كتيّب صلاة تساعيّة شهداء دمشق القديسين
الإخوة المسابكيّين الثلاثة
والرهبان الفرنسيسكان الثمانية
كتيّب صلاة تساعيّة شهداء دمشق القديسين
الإخوة المسابكيّين الثلاثة والرهبان الفرنسيسكان الثمانية
في ليلة 9- 10 تموز، عام 1860م، تألّقَ الإيمان في سماء دمشق، إثر مجزرة كبيرة حدثت طالَت مسيحيّي دمشق (وذلك تزامنًا مع مذابح المسيحيّين في جبل لبنان). أسفرت عن آلاف الضحايا، نذكر منهم: الشّهداء الإخوة المسابكيّين الثلاثة، والرّهبان الفرنسيسكان الثمانية، والقديس الأرثوذكسي الشهير الشّهيد في الكهنة يوسف الحداد الدّمشقي ورفقته، والكثير من الشّهداء الذين روّوا بدمائهم أرض أوطاننا، حاملين راية الصّليب دون تردّد وضعف، محافظين لنا على وديعة الإيمان.
هُم آمنوا بالربّ في حياتهم وبَحثوا باستمرار عن مشيئته وثَبَتوا في محبّته حتى الاستشهاد في سبيله. وهو، كما وعد، اعترَف بهم أمام ملائكة السّماء! وهو يدعونا اليوم لنصلّي معهم وبشفاعتهم، فإلهنا الأمين، يرغب بأن تُعرَف قداستهم في كلّ الأرض، ويتم إكرامهم على جميع المذابح، والاقتداء بهم!
ونحن نقدّم لكم في هذا الكتيِّب، تساعية صلاة من أجل شكر وإكرام كلّ من قدَّمَ ذاته ذبيحة لمجد اسم الرب في هذه المذابح، ومن أجل الصّلاة معهم على نوايانا الخاصّة، وطلب شفاعاتهم، فهم آباؤنا وأجدادنا الذين حفظوا لنا بدمائهم وديعة الإيمان في شرقنا، كما ونصلّيها على نيّة جماعاتنا المسيحيّة وبالأخصّ المعاصرة. فهُم شفعاء الجماعة المسيحيّة الحقيقيّة المترابطة الثّابتة في الربّ حتى النّصر، ومثالها.
طبع بإشراف وإذن
سيادة المطران الياس سليمان
8 /9 /2024
تساعيّة شهداء دمشق القديسين
صلوات البدء اليومية
باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد، آمين.
استدعاء الروح القدس: أيُّها الملك السّماوي المعزّي روح الحق، الحاضر في كلّ مكانٍ والمالئ الكل، كنزُ الصّالحات وواهبُ الحياة، هلمَّ واسكن فينا، وطهِّرنا من كلّ دنس، وخلِّص أيُّها الصالح نفوسَنا.
قدوسٌ الله، قدوسٌ القوي، قدوسٌ الذي لا يموت، ارحمنا (3 مرات).
دقيقة صمت: (للدخول في التوبة والصلاة)
فعل الندامة: يا ربّي وإلهي، أنا نادم (ة)…
صلاة طلب شفاعة “شهداء دمشق القديسين”: ربّي يسوع مخلّصي، يا شهيدَ الجُلجُلةِ العظيم، يا مَنْ أعطَيْتَنا بمثالِكَ، ومِنْ على صليبك، مِثالَ التَّضحيةِ الحقيقيَّةِ، وَشِئتَ في كلّ عصرٍ ومكانٍ أن تُعطيَنا أمثِلةً حيَّةً لِهَذِه التَّضحيةِ، بِشَخصِ أصفِيائِكَ ومُختاريك وشُهدائِكَ. أعطنا الآن، بحسب مشيئتك القدّوسة، النِّعمةَ (نذكرها…) التي نلتَمسُها بشفاعة شُهدائِكَ القدّيسين “شهداء دمشق”، الذين سَفَكوا دِماءَهُم وضحَّوا بحياتهم، واقتبلوا الموت حُبًّا بكَ. نحن نرفعها لكَ بشفاعتهم، وعلى يدي أُمِّنا مريمَ العذراء، مُتَوسّلين إليكَ بأن تَجعَلَ منَّا مِثالاً حقيقيًّا للجماعةِ المسيحيّة المتَّحدة، على غِرار هؤلاء الشّهداء الأبرار، الذين مَضَوا كجماعة في تتميم مشيئتك القدّوسة حتى الاستشهاد، فهزموا مؤامرات الشرّ والقتل بانتصارهم بالشهادة والقداسة، ورووا الأرض بدماء الوحدة المسيحية. ليتمجَّدَ بِذَلِكَ اسمُكَ، وتَنتَصرَ كَنيستُكَ، ويُقوّمَ إيماننا ويُشفى، ويَتوَطَّدَ، ويَعودَ إلى هذا الشرق بهاؤك، وإلى العالم قاطبةً سلامُك، فَيَلمَعَ بمحبّتك، ويتألَّقَ بتَعاليمِك، وببراءَةِ قِدِّيسيهِ العِظامِ، وبدم شهدائه الأبرار، باستحقاقات دمك الثمين المُهراق لأجله، آمين.
قراءة اليوم الأوّل:
لِنَطلُب شفاعتهم!
في هذه التساعية نذكُر بصلاتنا، كلّ الذين سفكوا دماءهم حفاظًا على وديعة الإيمان المسيحي في أحداث دمشق عام 1860م، ونرفعها بشفاعة “شهداء دمشق القدّيسين”: الرّهبان الفرنسيسكان الثمانية المكرّسين، والإخوة المسابكييّن الثلاثة العلمانيّين الموارنة، وكلّ من قدَّمَ ذاته ذبيحة لمجد اسم الرب في هذه المذابح أيضًا، بالأخصّ القدّيس الأرثوذكسي يوسف الدمشقي الشهيد في الكهنة ورفقته الذين استشهدوا معهم في نفس الليلة. نحن نذكرهم: لنكرّمهم ونشكرهم، ونصلّي على نواياهم، ونرفع بشفاعتِهم نوايانا الخاصة (…)، ونقتدِي بهم فهُمْ أجدادنا الموجودون في حضرة الله.
كما ونُصلّي معهم على نيّة مُجتمعنا المسيحيّ المعاصر لِيَتَمَثَّل بِهِم، هُمْ مَن عاشوا كجماعة مسيحيّة حقيقيّة بتآلف، وعملوا معًا على تتميم مشيئة الله في حياتهم. حتى في لحظات استشهادهم، بقيوا على الإيمان الصّحيح، وحفظوه لنا كوديعة، وكانوا المثال الصّالح لكلّ مسيحي مُضطهَد، ثابتين في الرجاء حتى النهاية. فدفعوا حياتهم عربون بقاء هذا الإيمان في أرضنا فقدَّسوها ورووها بدماء الوحدة المسيحيّة.
ونحن أيضًا نتذكّر “حفل تطويب شهداء دمشق” الذي قام في حاضرة الفاتيكان ببركة البابا بيوس الحادي عشر، في 10 تشرين الأول 1926م، عندما رُفعت ذخائر شُهدائنا الرهبان الفرنسيسكان والإخوة المسابكيّين وصوَرُهم على المذبح، ومنه انطلق اسم العيد “شهداء دمشق”. كما ونشكر الله على الموافقة على إعلان قداستهم الذي أصدره مُجمَع الإيمان برئاسة قداسة البابا فرنسيس، وقد تحدّد الموعد في 20 تشرين الأول 2024.
وأيضًا في هذه التساعية سيكون لنا فرصة أكبر لنتعرّف عليهم ونشكرهم ونفتخر بهم، ونشهد لإيمانهم. ولنصلِّ معهم، ونشكر الله عليهم، ونقتدِ بهم.
قراءة اليوم الثاني:
الدعوة الصالحة!
ثمانية رهبان فرنسيسكان مُرسَلين، تركوا بلادهم وتوجّهوا إلى الشرق، ليحملوا إيمانهم ويشهدوا لحبيبهم يسوع، في العالمِ كلّه. أُرسلوا إلى دير الفرنسيسكان في دمشق، المرتبط بروابط روحيّة مع الأراضي المقدّسة. ساروا على خُطى أبيهم فرنسيس الأسّيزي في المحبّة والفقر وأعمال الرحمة، وفتحوا ديرهم وقلوبهم لاستقبال إخوتهم المسيحيّين مُجسّدين الوحدة المسيحيّة. فهم خير مثالٍ يَقتدي به المُرسَلون وخير شفعاء لهم. فلنطلب شفاعتهم لكلّ الرَّهبَنات وبالأخصّ المُرسَلين في العالم!
سبعة منهم إسبان؛ خمسة رهبان كهنة، وهُمْ: الأب الصّبور الرحوم الرئيس إيمانويل رويز رئيس الدير في دمشق، الذي قَبَضَ عليه المعتدون أوّلاً ليلة الاعتداء، ودعوه ليجحد إيمانه، فعرض عليهم أن يدلّهم على كنز الكنيسة، وساقهم إلى المذبَح حيث أضاء شَمعتين وفتَحَ بيت القربان وتناول مقدّساته صونًا من التدنيس، ثمَّ اسند رأسه على المذبح وقال للقتلة “اضربوا” فقطعوا للحال رأسه. وخوري الرعيّة الصالح الأب كارميلو فُولتا المتجرّد المُحب المعلّم، والأب المكافح العاشق للخدمة نيكانوري اسكانيو ميانو، الذي قد قضى ثلاثين سنة في الحياة الرهبانيّة، ثمانيةً منها في الرسالة، في خدمة الأرض المقدّسة. والطالبان الشابان الأب نيكولا ألبركا والأب بيترو سُولير، اللّذان كانا قد وصلا حديثًا لدمشق وهما مازالا يتعلّمان اللغة العربية. واثنان، راهبان متميّزان بالفضيلة والتواضع، ألقاهما المعتدون من على قبة الدير، فسقط أحدهما شهيدًا للحال وهو الأخ فرنشيسكو بينازو الوديع القلب، بينما ظلّ الأخ جان جياكومو فرنانديز التَقيّ يُنازِع ويُصلّي حتى الصباح عندما طُعن بالسيف. والأخير هو راهب كاهن من تيرول الألمانيّة (النمسا حاليًا)، لُقِّبَ بـ”الأب الملاك” وهو آنجلبرتو كولاند، مساعد كاهن الرعيّة.
كُلّهُم شهودٌ ثَبَتوا يُصلّون برباطةِ جأشٍ مختارين إكليلَ الشّهادة.
قراءة اليوم الثالث:
البيئة الحاضنة للإيمان!
البيئة الحاضنة للإيمان المسيحي هي ما تميّز به شرقنا لقرون، فمجتمعنا المسيحي كان مَنجمًا للقدّيسين، ودِرعًا للإيمان، وعائلاتنا كانت مداومة على الصّلاة وأعمال المحبّة بالإضافة إلى انشغالاتها الحياتية! فلم يعطّل يومًا العمل، حُبّ الله، ومحبّة الآخرين! نحن كلّنا مدعوّون للمضيّ بإيماننا بإخلاص في حياتنا اليومية، فنحنُ مَنْ نقدّس العمل! المسيحي هو من يشعّ بمسيحيته في كلّ الظروف. الالتزام بحُبّ الله ليس فقط من اختصاص الإكليروس والمكرّسين، وليس حكرًا على أوقات مُعيّنة. فالدعوة إلى القداسة تشمل الجميع، علمانيين ومكرّسين، كلّ أبناء الله، نحن كلّنا أعضاء في جسد المسيح، ونستطيع كلّ حين، من خلال عملنا، حمل الإيمان للعالم بالمَثل الصّالح المتمَّم ضمن المشيئة الإلهية، كلّ من موقعه بحسب دَورِه.
الإيمان دائمًا بحاجة لبيئة حاضنة تحياه، يربى أبناؤها بروابط حُبٍّ وثبات! تمامًا كالبيئة التي حضنت إيمان شهدائنا. فالحي المسيحي الرئيسي في دمشق كان يسمى حارة النصارى: كانت مثل مدينة داخل المدينة نفسها، جميلة، نظيفة، فاعلة، نشطة وفخمة. اجتمع هناك في 3800 دارًا، حوالي 19000 مسيحي، يمارسون جميع الفنون: مهندسون معماريون ونحّاتون، رسّامون وبنّاؤون وأطباء وصيّاغ وتجار يوظّفون الكثيرين لصنع الأقمشة الدمشقية الرائعة. في وسط هذا التجمّع السّكاني المزدهر، بالإضافة إلى كنائس الطقوس الشرقية وقفت المؤسسات الأوروبية كالفرنسيسكان، واللعازريين، وراهبات المحبّة؛ وساد في كل مكان، بفضل العمل والممارسات الدينية، السّلام، السّعادة، والرفاهية. كانوا يُجسِّدون صورة المسيح من خلال معاملتهم المميّزة بالمحبة والصدق والحرفية. وكانت الكنيسة، برعاتها ورعيّتها، تؤدي الكثير من الخدمات للمجتمع بمختلف فئاته كالتربية والتعليم، وإعانة المرضى والمعوزين… وقد التزم أبناؤها بتقواهم إلى جانب أعمالهم اليومية، فلنطلب إذًا شفاعتهم من أجل مجتمعاتنا المسيحيّة المعاصرة لتشكّل حقًا بيئة حاضنة لإيمان أبنائها!
قراءة اليوم الرابع:
العائلة كنيسة منزليّة!
“أحبّوا بعضكم بعضًا كإخوة… فرحين في الرّجاء، صابرين في الضيق، مواظبين على الصّلاة، ساعدوا الإخوة القديسين في حاجاتهم، وداوموا على ضيافة الغرباء… إفرحوا مع الفرحين، ابكوا مع الباكين، كونوا مُتّفقين…” (رو12: 9-16مقتطفات) هذا ما عاش على ضوئه الشّهداء العلمانيون الإخوة المسابكيّون الثلاثة الموارنة.
الأخ الأكبر هو فرنسيس متزوّج وأب لثمانية أولاد، وهو صاحب الثروة الكبيرة، والقلب الكبير، الذي كان أمينًا في القليل فأقامه الربّ على الكثير. والأخ الأوسط عبد المعطي وهو متزوّج أيضًا وأب لخمسة أولاد، هو من كان يعمل في التدريس وهو مثال المعلّم الملتزم بالإيمان والتقوى. ورفائيل الأخ الأصغر الذي لم يتزوج بل اختار خدمة الكنيسة والصلاة والتأمّل.
هُمْ من عاشوا حياةً ملؤها الثقة بالربّ، مُغذّين إيمانهم على الدوام بالإصغاء كلّ ليلة إلى كلمته في الكتاب المقدّس، وبالالتزام بأسرار الكنيسة والأصوام وبالجماعة الكنسيّة، وبالسّجود اليومي وصلاة المسبحة الجماعية اليومية. بَنوا عائلة مسيحيّة حقيقية، جماعة تقوى وإيمان! دارهم كانت كنيسة منزلية دافئة، حضَنَت إيمان الكثيرين. وكوَّنوا مع جماعة الإكليروس والإخوة المؤمنين الدمشقيّين بيئة حاضنة للإيمان الصحيح والمحبّة الأخوية الخلاصية، حملتهم وحملت أهل المدينة المؤمنين على الثبات في ساعة الشدّة.
كان الله قد منَّ على الإخوة المسابكيّين بمال كثير، وهذه الوفرة لم تُسكِّت صوت حكمته في ضمائرهم ولم تمحُ ذكره من تصرفاتهم. فعرفوا كيف يشهدون لإيمانهم باستقامتهم ووداعتهم ومحبتهم وبتجارتهم. واستفادوا مِمّا رُزِقوا في تلبية حاجات الحياة وخدمة البِرِّ والرحمة! وفي هذا دعوة اليوم لكلّ عائلاتنا المسيحيّة لطلب شفاعتهم، وللاقتداء بهم، لتكون عائلاتنا كنائس منزليّة.
قراءة اليوم الخامس:
الاقتداء بعائلة الناصرة، واللجوء لأمنا مريم!
عاش الإخوة المسابكيون على مثال عائلة الناصرة المقدسة، مار يوسف والعذراء مريم ويسوع، مُتّحدين في المحبّة، مرتبطين بروابط الحب الإلهي المتينة التي لا تنفصم، والتي تفيض حُبًّا ورحمةً على المحيط. حيث كانوا يعيشون في دارٍ واحدة وبقوا معًا حتى استشهدوا معًا. والمُلفِت أنّ محبتهم ووحدتهم لم تتحوّل إلى أنانية، أو إلى جماعة منغلقة على ذاتها، بل كانوا على غرار عائلة النّاصرة، منفتحين على التلاقي مع الآخر، فتعاملوا في تجارتهم مع مختلف الديانات وحملوا المسيح وحبّه لهم من خلال صفائهم وصدقهم وتعاملهم الشريف.
تلاقى شهداؤنا كلّهم مع كل مسيحيي دمشق في لُحمة رائعة بين المكرسين والعلمانيين، وبين مسيحيّي الشرق والغرب، فالكلّ كنيسة واحدة. كان هدفهم جميعًا واحد، تمامًا كأمنا العذراء ومار يوسف، الاجتماع حول المحور “الربّ“، سائرين صوبه. مُقتدين بشكل خاص بأُمّنا مريم، وملتجئين لحمايتها، ومعتَزّين بأمومَتها، حيث خصّصت بعض الرعايا شهر أيار لإكرامها، وشهر آذار لإكرام مار يوسف، ومنهم رعيّة الفرنسيسكان وعائلة المسابكيين، وكثيرون أيضًا لبسوا ثوب الكرمل للالتجاء لأمومتها. كما ورُفعت صلوات مدائح العذراء والباركليسي والكثير من الصلوات في رعايا أخرى لإكرامها. وما وصلَنا من أحداث الليلة الأخيرة أن فرنسيس المسابكي المتعبّد لأمنا مريم الذي أكرمها طوال حياته، ظلَّ جاثيًا عند قدمي الأمّ الحزينة، مُتمسّكًا بها حتى استشهد على مذبحها!
فلنطلب شفاعة شهدائنا إذًا ليُعلّمونا كيف نلتجىء لأمّنا في أمور حياتنا المعيشية اليومية! وكيف نتمسّك بتلاوة ورديتها حتى الرّمق الأخير! وكيف نقتدي بعائلة الناصرة بالوحدة فيما بيننا، ومحورنا يسوع!
قراءة اليوم السادس:
الواقعة!
إنَّ مذابح سنة الستين، التي ذهب ضحيتها ألوف الأبرياء في لبنان وسوريا، هي حصيلة مؤامرات سياسية ومصالح اقتصادية أخذت غطاءًا دينيًا طائفيًا مُستغِلّة حقد وتعصّب البعض. فصدر عنها قرارات جائرة ومؤامرات ظالمة ضدّ المسيحيّين وصلت حدَّ الانفجار حينها. مما أفسد على المؤمنين طمأنينتهم وسلامهم، وذلك بإجبارهم قسرًا على تغيير معتقدهم.
وقد أقدم والي دمشق العثماني أحمد باشا على إيقاد نار الفتنة المذهبية والتفرقة بين المواطنين لغايات مُتعدّدة، فقام بإقالة بعض المسيحيّين من وظائفهم، مروِّجًا أنّهم يقيمون علاقات مشبوهة مع الغرب، ويتعاملون مع السَّحَرة، فعقد اجتماعًا سرّيًا دعا فيه للفتنة.
استفاقت دمشق في صباح ٩ تموز ١٨٦٠، على إشارات الصليب المرسومة على أبواب البيوت وجدرانها، وكان قد رسمها بعض المشاغبين الذين يريدون إشعال هذه الفتنة الطائفيّة، مُلفّقين خبر أنَّ الصليبيين قادمون، فأخذ الوالي المُتآمر مع المشاغبين يُلقي القبض على المسيحيّين في ساعات النهار، مواصلاً الشحن والشغب، حتى اندلعت النار في حي النصارى وتعالى صوت الرصاص، وبدأ الأبرياء المتمسّكون بإيمانهم بالاستشهاد.
حاول شرفاء دمشق التفاوض مع سلطات المدينة وشيوخها وعُلمائها محاولين إقناعهم بأن ما يفعلونه هو ضد الدين، لكنهم لم يستمعوا إليهم! فهرعوا للمساعدة ومد يد العون للمسيحيّين وإنقاذ ما أمكن منهم، بالبحث عنهم وإيوائهم، فغصّت بيوتهم بأبناء مدينتهم المسيحيّين الهاربين من جحيم الموت. انتهت الفتنة بتدخّل أوروبي لكن بعد أن سقط كثير من الضحايا، يُقدَّر بحوالي 11000 شهيدًا.
فلنطلب شفاعتهم من أجل كلّ ضحايا المؤامرات السياسية الاقتصادية الأبرياء.
قراءة اليوم السابع:
التمسّك بالإيمان!
ليلة الاعتداء، عند الساعة الثامنة مساءًا، اندلع الحريق في حارة النصارى بدمشق، فالتجأ الكثير من المؤمنين إلى الكنائس والأديرة، مع أولادهم الصبيان الكبار، ظنًّا منهم أنّ المعتدين لا يتعرّضون للنساء والأطفال!
ومنهم الإخوة المسابكيّون الذين التجأوا مع غيرهم إلى دير الرهبان الفرنسيسكان، حيث أخذوا يصلّون ويتضرّعون! وقبل منتصف الليل بحوالي الساعة تقريبًا، يُخبرنا نعمة بن عبد المعطي أحد شهود العيان، أنّ الأب الرئيس إيمانويل أقفل أبواب الدير، ودعا الجميع إلى الكنيسة، حيث تَلوا طلبة جميع القدّيسين، وأقبلوا على سرّ التوبة، وتشفّعوا للسيّدة العذراء، وزيّحوا القربان المقدّس وتناولوه، ثم انتقلوا جميعًا إلى السطح حيث جلسوا يصلّون، ما عدا فرنسيس المسابكي الذي ظلَّ جاثيًا يصلّي أمام مذبح الأم الحزينة. كلّهم ثبتوا في الصلاة والإيمان حتى النهاية، كقول مار بولس “مَن يفصلنا عن محبّة المسيح؟ أشدّة أم ضيق أم اضطهادٌ أم خَطرٌ أم سيفٌ.” (رو8: 35).
لا خوف، لا تهديد، فَصَلَهم عن حُبّ الربّ، لا شيء زعزعهم! بقيوا منتظرين برباطة جأشٍ وثبات رغم أنّ المُعتدين تمكنوا من التسلّل إلى الدير عبر باب سرّي دلّهم عليه أحد الوكلاء. وكان أوّل من ارتفع شهيدًا على المذبح هو الأب الرئيس، الذي هرع لتناول القربان المقدّس كي لا يُدنَّس. ومن بعده فرنسيس المسابكي، الذي عرفوه فعَرضوا عليه أن ينقذوه وأسرته شرط أن يغيّر دينه، فرفض قائلاً: “أنا نصراني مسيحي، وعلى دين المسيح أموت!” هدّدوه بالقتل فأجاب: “إنني سأكون مع سيدي الذي قال لنا في إنجيله “لا تخافوا ممّن يقتلون الجسد ولا يستطيعون أن يقتلوا النفس!”
فقتلوه! واستشهد! واستشهدوا واحدًا تِلوَ الآخر بعد أن خيّروهم بين الموت أو الجحود بالإيمان، فتمسّكوا جميعًا بالربّ حتى الرَّمق الأخير مختارين التضحية وإكليل الشّهادة، فكانوا خير شهودٍ وشهداء. فلنطلب بشفاعتهم من الله نعمة ثباتنا في الإيمان حتى النهاية.
قراءة اليوم الثامن:
الاستشهاد!
“لاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ.” (مت10: 28). هذا كان الشعار الأعظم الذي رفعه أبطالنا. فالمسيحيّة هي طريق الخلاص، والصليب هو علامة النصر، وفي شخص السيّد المسيح التقى الحُبّ بالألم، وتغيَّرَ مفهوم الألم وأصبح شركة حبّ مع الربّ المتألّم، وارتفع إلى مستوى الهبة الروحيّة. حتى الموت الجسدي لم يبقَ عائقًا أمامنا بل تحوّل إلى جسر ذهبي ومَعبَر يعبر بنا من حياة قصيرة وغربة مؤقّتة وثوبٍ بالٍ إلى سعادةٍ أبدية دائمة وثوبٍ لا يفنى ولا يتدنّس.
كثيرًا ما ارتبط الاضطهاد بالمسيحيّة وهو يسير معها جنبًا إلى جنب، وأحيانًا يصل إلى ذروته في الاستشهاد. فالاستشهاد هو النعمة التي ينالها الثابتون في الإيمان، الذين عاشوا عيشةً مسيحيّةً مقدّسةً كشهودٍ حقيقيّين للربّ في عالمنا محافظين على وصايا الله والكنيسة، متابعين في شهادتهم له حتى الاستشهاد في سبيله، مقدّمين دمهم مع ذبيحَتِه، كبِذار حياةٍ جديدةٍ لتجديد الكنيسة، وكواسطَةٍ فعّالةٍ للخلاص. فهم يكمّلون بأجسادهم “ما نقص من آلام المسيح في سبيل جسده الذي هو الكنيسة” (كو1: 24). فالحروب والنزاعات ممكن أن تحدث ولكنّ الانتصار العظيم هو عندما ينتصر في قلوبنا الحب والرحمة، فندفع حياتنا ثمن السلام والثبات بالحقيقة والحب.
وقد عبّر المطران بشارة الشمالي أسقف دمشق للموارنة، في رسالته الراعوية في 25/3/1927، الخاصة بإعلان تطويب الإخوة المسابكيين، عن تدبير العناية الإلهية التي شاءت تطويب شهدائنا الأبرار، ليكونوا مثالاً للمسيحيّين في الأيام الكثيرة المخاطر، مثالاً للثبات في الإيمان، مثالاً للجماعة المسيحيّة التي تحيا بروح المسيح أي روح المحبة والإلفة والسلام وروح الاتحاد. فلنطلب شفاعتهم ولنقتدِ بهم.
قراءة اليوم التاسع:
الشكر!
في ختام التساعية، لنحتفل معًا مع السماء بهذا العيد السماويٌ، الذي احتفل به الملائكة بوصولِ أبطالٍ شهداءٍ أبرار لديار الربّ منتصرين، مكلَّلين بإكليل القداسة والفخر، هُمْ “من غسلوا حُلَلَهم وبيَّضوها بدم الحمل” (رؤ 7: 14)، فما صلواتنا ودعاؤنا لهم إلّا توقٌ منّا للاقتداء بهم، وطلبٌ منّا لشفاعتهم.
فلنشكر الثالوث الأقدس، الذي يليق به كلّ شكرٍ وإكرام، على كنز تدبيره الخلاصي لنا. هو من شرَّع أمامنا أبواب الرّحمة لنتوبَ ونعودَ إليه، فاتحًا لنا مجد السماء والقداسة، جاعلاً منّا مُخَلَّصين مُنتصِرين على الموت الجسدي، أقوياء مشتركين في الملكوت ثابتين في الرجاء! ولنطبع شُكرنا هذا على أفواه شهدائنا القدّيسين الأبرار ليحملوه للرب معهم باستمرار كلّ حين. ولنشكرهم هُمْ أيضًا، هُمْ من قدّموا حياتهم ثمنًا لبقائنا في شرقنا، فحفظوا لنا بدمائهم وديعة الإيمان في أرضنا، وروّوا ترابها بالوحدة المسيحيّة، إكليروسٍ وعلمانيين، راشدين وأطفال، نساء ورجال، كُلّهم استشهدوا، في هذه المذبحة التي طالت كلّ فئات الشعب المسيحي. فشكرًا لَهُمْ كلّهم، شكرًا لمحبّتهم، شكرًا لثباتهم، لوفائهم ولمثالهم الصالح…
في ليلة الاستشهاد التفت فرنسيس إلى أخويه وقال: “تشجعّوا كونوا أقوياء. إثبتوا في إيماننا، لأن الإكليل مُعَدّ في السماء لمن يَثبُت!”. كأن هذه الكلمات مُوجهّة لنا جميعًا فلنتشجع ونثبُت متمسّكين بالربّ ماسكين أيدي بعضنا بمحبة أخوية خلاصيّة.
ولننظر عيون شهدائنا الطوباويين، لنرى كيف هي معلّقة صوب السماء، صوب الصليب، صوب العذراء، بفرح، فهم يُصلّون مع الملائكة، مع القديسين، مع مار فرنسيس ومار مارون يصلُّون مُمتَنِّين! ولنكرّم صورهم المُقدّسة الرائعة، ونضعها في بيوتنا، ونحملها معنا، فهي تُذكّرنا بهم، وتنقل لنا واقع حياةٍ رائعة عاشوها أبطالاً بالإيمان وكلّلوها بالاستشهاد مُنتصرين.
۞ Ϯ شفاعتهمϮ ۞
“شهداء دمشق القديسون” شفعاء دمشق هم كلّهم:
– شفعاء الجماعة المسيحية الحقيقية الموّحّدة: فنرى في “شهداء دمشق” مُكرّسين وعلمانيين، رمزًا للجماعة المسيحية المتّحدة المتضامنة، التي تشابه الجماعة المسيحية الأولى.
– الوحدة المسيحية: دم المجزرة هو الدم البريء الذي سُفك عربون الوحدة المسيحية. فشهداء دمشق هم شفعاء هذه الوحدة التي جاءت أُمّنا مريم العذراء إلى دمشق، في الصوفانيّة تحديدًا، لتُطلق رسالة الوحدة المسيحية.
– شفعاء المؤامرات: بعصر المؤامرات الاقتصادية التي تأخذ غطاءًا سياسيًّا ودينيًّا، لتُدمّر عالمنا، يصرخ دم هؤلاء الشهداء، “شهداء دمشق”، ليتشفّع لكل ضحايا المؤامرات على اختلافها، هذه المؤامرات التي تؤدي إلى المذابح والحروب والقتل الجماعي، والتي تُخلّف الكثير من الضحايا القتلى والجرحى والضحايا الأحياء.
– شفعاء السّلام: فعالَمنا وشرقنا بأمسّ الحاجة للسلام الحقيقي، سلام الرب، هذا السّلام الذي وَعَدنا به الرب بنفسه، النابع من الداخل، ليجعل علاقاتنا فيما بيننا روابط محبة إلهيّة ينتج عنها سلام لا ينزعه أحدٌ منّا.
“الرهبان الفرنسيسكان الثمانية القديسون” هم:
– شفعاء الرهبنات والإرساليات: وكم لحياة وشهادة الرهبنات والإرساليات دور كبير في حمل صورة المسيح والعيش الأخوي المسيحي للعالم.
– القديس إيمانويل رويز: شفيع القربان المُقدّس: فقد دعا الجميع للسجود للقربان عند الشدّة، كما حاول حماية القربان المقدس من التدنيس، وكم نحن اليوم بحاجة لكهنة غيّورين مُحبّين عاشقين مكرّمين للقربان المقدّس.
– القديس كارميلو ڤولتا: شفيع الرُّعاة والمعلمين: وكم نحن بحاجة لمُعلّمين صالحين، لِرُعاة ساهرين على خلاص أبناء رعيّتهم.
– القديس آنجلبرتو كولاند: شفيع الأطفال: في هذا الوقت نحن نفتقد لروح الوداعة والنقاء، والاندفاع التي تحلّى بها قدّيسنا.
– نيكانوري اسكانيو: شفيع المُبشّرين والمرسلين: هو من قضى في التبشير.
– الأب نيكولا ألبركا والأب بيترو سُولير: شفعاء الدعوات والطلاب: وكم نحن اليوم بأمَسّ الحاجة لدعوات كهنوتيّة شابة صادقة ومثابرة.
– الأخ فرنشيسكو بينازو والأخ جان جياكومو فرنانديز: شفعاء خدمة الدير الرهبان المُكرّسين: رهبان أمضوا حياتهم في الصّمت والخدمة والصلاة.
“الإخوة المسابكيّون الثلاثة القدّيسون” هم:
– شفعاء الأسر والعائلات المسيحية الحقيقية: ففي عصر تفكّك الأسر، والخصومات بين الإخوة نرى أسرةً متماسكةً مشكّلةً “كنيسة منزليّة” تسكن مع بعضها، ثلاثةَ إخوة، عائلتين وشابًّا عاذبًا في دار واحدة يعيشون معًا، يُصَلّون معًا، يتربّون معًا وعيونهم معًا نحو السّماء، يفرحون معًا، يحزنون معًا، حتى استشهدوا معًا، وفي المعجزات يظهرون معًا.
– شفعاء الأطفال، وبالأخصّ المرضى: وذلك بحسب المعجزة التي أتموها، بشفاء الطفلة رهف لبّس، حيث أخبروها بعدما ألحَّت عليهم ليبقوا معها أنّه عليهم زيارة أطفال آخرين.
–القديس فرنسيس مسابكي: شفيع التجار: ففي عصر التجارة المُستغلّة نرى تاجرًا أمينًا، لم يثنِهِ المال عن حُبّ الربّ، فبقي الرب اختياره الأول دائمًا.
–القديس عبد المعطي مسابكي: شفيع المعلمين: وكم نحن بحاجة لمعلّمين صالحين يُرشدون التلامذة للحق ولطريق الخلاص والقداسة أولاً، فيتألّق العِلم لخدمة الحق والكلمة، ونجني الازدهار الحقيقي.
–القديس رافائيل مسابكي: شفيع خدَمَة الهيكل العلمانيين: في هذا الوقت نحن نفتقد لخدَمَة الهيكل الذين يعملون بأمانة ومجانيّة لخدمة سيّد الهيكل، من دون تكبّر وأنانية، لا لمصالحهم الشخصية، فيختفون للخدمة وراء ستر الرب، وهم يتصاغرون ليظهر هو.
صلوات الختام
(تُتلى كلّ يوم في الختام)
تلاوة أقلَّه بيت من مسبحة العذراء الورديَّة، نختِمُه بدُعاء:
يا شهداء دمشق القديسين، صلّوا معنا وصلّوا لأجلِنا.
صلاة الشكر: نشكُرك أيّها الربّ الإله على وفِير نِعَمِكَ علينا، وعلى قدّيسيك المحبّين الذين يحملون صورتك لعالَمِنا باستمرار، وعلى شهدائك الأبرار الذين حموا الإيمان بدمائهم، مشتركين معك في ذبيحة التضحية من أجل خلاص العالم كلِّه. كما ونشكرك على هذا الوقت الثمين الذي وهبتَنا، لِنَتَنعّم فيه بمعرفة سِرّ محبّتك ورحمتك من خلال شهادة هذه الجماعة “شهداء دمشق”، الذين عاشوا كجماعة مسيحيّة حقيقيّة، فكانوا عائلتك في كنيستنا وأرضنا وبلادنا وعالمنا، نقلوا بحياتهم شهادة حيّة عن محبَّتِك وملكوتِكَ، وباستشهادِهِم شهادة حقيقيّة عن ذبيحة حبّك وتتميم مشيئتِك، هُمْ مَن روَّوا بدمائِهم الزكيّة بذور الوحدة المسيحية في أرض بلادنا، فعطّروها بمحبتِهم وتضحيتِهم، وقدّسوها بذبيحتهم. لك الشكر كلّ الشكر أبد الدهور. آمين.
صلاة اختيارية: أيّها الشّهداء الطوباويين الأمجاد، يا شهداء دمشق الأبرار، إنكم قد شهدتُم للمسيح بأقوالكم وأعمالكم وأيَّدتُم هذه الشّهادة بدمائكم الزكية، فكنتم نورًا في ملكوت الله بعالمنا.
إنّنا نتضرّع إليكم أن تتشفّعوا فينا فتصغوا إلى طلباتنا:
اجعلونا ننشر المحبة حيث يسود البُغض،
ونحمل الغفران إلى حيث توجد الإهانـة،
ونثبِّت الإيمـــان حيث يعمّ الإلحاد،
ونوطّد الرجــاء حيث يُخَيّم اليأس،
ساعدونا لنكون نورًا حيث الظلام،
وفرحًا حيث الحزن والشقاء. آمين.
لنطلب شفاعتهم، ولنقتدِ بهم ولنتذكّر دائمًا وصيّة القديس فرنسيس المسابكي:
“تشجّعوا واثبتوا في الإيمان المُقدّس
لأنّ من يثبت ينَل الإكليل في الملكوت السماوي”
ولنتابع قصصهم في الكتيبين الآخرين اللّذين يحملان قصص قديسي “شهداء دمشق”
منشورات شهداء دمشق
2024