الحفاظ على القيم المسيحية وسط تحديات المجتمع المعاصر
*مقدمة:*
كأم مؤمنة بالمسيح ومخلصة لتعاليم كنيستي، أجد أن دوري لا يتوقف فقط على التربية الجسدية لأطفالي بل يمتد ليشمل التربية الروحية والأخلاقية، للحفاظ على إيمانهم وهويتهم المسيحية في عالم يعج بالتيارات والأفكار التي قد تتعارض مع مبادئ إيماننا.
خوفي ينبع من المحبة العميقة التي أحملها لهم، ورغبتي في تجنيبهم الوقوع في مغريات العالم أو أن تُزرع في قلوبهم وعقولهم منذ الصغر أفكار لا تتناسب مع إيماننا.
*القيم المسيحية في تربية الأطفال:*
في زمن الهالوين، الذي بات يحتل أهمية كبيرة في المجتمعات الغربية حيث نعيش، أجد نفسي في تحدٍّ حقيقي. بينما يتزايد انتشار مظاهر الهالوين وما يرتبط بها من أشكال مخيفة وأفكار غريبة عن طبيعتنا المسيحية، أشعر بأنه من الأهم أن أركز على قيمنا وأن أربط أطفالي بكنيستهم وجذور إيمانهم، كاحتفالنا بعيد جميع القديسين، وذكرى الموتى المؤمنين، وهو يوم مخصص للصلاة والتأمل والتواصل مع السماويين.
*الهالوين وازدواجية الرسالة:*
صحيح أن بعض الناس ينظرون إلى الهالوين على أنه مجرد احتفال خفيف أو فرصة للمرح، لكنني أرى فيه معانٍ أعمق يجب أن نكون على وعي بها. السماح لأطفالي بالمشاركة في مثل هذه الاحتفالات قد يعطيهم الضوء الأخضر بأن يتجاهلوا تدريجياً القيم الدينية، لأن المشاركة قد تبدأ بارتداء ملابس بريئة، لكنها تتطور بمرور السنين لتأخذ أبعادًا تتناقض مع إيماننا المسيحي، فتتسلل العادات دون وعي لتصبح تقليدًا يتعارض مع أساسيات تعليمنا الديني.
*الأبعاد الأخرى التي قد تنجم عن المشاركة في الهالوين:*
– *البعد الروحاني والأخلاقي:* الانغماس المتزايد في مظاهر احتفال الهالوين، قد يؤدي إلى إهمال الممارسات الإيمانية الأساسية، مثل الصلاة والاهتمام بحياة الطهارة، ما يؤثر على تواصلهم الروحي مع الله وفهمهم العميق للإيمان المسيحي.
– *الاستقلالية والمقاومة لتوجيه الأهل:* السماح المستمر بالمشاركة قد يعطي الأطفال انطباعًا بأن هذه العادات لا تعارض القيم المسيحية، ما قد يجعلهم يرفضون توجيهات الأهل مستقبلاً ويبتعدون عن الكنيسة.
– *الانجراف نحو تجارب غير مسيحية:* فضول الأطفال قد ينمو نحو عناصر كالسحر والشعوذة التي تروج لها بعض الثقافات، ما يتنافى مع تعاليم المسيح.
– *التطبيع مع قيم تتعارض مع المسيحية:* المشاركة المتكررة قد تفتح بابًا لقبول عادات وتقاليد تتناقض مع إيماننا المسيحي، كالتطبيع مع الشذوذ الجنسي، ما قد يربك مفهومهم عن القيم الأخلاقية.
– *تحول الولاء من القيم المسيحية إلى ثقافة العصر:* عندما يكبر الطفل وقد ترسخ لديه اتباع المجتمع، قد يرى التمسك بالقيم المسيحية أمرًا ثانويًا، ويميل لتقليد ما حوله.
*احترام الآخرين دون المساومة على إيماننا:*
أنا أُعلِّم أطفالي أن يَحترموا كل من حولهم ويُقدروا اختلافاتهم. فهناك من يحتفلون بالهالوين إما لاعتبارات اجتماعية أو ثقافية، وربما لعدم معرفتهم بالأبعاد الروحية المسيحية. ومع ذلك، من واجبي كأم مسيحية، أن أكون حريصة على عدم انجرار أطفالي وراء عادات لا تعبر عن قناعاتنا الدينية.
*المسؤولية في التربية:*
ربما يقول البعض إنني أحاول السيطرة على أفكار أطفالي، لكنني كأم مسيحية أجد أنه من واجبي توجيههم وإرشادهم، خاصة في مسائل تتعلق بالإيمان والتربية السلوكية. هذا لا يعني عزلهم عن العالم، بل يعني أن أوضح لهم حدود المشاركة وأزرع فيهم القدرة على التمييز بين ما يناسب إيمانهم وما لا يناسبه. فأطفالنا مسؤولية وضعها الله في أيدينا، وعلينا أن نرعاهم بما يضمن لهم حياة تتناغم مع إرادة الله.
وهنا أستذكر الآية القائلة: *”ربوا أولادكم في تأديب الرب وإنذاره.”* (أفسس 6: 4)
فالتربية المسيحية تهدف إلى غرس قيم المحبة، الصدق، والإيمان العميق بالله في قلوب أبنائنا، ليكبروا متحلين بالقيم التي وضعها الله أمامنا.
*الآيات الداعمة:*
في النهاية، أستند إلى كلمات السيد المسيح، الذي قال: “ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟” (مرقس 8:36). هذه الكلمات تذكرني بضرورة الاهتمام بخلاص نفوس أبنائي وحمايتهم من أي شيء قد يبعدهم عن الله، حتى لو بدا بسيطًا أو ممتعًا في عيون العالم.
كذلك تذكرنا رسالة يوحنا الأولى قائلةً: *”لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم، فليست فيه محبة الآب.”* (يوحنا الأولى 2: 15)، هذه الآية تضع أمامنا خيارًا واضحًا بين التعلق بالأمور الزمنية والتوجه نحو محبة الآب السماوي.
*الخاتمة:*
ليس من الضروري أن نتبع كل ما يُملى علينا في هذا العالم، فإيماننا المسيحي يدعونا لاتباع المسيح، لا لتقليد العالم. لا يعني هذا أننا نرفض الآخرين، بل يعني أننا نختار، عن وعي، الطريق الذي يقربنا إلى الله ويحافظ على سلامة قلوبنا وأرواحنا. فأنا كأم، أسعى لأن أربي أطفالي على فهم جوهر إيمانهم وأن أقدم لهم ما يساعدهم على التمسك بقيمهم حتى عندما تشتد الضغوط وتتعدد التحديات.
ريم الحاج سليمان