الصّوم… الرّجوع إلى الله
تيلي لوميار/ نورسات
عشيّة الصّوم الأربعينيّ، يدعو خادم وكاهن عائلة كنيسة الصّليب للرّوم الأرثوذكس في النّبعة الأب باسيليوس محفوض إلى العودة إلى الله خلال هذا الزّمن مع التّركيز على القلب، لأنّه الأساس في الصّوم. وفي هذا السّياق يكتب:
“الصّوم الأربعينيّ الكبير المقدّس يطلّ علينا غدًا ببركاته ونعمه السّماويّة. بمعيّة الله ومشيئته، غدًا تبدأ مسيرتنا نحو الفصح، من خلال صومنا وصلاتنا وصدقتنا وتركيز واهتمام بكلّ ما هو روحيّ مقدّس يغذّي روحنا وجسدنا كي نكون في نهاية مشوارنا الصّياميّ جاهزين ومترقّبين ومستعدّين ومستحقّين ومؤهّلين أن نجوز هذا الصّيام بأوفر إفادة ونجاح والعيش به.
بالصوم تبدأ الفرصة أو العودة إلى الله والعيش معه، لأنّ الصّوم هو العمل للعودة إلى ما كنّا عليه سابقًا أيّ لمّا كان آدم وحواء مع الله بشركة دائمة فردوسية. إذًا، الصّوم من معانيه هو الرّجوع إلى الله. هو تكوين علاقة شخصيّة مع الله، علاقة حقيقيّة قلبيّة معه. يظنّ البعض منّا أنّ الصّوم أو الرّجوع إلى الله، هو إقامة برنامج صلوات وأصوام ونشاطات روحيّة وقراءات واجتماعات وموائد. كلّ هذا حسن. ولكن هل هناك عند الذين يصومون ويقومون بتلك الأنشطة لهم علاقة قلبيّة شخصيّة مع الله أم لا؟ هل يوجد حبّ لله أم ل ؟ هل يوجد عشق لله، حبّ للحبّ أم لا؟ من دون الحبّ لا يكون صومًا مباركًا ولا عودة حقيقيّة إلى الله. مهما كانت الصّلاة والأصوام، فإذا كانت علاقة مع الله وبالحبّ تكون هذه الوسائل منتجة ومباركة.
لهذا يقول الله في سفر يوئيل النّبيّ: “إرجعوا اليّ بكلّ قلوبكم” (2: 12). إذًا الرّجوع القلبيّ هو المطلوب. القلب أوّلًا المنسحق أمام الله. لهذا يأخذ الصّوم قوّة. بغير هذه العلاقة القلبيّة وبغيّر مشاعر القلب والحبّ، ممكن أن تصلّي بلا عاطفة بلا حرارة، بلا إيمان بلا استجابة لصلاتك. عليك أن تشعر وأنت صائم أيّها الإنسان بحضرة الله، أن يكون الله في صومك. لذا، يجب أن يكون قلبك باللّه ومع الله وفي الله. لا تركّز على نوعيّة الطّعام أو على زهدك، ركّز على قلبك أن يكون يشعر بالوجود في حضرة الله. إذًا القلب هو الأساس في الصّوم. لا المأكولات ولا النّشاطات ولا السّجدات ولا المظاهر الفرّيسيّة الخدّاعة. الأساس هو القلب. رجوعنا إلى الله أيّ صومنا نريده بالقلب بالحبّ، يعني نحن نصوم كي نبقى مع الله بشكل دائم ومستمرّ. لا يكون صومنا رجوعنا إلى الله هو رجوع في المناسبات أو في الأصوام. رجوعنا إلى الله يكون دائمًا في النّموّ الرّوحيّ من حياة التّوبة إلى حياة القداسة، يكون بجدّية بالتّوبة وبالحبّ الحقيقيّ وبصدق في فهمنا بأنّنا خطأة نحتاج إلى من يقف إلى جانبنا. لننتهز فرصة الصّيام أن نعود ونرجع إلى الفردوس ونتكلّم مع الله مباشرة من خلال قلبنا بواسطة الصّلاة والصّوم، وأن تكون لنا علاقة مع الله مباشرة، يعني هذا أن يكون الله جزء من حياتنا اليوميّة.
من مستلزمات الرّجوع إلى الله هو الحاجة إلى نوع من الجهاد للالتصاق باللّه وأيضا لنكون كاملين، كما قال السّيّد المسيح “كونوا كاملين كما أنّ أباكم الذي في السّماوات هو كامل” (متّى 5: 48). لأجل كمالنا نحن نحتاج إلى مغفرة كما قال اليوم السّيّد المسيح في إنجيل اليوم: “إن غفرتم للنّاس زلّاتهم يغفر لكم أبوكم السّماويّ أيضًا وإن لم تغفروا للنّاس زلّاتهم فأبوكم أيضًا لا يغفر لكم”.
لماذا ركّز الرّبّ على ضرورة أن نغفر للنّاس زلّاتهم لأنّنا إن فعلنا ذلك نكون متشبّهين به. هو الذي غفر لصاليبه بل لكلّ العالم جميع خطاياهم. عندما نغفر بعضنا لبعض نكون متشبّهين بما فعله الله من أجل خلاصنا. “مسامحين بعضكم بعضًا كما سامحكم الله أيضًا في المسيح فكونوا متمثّلين باللّه كأولاد أحياء” (أفسس 4: 32 – 5: 21). إنطلقوا بسلام واعشقوا الله، أحبّوا واغفروا عندئذ تعاينون نور القيامة وتهتفوا مع ملائكة السمّاء المسيح قام.
في مساء أحد الغفران، تقيم الكنيسة أوّل خدمة في الصّوم الكبير، وهي صلاة الغفران، وهي خدمة توجّهنا إلى الأمام على طريق التّوبة وتساعدنا على الاعتراف بحاجتنا إلى المغفرة من الله والسّعي إلى المغفرة لأجل إخوتنا وأخواتنا في المسيح. وهذه هي المرة الأولى التي تُقرأ فيها صلاة الصّوم للقدّيس أفرام السّوريّ مصحوبة بالسّجدات. وفي نهاية الخدمة، يتقدّم جميع المؤمنين إلى الكاهن وإلى بعضهم البعض طالبين المغفرة المتبادلة. يُشجَّع المسيحيّون الأرثوذكس على دخول الصّوم الكبير بالتّوبة والاعتراف من خلال حضور هذه الخدمة الخشوعيّة، والحضور لسرّ الاعتراف، وتكريس أنفسهم للعبادة والصّلاة والصّوم طوال فترة الصّوم. يشير اليوم الأوّل من الصّوم، الإثنين النّظيف، إلى بداية فترة التّطهير وتنقية الخطايا من خلال التّوبة.”