ما هي قصة لوحة العذراء “التي تحلّ العُقَد” ؟ تاريخها، شرحها، وكيف بدأ إكرامها
28 أيلول – عيد مريم التي تحلّ العقد
التعبّد وإكرام مريم العذراء “التي تحلّ العُقَد” غير معروفة للكثيرين، حتى في ألمانيا – البلد الذي نشأ فيه هذا الإكرام – فهي تقوم في الواقع على لوحة زيتية رسمها الفنّان الألماني يوهان ملكيور جورج شميدتنر.
تمّ إهداءها لكنيسة القديس بطرس في مدينة أوغسبورغ الألمانية عام 1700، السنة التي يُعتقد فيها رُسِمت. كل من ينظر إلى هذه اللوحة لأول مرة يتفاجأ بروعتها وبالسلام الأمومي الذي ينعكس فيها. تظهر السيدة مريم العذراء وهي تحل عقد في شريط وهو يشير الى قدرتها على حل تشابك الصعوبات والمحن في حياتنا.
التعبّد للعذراء “التي تحلّ العقد” هي عبادة شعبية يتشفّع بها كل من يواجه عُقد – مشاكل وصعوبات – في الحب، في العمل، الدراسة، وبشكل خاص في الصحّة.
أصل إكرام العذراء “التي تحلّ العُقَد”
هذا الإكرام لمريم العذراء بدأ مع القديس إيريناوس الذي كان تلميذاً ليوحنا الرسول ، وأسقف ليون، مات شهيداً (سنة 202). على ضوء رسالة بولس الى رومية 5 والذي يقارن بين آدم والمسيح، قارن بالمثل بين حوّاء والعذراء مريم. مؤكّداً أنّ حوّاء بعصيانها أوامر الله، ربطت عقدة شقاء الجنس البشري، ولكن مريم بطاعتها حلّت العقدة وحرّرت البشر.
الأب هيرونيموس أمبروزيز الذي تبرّع باللوحة للكنيسة، قدّمها كعربون شكر للسيدة العذراء على تدخلّها وحلّ مشكلة قريبه النبيل وولفغانغ لانغمانتل، وزوجته صوفي إمهوف (1612) الذان كانا على وشك الطلاق.
ذهب النبيل لزيارة الأب جاكوب ريم، كاهن يسوعي الذي كان ينصحه بشأن زواجه. وأرشده الى تسليم الصعوبات التي يواجهها في زواجه الى العذراء القديسة. قام الأب ريم بتقديم التماسهما أمام لوحة للسيدة العذراء، فكانا يجتمعان كل سبت لفترة 4 أسابيع. بعد زيارته الرابعة كان النبيل وولفغانغ قد بدأ بعمل تغييرات في حياته العائلية، نتيجة الصلاة وتكريم مريم العذراء.
في 28 سبتمبر 1615 صلّى الأب ريم أمام لوحة للسيدة العذراء ومن خلال طقس احتفالي، رفع الشريط الزوجي، وقام بفكّ العقدة وتسويتها، مبتهلاً للعذراء أن تفكّ هكذا عقدة هذين الزوجين. منذ تلك اللحظة عاد الوفاق الى الأسرة وتجنب الزوجان الطلاق. عندما علم أهالي المدينة بقوة شفاعة العذراء وإنقاذها العائلة نشأ عندهم ولاء خاص ازداد عندما وضعت اللوحة الشهيرة في الكنيسة مذكّرة إياهم بأن مريم لن تخيب أبداً رجاء من يلتجئ إليها.
شرح اللوحة
لوحة “مريم التي تحلّ العقد” نرى العذراء مكلّلة بإثني عشر كوكباً، على عدد الرسل. وتلبس رداء أزرق تُلاعبه الريح. فهو يمثّل رداء المجد لملكة السماوات، هي التي عاشت في الارض من الحبّ، كخادمة متواضعة فقيرة ومتجردة من كل شيء.
تدوس مريم تحت رِجلَيها رأس “الحية” رمز قوّات الشر، لأن مريم ليست فقط ملكة السماء والقديسين، بل هي تحطم أيضا” الجحيم والشياطين: إنّها تصعقها بفضائلها. لذلك يُقال إنّها: “مرهوبة كجيش مستعدّ للقِتال” (نشيد الاناشيد 10/6).
في اللوحة، تظهر مريم معلّقة بين السماء والارض، فائضةً بالأنوار، يظهر الروح القدس وكأنّه يلفّ مريم وهي تفكّ عقد حياتنا. إنّ قدرة العليّ هي مصدر الأعجوبة! وَتَوَجُّه الروح هو الذي يتلاعَب بِرِدائِها.
تأخذ مريم شريط حياتنا بيديها الشَفوقَتين وتفكّ منها العقد، الواحدة تلو الاخرى. يا للحنان والإنتباه اللَّذَين تعمل بهما، وهي تصغي إلى طلباتنا. وتتحوّل الشريطة الى ربطة جديدة، محررة من كل العقد التي تعوقها. نفهم عندئذ قدرة التحرّر في يديّ “مريم التي تحلّ العقد”.
نلاحظ أنَّ جوقاً من الملائكة يُحيطُ بالعذراء الكليّة القداسة. هذه الكائنات التي هي حبّ ونور وكواكب منيرة في ليالينا، تَهرَع لمساعدة ملكتها التي لا مثيلَ لها، وهم يعترفون بها كذلك، ويخدمونها ويطيعونها. وأيضاً هم حاضرون لنا، لانهم تَسَلَّموا من الله مهمّة حِفظِنا من الشر، نحن الضعفاء والمُعدَمين.
ينفصل ملاكان من هذا البلاط السماوي، فيمسك الأول شريطة هي شريطة حياتنا المرتبكة بكثرة العقد من كل قياس: عقد سهلة الحلّ أو مُحْكَمَة الرّبط، مُجتَمِعة او مُتباعِدة، وكلّها نتيجة للخطيئة في كل مجالات الحياة: العاطفية والعائلية والوظيفية والاجتماعية. والملاك الثاني ينظر نحونا كأنه يشجّعنا ويرينا ما تستطيع مريم أن تعمله بشفاعتِها.
بما أنّنا نمتلك أم الرحمة هذه، فأيّ نِعَم نخاف ألّا نحصل عليها بانحِنائنا عند قَدَمَيها؟ فلنقترب إذاً من “مريم التي تحلّ العقد” والثقة ملء قلوبنا. فلنقترب إلى عرش النعم مُتَيَقِّنين أنّنا سنُستَجاب. فَلَنا في شخص مريم أمٌّ تَشْفَع لنا بدالّة: ما تطلبه يقبله يسوع إبنها على الدوام. لنترك إذاً، بكلّ ثقة، عقد حياتنا في يديّ أمّنا، وَلْنَقُل لها: يا “مريم التي تحلّ العقد” صلّي لأجلنا.
No Result
View All Result