لماذا تختلف ردّة فعل الملاك جبرائيل بين زكريّا ومريم؟
غلوريا بو خليل
“في كلّ بداية سنة ليتورجيّة جديدة وعندما نسمع قراءة إنجيل بشارة زكريّا وبشارة مريم، يتبادر تلقائيًّا إلى ذهن الكثير منّا هذا السّؤال: لماذا الملاك جبرائيل تصرّف مع الكاهن زكريّا بشيء من القساوة خلافًا لتصرّفه مع العذراء مريم، علمًا أنّ الإثنين، بحسب الرّأي المُتداول، طرحا السّؤال نفسه؟ لماذا تختلف ردّة فعل الملاك جبرائيل بين زكريّا ومريم؟”. بهذه المقدّمة استهلّ رئيس أنطش سيّدة التّلّة – دير القمر وخادمه، الرّاهب المارونيّ المريميّ الأب جوزف أبي عون كلمته لموقعنا إنطلاقًا من إنجيل القدّيس لوقا (1/ 26 – 38).
وتابع: “فلنحاول ونحن نعيّد اليوم أحد بشارة العذراء مريم، وهو الأحد الثّاني من زمن الميلاد، أن نوضح هذه الإشكاليّة المتوالية ونميّز الفرق الجوهريّ بين السّؤالين.
أوّلّاً، زكريّا يسأل “بما أعرف هذا وأنا وزوجتي طاعنين في السّنّ؟”، أيّ وكأنّه يطلب علامة أو آية ليؤمن، وهو الذي أمضى العمر بالصّلاة والطّلب والتّضرّع منتظرًا تدخّلًا من الله لتُنجب امرأته ولدًا، كما حدث ذلك في الحالات نفسها في العهد القديم، فينزع “العار عنهما” من وسط الشّعب والكهنة. وعندما أتى الوقت وتدخّل الله، شكّ، فكان “قصاص” الملاك جبرائيل له أن يبقى صامتًا لأنّه لم يؤمن.
ثانيًا، أمّا مع مريم فالحال كان مختلفًا تمامًا: مريم لم تسأل عن شيء شكّت فيه. هي لم تكن تنتظر ولدًا لتشكّ الآن بكلام الملاك جبرائيل. لم تمضي الوقت الطّويل في الصّلاة والتّضرّع لتنال نعمة إنجاب الولد. إنتظارها كان على مستوى روحيّ سامٍ جدًّا.
بجوابها إلى الملاك “كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلاً”، لم تقصد به الرّفض أو الشّك، إنّما القبول الطّوعيّ. لكنّها طلبت من الملاك جبرائيل، بتواضع وشجاعة واحترام، أن يفسّر لها كيف يكون هذا الحمل وهي لا تعرف رجلاً، مع أنّها كانت مخطوبة ليوسف. وهذا ما يؤكّد على أنّه كان لديها القصد والنّيّة أن تبقى عذراء بتول. في جوابها التّساؤليّ “لا أعرف رجلاً”، أيّ لم أعرف ولا أعرف ولن أعرف رجلاً، تبيّن فيه مريم قصدها العميق بأنّها لا تبغي العلاقة الزّوجيّة الطّبيعيّة، إنّما أن تبقى بتولًا.
أمام هذه الإشكاليّة المستجدّة، ستتجرّأ مريم وتسأل الملاك بشيء من التّعجّب والاستفسار عن الطّريقة التي سيتّم فيها هذا الحبل الإلهيّ. فأجابها الملاك جبرائيل موضحًا لها بأنّ الرّوح القدس سيحلّ عليها والمولود فيها هو قدّوس الله. هنا مريم، لو أنّها شكّت بكلام الملاك، لفعلتْ مثل الكاهن زكريّا وطلبت علامة. لكنّها، بعكس ذلك، ارتاحت لكلامه التّفسيريّ واطمأنّتْ على أنّها ستبقى محافظة على قدسيّة بتوليّتها ومكرّسةً ذاتها بكليّتها لله، قائلةً جوابها التّاريخيّ “ها أنا أمة للرّبّ فليكن لي بحسب قولك”.
طبعًا زكريّا سيعيش الصّمت البليغ متأمّلاً بعمل الله العظيم، ومريم ستفتح أبواب السّماء لينزل الله، إبن الله ويتجسّد في أحشائها.”
وإختتم الأب أبي عون كلمته قائلًا: “هنيئًا لنا بمريم المرأة الجديدة، أم الله وأم البشريّة، الممتلئة نعمة والمباركة بين النّساء، بحيث انتظر الله أجيالًا وأجيالًا لتولد ويحلّ ملء الزّمن ويبدأ الخلاص”.
حقوق الطبع والنشر © 2024 تيلي لوميار و نورسات.