احمل صليبك واتبعني
(الأحد الثالث الصوم)
الخوري بطرس الزين
بعد ان بلغنا منتصف الطريق في رحلتنا الصيامية ينتصب الصليب امامنا شامخًا ليشد من عزيمتنا. مع ان الصليب عند الهالكين جهالة وادات للموت، لكنه عندنا نحن المخلصين بيسوع خشبة الخلاص لأن به قوة الله. نحن اليوم حالنا كمن انطلق من صحراء هذا الوجود ليعبرها إلى واحة الخلاص والحياة مع المسيح.
وقد بلغنا اليوم وسط الصحراء وإذ بالصليب ينتصب أمامنا لقول لنا الرب من خلاله:
أمامك خياران لاثالث لهما، فإما ان تحمل صليبك وتتابع المسيرة لتبلغ القيامة.
وإما أن تتقهقر وتعلن رفضك للمتابعة والعودة من حيث بدأت من عمق صحراء حياتك والموت في غربتك عن يسوع المخلص.
فقد بقي امامنا نفس المسافة مابين البداية والنهاية .
ولا يمكنك المتابعة بدون أن تحمل صليبك وتتابع إلى حيث يسوع ينتظرنا هناك في الجليل كما قال لنا من البدايات.
قد يكون الصوم قد اعياك وتقهقرت بعض الشيء واخذ منك التعب مبلغًا. ولكن بالصليب تخلص وبحملك إياه، يحمل هو معك حملكَ الثقيل لأنه بالصليب فرح العالم كله.
قم اليوم واحمل حلمك وارفعه على راية الصليب وتابع بالصوم والصلاة. قف منتصبًا وسط اتعابك كما انتصب المسيح عليه ملكًا.
الخطر اليوم هو بان تلقي بنفسك طريدة للكسل والتهاون وتبديد كل ما قمت به حتى اليوم من جهادات. لا تطرح نفسك وروحك ارضًا من جراء تلك المشاعر التي يغزو بها الشيطان عقولنا اليوم.
لا تتأرجح كمن يترنح سكرانًا ولا يعلم متى يسقط. لا تظن ان هذه المشاعر تهاجمك اليوم فقط في اوان الصوم. إنها تلاحقك على مدى العمر كله. فإن انت تقاعست الأن فستهلك نفسك على مدى الزمن الآتي.
قم وانتصب بجرأة امام صليبك ولا تنهار امام فخاخ الشرير الواهية.
قف في وسط رحلتك بقوة، كما وقف المسيح في السنهدريم وامام بلاطس وامام الرؤساء وكل ذي سلطان ولم يتردد ولم ينهار، ولم يساير ولم يحابي الوجوه .لأنه كان يعلم النهايات السعيدة وان الآب لن يدع قدوسه يرى فسادًا بل يقيمة في اليوم الثالث.
تأمل في صليب ربنا حيث كانت امة واقفة عند قدميّ إبنها المصلوب ولم تركع ولم تتراجع، لأنها كانت تحفظ في قلبها كل ما قاله لها الرب وماسمعته عن الوعد بالقيامة والنصر الأخير.
تذكر حين قال الرب يسوع عن الأهوال التي ستصيب الكون قبل الظهور المجيد لإبن الإنسان ونهاية العالم.
وكما في كل الآيات التي تدخَّلَ فيها الرّب ليشفي الواقعين فكان اول ما يأمر به هو: قم وامشي.
قم واحمل سريرك وامشي، قومي. وبطرس قالها: بإسم يسوع المسيح لك أقول: قم وامش ثم أمسكه بيدهاليمنى وساعده ليقف (أع3: 6).
الخلاص لا يتم إلا إذا قمنا وانتصبنا واقفين بعزم وقوة في وسط تخلعنا وعزاباتنا ومعاناتنا ناظرين الى رئيس الايمان ومكمله يسوع (عب 12: 2).
تشجع اليوم وقل ( لا ) بوعيٍ لكل شهوة يثيرها ابليس فيك ليثنيك عن المتابعة بالصليب إلى جلجلة القيامة العظيمة.
انتبه فالتجربة والإغراء يكمنا في البدء بالشكوى والتأفف والتلذذ بالرثاء لنفسك وتعبك وتشعر وكأنك المعذب الوحيد على الأرض. ليست خطيئة إن انت تصارعت وهذه الأفكار، ولكن الخوف هو بأن تدخل فيها، ترضخ لها وتستسلم لها.
فما دمت واقفاً كالصليب فلن تقوى عليك رياح الإهواء والتجارب.
عانق صليبك وتابع الصوم والصلاة.
فخلاصك على الأبواب وهو قريب وقريب جدًا اكثر من اي يوم مضى.
احمل صليبك ولا تغرق في التأمل بعزاباتك التي تسميها عذابات وهي بالحقيقة ليسة عذابات ولايمكن قياسها بعذابات الرب يسوع التي حملها من اجلنا.
فالتأمل بجهاداتك يسرق منك الهدف الذي هو لقاء المسيح يسوع.
لا تصرف وقتك في التأمل فيما تصارعه من ضغط نفسي وجسدي من جراء الصوم. بل تأمل دائمًا بالهدف الأسمى، بفرح القيامة. الصوم ليس لإختبار الألم والحرمان بقدر ما هو اختبار صلابة وقوف المسيح وسط التجارب.
علينا ان نتامل ونتشبه بيسوع القوي امام المحن.
يسوع كان حاضرًا ابدًا ليشهد للحق وليساند المظلوم ويساعد المحتاج ويمسح دموع الحزانى.
يسوع الذي يدافع عن مملكته التي ليست من هذا العالم.
لقد كتب الكثير الكثير عن عذابات يسوع وآلآمه الجسدية وتواضعه وتنازله عن مجده . وكل هذا صحيح .
ولكن، آن لنا ان نتامل ونتشبه بيسوع القوي البطل امام كل قوة العالم وبطش الحكام، عن يسوع الذي يقول نعم حيث تقال النعم ويقول لا حيث يجب ان يقول لا . بمعزلٍ عن من هو السامع أو الآخر الذي تقول امامه.
بدل ان تقدم عذاباتك ومعاناتك ليسوع، قدم له قوة حكمتك في عمل الخير وقول الحق.
إن كنت تعتقد انك بجوعك وعطشك في الصوم تقدم خدمة ليسوع فأنت مخطئ.
ليس جوعك أو عطشك من يستعطف السيد، بل بإطعامك لجائع وتقديمك كوب ماء لعطشان هو من يبررك امام يسوع. أن تغفر لمبغضيك، أن تدوس العداوات وتلاقي الآخرين الذين لم تكن تطيق النظر إليهم.
أن تلغي من قاموسك كلمات الكره والإشمئزاز والخصام الكبرياء والأنا. ان تكون شاهداً للمسيح امام كل تجارب الحياة، وقدم كل هذا حبًا بأبيك الذي في السموات وابوك الذي في السموات هو يجازيك علانية ويشرق عليك بهاء كوكب الصبح المنير.
قم احمل صليبك وتبع المسيح وكن مثله قوياً وسط شدائدك، وثق أن بعد كل اسبوعٍ عظيم هناك قيامة مجيدة ونصر أكيد. آمـين
خلص يارب شعبك وبارك ميراثك وامنح عبيدك المؤمنين الغلبة على الشرير واحفظ بقوة صليبك جميع المختصيم بك
Discussion about this post