضمائرِ”، فيتحول إلى “حوارِ التوبةِ والارتداد”. فالحوارُ هو بمعناه الأصيلِ طريقةُ حياة، “تشملُ شخصيةَ المؤمنِ بكاملِها، وهو أيضًا حوارُ المحبّة”٢١.
١٩. ليكونوا واحدا، ٧٧.
٢٠. ليكونوا واحدا، ٦٨.
٢١. ليكونوا واحدًا، ٢٨ و٣٤ و٤٧.
١. طبيعةُ الحوارِ اللاهوتي ومنهجيَّتُه
٣٦. بما أن يسوعَ المسيح هو “الطَّرِيقُ وَالحَقُّ وَالحَيَاةُ” (يوحنا ١٤: ٦)، وهو مَن كشفَ لنا عن سرِّ حبِّ الله للبشرية، فإن الحوارَ اللاهوتيَّ الراميَ إلى كشفِ هذه الحقيقةِ السامية له دورٌ أساسيًا لا بديل له في البحثِ عن الوحدةِ المسيحية. نقف في الحوارِ اللاهوتي معًا أمامَ الخلافاتِ الحقيقيةِ المتعلَّقةِ بالإيمان. ومن مقتضياتِ هذا البحثِ المشتركِ: أولاً التخلّي عن الأحكامِ والعباراتِ والمواقفِ الموروثةِ من الماضي، التي لا تتفقُ حقًا وعدلاً مع ما تؤمنُ به وما تعيشُه الكنائس. يسعى الحوار ثانيًا في تنمية الثقة والانفتاحِ والقبولِ المتبادل، عندما نقارنُ بينَ المواقفِ المختلفةِ، وذلك للتغلَّبِ على الخلافاتِ التي تُعيقُ الشركةَ الكاملة. ولا بدَّ من أن ننتبهَ بصورةٍ خاصّة إلى العباراتِ المختلفةِ باختلافِ التقاليدِ، فقد يكونُ بعضُ هذه العباراتِ مختلفًا في ظاهرِه ومتفقًا في مضمونِه ومعناه. ولهذا يجبُ أن يَتمَّ الحوارُ بالاحترامِ التامِّ لسُمُوِّ سرِّ الله المُوحَى به في المسيح، وهو سرٌّ لن يستطيعَ الذهنُ البشريُّ أبدًا إدراكَه بصورةٍ كاملة، ولا يستطيعُ أيُّ لسانٍ بشريُّ أن يعبِّرَ عنه التعبيرَ السَوِيَّ. وبهذا فقد تكونُ بعضُ العباراتِ المتناقضةِ في ظاهرِها محاولاتٍ مختلفة، ولكنَّها أمينةٌ للسرِّ ومقبولةٌ، سعت للتعبير عن السرِّ الذي يعجزُ عنه كل تعبیر.
معرفة أفضل للآخر
٣٧. إذا سرْنا بالحوارِ اللاهوتيِّ بهذه الروح، يمكنُ أن يؤدِّيَ بنا إلى اكتشافاتٍ غيرِ متوقَّعةٍ وذاتِ غنَّى كبير. “سوف يوفِّرُ لنا هذا الحوارُ معرفة أقربَ إلى الحقيقة، وتقديرًا أصح لتعاليمِ كلِّ جماعة ولحياتِها”٢٢. وليسَ هذا وحسب، بل سيفتح الطريق إلى فهم أعمقَ للحقيقةِ الُمُوحَى بها. قال البابا يوحنا بولس الثاني: “إنَّ الحوارَ المسكونيَّ الذي يحملُ الأطرافَ المعنيّةَ على التساؤلِ والتفاهمِ وشرحٍ
وجهاتِ النظرِ المتبادلةِ يؤدِّي إلى اكتشافاتٍ غيرِ متوقَّعة. لقد حوَّلَ روحُ الجدَلِ والمخاصماتِ المتشدِّدةِ جهدين يبحثان في الحقيقة نفسها، ولكن من زوايا مختلفةً إلى تأكيدات غيرَ قابلةٍ للاتفاق. وعلينا اليومَ أن نجدَ العبارةَ التي تعبِّرُ عن الحقيقةِ الواحدةِ بصورةٍ متكاملةٍ، والتي تمكننا من تجاوز القراءاتِ الجزئيةَ من إزالة التأويلات المغلوطة٢٣.
٢٢. استعادة الوحدة، ٤؛ ر. ليكونوا واحدا، ٣٢.
٢٣. ليكونوا واحدًا، ٣٨.
حوار الخبراء وحوار الكنيسة كلها
٣٨. هذا الحوارُ هو أولا حوارُ خبراءَ ولاهوتيِّين متمرِّسين بمعرفةِ تقاليدِهم وملمِّين في الوقتِ نفسِه بمعارفِ الآخَرِين. إلا أنَّه من المناسبِ أيضًا أن تطَّلعَ الجماعةُ الكنسيَّةُ كلُّها، رعاةً ومؤمنين، على برنامجِ هذا الحوارِ ومنهجيّتِه ونتائجِه٢٤. لأنّ كلَّ حوارٍ حقيقيّ يقامُ باسمِ الكنيسةِ كلِّها.
٢. أهمُّ ما توصَّلَ إليه الحوارُ المسكوني
٣٩. إنَّ التقدُّمَ الكبيرَ الذي تمَّ في العلاقاتِ بينَ الكنائسِ خلال نصفِ قرن مضى، شجع وقوَّى التزامَنا المسكوني في خدمة الوحدة الكاملة. ولهذا لا بدَّ من أن نعرفَ الثمارَ الواعدةَ للمساعي التي تمَّت في هذا المجال، سواءٌ على صعيدِ الكنيسةِ الجامعة أو على صعيدِ منطقتِنا في الشرقِ الأوسط بصورة خاصة.
مع الكنيسةِ الأرثوذكسية
٤٠. فتحَت الشخصياتُ الكبيرةُ مثلَ البابا يوحنا الثالث والعشرين والبابا بولس السادس والبطريرك المسكوني اثيناغورس الأول طرقًا جديدةً للتلاقي والاعترافِ المتبادَلِ بينَ الكنيستَيْن الكاثوليكية والأرثوذكسية. كانَ اللقاءُ التاريخيُّ الذي لا يُنسى بينَ البابا بولس السادس والبطريرك المسكوني أثيناغوراس الأول في القدس في كانون الثاني يناير ١٩٦٤ علامةَ بدايةٍ جديدةٍ. وسوف يبقى صورةً حيّةً للمثال المنشودِ، بل شبهَ أيقونة سابقةٍ للوحدةِ الكاملةِ المطلوبة.
وفي السابع من كانون الأول/دسمبر ١٩٦٥، في آخرِ أيّامِ المجمعِ الفاتيكاني الثاني، كانَ رفعُ الحرمِ المتبادلِ (الذي يعودُ إلى سنة ١٠٥٤) والذي أصبحَ رمزَ الانشقاقِ بيَن روما والقسطنطينية، بمثابةِ إعلانٍ رسميٌّ للتبدُّلِ العميقِ في العلاقاتِ والمواقف. كانَ هذا الإعلانُ الكنسيُّ في الوقتِ نفسِه “تنقيةً للذاكرةِ التاريخيةِ ومغفرةً متبادلةً والتزامًا متضامنًا للبحثِ عن الشركة “٢٥. تلا ذلك تبادلُ الزياراتِ بينَ البابوات والبطاركة المسكونيين، واللقاءاتُ المتعدِّدةُ بينَ أساقفةٍ ولاهوتيين وكهنةٍ ومؤمنين، في إطارِ ما سُمِّيَ بحوارِ المحبّة. فتبدَّلَت شيئًا فشيئًا نظرةُ كلٍّ من الكنيستَيْن تجاهَ الأخرى. بهذا المعنى استطاعَ البابا بولس السادس أن يقولَ لدى زيارتِه إلى البطريركيةِ المسكونيةِ في اسطنبول في تموز/يوليو ١٩٦٧: “الآنَ، وبعدَ فترةٍ طويلةٍ من الانقسام وسوءِ الفهمِ المتبادلِ، منَحَنا
٢٤. استعادة الوحدة، ٤؛ ليكونوا واحدًا، ٣٢.
٢٥. لیکونوا واحدًا، ٥٢.
الربُّ أن نكتشفَ بعضُنا بعضًا، كنيستَيْن شقيقتَيْن بالرغمِ من العقباتِ التي قامَت بينَنا ٢٦.
کنیستان شقیقتان
٤١. ألهمَت هذه الرؤيةُ، رؤيةُ الكنيستَيْن الشقيقتَيْن، مسيرةَ الحوارِ اللاهوتيِّ الُمُعلَنِ عنه عام ١٩٧٩. وكانت أعمالُ لجنةِ الحوارِ المشتركةِ الدولية مثمرةً إلى حدٌّ تمكَّنَ معه البابا يوحنا بولس الثاني والبطريرك المسكوني برتلماوس (في زيارته إلى روما عام ١٩٩٥) من التصريح معًا: “أدَّى الحوارُ إلى إيجادِ مفهومٍ مشتركٍ لسرِّ الكنيسة، عبر الزمن في تسلسلِ الخلافةِ الرسولية. إنَّ هذه الخلافةَ الرسوليةَ في كنائسِنا أساسيةٌ لتقديسِ شعبِ الله ووحدته. وعلى اعتبارِ أنَّ خدمةَ الحبِّ الإهي تتمُّ في كلّ كنيسةٍ محليّةٍ، وأنَّ كنيسةَ المسيحِ تظهر بها حضوره الفاعل في كلُّ منها، استطاعَت اللجنةُ المشتركةُ أن تصرِّحَ أنَّ كنائسَنا تعترفُ بعضُها ببعضِ كنائسَ شقيقة، مسؤولةً معًا عن المحافظةِ على كنيسةِ الله أمينةً للتدبيرِ الإلهي، ولا سيَّما فيما يختصُّ بالوحدة”٢٧.
مع كنائس الشرق القديمة
٤٢. بدأَت الكنيسةُ الكائوليكيةُ علاقاتِها الأخويّةَ مع سائرِ كنائسِ الشرقِ بطرقٍ مختلفة. وهي الكنائسُ التي لم تعترفْ بقراراتِ مجمعَيْ أفسس (٤٣١) وخلقيدونية (٤٥١) فيما يختصُّ بشخصِ سيدِنا يسوعَ المسيح.
لدى زيارةِ العديدِ من الآباءِ بطاركةِ الكنائسِ الأرثوذكسيةِ الشرقية، (والمعروفةِ أيضا باللاخلقيدونية) إلى روما، وقَّعَ البابا معهم على بياناتٍ مشتركةٍ تؤكِّدُ الإيمانَ المشتركَ بيسوعَ المسيحِ، إنهًا حقًّا وإنسانًا حقًّا، كاملا في لاهوتِه وكاملا في ناسوتِه ٢٨. وظهرَ بهذه البياناتِ أنّ الخلافاتِ حولَ شخصِ سيِّدنا يسوعَ المسيح، والتي كانَت في أصلِ انقسامِ الكنائس، كانَت لها أسبابٌ متنوِّعة ومن أهمِّها الاختلافُ في التعابير الغوية. فوُضِعَ بذلك حدٌّ لخمسةَ عشرَ قرنًا من سوءٍ الفهم والمخاصمات.
٢٦. كتاب رسولي “في بداية العام” Anmo Incunte ٢٥ يوليو ١٩٦٧؛ ر. ليكونوا واحدًا، ٥٧.
٢٧. ر. النشرة الإعلامية للمجلس الحبري لوحدة المسيحيين Service d’Information ٩٠، ١٩٩٥، ١٢٤؛ و”ليكونوا واحدًا” ٥٧.
٢٨. بيان مشترك بين البابا بولس السادس وقداسة مار اغناطيوس يعقوب الثالث بطريرك السريان الأرثوذكس في ١٩٧١، وبين قداسة البابا بولس السادس وقداسة الأنبا شنوده الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية للأقباط الأرثوذكس عام ١٩٧٣، والاتفاق الكريستولوجي مع کنيسة الملانکار الأورثوذکس في ١٩٨٩ – ١٩٩٠، والبيان المشترك بين البابا يوحنا بولس الثاني والكاثوليكوس الأعلى لجميع الأرمن، قداسة كراكين الأول عام ١٩٩٦.
وصدرَ كذلكَ بيانٌ مشتركٌ مشابةٌ بينَ البابا يوحنا بولس الثاني ومار دنحا الرابع، بطريرك كنيسةِ المشرق الأشورية، في تشرین الثاني (نوفمبر) ١٩٩٤.
بين الكنيسة الأرثوذكسية والكنائس الأرثوذكسية الشرقية
٤٣. تمَّ التوصُّلُ كذلك إلى اتفاقِ بينَ الكنيسةِ الأرثوذكسيةِ (الخلقيدونية) والكنائسِ الأرثوذکسیةِ الشرقيةِ (اللاخلقيدونية) وهي الكنائسُ الأرمنيةُ والقبطيةُ والحبشيةُ والسريانيةُ، بفضل أعمال اللجانُ اللاهوتيةُ من كلا الطرفين. وقد عملَتْ هذه اللجانُ في مرحلةٍ أولى بصورةٍ غيرِ رسميّةٍ من ١٩٦٤-١٩٧١، ثم بتفويضٍ رسميّ من ١٩٨٥-١٩٩٣. إلا أنّه لم يَتِمَّ بعدُ قبول هذا الاتفاقِ رسميًّا من قبلِ السلطاتِ المختصّةِ في جميعِ هذه الكنائس.
مسؤولية كنائسنا
٤٤. ونرى الآن أنَّه من واجبِنا، نحن كنائسَ الشرقِ الأوسط، أن نوليَ انتباهًا خاصًّا نصَّ هذه الاتفاقاتِ الكريستولوجيةِ (حول شخصية سيِّدِنا يسوعَ المسيح) ومضمونَها، لأَنَّنا نتواجدُ جميعًا في المنطقةِ نفسِها، ومعًا نحن مدعوُّون لحملِ شهادةٍ مشتركةٍ لربِّنا يسوعَ المسيحِ أمامَ المسلمين واليهود.
مع الكنائسِ والجماعاتِ الكنسيةِ في الغرب
٤٥. كثُرَت اتصالاتُ الكنيسةِ الكاثوليكيةِ، بعدَ المجمعِ الفاتيكاني الثاني، مع مختلفِ الكنائسِ والجماعاتِ الكنسيةِ المنبثقةِ عن حركةِ الإصلاح. فبدأَتْ حواراتٌ ثنائيةٌ مع الأنجليكان واللوثريين والاتحاد العالمي للمُصلَحين والميتوديست وتلاميذِ المسيح الخ … ولكنَّ الحوارَ مع الأنجليكان واللوثريين هو الذي أدّى إلى نشرِ نصوصٍ لاهوتيةٍ مشتركة ذات غنى كبير في سرِّ الكنيسة، وفي السلطة فيها، والافخارستيا والخلاص الخ …
مع مجلس الكنائس العالمي
٤٦. وطوَّرَت الكنيسةُ في الوقتِ نفسه تعاوتَها مع مجلسِ الكنائسِ العالمي، ولا سيما عبرَ مجموعةٍ العملِ المختلَطةِ (groupe mixte de travail)، ومن خلال إسهامِها في أعمالِ اللجنة “إيمان ودستور” (Foi et Constitution). وكانتْ الوثيقةُ التي نُشِرتَ عامَ ١٩٨٢ عن المعموديةِ والإفخارستيا والرتبةِ الكهنوتيةِ أفضلَ تلك الوثائقِ وأغناها، إذ إنَّها تبيِّنُ توجّهاتٍ مشتركةً مذهلةً بيّن الكنائسِ المسيحيةِ الکبری.
٣. تفهُّم واستقبالُ نتائجِ الحوارِ اللاهوتي
إسهام الكنيسةِ كلِّها في الحوار
٤٧. قلْنا إنَّه لا يمكنُ حصرُ نتائجِ الحوارِ اللاهوتي في حلقةِ الخبراءِ، بل يجبُ تبليعُها إلى الكنيسةِ لتصبحَ “ترانا مشتركًا”. يجبُ أن تكونَ هذه النتائجُ “موضوعَ دراسةٍ جدّيّةٍ تشملُ جميعَ شعبِ الله، بطرق مختلفة، وبحسبِ الاختصاصاتِ المختلفة. فالأساقفةُ والكهنةُ والمؤمنين العلمانيين، وقد قبلوا كلُّهمَ وسمَ الروحِ القدس، يجبُ أن يشاركوا جميعًا في دراسة وتفهم هذه النتائجِ، كلُّ واحدٍ بحسبِ ما أعطِيَ له من مواهب، وبحسب مكانتِه الخاصة في الكنيسة، لكي يتمَّ التوصُّلُ إلى إجماعِ المؤمنين .٢٩ “(consensus fidelium)
تفهُّمُ هذه النتائجِ والعملُ بها ليسَ عملا واحدًا محدَّدًا، ولا هو قرارٍ تتخذُه السلطةُ العليا. بل هو مسيرةٌ طويلةٌ تقتضي تمييزًا للظروف والأوضاع، واستيعابًا تدريحيًّا لما يُتخَدُ من قرارات، ونمُوَّا مشترَكًا في المعرفةِ المتبادلَةِ والشركة. وهي مسيرة وتقومُ بها الكنيسةُ كلَّها، بإشرافِ السلطةِ الكنسيةِ وبهداية الروحِ القدس. وتقتضي هذه المسيرةُ أن يصبحَ الانفتاحُ المسكوني بُعدًا ثابتًا في حياةِ الكنيسةِ كلِّها، ولا سيما في العملِ الرَّعَوِي.
٤. الحوار اللاهوتي وكنائس الشرق الأوسط
٤٨. ترى كنائسُنا في الشرقِ الأوسط أنَّ الحوارَ اللاهوتيَّ، بالمعنى الحصري هو من واجبنا ومن اختصاصِنا. وقد ينقصُنا في كنائسنا الكاثوليكية والأرثوذكسية في الشرق الأوسط، الأشخاصُ والوسائل، ولذلك ما زالَ إسهامُنا في هذا المجالِ متواضعًا. ولا بدَّ من أن نذكرَ هنا المبادرتَيْن اللتَيْن قامَتْ بهما كنيستا أنطاكية للروم الكاثوليك الملكيين وللروم الأرثوذكس، وكنيسة بابل الكلدانية مع
كنيسةِ المشرق الأشورية.
ونحن نعلمُ أنّ الطريقةَ العملية التي نمارسُ بها بعضَ الحقائقِ أو المتطلَّباتِ اللاهوتيةِ أو القانونيةِ في كنائسِنا الكاثوليكية، لها صدِى عميقٌ على الحوارِ اللاهوتيِّ حولَ هذه الحقائقِ نفسِها. مثلا، قضيةُ الرئاسةِ في الكنيسة، والشركةُ والوحدةُ مع خليفةِ بطرسَ على كرسي روما. وقد وجَّه البابا يوحنا بولس الثاني في رسالتِه “ليكونوا واحدا” نداءً ملِحًا، لمساعدتِه “بحوارٍ أخوي وصبور” لإيجادِ طريقةٍ لممارسةِ الأوليةِ منفتحةٍ على الوضعِ الراهن، ولكن من غيرِ تنازلٍ عن رسالتِه
٢٩. ليكونوا واحدًا، ٨٠.
الأساسية”٣٠. وكرَّرَ نداءَه هذا يومَ التقى في روما بطاركةَ الشرقِ الكاثوليك في ٢٩ أيلول (سبتمبر) ٠١٩٩٨
تقالید الکنانس الخاصة
٤٩. كيف يمكنُنا أن نوفَّقَ بين تنوُّعِ تقاليدِنا القديمةِ وحقوقِنا الخاصّةِ مع هذه الشركة؟ ما أفضلُ الطرقِ للتوفيقِ بين السينودسِ البطرير كي ومفهوم الأولية في السلطة؟ إنَّ البحثَ المستمرَّ في مفهومِ الكنيسةِ في التقاليدِ الشرقيةِ والغربيةِ معًا، وفي مضمونِ تقاليدِنا البطرير كيةِ قد تفتحُ أبوابًا جديدةً ضمنَ الشركةِ الكاثوليكيةِ نفسِها: هذا هو إسهامُنا الحقيقيُّ في الحوارِ اللاهوتي. فنحن نحثُّ أبناءَنا على إجراءِ الدراساتِ التي من شأنِها أن تساعدَ الكنيسةَ الكائوليكيةَ في العالمِ وفي الشرقِ لتعودَ وتتنفَّسَ بكلتا رئتيْها، الغربيةِ والشرقيةِ، كما يريدُ ذلك البابا يوحنا بولس الثاني. من الواضحِ أنَّ هذه الاعتباراتِ هي أيضًا جزءٌ من حوارِ المحبة، لأنَّه من الصعبِ أن يوضعَ حدٌّ فاصلٌ بينَ حوارِ المحبةِ وحوارِ الحقيقة. قالَ القديسُ يوحنا الإنجيلي: “أمّا الَّذِي يَعمَلُ بالحَقِّ، فَيُقبِلُ إلَى الثُّورِ” (يوحنا ٣: ٢١).
٥. تفهم ودراسة نتائجِ الحوارِ في كنائسِ الشرقِ الأوسط
٥٠. قلْنا إنّ الحوارَ يجبُ أن يشملَ شعبَ الله كلَّه. ولهذا على كنائسنا في الشرقِ الأوسطِ أن تتحمَّلَ هذه المسؤوليةَ تحملاً كاملاً على جميعِ الأصعدةِ وفي جميعِ مجالاتِ الحياة. النصوصُ والاتفاقاتُ الناتجةُ عن الحوارِ اللاهوتي، والتي يجبُ أن تكون موضوع هذا التفهم والدراسة كثيرة ومتنوِّعةٌ من حیث طبيعتُها ومصدرُها.
الوثائق الرسمية
٥١. هناك أوّلا النصوصُ الرسميَّةُ في الكنيسةِ الكاثوليكية، وأوَّلُها وثائقُ المجمعِ الفاتيكاني الثاني الذي كانَ فاتحةَ عهدٍ جديدٍ للحركةِ المسكونيةِ في الكنيسةِ الكاثوليكية. ثم جاءَ “الدليلُ في تطبيقِ المبادئِ والقوانينِ في الحركةِ المسكونية”، والمنشورُ في طبعةٍ ثانيةٍ معدَّلةٍ عام ١٩٩٣، وهو امتدادٌ مباشرٌ للمجمع، وأفضلُ مرشدٍ للجهودِ المبذولةِ من أجلِ التكيُّفِ مع هذه الفترةِ الجديدة. ثم رسالةُ البابا يوحنا بولس الثاني، “ليكونوا واحدا” في أيار/مايو ١٩٩٥، حيث أكَّدَ على ضرورةٍ تفهم ودراسة التوجيهاتِ المسكونية للمجمعِ الفاتيكاني الثاني. وقد اعتمدَت هذه الرسالةُ أيضًا كلَّ ما تَمَّ إنجازُه في
٣٠. لیکونوا واحدًا، ٩٥-٩٦.
الحواراتِ المختلفةِ حتى هذا التاريخ. وهناك نصوصٌ كثيرةٌ للبابا أو لجهاتٍ تعليميةٍ كاثوليكية عرضَت هذه التوجيهاتِ نفسها عرضًا جديدًا في ضوءٍ ظروف جديدة، ومن أهمِّها الإرشادُ الرسولي بعدَ سينودس لبنان: “رجاءٌ جديدٌ للبنان” (المنشور في أيار/مايو ١٩٩٧).
نصوص الاتفاقات ثنائية
٥٢. من جهةٍ أخرى، ظهرَت، خلالَ عشراتِ السنواتِ الماضية، نصوصٌ مسكونيةٌ عديدةٌ لاتفاقاتٌ أو توجيهات مشتركة إثرَ الحواراتِ الثنائيةِ بينَ الكنيسةِ الكاثوليكية وإحدى الكنائسِ الشرقيةِ الأرثوذكسيةِ أو الكنائسِ الأنجليكانية أو اللوثرية الخ … أو إثرَ حواراتٍ متعدِّدةِ الأطراف، اشتركَ فيها عددٌ من الكنائسِ، مثلا في إطارِ مجلسِ الكنائس العالمي، على الصعيدِ العالمي، أو في إطارٍ مجلسِ كنائسِ الشرقِ الأوسط، على صعيدِ المنطقة. وثائق هامة غيرُها
٥٣. أوَّلُ النصوصِ التي يجبُ أن نأخذَها بعينِ الاعتبارِ، في الشرقِ الأوسطِ، هي في الواقعِ النصوصُ التي تخصُّ العلاقاتِ بين الكنائسِ الكاثوليكيةِ والأرثوذكسية. القضايا الرئيسةُ الواردةُ في هذه النصوصِ والاتفاقاتِ، فيما يختصُّ بالحوارِ اللاهوتي مع الكنيسةِ الأرثوذكسية ذات التقليد البيزنطي هي ما يلي: أولا: نحن كنائسُ شقيقة. وهذه رؤيةٌ يجبُ أن تصبحَ جزءًا لا يتجزَّأُ من مفهومِنا لطبيعةِ سرِّ الكنيسة. ثانيًا: الأسرارُ واحدةٌ، ومفهومُنا للأسرارِ هو أيضًا واحد. ثالثا: هناك توجيهاتٌ عمليةٌ للجنةِ الحوارِ الدوليةِ سُجِّلَتْ في وثيقةِ البلمند (لبنان) عام ١٩٩٣، لا بدَّ من معرفتِها والعملِ بها. لكنَّه من الضروريِّ أن نفهمَ أيضًا أنَّ القضيةَ في كلِّ هذا ليسَت قضيةَ قوانين عمليةٍ فقط، بل هى مبادئُ أساسيةٌ في اللاهوتِ العامِّ وفي طبيعةِ سرِّ الكنسيةٌ.
تطبيق نصوص الاتفاقات
٥٤. للاتفاقاتِ الكريستولوجية (حول شخصيةِ سيدِنا يسوعَ المسيح) بينَ الكنيسةِ الكاثوليکیةِ والكنائسِ السريانيةِ والقبطيةِ والأرمنيةِ والأشورية أثرُها العميقُ في كنائسِنا. فهذه الاتفاقاتُ تَعني أنَّ أهم أسبابِ الانقسامِ، التي كانَت في القرنِ الخامسِ، لم يعُدْ لها اليومَ وجود. فمن الضروريِّ أن تسعى الكنائسُ الكاثوليكيةُ والأرثوذكسيةُ اليومَ معًا لمتابعةِ تلك الاتفاقاتِ والعملِ بها. ومن الضروريِّ لذلك تكوينُ لجانِ عملٍ مشترَكة.
الفصل الرابع: المسکونيةُ بمثابةٍ حياةٍ روحية
٥٥. همُّ الوحدةِ والبحثُ عنها هما جزءٌ من كيانِ المسيحي، كما أنَّهما جزءٌ من كيانِ الكنيسة. كرَّرَ البابا يوحنا بولس الثاني ذلك مرارًا: “إنّ الوحدةَ التي منحَها الله لكنيستِه، والتي يريدُ الله أن يشملَ بها الجميع، ليست أمرًا ثانويًّا، بل هي في قلبِ عملِه. ولا هي صفةٌ عرَضيّةٌ أو مُضافةٌ في جماعةِ التلاميذ، بل هي في صُلبِ كيانِ هذه الجماعة ٣١. فالكنيسةُ مَدعُوَّةٌ إذًا لتكونَ مسكونيةٌ حتى أعماقِ ذاتِها، ويجبُ أن تسمحَ لنفسِها بأن ترتدَّ وأن تتّخذَ وجهًا جديدًا من خلالِ علاقاتِها مع سائرِ المعمَّدين وجماعاتهِم. ونعودُ هنا فنكرِّرُ ما قالَه البابا يوحنا بولس الثاني: يجبُ أن يتجاوزَ الحوارُ المسكونيُّ حوارَ الأفكارِ ليصبحَ تبادلَ المواهبِ وحوارَ الضمائرِ ومن ثمَّ الحوارَ الذي يؤدِّي إلى الارتدادِ والتوبة.
بهذا المعنى ترِدُ عبارةُ “المسكونيةُ الروحية”، في الوثيقةِ المجمعيةِ عن المسكونية. وتَعني هذه العبارةُ تجدُّدَ الكنيسةِ وتوبةَ القلبِ وقداسةَ الحياةِ والصلاةَ والمعرفةَ المتبادَلة٣٢.
ارتداد و تجدد
٥٦. يدعو المجمعُ الفاتيكاني الثاني قبلَ كلِّ شيءٍ إلى الارتدادِ الداخلي، الذي من دونِه لا يمكنُ أن توجدَ حركةٌ مسكونيةٌ حقيقية. على صعيدِ الأشخاص، هذا يعني تجدُّدَ القلب، والزهدَ بالذات، والتواضعَ والوداعةَ في الخدمة، والسخاءَ الأخويَّ تجاهَ الآخَرين. كلُّ واحدٍ مِنّا مدعُوٌّ إلى توبةٍ وارتدادٍ وقبولٍ للإنجيلِ قبولاً كاملاً: “ليذكُرْ المؤمنون جميعًا أنّهم يعملون على وحدةِ المسيحيين، بل يحققونها، بقدرِ ما يسعَوْن في تطبيقِ الإنجيلِ على حياتِهم تطبيقًا أكمل٣٣.
ارتداد الفرد وارتداد الجماعة
٥٧. يقولُ المجمعُ الفاتيكاني الثاني إنَّ واجبَ الارتداد يُقصَرُ على الفردِ المؤمنِ وحدَه، بل على الجماعةِ كلَّها أن تتوبَ وترتدَ. تؤكِّدُ على ذلك الرسالةُ “ليكونوا واحدا”: “ليسَت الخطايا الفرديةُ
٣١. لیکوتوا واحدًا، ٩.
٣٢. استعادة الوحدة ٥-٩.
٣٣. استعادة الوحدة ٧؛ ليكونوا واحدًا ٢٠.
وحدّها هي التي يجبُ أن نتجاوزَها ونغفرَها، بل الخطايا الجماعيةُ أيضًا، أعني البِنَى والقواعدَ الاجتماعيةَ نفسَها المولِّدةَ للخطيئةِ والتي كانَت وما زالت سببًا في الانقسامِ”.
نعترف بأننا خطئنا
٥٨. يرتد المسيحيُّ ويتوب بصورةٍ خاصّة عن الخطايا التي تنقضُ الوحدة: “وحدةُ المسيحيين أمرٌ ممكنٌ، شرطِ أن نعيَ وندركَ بتواضعِ أنَّنا خطئنا، وبخطيئتِنا نقضْنا الوحدة، شرطِ أن نقتنعَ بضرورةٍ توبتنا وارتدادِنا”٣٤. فإذا تبْنا نجمَ عن توبتِنا تبديلٌ في مواقفِنا تجاهَ الآخرين: “يَنتبه المؤمنُ أنّه استثنى أحيانًا بعضَ الإخوة فجرحَ بذلك المحبّةَ الأخويّة، أو أنّه رفضَ المغفرة، واستكبرَ وانغلق على ذاته في الحكمِ على الآخَرين بصورةٍ مخالفةٍ للإنجيل، أو أنّه ازدرى واحتقرَ غيرَه لغرورِ مَرَضِيّ في نفسِهِ “٣٥. يجبُ أن تعيَ كلُّ كنيسةٍ أو جماعةٍ كنسيةٍ كيف كانَت هذه الخطايا، كلُّها أو بعضُها، في تاريخها، سببًا في الانقسام. وإلى أيِّ كنيسةٍ أساءَت هي بخطيئتِها، فتسعى بعدَ ذلك بنعمةِ الله إلى المغفرةِ والمصالحة.
ارتداد توبة في جميع مجالات الحياة
٥٩. ويظهرُ الارتداد الفردي والجماعي في تجدُّدِ الحياةِ في الكنائس، “لأنها هي قاعدةُ ومُنطلَقُ التحرُّكِ نحوَ الوحدة”. ويجبُ أن يشملَ هذا الجهدُ في التجدُّدِ جميعَ مجالاتِ الحياةِ والرسالةِ في الكنيسة: “دراسةَ الكتابِ المقدَّس، والليتورجيا، والوعظَ بكلمةِ الله، والتعليمَ المسيحي، ورسالةَ العلمانيين، وصورة جديدة للحياة الرهبانية، وروحانيةَ الزواج، وتعليمَ الكنيسةِ ونشاطَها في الشؤونِ
الاجتماعية”٣٦. هكذا تكتسبُ جهودُ كنائسِنا الشرقيةِ الكاثوليكيةِ بُعدًا مسكونيًا، ولا سيما الجهودُ التى تبذِها في مجالات اللاهوت والليتورجيا والروحانيات.
الصلاة
٦٠. الصلاةُ هي أيضًا جزءٌ من المسكونيةِ الروحية. وتستحقُّ الصلاةُ ذكرًا خاصًّا لأنَّ الفردَ والجماعةَ الكنسيةَ يلتقون في أثنائِها في حضرةِ الله، ويستسلمون لمشيئتِه تعالى، ويطلبون منه النورَ والقوّة. يقولُ المجمع الفاتيكاني الثاني إنّ الصلاةَ هي “روحُ الحركةِ المسكونيةِ كلِّها”، “وإنَّها وسيلةٌ
٣٤. ليكونوا واحدًا، ٣٤.
٣٥. لیکونوا واحدًا، ١٥.
٣٦. استعادة الوحدة، ٦.
ناجعةٌ لطلبِ نعمةِ الوحدة٣٧.
وهذا صحيحٌ حتى في الصلاةِ الفردية: “لا يمكنُ إقصاءُ هَمِّ الوحدةِ عن الحوارِ الشخصي الحميمِ الذي يجبُ على كلِّ مؤمنٍ أن يُقيمَه مع الله في الصلاة. بهذه الطريقةِ فقط تصبحُ الوحدةُ
بصورةٍ كاملةٍ وحقيقيةٍ جزءًا من حياتِنا وواجباتِنا في الكنيسة ٣٨. تضمَّنَت جميع تقاليدنا الكنسية في ليتورجياتيها صلواتٍ من أجل الوحدة، ممّا يدلُّ على أنّ الكنائسَ لم تنقطعْ قط عن الصلاةِ للوحدة، وأنَّها حملَتْ هذا الهمَّ كلَّ يوم حتى في الإفخارستيا. فنحن ندعو إلى إحياءِ هذه الصلواتِ بكاملِ معناها ومكانتِها، لتَبقَى معبِّرةً عن الروحِ المسكونية في الليتورجيا، وليَبقَى هذا الروحُ حيًّا فينا، فيحملَنا على تحقيقِ الوحدةِ مع إخوتِنا.
صلاة مسكونية جماعية
٦١. “على طريقِ الوحدةِ المسكونية الأولوية هي للصلاةُ الجماعية”، صلاةُ إخوةٍ وأخَواتٍ ليسوا بعدُ في شركةٍ تامّةٍ فيما بينَهم. الصلاةُ هي “تعبيِّر صادقٌ عن الروابطِ التي بها يبقى أبناءُ الكنيسةِ الكاثوليكيةِ مرتبطِين بإخوتِهم في كلِّ كنيسة”، “وهي تعبيرٌ عن الوحدةِ وتأكيدٌ لها”. وفي الواقع، “لو عرفَ المسيحيون، بالرغمِ من انقساماتِهم، أن يتّحدوا في صلاةٍ مشتركةٍ حولَ المسيح، لأدركوا أكثر فأكثر كم هو قليلٌ ما يفصلُ بينَهم بالمقارنةِ مع ما يوحِّدُهم٣٩.
لا بد من أن تكون الصلاة عنصرًا هامًا دائمًا حاضرًا في الاجتماعات المسكونية، لأنها الصلاةُ هي قِمَّةُ العملِ المسكوني. أسبوعُ الصلاةِ من أجل وحدةِ المسيحيين الذي نحتفلُ به كلَّ سنةٍ في شهرِ كانون الثاني/يناير أو حولَ العنصرة لهو تعبيِر مميَّزٌ عن الصلاة المسكونية، وهو في الوقتِ نفسِه فرصةٌ مناسبةٌ لتنميةِ الوعي المسكوني لدى المؤمنين.
معرفة متبادلة وتضامن
٦٢. “الشركة الصلاةُ تولّد في المؤمنِ نظرةٌ جديدةً في الكنيسةِ وفي الديانةِ المسيحية”٤٠. وهذه النظرةُ الجديدةُ هي جزءٌ من التوبةِ والارتدادِ إلى حياةِ الإنجيلِ. “يجبُ الانتقالُ من موقفِ المعارضةِ
٣٧. ليكونوا واحدًا، ٢١؛ استعادة الوحدة، ٨.
٣٨. لیکونوا واحدًا، ٢٧.
٣٩. استعادة الوحدة، ٨؛ ليكونوا واحدًا ٢١-٢٢.
٤٠. ليكونوا واحدًا، ٢٣.
والمخاصمةِ إلى موقفٍ ترى في الآخرِ أخًا وشريكًا “٤١. ويؤدِّي هذا التغيُّر في النظرةِ إلى الآخرِ إلى اكتشافٍ جديدٍ لِمَا في الكنائسِ والجماعاتِ الكنسيةِ الأخرى من غنِّى وتراث، “فندركُ أنَّ الروحَ يعملُ في الجماعاتِ المسيحيةِ الأخرى، ونكتشفُ لديها نماذجَ قداسةٍ، ونختبرُ فيها الغنى اللامحدودَ لشركةِ القدّيسين، وتتجلَّى أمامَنا طرقٌ لم نكنْ نفكِّرُ فيها في الالتزامِ المسيحي”٤٢.
٦٣. لذلك فإنّنا ندعو الكهنةَ والمؤمنين جميعًا أن يزدادوا رغبةً في معرفةِ التقاليدِ اللاهوتيةِ والليتورجيةِ والروحيةِ لدى سائرِ الكنائس ومحبَّتها، فتصبحُ لهم أيضًا مصدرَ غذاءٍ. يتطلب هذا الأمر تربية طويلة بحيث نكونُ قادرِين على الإحساسِ بكلِّ المشاعرِ وردودِ الفعلِ المتكوَِّةِ في ذاتِنا أو لدى الآخَرين. يمكنُ أن ننطلقَ من الشركةِ الجزئيةِ القائمةِ منذ الآن والتي تزدادُ وتغتني باستمرارِ اللقاءات، لنوقظ فينا روحَ تضامنٍ يجعلُنا دائمًا حاضرين مع إخوتِنا، فنهتمُّ بأفراحِهم وأحزانِهم ونجاحِهم وفشلِهم، “ونحملُ أثقالَ بعضِنا البعض” (غلاطية ٦: ٢). ويجب أن نعبِّرَ عن ذلك بأعمال بسيطةٍ ملموسة، مثلِ المشاركةِ في الأعيادِ وفي أيامِ الحداد، والاهتمامِ بكلِّ ما يحصلُ في الكنيسةِ الأخرى، والاستعدادِ لتقديم خدماتِنا إذا طُلِبَ ذلك مِنَا الخ … هكذا تنمو الشركةُ غيرُ المكتملةِ بعدُ خطوةً خطوة، فتساعدُ على تجاوزِ النزاعاتِ القديمةِ والأفكارِ الُمُسْبقةِ وذكرَياتِ الماضي المؤلمة. قال البابا يوحنا بولس الثاني واصفًا هذه الدينامية: “حياةُ المسيحيين كلُّها مركَّزةٌ على الهمِّ المسكوني، وهم مدعوُُّون لكي يطبعوا في أنفسَهم صورةَ المسكونية وروحَها ٤٣.
الفصل الخامس: عملٌ رعويٌ مسكوني
٦٤. الحوارُ هو الأداةُ المميَّزةُ للمسكونية، والصلاةُ مع ارتدادِ القلبِ هي روحُها، والعملُ الرعويُّ يجب أن تتجسد، وبه يحدثُ تحوُّلُ في نفسِ من يعمل، وتتجدِّدُ أساليبَ العمل. قال البابا يوحنا بولس الثاني، بعدَ عودتِه من زيارته إلى البطريركيةِ المسكونيةِ في إسطنبول، في شهرِ كانونِ الأول/ديسمبر ١٩٧٩: “يجبُ أن يصبحَ الحوارُ الأخويُّ من المقوِّماتِ اللازمةِ لكمالِ البرامجِ الرعويةِ لدى الجانبَيْن”٤٤. وكرَّرَ ذلك في الرسالة “ليكونوا واحدًا”، قال: “المسكونيةُ، أي العملُ من أجلِ وحدةِ المسيحيين، ليسَ أمرًا ثانويًا مضافًا إلى نشاطاتِ الكنيسةِ التقليدية. بل هو جزءٌ لا يتجزأُ من حياتِها
٤١. ليكونوا واحدًا، ٢٩.
٤٢. ليكونوا واحدًا، ١٥.
٤٣. لیکونوا واحدًا، ١٥.
٤٤. خطاب في المقابلة العامة ٥ كانون الأول/ديسمبر ١٩٧٩: Documenttion Catholique ١٩٨٠، ٠٧
ونشاطِها. ولهذا يجبُ أن يَنفَدَ إلى قلبِ كلِّ شيء، فيكونُ مثلَ ثشرةِ شجرةٍ تندفعُ زاهيةً يانعة، وتكبُرُ حتى تبلغَ أقصى نموِّها٤٥.
رؤية جديدة
٦٥. يجبُ أن يتأسَّسَ عملناُ الرعويُّ كلُّه على هذا المبدأ: أنَّ الكنيسةَ شركةٌ في الإيمانِ والأسرارِ وخدمةِ المحبة، وأنَّ بينَنا وبينَ الكنائسِ الأرثوذكسيةِ وسائرِ الجماعاتِ الكنسيةِ شركةً حقيقيةً ولو غيرَ كاملة. فيجبُ أن يهدف عملنا الرعوي إلى البلوغ بهذه الشركةِ إلى كمالِها. ينطبقُ كلامنا هذا أولا على الكنائسِ الأرثوذكسية، فنحن نعترفُ بها كنائسَ شقيقة، لأنَّها “تؤمنُ بإيمان الرسل، وتشاركُ في الأسرارِ نفسِها، ولديها الكهنوتِ الواحدِ الذي يقرِّبُ لله ذبيحةً المسيحِ الواحدة، وخلافةِ الأساقفةِ الرسولية٤٦. وكان البابا بولس السادس قد صرَّحَ أنَّه يجبُ على رؤساءِ الكنائسِ الكاثوليكيةِ والأرثوذكسيةِ” أن يعترفوا ببعضِهم البعض، ويتبادلوا الاحترامَ كرعاةٍ
للقسمِ الذي وُكِلَ إليهم من قطيع المسيح ٤٧ .
أمّا الكنائسُ أو الجماعاتُ الكنسيةُ المنبثقةُ من الإصلاحِ البروتستانتي، فلا يزالُ بينَنا اختلافاتٌ كبيرةٌ فيما يختص بالإيمان. إلا أنَّ بينَنا أيضًا قاعدةُ إيمانٍ مشتركة، تدعونا إلى الاحترامِ المتبادل، وإلى عملٍ مشتركٍ في المجالَيْن الديني والاجتماعي ٤٨.
مواقف جديدة ناجمة عن هذه الرؤية
٦٦. حدَّدَت الاتفاقاتُ المشترَكةُ بين الكنيسةِ الكاثوليكيةِ والكنائسِ الأرثوذكسيةِ الخطوطَ التي ثُبنَى عليها المواقفُ الجديدةُ في العملِ الرعوي. وخاصّة الاتفاقُ الرعويُّ بينَ الكنيسةِ الكاثوليكيةِ والكنيسةِ السريانيةِ الأرثوذكسية عام ١٩٨٤، والوثائقُ المختلفةُ الصادرةُ عن الحواراتِ اللاهوتيةِ مع الكنيسةِ القبطية، وكنيسةِ الرومِ الأرثوذكس، والبيانُ المشترَكُ الذي وقَّعَ عليه بطاركةُ الشرق الكاثوليك وبطرير كا أنطاكية للروم الأرثوذكس وللسريان الأرثوذكس، إيّانَ لقاءِ البطاركةِ الكاثوليك والأرثوذكس عام ١٩٩٦ في دير الشرفة (لبنان). فمن الضروريِّ استيعابُ هذه النصوصِ ودراسة نتائجها العملية.
٤٥. لیکونوا واحدًا، ٢٠.
٤٦. راجع الوثيقة التي نشرتها اللجنة الدولية للحوار اللاهوتي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية في اجتماعها في البلمند (لبنان) عام ١٩٩٣ رقم ١٣.
٤٧. في خطابه لدى زيارته إلى البطريركية المسكونية في اسطنبول في شهر تموز/يوليو ١٩٦٧.
٤٨. ر. ليكونوا واحدًا، ٧٥.
التنيق بين رؤساء الكنائس
٦٧. ولهذا فإنَّنا ندعو جميعَ الرعاةِ والمؤمنين إلى المزيدِ من التشاورِ والتعاونِ مع سائرِ الكنائسِ كلَّما كانَ ذلك ممكنًا، ولا سيِّما إذا شملَتْ نشاطاتنا أشخاصًا ينتمون إلى تلك الكنائس. فمن اللائق أن ينبَّهَ في هذه الحالِ رعاةُ الكنائسِ المعنيَّة، لتنسيقُ العملِ معهم إن أمكن. بذلك تَنمو وتَقوى بينَنا روحُ الأخوَّة والثقةِ المتبادلة. ودليلُنا في هذا المجالِ هو وهذا المبدأ الأساسي: أن نعملَ معًا مع التقيُّدِ بعقيدةِ الإيمانِ والقوانينِ الكنسية.
انتقالُ الأشخاصِ من كنيسةٍ إلى أخرى
٦٨. من الواضح أن هدفُ الحركةِ المسكونيةِ هو العملُ على تحقيقِ الوحدةِ المنظورةِ بينَ الكنائسِ، وليس إذابتَها في بعضِها البعض. أكَّدَ ذلك ممثَلو الكنائسِ الكاثوليكيةِ والأرثوذكسيةِ في لقاء البلمند (لبنان) عام ١٩٩٣: “السعي في إعادة الوحدةِ يجبُ ألا يكونَ سعيًا لرد الأشخاصِ من كنيسةٍ إلى أخرى في سبيلِ خلاصِهم. بل هو السعيُ معًا لتحقيقِ مشيئةِ المسيحِ في المؤمنين به وتحقيقِ تدبيرِ الله في كنيستِه. وهو سعيٌ مشتركٌ بينَ الكنائسِ للتوصُّلِ إلى اتفاقٍ كاملٍ حولَ مضمونِ الإيمانِ وكلِّ ما يَنجمُ عنه ٤٩ .
ولهذا، يجبُ أن نحترمَ، في عملِنا الرعوي، انتماءَ الأشخاصِ إلى كنائسِهم، فلا نسعى في نقلهم من كنيسةٍ إلى أخرى٥٠. بل يجبُ مساعدتُهم على اكتشافِ رسالتِهم وتتميمِها في كنيستِهم.
قضيةُ انتقالِ الأشخاصِ من كنيسةٍ إلى أخرى قضيّةٌ تعاني منها الكنائسُ كلّها. وهي قضيةٌ ما زالَ يحيطُ بها الاضطرابُ وما زالت مصدرًا لتبادلُ التُّهم، وسببًا للأزَماتِ وانعدامَ الثقةِ بينَ الكنائس، ولاسيّما في الشرقِ الأوسط، حيث تعيشُ الكنائسُ جنبًا إلى جنب، ويختلطُ مؤمنوها في مجالاتٍ عديدةٍ في الحياةِ اليومية.
دراسة مشتركة لتوضيح هذه القضية
٦٩. كلُّنا متَفقون على رفضِ هذا الأسلوبِ في العملِ الرعوي أي نقلِ الأشخاصِ من كنيسةٍ إلى أخرى، لمنافعَ ماديةٍ أو اجتماعيةٍ أو ثقافية. إنما للقضيةِ جانبان مهمان: الأولُ هو احترامُ حريةِ
٤٩. وثيقة البلمند، ١٥.
٥٠. لیکونوا واحدا، ٥٨.
الضمير، وهو حقٌّ من حقوقِ الإنسانِ الأساسية. وتشملُ أيضا حريةَ الانتماءِ إلى كنيسةٍ ما، وحريةَ الانتقال من كنيسةٍ إلى أخرى، إذا ما توصَّلَ المؤمنُ بكاملِ حريتِه إلى مثلِ هذا الخيار، في بحثِه عن الله والحقيقة. ولكن، إن كانَ من الضروري احترامُ حريةِ الضميرِ، إلا أنّه لا يجوزُ استغلالُ جهلِ المؤمنِ أو بساطةِ إيمانِه، أو ضعفِه أو أيِّ ظرفٍ آخرَ، للقولِ إنها قضيةُ ضميرٍ أو حريةٍ شخصية. مثلُ هذا التصرُّفِ هو اعتداءٌ على الحريةِ المذكورة.
والجانبُ الثاني يختصُّ بالكنائسِ التي تكثرُ مؤسساتها مثلِ المدارسِ والمستشفياتِ ودورِ الأيتامِ والمسنين الخ … والتي يُقبِلُ عليها المؤمنون من الكنائسِ الأخرى للاستفادةِ منها. مبدأُ التعاملِ هنا واضحٌ وصريح: نحن لا نرفضُ خدمةَ أحدٍ ماديًّا أو روحيًّا، حيث يمكنُنا أن نخدمَ ونساعد. ولكنَنا نرفضُ استغلالَ حاجةِ المؤمنِ للتأثيرِ على قناعته الدينية. لا يجوزُ استغلالُ الخدَماتِ المقدَّمةِ لحملِ الأشخاصِ على الخروجِ من كنائِسهم. بل تُقدَّمُ كلُّ مساعدةٍ ممكنةٍ في أيِّ مجالٍ روحيٍّ أو مادي، وتُبلغ الخدمةُ هدفها الحقيقي بمساعدة المؤمن علی اکتشاف رسالتِه وتتمیمِها في كنیستِه حیث دعاه الله وفيها أعطاه نعمته.
وفي كلّ حالِ، الحواراتُ المشتركةُ في هذا المجال هي التي يمْكنُها أن توضِّحَ الحالاتِ الفرديةَ، كما والمبادئَ العامّةَ الواجبَ اتّباعُها من قِبَلِ جمیعِ الكنائس.
نحو تعاون رعوي حقيقي
٧٠. هنا أيضًا نستدلُّ بما قالَه البابا يوحنا بولس الثاني في رسالتِه “ليكونوا واحدًا”. فهو يرى أنَّ العلاقاتِ بينَ المسيحيين “تتطلَّبُ التعاونَ منذ الآن في جميعِ المجالاتِ العمليةِ الممكنة، وعلى مختلفِ الأصعدة، الرعويةِ والثقافيةِ والاجتماعيةِ، كما وفي الشهادةِ لرسالة الإنجيل”. لهذا للتعاون بين المسيحيين قيمة مزدوجة: فهو يعبِّرُ من جهة بصورةٍ حيّةٍ عن الوحدةِ القائمةِ بينَهم، وعن الشركةِ الأخوية. وهو من جهةٍ أخرى “مدرسةٌ حقيقيةٌ للمسكونية، بل وطريقٌ ديناميةٌ نحوَ الوحدة. لأنَّ الوحدةَ في العملِ تؤدِّي إلى الوحدةِ الكاملةِ في الإيمان. “بالإضافةِ إلى ذلك، إنّ التعاونَ بيَن المسيحيين هو “في نظرِ العالمِ شهادةٌ مشتركة … وإعلانٌ يُظهرُ وجهَ المسيحِ الحقيقي”٥١. وهذا أمرٌ مهمٍّ جدًّا لمعنى
حضورِنا ودعوتِنا في الشرقِ الأوسط.
٥١. ليكونوا واحدًا، ٤٠ و٧٥.
إرشادات الدليل المسكوني
٧١. وقد أوضحَ “الدليلُ المسكوني” مختلفَ المجالاتِ التي يمكنُ أن يتِمَّ التعاونُ فيها٢°. وذلك في ترجمةِ الكتابِ المقدس، وفي توحيدِ النصوصِ الليتورجية، وفي التعليمِ المسيحي، والتعليم العالي في الإكليريكيات والجامعات، وفي الحوار بين الأديان، وفي الإعلام والحياة الاجتماعية والثقافية الخ …. لقد أوصيْنا، على سبيل المثال، في اتفاقِ الشرفة عام ١٩٩٦ بإعدادِ نصَ مسكوني موحَّدٍ للتعليمِ الديني في المدارس الحكومية. وهناك إمكاناتٌ أخرى للتعاونِ في إطارِ مجلسِ كنائسِ الشرقِ الأوسط، مثلُ النصِّ الموحَّدِ للصلاةِ الربية، ولقانونِ إيمانِ نيقية والقسطنطينية، أو أيةً مبادرةٍ أخرى بين مختلفِ الكنائسِ في المنطقة.
في مجال الليورجية والأسرار
٧٢. وأمَّا في مجالِ الليتورجيا والمشاركة في الأسرار، فما زالَ غياب الشركةِ الكاملة بيننا هو العاملُ الرئيسيُ الذي يفصلُ بينَ الكنائس. ومن الأهمية بمكان أن نحترم الرؤية اللاهوتية لكلِّ كنيسةٍ في هذا المجال، إلى أن تحينَ الساعةُ التي تريدُ فيها مشيئةُ العلِيِّ أن توحِّدَنا لنرفعَ معًا ذبيحةَ إفخارستيا واحدة. ترى الكنائسُ اليومَ أنَّ غياب الوحدةِ في الإيمانِ يحولُ دونَ الشركةِ في الأسرار. وإن كلُّ شركةٍ تتمُّ بين اثنين، وتفترضُ إذًا الحريةَ المتساويةَ لدى الطرفين. ولهذا عندما نتكلَّمُ على الشركةِ في الأسرارِ، فالأمرُ لا يخصُّ شخصًا بمفردِه: لأنَّ كلَّ معمّدٍ هو عضوٌ في جماعةٍ كنسية. ومن ثم يقول البابا يوحنا بولس الثاني: “يجبُ ألا يغيب أبدًا عن نظرنا بُعدَ الانتماءِ الكنسي في المشاركةِ في الأسرار، ولا سيما في الإفخارستيا المقدسة ٥٣.
لقد حدَّدْنا في وثيقةِ الشرفة أيضًا إمكاناتِ جديدة للاحتفال بالزواجاتِ المختلطة بين الكاثوليك والأرثوذكس، ووضعْنا الخطوطَ العريضةَ لحلِّ الصعوباتِ الناجمةِ عن حفلاتِ المناولةِ الأولى في المدارسِ الكاثوليكية. وفي الاتفاقِ الرعويِّ الذي وقَّعه عام ١٩٨٤ البابا يوحنا بولس الثاني والبطريرك زكّا الأول عيواص، أصبحَ من الممكنِ قبولُ أسرارِ التوبةِ والإفخارستيا ومسحةِ المرضى، في أيِّ من الكنيستَيْن، في حالِ عدمٍ وجودٍ كاهنٍ من إحدى الكنيستين. فلا بدَّ لنا من أن نتنبَّهَ لكلّ هذه التدابير، فنطبِّقَها بروحِ الاحترامِ المتبادلِ وبالحكمةِ اللازمة. قد يفتحُ المستقبلُ أمامَنا أبوابًا أخرى من التعاون. ولكنَّا ما زلْنا حتى الآن بحاجةٍ إلى مزيد من التفكير والدراسات المشتركة.
وأمّا بخصوصِ عيدِ الفصح، واستجابةً لرغبةِ أبنائِنا من جميعِ الكنائسِ الكاثوليكيةِ
٥٢. الدليل المسكوني، ٢١٨١٦١.
٥٣. لیکونوا واحدًا، ٥٨.
والأرثوذكسية، فإنّنا بحثنا هذه القضية مع إخوتِنا البطاركةِ الأجلاء من مختلفِ الكنائسِ في منطقتِنا. فتبيَّنَ لنا أنَّ هناكَ عقباتٍ لدى البعضِ يصعب تذليلُها. لذلك تُرِكَتْ الحريةُ للقادرِين على توحيدِ الأعياد، وفقًا للظروفِ التي يعيشونها في بلدانِهم، دليلا عل نيةِ التقاربِ والتمهيد للوحدةِ المرتجاةِ، مع احترام هوية كلٌّ كنيسةٍ وتراثها وتقليدها.
مجالات تعاون أخرى
٧٣. ويبقى مجالٌ واسعٌ ومفتوحٌ أمامَنا للتعاونِ في الخدَماتِ المختلفة، مثلٍ بناءِ الكنائسِ أو استخدامِها، وبناءِ المدارسِ والمستشفياتِ، حيث تقتضي الحاجةُ ذلك، وفي مشاريع التنمية الاجتماعية، ومساعدةِ المحتاجين، ومشاريعِ الإسكانِ، ووسائلِ الإعلامِ والصحافة الخ … من الضروريِّ أن نواجه معًا قضيةَ الهجرةِ بكلَّ وسيلةٍ مُتاحة. معًا يجبُ أن نعملَ في سبيلِ العدلِ والسلام، وفي سبيلٍ اشتراكٍ فعَّالٍ وعادلٍ من قبل المسيحيين في الحياةِ العامّةِ، كلِّ واحد في بلده. ومعًا يجبُ أن نعالج قضايا الكنائسِ في علاقاتِنا مع الجهاتِ الرسمية. ومعًا يجبُ أن ننظرَ في العلاقاتِ مع إخوتِنا المسلمين والیهود.
الفصل السادس: وسائلُ وأدواتُ عملٍ مسكونية
٧٤. كلُّ هذا يحتاجُ إلى لجانٍ عملٍ مشتركة، وقبلَ ذلك إلى روحٍ جديدةٍ قادرةٍ على استيعابِ وتطبيقِ ما تعرضه علينا من وإرشاداتٍ واتفاقاتٍ مختلفُ هيئات الحوارِ العالميةِ والمحلية.
مجلسُ بطاركةِ الشرق الكاثوليك
٧٥. نشأ مجلسُنا هذا عام ١٩٩١. وقد اهتمَّ منذ نشأتِه بالقضايا التي تواجه كنائسنا الكاثوليكيةِ في الشرق الأوسط. وتناولْنا في مؤتمراتِنا السنويةِ أهمَّ القضايا المتعلَّقةِ بحضورِنا المسيحيِّ عامّة، والكاثوليكيِّ خاصَّة. ووجَّهْنا إليكم، أيها الأبناءُ الأعزاء، عددًا من الرسائلَ الرعويةَ لنطلعَكم فيها على شرة تفكيرنا في هذه المجالات.
وتوجَّهْنا أيضًا لتنميةِ العلاقاتِ مع إخوتِنا البطاركةِ الأرثوذكس. فمنذ أربعِ سنواتٍ أصبحَ اليومُ الأوّلُ من لقاءاتِنا مخصَّصًا للقاءِ كاثوليكيُّ أرثوذكسي. ويهمُّنا أن نتابعَ تفكيرَنا الأخويَّ المشتركَ مع الكنائسِ الأرثوذكسيةِ الشقيقة. ونحن ندعو رعائنا لكي يسلكوا هم أيضًا هذا الطريقَ نفسَه للقاءِ والتفكيرِ المشتركِ من أجلِ تطبيقٍ عمليَّ في الأبرشياتِ لكلِّ ما ذكرْنا في رسالتِنا هذه من مبادئ واتفاقات.
مجالس البطاركة والأساقفة الكاثوليك
٧٦. تختلفُ الظروفُ والإمكانات المسكونية من بلدٍ إلى آخر. ولهذا فمن واجبِ مجالسِ البطاركةِ والأساقفةِ في كلِّ بلدٍ أن تتابعَ هذه المهمّةَ المسكونية، وتتَخذَ المبادراتِ التي تراها مناسبة. فندعو إلى تكوينِ اللجانِ لذلك إن لم توجدْ بعد، وإلى تفعيلِها إن وُحِدَت، لتؤدِّيَ الكنيسةُ الشهادةَ المطلوبةَ منها في هذا المجال بأمانة.
مجلس كنائس الشرق الأوسط
٧٧. تأسَّسَ هذا المجلسُ عام ١٩٧٤ على يدِ مؤمنين غيورين أرادوا الاستجابةَ لصلاةٍ يسوع المسيح من أجلِ وحدةِ كنيستِه (ر.يوحنا ١٧: ٢١). وقد ضمَّ في تلك المرحلة الكنائس الأرثوذكسيةً والبروتستانتية، وجاء نتيجة جهود طويلة تعود إلى عام ١٩٢٥. وفي عام ١٩٨٨ . ١٩٨٩ أصبحَتْ الكنيسةُ الكائوليكيةُ عضوًا كاملا في المجلس، ببطرير كياتها السبع. وقد شارَكْنا جميعًا، نحن البطاركة، في أعمالِ هذا المجلس. ونرى أنَّ رسالتَنا فيه وواجبَنا تجاهَه هي المشاركةُ الأخويةُ مع جميعِ كنائسِ المنطقة. فهو مكانٌ مميَّزٌ نستمعُ فيه إلى إخوتِنا، ونعرفُ فيه بعضُنا بعضًا بصورةٍ أفضل. وفيه نُسهمُ مع جميعِ الكنائسِ في التفكيرِ اللاهوتي المشترك الذي يدعو إليه المجلسُ وينظِّمُه من خلالِ أقسامِه ولجانه المختلفةِ في سبيلِ التقاربِ بينَ الكنائسِ، ولواجهة القضايا المشتركةَ التي تطرح على المسيحيين في هذا الجزء من العالم.
التأهيلُ المسكوني
٧٨. إذا أردْنا أن نقومَ بواجبنا المسكوني تجاهَ كنائسِنا المحلية وتجاهَ الكنيسةِ الجامعة، لا بدَّ من أن نبدأَ برامجَ تأهيلِ وإعدادٍ للكهنةِ والرهبانِ والراهباتِ والمؤمنين. ويؤكِّدُ الدليلُ المسكونيُّ على أهميّةِ وأولويةِ هذا التأهيل لمن يعملُ في خدمةِ الرعايا٤°. وبناءً عليه، ندعو أوّلا الإكليريكيات للعملِ على إعدادِ أجيالَ الكهنةِ إعدادًا مسكونيًّا ليس فقط بإطلاعهم على الوثائقِ والاتفاقات المسكونية، بل بنفخ روحٍ جديدةٍ فيهم، ينفتحون بموجبها
٥٤. الدليل المسكوني، ٥٥-٩١. نشر المجلس البابوي لوحدة المسيحيين دراسة بعنوان “البعد المسكوني في إعداد العاملين في
الخدمة الرعوية”، وفيها تعليمات مفصلة لهذا الإعداد النظري والعملي. ر. خدمة العلومات ٩٦ (Service
٤/١٩٩٧) ١٤٣-٠١٥٢) (d’Information
على سائرِ الكنائس، والهدف هو أن يطَّلعوا على تقاليدِها ويحبّونها حبًا صادقًا. كما يجبُ العملُ على إزالةِ روحِ المنافسةِ وكل عقليةِ طائفيةٍ منغلقةٍ ترى في الآخرِ غريبًا أو مجهولا أو ثانويًا من فئة دنيا من حيث الخدمةُ أو من فئة دنيا من حيث القدرِ والكرامة. كلُّنا متساوُون أمامَ نعمةِ الله المفاضةِ في قلوبنا. وكلُّنا مدعوُّون إلى البحثِ عن أفضلِ الطرقِ التي تخفِّف من النتائجِ الوخيمةِ لانقساماتِنا ومن المساوئِ التي تغدَّيها في كلُّ مِنَا.
وكذلك الأمرُ في ما يتعلّقُ بكل عملِنا التَربَويِّ: نريدُ أن نربِّيَ أبناءَنا على حبٍّ كنيستِهم التي قَبَلوا فيها نعمةَ المعمودية، وعلى معرفةِ تقاليدِها والأمانةِ لها. ونريدُ أن نربّيَّهم، في الوقتِ نفسِه، على الانفتاحِ على الآخَرين ومحيّتهم. أما الحساسياتُ الطائفيةُ بين المؤمنين فيجبُ أن تزول: يجبُ أن نعرفَ أنَّنا جميعًا تلاميذُ للمسيح وشهودٌ له في مجتمعاتِنا حيث نؤدِّي شهادةً واحدةً لله الواحدِ الأحدِ الآبِ
والابنِ والروحِ القدس.
ولهذا يجبُ أن تتَّسمَ برامجُ التعليمِ المسيحيِّ أيضًا بالروحِ والانفتاحِ المسكونيَيْن. فإذا قدَّمْنا لأبنائِنا معلوماتٍ عن الكنائسِ الأخرى، يجبُ أن نقدِّمَها بصورةٍ إيجابيَّة، من غيرِ خلطٍ أو تنازلاتٍ في الحقيقة، تقديمًا يُنمي فيهم روحَ الأخُوَّةِ المسيحيةِ الحقيقية.
الخاتمة: دعوتنا ومسؤوليتنا المسكونية في الشرق الأوسط
٧٩. نحن كنائسَ وُلِدْت في المنطقةِ التي نادى يسوع فيها بالإنجيلِ المقدَّس، ومنها انطلقَ الرسلُ يحملون رسالةَ الخلاصِ إلى العالمِ أجمع. وإنَّنا نؤمنُ أنَّ لنا رسالةً من الله خاصّةٌ متميّزةً، سواءٌ في الشرقِ الأوسطِ أو في الكنيسةِ الجامعة. ما زالَ الشرقُ الأوسطُ يبحثُ منذ سنواتٍ طويلةٍ عن استقرارِه وعن السلامِ الحقيقي بيَن مختلفِ الصراعاتِ الداخليةِ والتدخُّلات الخارجيةِ المتنافسة. وفي هذا الوضعِ الصعب، نرى أنَّنا مدعوُّون لنكونَ لمجتمعاتِنا علامةَ رجاء. تعدُّدُ تقاليدِنا الثقافيةِ والدينيةِ في جماعاتِنا الكنسية هو انعكاسٌ لواقعٍ مجتمعاتنا البشريةِ التي أرادَ الله الآبُ أن نكونَ فيها. فبقدرِ ما نستطيعُ، بنعمةِ الله، أن نقبلَ بعضُنا بعضًا مع تعدُّدِنا وتنوُّعِنا، وبقدرِ ما نستطيعُ أن نوحِّدَ كلمتَنا، وخدمتَنا وشهادتَنا، نقدرُ أن نحملَ إلى مجتمعاتِنا فيضًا من الروح، ومزيدًا من الأخُوَّة والوفاق. إنَّ الخدمةَ التي نقدِّمُها هي خدمةٌ منزهةٌ في سبيلِ الإنسانِ وخلاصِه فقط. إلا أنَّه لن يكونَ لكلمتنا ولشهادتِنا أثرٌ فعليٍّ إلا إذا استطعْنا أن نتجاوزَ انقساماتِنا. وإلا فنحن نزيدُ مجتمعاتِنا اضطرابًا على اضطراب.
يمكنُ أن تصيرَ وحدثُنا علامةَ حبِّ الله الأزلي، الذي يريدُ أن يجمعَ جميعَ أبنائِه المشتَّتِين في يسوعَ المسيحِ ابنِه. إذا اتحَدْنا قلبًا وروحًا استطعْنا، بقوة الروح القدس، أن نبعثَ روحًا جديدةً في حضورِنا في هذا الجزءِ من العالم، وأن نعطيَ مؤمنِينا وأوطانِنا رؤيةً جديدةً وثقةً جديدة في المستقبل.
٨٠. لنستمِعْ في ختامِ رسالتِنا إلى ما يقولُه القدِّيس كيرلس الإسكندري في الوحدة: “إنَّ المسيحَ الذي اتخذَ وحدتَه الجوهريةَ من الآبِ ومن ذاتِه، نموذجًا ومثالا لصداقةٍ لا تَبلَى وللتوافقِ بين النفوس، يريدُ منّا نحن أيضًا أن نكونَ مرتبطِين بعضُنا ببعض، بقدرةِ الثالوثِ القدُّوس المتساوي في الجوهر. فيعترف الجميعُ بأنَّ الكنيسةُ إنما هي جسدٌ واحدٌ جامع، رفعَه المسيحُ حتى يكوِّنَ بوحدةِ الشعبَيْن واللقاءِ بينَهما كلا واحدًا كاملا (ر.أفسس ٢: ١٤).
“وحتى نسعى إلى هذه الوحدةِ مع الله وفيما بينَنا، وحتى نتحدَ اتحادا صميمًا مع احتفاظِ كلٍّ منّا بجسدِه ونفسِه الخاصّةِ به، وجدَ الابنُ الوحيدُ بحكمةِ الآب وتدبيرِه هذه الوسيلة: جسدٌ واحدٌ، هو جسدُه طبعًا، يجمعُ المؤمنِين به بالشركةِ الأسراريةِ، فيوحِّدُهم مع ذاتِه وفيما بينَهم. فمن يفصل بعدَ ذلك أو من يُبعِدُ عن هذه الوحدةِ المتبادلةِ والعميقةِ هؤلاء الذين جُمِّعُوا في وحدةٍ واحدةٍ مع الرب، بقوّةِ جسدِ المسيحِ المقدَّس والفريد؟
فإن كنّا بالمسيحِ أعضاءَ جسدٍ واحدٍ فيما بينَنا – وليسَ فقط فيما بيتَنا بل ومع من يُوجَدُ فينا بجسدِه – كيف لا نكونُ ولا نظهرُ واحدًا فيما بينَنا وفي المسيح؟ المسيحُ هو الرباطُ والوحدة، لأنَّه الإلهُ الإنسان.
“كلُّنا إذًا واحدٌ في الآبِ والابنِ والروحِ القدس. أقولُ نحن واحدٌ بهوَّيِّتِنا فائقةِ الطبيعة، نحن واحدٌ باتخاذِنا صورةَ الابن، وبالشركةِ في جسدِ المسيحِ المقدَّسِ، وبشركتِنا في الروحِ القدسِ الواحد”٥٥.
٨١. مع اقترابِ الألفِ الثالث لميلادِ ربَّنا يسوعَ المسيحِ، تنَّجهُ أنظارُ العديدِ من المسيحيين في العالمِ وقلوبُهم إلى منطقةِ الشرقِ الأوسط، مهدِ الكنيسة. نحن الجماعاتِ المسيحيةَ الذين نعيشُ كلَّ يومٍ في جوار الأماكنِ التي تمَّتْ فيها أسرارُ الخلاص، إن عرَفْنا أن نعيشَ متَّحدِين على مثال الجماعةِ المسيحيةِ الأولى الوارد ذكرُها سفرُ أعمالِ الرسل، فإنَّ الحجَّاجَ القادمِين من الجهاتِ الأربعِ بحثًا عن منابعِ الإيمانِ يمكنُهم أن يعودوا إلى بيوتهِم مثبَّتين ومجدَّدِين في التزامِهم وأمانتِهم للإيمان. البحثُ عن الوحدةِ في المسيحِ هو بُعدٌ أساسيٌّ في الكيانِ المسيحي، وشرطٌ أولي لرسالتِنا في
٥٥. شرح إنجيل القديس يوحنا، ١، ١١، فصل ١٢؛ راجع أيضًا “سر الوحدة” المجلد الثاني: “كمال الكنيسة”، باريس، ١٩٦٢ ص ٢٢٦-٢٢٨.
الكنيسةِ وفي العالم، “لتكونَ له الحياةُ وتكونَ له وافرة” (ر.يوحنا ١٠: ١٠). نسألُ الله أن يوفَّقَنا في طريقنا نحو الوحدة، وأن يملأنا بروحِه القدّوسَ ليجدِّدَ قلوبَنا ويقوِّيَ وحدتَنا. نسألُه أن يباركَكم في مسيرتكم إليه في محبَّتكم لإخوتِكم وأخواتكم، باسمِ الآبِ والابنِ والروحِ القدس، الإلهِ الواحدِ، آمین.
+ اسطفانوس الثاني غطاس، بطريرك الإسكندرية والكرازة المرقسية للأقباط الكاثوليك.
+ مكسيموس الخامس حكيم، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق والإسكندرية وأورشليم للروم الملكيين
الكاثولیك.
+ مار نصر الله بطرس صفير، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للموارنة.
+ مار أغناطيوس موسى الأول داود، البطريرك الأنطاكي للسريان الكاثوليك.
+ مار روفائيل الأول بيداويد، بطريرك بابل للكلدان.
+ يوحنا بطرس الثامن عشر كسباريان، بطريرك الأرمن الكاثوليك.
+ ميشيل صباح، البطريرك الأورشليمي للاتين.
صدر عن مجلس بطاكة الشرقالحاثوليك
في عيد الفصح المجيد
٤ نيسان (أبريل) ١٩٩٩
No Result
View All Result