أحد وجود الربّ يسوع في الهيكل
الأخ شربل رزق الكبْوشيّ
التأمّل
”وَبَقِيَ الصَّبِيُّ يَسوع في أُورَشَليم“
تُمَثِّلُ أُورَشَليمَ بِالنِّسبَةِ لِشَعبِ الله، مَركَزِيَّةَ حُضورِ اللهِ في هَيكَلِهِ، إِنَّها القمَّة الَّتي يَتَوَجَّهُ إِلَيها اليَهوديّ أَينمَا وُجِدَ، هيَ القُبلَةُ الَّتي تَصبو إِلَيها عَينا القَلبِ وَالعَقلِ في الصَّلاة. إِلَيها يَحِجُّ المـُؤمِنونَ سَنَوِيًّا، وَهُم يُرَنِّمونَ أَناشيدَ مَزاميرِ المـَراقي جَوقاتٍ جَوقاتٍ ضِمنَ قَوافِلِهِم الصَّاعِدَة، فَفي هَيكَلِها يَتَغَنَّونَ وَيَفتَخِرون وَيَعتَزّون. عَرَفَ يَسوعُ أُورَشَليمَ مُنذُ نُعومَةِ أَظفارِهِ، وَكانَ لَها مَوقِعها في قَلبِهِ مِثلَ سائِرِ اليَهودِ المـُؤمِنين. مُنذُ سِنيّ الطُّفولَةِ وَيَومَ صارَ ابنًا للشَّريعَةِ في الثّانيَةَ عَشَرَ مِن عُمرِهِ أَرادَ يَسوعُ طَوعًا أَن يَبقى هُناكَ في الهَيكَلِ رَغبَةً مِنهُ بِتَمجيدِ الله، وَلِهذا السَّبَبِ عَينِهِ أَضاعاهُ والِدَيهِ، مِمَّا دَفَعَهُما لِيَبحَثا عَنهُ مَدَّةَ ثَلاثَةِ أَيّامٍ إِلى أَن وَجَداهُ في الهَيكَل. إِنَّ بَقاءَ يَسوعَ في الهَيكَلِ لَهُ ميزَتَهُ الخاصَّة، إِذ يَحمِلُ رِسالَةً لِكُلٍّ مِنَّا. أَلَيسَ هُوَ مَن حُكِمَ عَلَيهِ بِالمـَوتِ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ عَن نَقدِ الهَيكَل؟ لَقَد صارَ يَسوعُ هوَ المـَركَزُ وَهوَ قُبلَةِ القَلبِ وَالعَقلِ، وَأَصبَحَ طَريقًا لِلَّذينَ يُريدُونَ الإِرتِقاءَ حَجًّا إِلى مَلَكوتِ الآبِ السَّماويّ.
يا بُنَيَّ، بَعدَما رَأَيتُ تَعَلُّقَ شَعبي بِهَيكَلٍ أَرضيٍّ بَنَوهُ مِنَ الحِجارَةِ وَخَشَبِ أَرزِ لُبنان، وَبَعدَما وَضَعوا كُلَّ آمالِهِم، وَسَعوا بِشَتَّى الطُّرُقِ الرُّوحِيَّةِ مِنها وَالسِّياسِيَّة الإِجتِماعِيَّة لِلمُحافَظَةِ على مَكانَةِ وَمَوقِعِ الهَيكَلِ كَعَلامَةٍ لِتَمايُزِهِم عَن سائِرِ الشّعوبِ وَكَعلامَةٍ لِوَحدَةِ الأُمَّة، إِلى حَدٍّ صارَ الهَيكَلُ بِمَثابَةِ صَنَمٍ يُعبَدُ مِنهُم، وَلَيسَ وَسيلَةً وَضَرورَةً وَحاجَةً لِعِبادَتِهِم لله، أَرَدتُ أَن آخُذَ لي مُنذُ صِبايَ مَوقِعًا فيهِ، لِأَبدَأَ بِمَسيرَةِ التَّطهيرِ وَالإِصلاح مُوَجِّهًا البَوصَلَةَ وفقًا لِلحَقّ. مِنَ الهَيكَلِ تَسمَعُ أَوَّلُ كَلِمَةٍ تَخرُجُ مِن فَمي: “يَجِبُ أَن أَكونَ فيما هُوَ لِأَبي”، إِنَّها مُفتاحُ رِسالَتي كُلَّها. مِن هُنا تَنَبَّه كَيفَ أَنِّي أَمضي إِلَيكَ مِنَ المـَوضوعِ الأَكثَر تَمايُزًا بِالنِّسبَةِ لَكَ، وَمِن هُناكَ بِكَلِماتٍ بَسيطَةٍ أُخاطِبُ قَلبَكَ لِكَي أُصَوِّبَهُ نَحوَ مَركَزِيَّتِهِ فِيَّ فَتَعرِفَ بِقُوَّةِ الرُّوحِ القُدُسِ أَنَّهُ لَيسَ ما تَصنَعَهُ هوَ الّذي يَرفَعُ مِن شَأنِكَ، بَل ما يُعطيكَ حَياةً وقُوَّةً وَفَرَحًا في صَميمِ قَلبِكَ. حَسَنٌ لَكَ أَن تَفعَلَ مِثلي، أَن تَأخُذَ لَكَ مَكانًا انطِلاقًا مِمَّا تَرَعرَعتَ عَلَيهِ مِن قِيَمٍ خُلُقِيَّةٍ سَليمَةٍ وَصَحيحَة، وَمِن إِيمانٍ تَقَويّ لِأَنَّكَ بِهذا تُساعِدَني لِأَكشِفَ لَكَ عَن ذاتي.
لَم يَدُم بَقاءُ الرَّبَّ يَسوع أَكثَرَ مِن ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، وَبَعدَها عادَ طائِعًا مَعَ والِدَيهِ إِلى النَّاصِرَة، وَلَكِن كانَ لِهَذِهِ المـَحَطَّة وَقعَها الخاصّ عَلى حَياتِهِ وَرِسالَتِهِ فيما بَعد، وَعلى عائِلَةِ النَّاصِرَة مِن حَدَثٍ جَعَلَها تَبحَثُ عَن أَواصِل وَحدَتَها. بَقاءُ يَسوع في أُورَشَليمَ مِن دونِ إِعلامِ والِدَيهِ، يُبَيِّنُ لَنا مِلءَ إِنسانِيَّتِهِ كَمُراهِقٍ يَبدَأُ بِأَخذِ استِقلالِيَّتِهِ وَحُرِّيَّتِهِ، فَنَجِدَهُ يَتَشارَكُ مَعَنا بِنُمُوِّنا الإِنسانيّ الطَّبيعيّ. بَقاءُ يَسوعَ في الهَيكَلِ بِسَبَبِ رَغبَتِهِ أَن يَكونَ فيما هوَ لِأَبيهِ السَّماويّ، يُبَيِّنُ لَنا أَيضًا النُّضجَ الرُّوحيّ الَّذي بَلَغَهُ بِسَبَبِ تَربِيَةِ والِدَيهِ المـُقَدَّسَة، وَبِسَبَبِ حِكمَتِهِ في اختِيارِ النَّصيب الأَفضَل. لِيَكُن لَكَ خَيارُ يَسوعُ مِقياسًا يُساعِدُكَ عَلى تَمييزِ مَسيرَتِكَ في نُمُوِّكَ الإِنسانيّ وَالرُّوحيّ مَعَ الله.
صلاة
رَبِّي يَسوع، وَأَنتَ صَبِيٌّ بَلَغتَ عُمرَ الفُتُوَّةِ لِكَونِكَ صِرتَ ابنًا للشَّريعَة، كُن أَنتَ شريعَةَ روحي، وَحَرِّرها مِن مُراهَقَتِها المـَجروحَةِ لِتَنموَ فيكَ وَمَعَكَ، فَأَختاركَ أَنتَ مَركَزًا لِحَياتي كُلَّها، لِأَنّي بِكَ أَصِلُ إِلى مَعرِفَةِ الآبِ السَّماويّ. كما أَجَبتَ يُوسُفَ وَمَريَم، فَليَكُن جَوابي على وجودي، نابِعًا مِن نُمُوِّ حُرِّيَّتي فيكَ يا سَيِّدَ حَياتي، آمين.…
No Result
View All Result