لماذا نتنكّر في عيدك يا قدّيسة بربارة؟
بينما نحضّر أقنعتنا وملابسنا التّنكريّة، لنتوقف لحظة لنتساءل عن هويّة القدّيسة بربارة الّتي نعيّد اليوم عيدها بأجمل الطّرق الفولكلوريّة، فمن هي هذه القدّيسة، ولمَ نتنكّر في عيدها؟
ترعرعت القدّيسة بربارة في عائلة وثنيّة غنيّة، وكان والدها متعصّبًا جدًا فتركها في برج حيث أجبرها على عبادة الأصنام، الأمر الّذي دفعها إلى التّساؤل عن هويّة خالق الكون، مقتنعة أنّ الأصنام ما هي سوى حجارة لا روح فيها.
تعمّقت في الدّيانة المسيحيّة على يد معلّم جمعها الله به، غاصت في أسرار تعاليم الإنجيل السّامية، فآمنت بالمسيح وتعمّدت ونذرت بتوليّتها للرّبّ يسوع.
واظبت بربارة على الصّلاة وتعمقت أكثر فأكثر بإيمانها، وأمرت بتحطيم الأصنام الّتي وضعها أبوها في برجها، الأمر الّذي أغضبه ودفعه إلى ضربها وزجّها في قبو مظلم، فراحت تصلّي لله ليقوّيها ويثبّتها في إيمانها. ولمّا هربت، متنكّرة من سجنها، وجدها والدها وسلّمها مكبّلة بالسّلاسل إلى الوالي الّذي أمر بجلدها وسجنها.
وبينما كانت تعاني من آلام الجلد، ظهر لها يسوع المسيح وشفاها، فثبت إيمانها، وأعلنت عن حادثة شفائها مؤكّدة: “إنّ الذي شفاني هو يسوع المسيح ربّ الحياة والموت”. مجاهرة أغضبت الوالي فأمر بقطع رأسها، لتنضمّ إلى لائحة شهداء الكنيسة.
إجعلنا يا ربّ على مثال القدّيسة بربارة نتمسّك بإيماننا مهما قست الظّروف، وليكن قناعنا الوحيد هو المحبّة وزيّنا الأوحد هو الإيمان…
ما هي أبعاد تقاليد عيد القدّيسة بربارة؟
اليوم، الكلّ مشغول بانتقاء زيّ تنكّريّ يحيي فيه عيد القدّيسة بربارة. الكبار قبل الصّغار تهافتوا إلى الأسواق لاختيار القناع الأجمل لهم ولأولادهم. وها هنّ ربّات المنازل يهيّئن السّواعد لخبز حلويات العيد وزرع القمح إحياء للتّقاليد الّتي توارثنها عن أجدادهنّ. وفي كلّ تلك التّحضيرات إشارات إلى أنّ هذا العيد هو عيد الفرح والبراءة، وإن كان يحمل في جذوره قصّة قدّيسة شهيدة.. قدّيسة تجرّأت وأعلنت إيمانها بالمسيح كافرة بالوثنيّة، فكان مصيرها الجلد ثمّ السّجن فقطع الرّأس. ولكن هل تعلمون ما هي الأبعاد الرّوحيّة لتلك المظاهر الاحتفاليّة؟
إنّ شوارعنا ستعجّ خلال اليومين القادمين بأطفال ارتدوا أزياء مختلفة، وستعلو من زواريبها أصوات ضحكاتهم وستصدح من حناجرهم أغنية الـ”هاشلة بربارة”، وسيطرقون أبواب الأقارب والأصدقاء والجيران مستعرضين مواهبهم المختبئة في أزياء نتمنّى لو تكون ضمن معايير البراءة والتّقاليد وتحافظ على المعنى الرّوحيّ المختبئ وراءها، ويحيي- كما يقول الأب الأب ميشال عبّود الكرمليّ لموقع “نورنيوز” الإخباريّ- “الأعجوبة الّتي جرت مع القدّيسة بربارة حين لفّها النّور ما أن نُزعت عنها ملابسها قبل قطع رأسها”.
وما أطيب ما تقدّمه الموائد اليوم من حلويات وأطايب، فبين المعكرون والعوّيمات والمشبّك والزلابيّة والقطايف والقمح، دلالات إيمانيّة عميقة. فالقمح الّذي غالبًا ما يُستخدم في عيد الشّهداء، يستقي عادته في عيد القدّيسة بربارة من قول المسيح في إنجيل يوحنّا 12/ 24: “إنّ حبّة الحنطة الّتي تقع في الأرض إن لم تمت تبقى وحدها. وإذا ماتت، أخرجت ثمرًا كثيرًا”، فالشّهيد مثل حبّة القمح مات ليحيا في السّماء وأعطى بموته ثمارًا للكنيسة.
أمّا الحلويات فهي تترجم الفرح الخارجيّ، فرحًا اعتاد أسلافنا أن يبرزوه للعلن عن طريق صنعها وتقديمها في المناسبات الكبرى فقط لضيق الأحوال الاقتصاديّة. وهنا هي تشير إلى مسيرة الألم الّتي سلكتها الشّهيدة، فـ”مثلما تُطهى العجينة على حرارة مرتفعة وتثمر حلويات لذيذة، أثمرت عذابات الشّهيدة بربارة قدّيسة جميلة وعظيمة”.
إذًا اليوم، وفيما نتحضّر للاحتفال بعيد “البربارة”، هلّا نقف أمام قدسيّة هذا العيد ونعيد لشفيعتها لقبها فنحيي معًا عيد “القدّيسة بربارة”..
هلّا نستغني عن كلّ العادات المستوردة فلا نخلط بين عيد الهالوين وتقاليده الوثنيّة وعيد هذه القدّيسة الّتي رفضت عبادة الأصنام مجاهرة بعبادة ربّ الأرباب يسوع، فقدّمت حياتها في سبيل إيمانها..
اليوم، لنزرع في أطفالنا جذور العيد وننفح فيهم روحانيّة قدّيسته ونشكر وإيّاهم الله على هذه الشّهيدة الّتي بالرّغم من ألمها زرعت بيننا فرحًا كبيرًا لا يزال يطرق أبوابنا كلّ عام في الموعد نفسه.
noursat.tv