كيف تنسى أم النور أن تقدم فخرًا واعتزازًا بالصليب الذي علق عليه ابنها لأجل كل أحد؟!
إن انحناء العذراء القديسة أمام الصليب فيه تمجيد وفخر بالصليب، كقول معلمنا بولس الرسول: “وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ” (غل 6: 14).
لم تُغفل العذراء أعظم رسالة وهي تمجيد صليب ربنا يسوع المسيح، لأنه مكان لقاء الرب يسوع المسيح الحبيب بأحبائه من البشر.
إن كل من أراد أن يلتقي بالمسيح الرب سيلتقي به عند الصليب، لأن الصليب هو موقع بذل الرب لذاته، وكيف يوجد الحب بدون البذل؟ كقول الكتاب: “لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ” (يو15: 13).
ولكن مَن يُدرك عظمة صليب المسيح، وما فيه من حب عظيم لا بد له أن يقدم هو أيضًا حبًا للمسيح المصلوب، كقول يوحنا الحبيب: “نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلًا” (1يو4: 19).
امتلأت العذراء حبًا لله، فتبعت الرب يسوع حاملة صليبها. لقد عانت وتألمت كباقي الأمهات… تألمت في هروبها إلى مصر، وهي تقطع مئات الكيلومترات سيرًا على الأقدام مع يوسف النجار في طرق وعرةٍ. عانت العذراء القديسة من العوزِ والفقرِ. وبعد رجوعها لأرض إسرائيل بدأت مرحلة أخرى من المعاناة، وهي ترى قوى الشر تضطهد، وتضمر العداء لابنها الحبيب… فقد وصفوه بالجنون، واتهموه بأن معه بعلزبول، وهكذا ظلوا يضطهدونه، ويتآمرون عليه إلى أن صلبوه.. فتم فيها قول سمعان الشيخ: “وَأَنْتِ أَيْضًا يَجُوزُ فِي نَفْسِكِ سَيْفٌ، لِتُعْلَنَ أَفْكَارٌ مِنْ قُلُوبٍ كَثِيرَةٍ” (لوقا 2: 35).
القارئ العزيز… كم احتملت هذه الأم العظيمة من آلامٍ حبًا في الله، وهي ترى ابنها يُجلد، ويُتفل عليه، ويُدق في يديه ورجليه المسامير دون رحمة؟! وهنا يأتي التساؤل كيف تنسى أم النور أن تقدم فخرًا واعتزازًا بالصليب الذي علق عليه ابن الله الحبيب يسوع المسيح لأجل كل أحد؟!
العذراء والصليب يشكّلان إناء لحكمة الله، وخزانة لعنايته.
اختار الله العذراء مريم لتصير الشّريكة الأولى، والعاملة، في مخطّط حكمة الله وعنايته.
_____
موقع الأنبا تكلاهيمانوت
No Result
View All Result