الكهف الذي استراح فيه ملوك المشرق الثلاثة
بُني دير القديس ثيودوسيوس عام 500 م في موقع المغارة شرقي بيت ساحور بالقرب من بلدة العبيدية التاريخية التي تبعد 12 كم إلى الشرق من مدينة بيت لحم. ويشير كهف بجدران بيضاء إلى المكان الذي دفن فيه القديس ثيودوسيوس. ويقول التقليد المسيحي أن ملوك المشرق الثلاثة الحكماء قد استراحوا في مكان هذا الدير بعد أن حذّرهم الله في الحلم بأن لا يعودوا إلى هيرودس. وحسب التقليد، توقف المجوس لقضاء الليل في طريق عودتهم من بيت لحم (متى 2، 12).
تمثل المغارة أحد أهم أجزاء دير القديس ثيودوسيوس القديم . وهي مغارة طبيعية، محفورة قليلاً، وتقع حتى يومنا هذا، في قلب الدير مباشرةً.
ولما انتقل القديس ثيودوسيوس الكبير إلى الرب (11 يناير سنة 529م)، كانت مغارة المجوس الثلاثة هي المكان الذي حفر فيه قبر القديس ثيودوسيوس .
كما ترقد في نفس المغارة القديسة أولوجية والدة القديس ثيودوسيوس. والقديسة صوفيا أم القديس سافا؛ والقديسة ثيودوتي أم القديسين قزمان ودميان؛ وكذلك القديسة مريم زوجة القديس زينوفون وأم القديسين أركاديا ويوحنا.
القديس ثيودوسيوس الكبير
هو أول من أسس الأخوية الرهبانية، ووفقًا للتقاليد الكنسية، فإن الكهف الذي استقر فيه لأكثر من ثلاثين عامًا هو المكان ذاته الذي قضى فيه المجوس ليلتهم أثناء طريق عودتهم من ميلاد الرب في بيت لحم.
ولد القديس ثيودوسيوس في كابادوكيا لأبوين تقيين، وقد عاش في القرنين الخامس والسادس للميلاد حيث كان موهوبًا بصوت جميل فكان يتردد باستمرار على الكنيسة ويكدح في قراءة الكتاب المقدس والترتيل. إلا أنه في أعماق قلبه كان دائمًا يتوق إلى حياة الرهبنة، فعاد مجدداُ إلى الأراضي المقدسة التي كان قد زارها مرة واحدة في شبابه ليستقر هناك بشكل دائم، صدفة في نفس الكهف الذي كان استضاف المجوس الثلاثة بعد ولادة الإله.
عندما لم يعد بإمكان الكهف استيعاب المزيد من الرهبان، قام القديس ثيودوسيوس بإنشاء أول دير أخوية أو لافرا (بمعنى “واسع” أو “مكتظ بالسكان”) وسرعان ما اشتهرت لافرا القديس ثيودوسيوس وتجمع هناك ما يصل إلى 700 راهب.
إلا أنه غالباُ ما كانت تحدث معجزة بحد ذاتها في اللافرا في كل مرة أراد فيها القديس ثيودوسيوس مساعدة المعوزين. حدثت المعجزة لأول مرة عندما اجتاحت مجاعة قاسية أراضي فلسطين وتجمع عدد كبير من الناس في الدير، وقتها أعطى القديس ثيودوسيوس أوامر للسماح للجميع بدخول أسوار الدير، مما أزعج تلاميذه لعلمهم أن الدير لا يحوي ما يجب من المواد الغذائية لإطعام كل القادمين، ولكن عندما دخلوا إلى المخبز وجدوا أنه كان مليئًا بالخبز، بفضل صلوات الراهب القديس.
القديس ثيودوسيوس كان معروفاُ بحنيته الشديدة، فقد قام ببناء منزل في الدير لاستقبال الغرباء، ومستوصفات منفصلة للرهبان وعامة الناس، بالإضافة لمأوى للمحتضرين. ونظرًا لأن الناس من مختلف بقاع المنطقة كانوا يأتون إلى اللافرا، رتب ثيودوسيوس لتقديم خدمات القداس الإلهي بلغات مختلفة: اليونانية والروسية والأرمنية. وكان يجتمع المؤمنون لاستقبال الأسرار المقدسة في الكنيسة الكبيرة حيث كانت تتردد خدمة القداس الإلهي باللغة اليونانية.
إلا أنه وكما في سيرة باقي القديسين، فقد عانى القديس ثيودوسيوس ورهبانه من اضطهاد الإمبراطور البيزنطي أناستاسيوس (491-518)، الذي كان ينكر الاعتراف بالأسرار المقدسة ورجال الدين وكان يقبل بالتعاليم الكاذبة ومعها بدأت محنة المسيحيين وخاصة الأرثوذكسيين. وقف القديس ثيودوسيوس بحزم أمام الحاكم ودافع عن الأرثوذكسية وكتب رسالة إلى الإمبراطور نيابة عن الرهبان، يشجب فيها ويدحض البدع التي تمس بتعاليم المجامع المسكونية، الأمر الذي قاد الامبراطور للإرتداع قليلاُ ولكنه ما لبث أن جدد اضطهاده للأرثوذكسيين. بدوره لم يهدأ الراهب القديس، فترك الدير وقدم إلى القدس وفي الكنيسة صرخ للجميع ليسمعوا “من لا يكرّم المجامع المسكونية الأربعة فليكن محرومًا!” بسبب هذا العمل الجريء، تم إرسال الراهب إلى السجن، لكن سرعان ما أطلق سراحه بعد وفاة الإمبراطور.
شهدت منطقة فلسطين العديد من المعجزات في زمن القديس ثيودوسيوس. ذات مرة، بصلواته، قضى على الجراد الذي دمر حقول فلسطين، وأنقذ الجنود من الموت، وأولئك الذين هلكوا في حطام السفن والذين فقدوا في الصحراء.
توفي القديس ثيودوسيوس عن عمر يناهز 105 عامًا، بالتحديد بعد ثلاثة أيام من كشفه لأساقفته المحبوبين أنه سيغادر قريبًا إلى الرب. دفن جسده بوقار في الكهف الذي عاش فيه في بداية حياته الزاهدة، وهو الآن محاط بالدير الكبير المسمى باسمه على الطريق إلى بيت لحم.
المزيد عن دير القديس ثيودوسيوس:
الدير أيضاً معروف بالعربية باسم دير دوسي أو ابن عبيد، يقع على بعد 10 كيلومترات شرق بيت ساحور ومبني على أنقاض الدير الذي أسسه القديس ثيودوسيوس بنفسه عام 465 م. يظل الكهف الذي استراح فيه المجوس الثلاثة من رحلتهم أحد أهم أجزاء الدير. شهد الدير أفضل فترة له خلال القرنين الخامس والسابع حيث احتوى على أربع كنائس، وكان يعيش فيه قرابة 700 راهب داخل اللافرا، فيما عاش 2500 راهب وراهبة حول الدير.
إلى جانب الكنيسة الرئيسية التي تقام فيها الخدمة الإلهية، كانت هناك مدرسة للاهوت وورش عمل واسطبلات للحيوانات وغيرها من المرافق، التي كلها كانت قصيرة الأجل بسبب الغزو الفارسي للمنطقة في 614 م، الذي نجم عنه مجزرة 5000 راهب. عاد الدير ببطء إلى الازدهار في القرنين الحادي عشر والثاني عشر. وفي القرن الخامس عشر، أي خلال الحكم الصليبي، أصبح الدير ملجأً للبدو من قبيلة ابن عبيد، ومن هنا جاءت التسمية.
في عام 1881 م، اشترى مدير مدرسة الصليب المقدس اللاهوتية أنقاض الدير من البدو، وفي عام 1896 م وضع بطريرك القدس في ذلك الوقت حجر الأساس للدير الجديد. أما المبنى الحالي فيعود تاريخه لعام 1952 م.
تقام سهرانية سنوية برئاسة بطريرك المدينة المقدسة في الدير مساء 10/23 يناير لإحياء ذكرى القديس العظيم ثيودوسيوس، فيما تكون أبواب الدير مفتوحة للزوار يومياً من الساعة 8 صباحاً حتى 3 ظهراً.
مغارة المجوس
وفقًا للتقاليد فإن المغارة الموجودة في أراضي الدير هي المكان الذي لجأ إليه المجوس الثلاثة خلال الليلة الأولى بعد تسليم هداياهم للطفل يسوع، بعد أن ظهر لهم ملاك وأمرهم بالعودة إلى المنزل دون إبلاغ الملك هيرودس بمكان يسوع. يُطلق على كهف المجوس اسم ميتوبا باللغة اليونانية.