هل يناسب المسيحي الإحتفال بعيد مايسمى الهالوين؟
تعريف وشرح:
الهالوين في الأساس هو احتفال وثني صرف، مفاده أن أرواح الموتى، في عشيّة هذا العيد، تجوب الأرض ويجب استرضاؤها لكي لا تصنع شرًّا.
تعود الممارسات الغامضة والغريبة فيه للشعب السلتي Celtic People الذي عاش في الجزر البريطانية.
كان يُحتفل به كعيدٍ «للرعب في بريطانيا والولايات المتّحدة الأميريكيّة وبعض الدول التي تنحدر شعوبها من أصول وثقافة بريطانيّة، ومن هذه البلدان انتشرت التقاليد المتعلقة بالهالوين، من أشباح وسحرة وشعوذة وممارسات شاذة أخرى .
الهالوين والمسيحية:
عندما وصلت المسيحية إلى بريطانيا وجدت الكنيسة أن شعب السيلت Celts الوثني كان يؤمن بإله الموت Samhain الذي يعني انتهاء فصل الصيف، وكان يقيم له احتفالات شعبيّة في أوّل فصل الخريف.
هذا العيد مبني على فكرة استرضاء أرواح الأموات التي بحسب اعتقادهم، تخرج في هذه الليلة من مثواها وتجول في الشوارع وتزور البيوت وعلى السكان استرضاء الأرواح الهائمة لتكف عنهم شرها لذلك، يتزيا المحتفلون بأشكال مرعبة تيمناً بالأموات ويجوبون الشوارع ويزورون البيوت ويطالبون باسترضائهم، من خلال جمع المال» وقد حيكت خرافات عديدة في هذا العيد وممارساته.
أفظع ما كان يجري فيه طقوس تقدّيم التضحيات البشريّة في تلك الليلة الرهيبة.
إزاء هذا الأمر، قامت الكنيسة في بريطانيا بمحاربة هذه العبادات الشيطانية وممارساتها الدمويّة بتبشير الشعب بالإيمان الحقيقي لخلاص نفوسهم، ممّا دفع بأتباع تلك المعتقدات إلى التعنّت عبر المبالغة في احتفالاتهم بإضفاء المزيد من الرعب في النفوس فكانوا يهدّدون كلّ من لا يعطيهم المال، ويسخرون من الممارسات المسيحية بتزيين الهياكل العظمية وبوضع اليقطين المنحوت على شكل جمجمة للسخرية من تكريم المسيحيين لذخائر القدّيسين أي رفاتهم وبخاصةٍ أن قطاف اليقطين يكون في هذه الفترة.
كان شعب السيلتي يعتمد تقوّيمًا قمريًّا، ولهذا لم يكن عيد إلههم سمهاين ثابتًا. لكن بعد اعتماد التقوّيم اليولياني الروماني ثبت عيدهم في الأوّل من تشرين الثاني، أي في عيد جميع القدّيسين الذي تحتفل به الكنيسة الكاثوليكية في مثل هذا اليوم.
لذلك، كان أتباع تلك الديانة وبعض المتأثرين بهم يحتفلون بهالوين في هذه الليلة فيما يبقى المؤمنون المسيحيون في بيوتهم استعدادًا للاحتفال بعيد جميع القدّيسين بطريقة تتّصف بالورع والتقوى تتخللها الصلوات
لذلك يعتبر كلّ من يشارك في تلك الممارسات الشيطانيّة على اختلافها ، سواء عن معرفة أو عن جهل بمعانيها، يتشبّه بالوثنيين الذين كانوا يقصدون بهذه الممارسات أن يسخروا من المسيحيّة ومن أتباعها.
هل الهالوين فعلاً غير ضار؟
– قد يقول البعض «حسنًا هذا صحيح، ولكن، الهالوين حاليًّا هو مجرّد وقت يفرح فيه الأطفال ويتمتّعون فيه بالحلوى وبالأزياء المضحكة والمخيفة معاً ولكن الحقيقة ليست كذلك:
– فرموز الاحتفال بالهالوين بما تتضمّنه من سحرة وشياطين ومشعوذين ليست بريئة، لأنّها ضمنياً عملية تطبيع للرموز الشيطانيّة « أي تجعلها تبدو طبيعية لتصبح مألوفة». مع الوقت لا ينبغي تصويّر هذه الرموز على أنها غير مؤذية، بل على العكس تمامًا، فهي تعلّم الأطفال والأولاد خلاف ما يجب أن يتعلّموه ويعيشوه وتكسبهم عادات سيئة ومضرّة. تجعلهم يكتسبون فيلا وعيهم حباً بمشاهد الدماء والقتل والظلمة والممارسات الشاذة التي لا يسمح بها المجتمع علانية.
كما أن هذه الممارسة تجعلهم ينغمسون في جو تلك الرموز الغامضة المرافقة لحفلات الهالوين، فتصبح جزءًا من حياتهم ومن طريقة تفكيرهم.
تقيم كنائس الشيطان وغيرها من البدع في الولايات المتحدة الأميركيّة احتفالات كبرى في هذه الليلة بالذات فتتراوح طقوسها بين الاحتفال بتلك الرموز والممارسات وبين عبادات وطقوس شيطانية.
لذا من الواجب أن لا نخلط بين هويّتنا المسيحيّة الحقيقيّة وتلك المفاهيم المعادية لها، والتي قامت أصلاً للتشّهير بالمسيحيّة والسخرية منها، بل علينا في تلك الليلة أن نكثّف الصلاة لكي يحمي الله العالم من الشرير، على غرار ما نسأله للآب في صلاة الأبانا: «لكن نجنّا من الشرّير».
– الاشتراك في تلك الاحتفالات الشيطانية يجعلنا مساهمين في عملية الارتداد عن المسيحيّة التي تشهدها الولايات المتحدة الأميريكيّة وأوروبا. بعض الإحصاءات تشير إلى أن عدد الذين ينتظرون الهالوين في الولايات المتحدة تفوّقت بشكل كبير عدد الذين يترقّبون عيد الميلاد المجيد، فهل نريد كمسيحيين أن نصير من هذه المجموعة؟
الهالوين ليس مجرد احتفال لا خطر فيه، بل السلوك الذي نسلكه في الاحتفال به قد يترك فرصة للشيطان لكي يعمل في حياتنا بطريقة لا نعلمها، فلماذا نمنح الشرير، عدو الله والإنسان، تلك الفرصة لكي يتغلغل في نفوسنا؟
كيف نتعامل مع أولادنا وأطفالنا؟
إذا شرحنا لهم بشكل واضح لماذا لا نحتفل «بالهالوين» قد يشعرون في البداية بشيء من خيبة الأمل، وحتى بالغربة عن الأجواء السائدة والمنتشرة من حولهم، ولكن مع الوقت يتولّد لديهم شعورًا بالفرح الروحيّ، وينمو عندهم الإحساس بهوّيتهم المسيحيّة الخاصة والفريدة، ويجعلهم مستعدّين أكثر للحفاظ على نقاوة إيمانهم المسيحي الحقيقي والتمسّك به، وهكذا نكون فعلًا ساهمنا بتربية أبنائنا بحسب مشيئة الربّ الخلاصية.
كيف نمضي ليلة الهالوين؟
يمكننا إقامة صلوات الغروب وتلاوة المزامير والتسابيح وقراءة الكتاب المقدّس، كما يمكننا أن ننظّم لأبنائنا نشاطات أخرى لا تتصل بالهالوين، سواء في الكنيسة أو في المنزل أو خارجهما.
ما هو دورنا تجاه ممارسة الهالوين؟
في الغرب تم تكّريس شهر تشرين الأوّل للسحرة والأشباح في الكثير من المدارس العامة، وذلك في المرحلة الإبتدائية.
وهذا عمل مخطط له ومدروس بشكلٍ محكم، ويشكّل دليلًا قاطعًا على أن الهالوين هو جزء من برنامج الارتداد عن المسيحيّة، كغيره من النشاطات العديدة المعادية للإيمان المسيحي التي ظهرت وتظهر تباعًا في كل عصرٍ وزمان، والتي تأتي وتتسلّل بطرقٍ متستّرة ومتخفيّة، تارةً باسم الحريّة ومحاربة التطرّف الديني، وطوراً تحت ستر جديد للمفاهيم الاجتماعية المبتدعة.
يمكننا أن نتخيّل مثلًا، لو أننا كمسيحيين حاولنا تخصيص شهر كانون الأول كاملاً للاحتفال برموز عيد الميلاد المجيد ومعانيه ، لكانت قامت آلاف الاحتجاجات والدعاوى القضائية تحت ذريعة «فصل الدين عن الدولة».
لهذا فإن بروز الهالوين كعيدٍ رسميٍّ وشعبي في فصل الخريف وتراجع عيد الميلاد، هو خطوة جديدة للوثنيّة – – في حربها الشيطانيّة التي لا تنتهي ضد المسيحيّة.
مراقبة الأهل للأولاد:
خلال هذا الشهر ينبغي علينا جميعًا ودون اسنثناء، مراقبة المواد التي يجري تدّريسها لأولادنا في المدارس، كما ينبغي أن نشرح لهم بكلّ ثقة وثبات أن كل هذه المفاهيم مضرّة ومسيئة وشريرة، وإن أتت في بعض الأحيان على شكل صور وقصص عن ساحرات لطيفات مثلاً، كما يجب أن نعلّمهم بأن أرواح الموتى لا تغادر السماء أو الجحيم ولاتأتي لترعب البشر، وإنمّا هذه أكاذيب مضلّة وشيطانيّة هدفها أن تروع الناس وتخيفهم وتبعدهم عن الإيمان المسيحي الحقيقي.
يجب أن لا نخشى إن طرح علينا أولادنا أسئلة عن الموت، فالمسيحية لا تعرف الموت بل القيامة، وأمواتنا هم أحياء بالرّب يسوع القائم أبدًا، من هنا نحن ندعوهم راقدين، ودستور إيماننا يؤكد على ذلك، فهو لا يذكر كلمة موت بل نقول عن المسيح: «صلب عنّا على عهد بيلاطس البنطي، تألّم وقبر وقام من بين الأموات».
لا ينبغي أن نكون سلبيّين أوغير مبالين، ونترك مسألة التعليم لمجلس إدارة المدرسة والمدرّسين دون أن يكون للأهل دورللرقابة والاحتجاج، بل علينا أن نكون أكثر فاعليّة، ونتشارك و أولادنا الإيمان المسيحي.
خلاصة:
ممّا لا شك فيه أن عيد جميع القدّيسيين يختلف تمامًا عن الهالويين، فهو عيد كنسيّ بامتياز بخلاف الهالويين الشيطاني الذي بات مناسبة تجارية يرّوج إليها بشتّى الطرق.
لذا من واجب كلّ المؤمنين ألا يمزجوا بين مفاهيم العيدين قطعيًّا، وأن يمتنعوا عن إدخال عادات سيئة وشيطانيّة في نفوس أولادنا الطاهرة والبريئة، التي حتمًا ستبعدهم عن الكنيسة المقدّسة.
كما لا يجوز بتاتًا لأبناء المسيح الإشتراك في الترّويج لهذه الأفكار الوثنية وغيرها في عيد خصّصته الكنيسة للصلاةإكراماً للقدّيسين.
فالنلاحظ عن كثب هاتين الكلمتين ونقارن بينهما:
All Hallows’ evening و Halloween evening.
الأولى ترمز إلى ليلة عيد جميع القدّيسين بينما الثانية تشير إلى ليلة عيد الشياطين.
ليس صدفة أن تكون الكلمتان متشابهتان، بل على العكس تمامًا، التشابه مقصود لتضيّيع المعنى الحقيقي، وهذا يذكّرنا بالتشابه المقصود في اللغة الإنكليزيّة الذي يتم تداوله في عيد الميلاد المجيد بين الكلمتين Chtistmas و Xmas والمقصود به إخفاء كلمة الرّب يسوع المسيح ليصبح العيد عيدًا مجهولًا غير مرتبط بالتجسّد الإلهي وصيرورة الله إنسانًا.
نعم، هالوين إذاً هو خدعة لجذب الأولاد إلى عبادة الشيطان، أو لإبعادهم عن عبادة الله وهذه الدراسة المختصرة هي خير دليل على ذلك، كما يوجد شروحات عديدة على الإنترنت موضوعة في متناول الجميع وهي تشير بوضوح تام إلى المصدر الفعلي لـ All Hallows Eve الذي هو ليلة عيد جميع القدّيسين، وهي تدعوا إلى اكتشاف معنى العيد المسيحيّ الحقيقي.
ينطوي إعلان الإنجيل على إعلان الحق الذي يخلّصنا؛ أي إعلان ربّنا يسوع المسيح الذي هو الإله الحق والحياة الأبديّة (1 يو 5، 20)
لذلك، في إعلان الإنجيل، لا يمكن أبدًا لتلميذ المسيح أن يلجأ إلى الكذب ولا إلى خلط الحقائق وتميّيعها.
كثيرًا ما تُرتكب أخطاء لدى الحديث عن عيد هالوين ويكون سببَها، في كثير من الأحيان، عدمُ المعرفة.
هالوين والتسويق السينمائي والتجاري:
أوّل الرابحين والمستفيدين من هالوين هي هوليوود، إذ في كلّ عام تنتج العشرات من الأفلام عنه، منها ما هي أفلام رعب ومنها ما هي رسوم متحرّكة للأولاد.
حتى أن مصانع الألعاب لا تقصِّر أبدًا بصنع وتسوّيق الألعاب والملابس الخاصة بعيد هالوين، كاليقطين والوطاويط ومصاصي الدماء والأشباح، وتجني كلّ عام أرباحًا خياليّة من هذا العيد، يضاف إلى ذلك حلويات تجسّد شخصيات الهالوين لجعلها قريبة من فكر الأولاد.
«لنتذكر معاً كلام الرب يسوع…تعرفون الحق، والحق يحرركم» (يو 8، 32).
صلوات جميع القدّسيين لتكن معنا جميعًا، بشفاعة والدة الإله أيّها الرّب يسوع المسيح إلهنا ارحمنا وخلّصنا.
آمين.
© Copyright Greek Orthodox Patriarchate of Antioch and All the East
No Result
View All Result