قصة عن نشأة مريم العذراء : قصة منحولة
تروى الآتي:
والد العذراء كان معروفًاً بحياته الصارمة وفقاً للناموس، ومعروفاً بفضائله. ووصل إلى مرحلة الشيخوخة دون أن ينجب ولداً، لأن إمرأته لم تكن في وضع يسمح لها بالولادة. والناموس كان يُكرّم الأمهات، وهذا التكريم لم تكن العاقرات يحظين به. هذه المرأة سارت في خُطى أم صموئيل كما تحكيها الروايات. تدخل إلى قدس الأقداس، تتضرع إلى الله، ألا تفقد بركات الناموس، دون أن تكون قد خالفت الناموس أبداً، بل أن تصير أماً وتكرس ابنها لله.
تشدَّدت وتقوَّت بالعلاقة الإلهية وأخذت النعمة التي طلبتها. وعندما ولدت الطفلة سمتها مريم، لكي تُعلن بهذا الاسم أنها كانت عطية إلهية. عندما كبرت مريم قليلاً بحيث لم تعد تحتاج إلى رضاعة، سلمتها أمها على الفور لله، لكي تفي بوعدها، وأودعتها الهيكل. وتعهَّد الكهنة مريم داخل الهيكل، كما كان صموئيل، وعندما كبرت فكروا فيما ينبغي أن يفعلوه بهذا الجسد المقدس حتى لا يخطئوا إلى الله، بأن يلزموها أو يقيدوها بالناموس الطبيعي، وأن يخضعوها عن طريق الزواج، لذاك الذي سوف يأخذها، إلاّ أن هذا سيكون أمراً غير مقبول على الإطلاق. لأنه كون إنسان ما يصير سيداً على إنسانة نُذرت لله فهذا يُعد تدنيساً للمقدسات، إذ أن النواميس حددت أن الرجل هو سيد المرأة. غير أنه بالنسبة للكهنة لم يكن الشرع يسمح بأن تعيش امرأة معهم داخل الهيكل أو تخالطهم، وأن يرونها في المقدسات، ولكن التقوى أو الورع لم يغب عن هذا الأمر بجملته.
وبينما هم يُفكرون فيما ينبغي أن يُقررّوه تجاه هذه الأمور، أتاهم إرشاد من الله أن يُعطونها لشخص، على أن تكون مخطوبة له، أما هذا الإنسان فيجب أن يكون لائقاً بالمحافظة على بتوليتها. وجدوا أن ما طلبوه كان يتوفر في يوسف، من نفس سبط العذراء، وخُطبت مريم حسب نصيحة الكهنة. وظلت العلاقة في إطار الخطوبة. عندئذٍ استقبلت مريم البشارة السرية من جبرائيل.
+ *سلام لك أيتها الممتلئة نعمة*:
وكلام البشارة كان يحمل بركة “سلام” يقول: “سلام لكِ أيتها الممتلئة نعمة. الرب معكِ”(22). والكلام للعذراء الآن هو عكس الكلام الذي قيل لحواء. فحواء أُدينت لأجل خطيئتها بالألم والوجع في الولادة (23)، بينما في حالة العذراء فقد طرد الفرح الحزن. لا لنسبة لحواء سبقت الأحزان ألم الولادة، أما في حالة العذراء فإن الفرح يُبعد الألم.
يقول لها الملاك “لا تخافي” لأن انتظار الألم يُثير الخوف بالنسبة لأية امرأة، كما أن الوعد بأن يكون ألم المخاض سهلاً، يطرد الخوف. قال لها “ها أنتِ ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع” وسيخلّص شعبه من خطاياهم. وبماذا أجابت مريم؟ اسمع كلام العذراء الطاهرة النقية الملاك بشرها بالولادة وهى قد ثَبَتَت على بتوليتها، مُقررّة أنه أمر أفضل لها أن تبقى عذراء نقية، لكنها لم تظهر شك تجاه بشارة الملاك، ولا المعرفة قد غابت عنها. وقالت إنها لم تعرف رجلاً “كيف يكون لي هذا وأنا لست أعرف رجلاً”.
كلام مريم هذا، هو يعد دليلاً لأولئك الذين حكوا القصة المنحولة، لأنه لو أن يوسف كان قد تزوجها، فكيف تُفَاجَأْ أو تُدهَشْ عندما يخبرها الملاك بالميلاد، ما دام كان من المنتظر أن تصبح مريم أمَّاً في وقت ما بحسب الناموس الطبيعي؟ ولكن لأن الجسد الذي خُصِّصَ لله، كان ينبغي أن يُحفظ دون أن يمسه شيء، مثل نذرٍ مقدس لله، فإن لسان حالها كما لو كان قد قال لجبرائيل: حتى ولو كنت ملاك، وحتى ولو أتيت من السماء، وأن ما أراه لا ينتمي إلى عالم الإنسان، إلاّ أنني لم أعرف رجلاً لأن هذا مستحيل. وكيف سأصبح أمَّاً بدون معرفة رجل؟ أما يوسف فقد عرفته كخطيب، وليس كرجل.
+ *الروح القدس يحلّ عليكِ وقوة العلي تظلّلك*:
فماذا قال جبرائيل؟ وأية غرفة عرس سيقدم لهذا الزواج النقي؟ “الروح” يقول الملاك “الروح القدس يحل عليكِ وقوة العليّ تُظللّك”. آه أيتها الأحشاء الطوباوية التي جذبت الخيرات الكثيرة للنفس الإنسانية بسبب تلك النقاوة الوفيرة. إن النفس النقية هي فقط التي يمكنها أن تقبل حضور الروح القدس بالنسبة لسائر البشر الآخرين، أما هنا (في حالة العذراء)، فالجسد صار إناءً للروح القدس.
“قوة العلي تظللّك” ماذا يعني هذا الكلام السري؟ يعني أن “المسيح هو قوة الله وحكمة الله”(24) كما يقول الرسول بولس إذاً فقوة الله العلي، الذي هو المسيح يكوّن جسداً لنفسه في بطن العذراء بحلول الروح القدس عليها. بمعنى أنه كما أن ظل الأجسام يأخذ شكل الجسم الذي يسبق، هكذا فإن ملامح وصفات ألوهية الابن سَتُسْتَعلَنُ في حينها، ستظهر في قدرته عندما يولد، فالصورة والختم والظل وبهاء المصدر سَيُسْتَعلَنُ بأعمال مُعجزية.
نقلاً عن كتاب: *مــيــلاد الـمخلّص*(للقديسين غريغوريوس النيصصّي وإيرونيموس)..karmen khoure
No Result
View All Result