مكانة ودور العائلة في مشيئة الله الخلاصيّة!
صحيحٌ أنّ الأناجيل المقدّسة غايتُها الأولى إظهار هويّة يسوع الإلهيّة وعمله الخلاصيّ، ولكنّها لا تضع جانبًا أبدًا انتماءهُ العائليّ، لا بل تُسلّطُ الضوء على بعض الأحداث القليلة الّتي عاشها الرّب في وسط عائلته: مريم ويوسف. هذه العائلة ليست فقط نموذجًا للقداسة، بل هي أيضًا علامة واضحة على مشيئة الله في الزواج كمؤسسة إلهية. في الكنيسة الكاثوليكيّة، الزواج ليس مجرد اتفاق بشريّ وعقد قانونيّ، بل هو سرّ مقدّس حيث يُصبح الزوجان شريكين في حياة النعمة.
في ارتباط مريم ويوسف، نرى اتحادًا قائمًا على الإيمان والثقة بالله. أوّلًا نراهُما قد ارتبطا بحسب الشريعة، ولكن مع تدخُّل الله في حياتهما أصبح ارتباطهما عهدًا حقيقيًّا أمام الله ومعهُ. من هُنا يأخُذ الزواج المـسيحيّ، معناهُ كسرّ مُقدّس غايتُهُ قداسة العائلة. نرى في حياة عائلة الناصرة الكثير من التحديّات والصعوبات والتجارب منذ الحبل الإلهيّ وصولًا إلى وجوده في الهيكل وهو في عُمر الإثني عشرة سنة. يكفينا التوقّف عند أحداث الميلاد والهروب إلى مصر. من هُنا نفهم أنّ الدعوة لبناء العائلة تقوم على مواجهة التحدّيات والصعوبات بإيمانٍ ومحبّة.
العائلة ليست مجرد مجموعة أفراد، بل هي حقيقةً “كنيسة صغيرة” عليها يُؤسّس المُجتمع بأفراده ليكون شعبًا مقدّسًا وصالحًا. من خلال قداسة مريم ويوسف، نفهم أن الله أراد أن يُظهر أهمّيّة العائلة كبيئة خصبة لتربية الأبناء على الإيمان والفضائل المسيحيّة. لقد أراد إبنُ الله أن يولد ضمن إطار العائلة، وأن يُعرف بارتباطه الإجتماعيّ حتّى لُقّب بابنُ مريم، وابنُ النّجّار، وعُرف بيسوع النّاصري.
نسمع الرّبّ يسوع يقول: “يجب عليّ أن أكون في ما هو لأبي.” ولكن بعد ذلك نراه يخضع لأبويه مريم ويوسف، مُظهرًا أن الطاعة ضمن العائلة تعكس الطاعة لمشيئة الله. الطاعة العائلية تُصبح انعكاسًا لإرادة الله في بناء عائلة متماسكة ومقدّسة. في الوقت عينه عودة يسوع إلى الناصرة تعكس أيضًا فقر عائلة الناصرة، لكونها لم توفّر ليسوع إمكانيّة متابعة دراسة التوراة في أورشليم. رُغم ذلك كانت هذه العائلة في وحدة متكاملة وهذا ما نراه من خلال إختيار يسوع العودة مع عائلته إلى الناصرة، علمًا أنّهُ كان قد بلغ سنّ الرّشد وفق التقليد اليهوديّ.
يُظهر لنا الإنجيليّ لوقا أهمّيّة وجود العائلة في قلب الجماعة الإيمانيّة. إنّ يوسف ومريم كانا مُتمسّكان بإيمانهم، وكانا مُلتزمان بروح الشريعة لا بحرفها، فكانا يذهبان كل سنة إلى أورشليم للعبادة، بالإضافة إلى التزامهم الصلاة في البيت كعائلة، وتردّدهم إلى مجمع النّاصرة. هذا الإلتزام ليس مجرّد ممارسة شكليّة، بل هو تعبيرٌ حقيقيّ عن ارتباط العائلة بكلمة الله وبتدبيره الخلاصي. هو تعبيرٌ حقيقيّ عن محبّتهم لله، وعلى إعطائه الأوّليّة في حياتهم، لأنّهُ مصدر حياتهم، ونبع دعوتهم الخاصّة في صُلب تدبيره الخلاصيّ الّذي أعدّهُ مُنذُ الأزل لخلاص الإنسان.
نتعلّم من عائلة الناصرة، أن تكون عائلاتنا المسيحيّة مُلتزمة بعيش كُل أبعاد الإيمان إن من خلال الممارسة اليوميّة للصلاة كأفرادٍ وعائلة وإن من ناحية الإلتزام في حياة الكنيسة حيثُ تستمدُّ قُوّتها من كلمة الله ومن حضور المـسيح في سرّ القربان. إلتزام العائلة بالكنيسة يُعطيها هويّتها ككنيسة بيتيّة صغيرة، فهي ليست مكانًا، وليست مجموعة أشخاص يربطُهم القُربة الدمويّة أو عقدٍ قانونيٍّ زوجيّ، لا بل هُم عائلة في وحدة وحضور وعمل الرُّوح القدُس ممّا يحدو بهم الأمر ليُفعّلوا ديناميّة عيش سرّ حضور المسيح في قلب بيوتهم، من خلال التضحيّة والمحبّة والخدمة والغُفران والإصغاء والحوار والمشاركة والإحترام والتقدير، مع إعطاء فُسحةً لحريّة كُلّ شخصٍ وتمايُزه. لا يوجد تسلُّطٌ في بنية العائلة المسيحيّة بل مساواة وعدالة ومحبّة وتعاضُد ومشاركة. كُلّ ذلك عليه أن يبقى دائمًا مُصوّبًا نحو الثالوث الأقدس في المـسيح يسوع، على مثال عائلة الناصرة، آمين.
موقع Allah Mahabb – الأخ شربل رزق الكبْوشيّ
No Result
View All Result