
شفاء المخلع وواجب الصلاة من أجل الآخرين
بقلم/الياس بجاني
إن فرائض الصلاة من اجل الآخرين على مختلف أنواعها، خصوصاً من أجل الذين هم بحاجة إلى مساعدة وتعاضد ومعونة، أكانوا من الأهل والأقرباء، أم من البعيدين والغرباء، هي بالواقع طقوس دينية ووجدانية تحاكي حنان ورحمة ومحبة الخالق القادر على كل شيء. كما أنها تعبر بأسلوب عملاني وروحي عن قوة وصلابة وعمق إيمان ورجاء من يقوم بممارسة هذه الفرائض من أجل غيره لعلمه الأكيد أن الله أب للجميع وهو رحوم ومحب وغفور ويسمع ويستجيب لمن يلجأ إليه ويسعى إلى رحمته ويطلب معونته.
في الأحد الخامس من أحاد الصوم الكبير نقرأ في كنائسنا المارونية من إنجيل القدّيس مرقس (2/1-12) واقعة عجيبة شفاء المخلع: “ثم دخل كفرناحوم أيضا بعد أيام، فسمع أنه في بيت وللوقت اجتمع كثيرون حتى لم يعد يسع ولا ما حول الباب. فكان يخاطبهم بالكلمة وجاءوا إليه مقدمين مفلوجا يحمله أربعة وإذ لم يقدروا أن يقتربوا إليه من أجل الجمع، كشفوا السقف حيث كان. وبعد ما نقبوه دلوا السرير الذي كان المفلوج مضطجعا عليه فلما رأى يسوع إيمانهم، قال للمفلوج: يا بني، مغفورة لك خطاياك. وكان قوم من الكتبة هناك جالسين يفكرون في قلوبهم لماذا يتكلم هذا هكذا بتجاديف؟ من يقدر أن يغفر خطايا إلا الله وحده فللوقت شعر يسوع بروحه أنهم يفكرون هكذا في أنفسهم، فقال لهم: لماذا تفكرون بهذا في قلوبكم أيما أيسر، أن يقال للمفلوج: مغفورة لك خطاياك، أم أن يقال: قم واحمل سريرك وامش ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطانا على الأرض أن يغفر الخطايا. قال للمفلوج لك أقول: قم واحمل سريرك واذهب إلى بيتك فقام للوقت وحمل السرير وخرج قدام الكل، حتى بهت الجميع ومجدوا الله قائلين: ما رأينا مثل هذا قط ثم خرج أيضا إلى البحر. وأتى إليه كل الجمع فعلمهم”
هذه العجيبة في جوهرها اللاهوتي تبين لنا بما لا يقبل الشك أن الشفاعة والصلاة والتضرعات من أجل الآخرين مقبولة عند الله ومستجابة لدية. فالمخلع كما جاء في إنجيل القديس مرقس لم يسعى للشفاء، ولا طلب المعونة والرحمة، ولا سأل المغفرة من خطاياه، مع أن المسيح كما يقول العديد من اللاهوتيين كان يأتي إلى بلدة كفرناحوم باستمرار حيث يعيش هذا الشخص المصاب بالشلل الذي يفتقر إلى الإيمان والرجاء وبعيداً عن الله.
وما هو لافت أيضاً في هذه العجيبة أن أهل وأقرباء وأصحاب المخلع هذا، أو ربما بعض من تلاميذ المسيح نفسه هم من أمنوا أن الرب قادر على شفاء هذا المُقعد منذ 38 سنة بمجرد أن يلمسه، فحملوه ودفعهم إيمانهم القوي إلى اختراق الجموع والصعود إلى سقف البيت وفتح كوة فيه وإنزاله مربوطاً إلى فراشه من خلالها إلى حيث كان يجلس المسيح وطلبوا منه شفائه. إيمان هؤلاء القوي وثقتهم المطلقة بقدرة الرب وبرحمته دفعتهم للقيام بما قاموا به من أجل شفاء المخلع، فحقق لهم المسيح طلبهم مقدراً فيهم قوة إيمانهم.
وبما أن الخطيئة هي عذاب وموت أبدي في نار جهنم، ولأن آثامها ومغرياتها وفخاخها هي التي تُقعِد الإنسان في قيمه وأخلاقه وإيمانه، وتقتل فيه أحاسيسه وتخدر ضميره ووجدانه وتشله وتبعده عن خالقه وعن تعاليمه وطرقه القويمة، فقد غفر السيد المسيح خطايا المخلع أولاً، ومن ثم شفاه من علة الشلل وقال له: “قم أحمل فراشك وأذهب”.
إن الله لا يرد خائباً من يطلب معونته بإيمان وثقة، وباهتمام كبير ومحبة أبوية خالصة يصغي لصلاتنا ولطلباتنا ويستجيب لها، وهو القائل: “اسألوا تعطوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يفتح لكم، لأن كل من يسأل يأخذ، ومن يطلب يجد، ومن يقرع يفتح له” (متى 07/07-08).
من هنا فإن فرائض الصلاة من أجل الغير أحياء كانوا أم أموات، أحباء أم أعداء، قريبين أم بعيدين، هي فرائض مقبولة ومستجابة عند الله الذي هو محبة وأب حنون لا يرد سائلاً ولا يترك محتاجاً دون أن يسعفه.
جاء في إنجيل القديس متى (11/28): “وكل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه”. وقال القديس يعقوب في رسالته (5/15): “وصلاة الإيمان تشفي المريض، والرب يقيمه، وإن كان قد فعل خطية تغفر له”.
في الخلاصة، إن الصلاة لمن هو بحاجة لها فرض وواجب على كل مؤمن وتقي ومحب وغيور، وخصوصاً الصلاة من أجل خلاص الواقعين في التجارب الإبليسية وأفخاخ الخطيئة، ومن أجل غير القادرين عقلياً على استيعاب الأمور وتقدير عواقب الخطيئة، من مثل المرضى النفسيين والعقليين، وفاقدي القدرة على الحركة والنطق.
إن عجيبة شفاء المخلع ليست الوحيدة في الإنجيل التي يجترعها المسيح وتلاميذه والقديسين استجابة لطلب غير المعنيين بالأمر، إنما هناك عجائب أخرى كثيرة مماثلة منها استجابة يسوع لطلب قائد المئة في بلدة كفارناحوم حيث شفى غلامه من مرض الفالج (متى08/ 05-13 )، ويسوع أيضاً أقام ليعازر من القبر وأعاده إلى الحياة بناء لطلب شقيقتيه مريم ومرتا (يوحنا 11/1-44). من هذا المفهوم الإيماني الراسخ يمكن فهم طلب المؤمنين في صلواتهم شفاعة السيدة العذراء وبركات كل القديسين.
لنصلي من أجل شفاء كل ضعيف وعاجز أكان هذا الضعف جسدياً أو إيمانياً أو أخلاقياً، والله الذي هو محبة لا يرد لمن يسأله بإيمان أي طلب.
لنصلي ونطلب من الرب يسوع أن يحررنا من مغريات الأرض الفانية، ومن أجل أن يساعدنا لنسعى إلى اكتساب القيم الروحية والإيمانية والثقافية والاجتماعية.
لنصلي ونطلب من يسوع أن ينقي ضمائرنا وقلوبنا، ويحررنا من شرور أطماعنا ونزوات غرائزنا، وأن يعطينا نعمة التواضع لنكون رسل محبة وحرية وعدالة، ودعاة سلام ووئام.
يا رب في هذا الأحد المقدس، أحد عجيبة شفاء المخلع، أعطنا القوة والصبر لنرتضي العار في هذه الدنيا الترابية الفانية، راجين منك ومستغفرين ألاّ يسود وجهنا الخجلُ في يوم الحساب الأخير.
إن الله يرانا ويسمعنا وموجود إلى جانبنا ومعنا دائماً، فلنتكل عليه ونخافه في كل أعمالنا وأقوالنا وأفكارنا.
الأحد الخامس من الصوم الكبير: أحد شفاء المخلّع تعليق على الإنجيل
إسحَق السريانيّ (القرن السابع)، راهب في نينَوى، بالقرب من الموصل في العراق الحاليّ وقدّيس في الكنائس الأرثوذكسيّة
العظة رقم 11 /“مَن يَقدِرُ أنْ يَغفِرَ الخَطايا إلاّ الله وَحدَهُ؟” (مر 2: 7)
هنالك أمران يعودان إلى لله وحده: شرف الحصول على الاعتراف والقدرة على المسامحة. يجب أن نعترف له وننتظر منه الغفران. في الواقع، لله وحده يعود غفران الخطايا؛ لذا، يجب الاعتراف له وحده. لكن بما أنّ الكليّ القدرة قد اتّخذ له عروسًا ضعيفة ومتواضعة، فقد جعل من هذه الخادمة ملكة. تلك التي كانت راكعة عند قدميه، جعلها تجلس إلى جانبه؛ لأنّها من جانبه خرجَت ومن هناك خُطبَت له (تك2: 22؛ يو19: 34). وكما أنّ كلّ ما هو للآب هو للابن وكلّ ما هو للابن هو للآب من خلال الطبيعة الواحدة (يو17: 10)، كذلك أعطى العريس كلّ ما يملك لعروسه وتحمّل مسؤوليّة كلّ ما تملكه العروس التي وحّدها بنفسه كما وحّدها أيضًا بأبيه…
لذا، فإنّ العريس الذي هو واحد مع الآب وواحد مع العروس، قد أزال من هذه الأخيرة كلّ ما وجده غريبًا عندها، وسمّره على الصليب حيث حمل خطاياها على الخشبة ومحاها من خلال الخشبة نفسها. كما لبس ما كان خاصًّا بالعروس وما كان من طبيعتها؛ أمّا ما كان خاصًّا به وإلهيًّا، فأعطاه لعروسه… كما شاركها ضعفها وأنينها، فكان كلّ شيء مشتركًا بين العريس والعروس: شرف الحصول على الاعتراف والقدرة على المسامحة. هذا هو الهدف من هذه الكلمة: “اذْهَبْ وأَرِ نَفسَكَ لِلكاهن” (مر1: 44).
إنجيل القدّيس مرقس 2/1-12
وبَعْدَ أَيَّامٍ عَادَ يَسُوعُ إِلى كَفَرْنَاحُوم. وسَمِعَ النَّاسُ أَنَّهُ في البَيْت. فتَجَمَّعَ عَدَدٌ كَبيرٌ مِنْهُم حَتَّى غَصَّ بِهِمِ المَكَان، ولَمْ يَبْقَ مَوْضِعٌ لأَحَدٍ ولا عِنْدَ البَاب. وكانَ يُخَاطِبُهُم بِكَلِمَةِ الله.
فأَتَوْهُ بِمُخَلَّعٍ يَحْمِلُهُ أَرْبَعَةُ رِجَال. وبِسَبَبِ الجَمْعِ لَمْ يَسْتَطِيعُوا الوُصُولَ بِهِ إِلى يَسُوع، فكَشَفُوا السَّقْفَ فَوْقَ يَسُوع، ونَبَشُوه، ودَلَّوا الفِرَاشَ الَّذي كانَ المُخَلَّعُ مَطْرُوحًا عَلَيْه. ورَأَى يَسُوعُ إِيْمَانَهُم، فقَالَ لِلْمُخَلَّع: «يَا ٱبْني، مَغْفُورَةٌ لَكَ خطَايَاك!». وكانَ بَعْضُ الكَتَبَةِ جَالِسِينَ هُنَاكَ يُفَكِّرُونَ في قُلُوبِهِم: لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ هذَا الرَّجُلُ هكَذَا؟ إِنَّهُ يُجَدِّف! مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ الخَطَايَا إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ؟. وفي الحَالِ عَرَفَ يَسُوعُ بِرُوحِهِ أَنَّهُم يُفَكِّرُونَ هكَذَا في أَنْفُسِهِم فَقَالَ لَهُم: «لِمَاذَا تُفَكِّرُونَ بِهذَا في قُلُوبِكُم؟ ما هُوَ الأَسْهَل؟ أَنْ يُقَالَ لِلْمُخَلَّع: مَغْفُورَةٌ لَكَ خطَايَاك؟ أَمْ أَنْ يُقَال: قُمْ وَٱحْمِلْ فِرَاشَكَ وَٱمْشِ؟ ولِكَي تَعْلَمُوا أَنَّ لإبْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَانًا أَنْ يَغْفِرَ الخَطَايَا عَلَى الأَرْض»، قالَ لِلْمُخَلَّع: لَكَ أَقُول: قُم، إِحْمِلْ فِرَاشَكَ، وٱذْهَبْ إِلى بَيْتِكَ!. فقَامَ في الحَالِ وحَمَلَ فِرَاشَهُ، وخَرَجَ أَمامَ الجَمِيع، حَتَّى دَهِشُوا كُلُّهُم ومَجَّدُوا اللهَ قَائِلين: «مَا رَأَيْنَا مِثْلَ هذَا البَتَّة!».
تاملات في العجيبة
ميزة العجيبة
ما يجعل هذه الواقعة الإلهية مختلفة عن غيرها أن المعني بالشفاء أي المخلع لم يطلب الشفاء لنفسه من يسوع ولم يسعى لذلك ولا هو طلب المغفرة لخطاياه مع إن المسيح كان يأتي إلى ذلك المجمع ولتلك البلدة كفرناحوم باستمرار. ما يلفت هنا أن محبي المخلع وربما كانوا أفراداً من عائلته وأقربائه أو ربما بعض من تلاميذ المسيح نفسه هم من أمنوا أن الرب قادر على شفاء هذا المقعد منذ 38 سنة بمجرد أن يلمسه فحملوه ودفعهم إيمانهم القوي إلى اختراق الجموع والصعود إلى سقف البيت وفتح كوة فيه وإنزاله مربوطاً إلى فراشه من خلالها إلى حيث كان يجلس المسيح وطلبوا منه شفائه. ولأن الخطيئة هي الموت وهي التي تقعد الإنسان وتشله وتبعده عن الله فقد غفر المسيح أولاً خطايا المقعد ومن ثم أحيي جسده المشلول وقال له قم أحمل فراشك وأذهب. هذه الواقعة تبين أهمية الشفاعة والصلاة للغير أكان هذا الغير قريباً أو لم يكن والله دائما يسمع ويصغي ويستجيب وهو القائل اقرعوا يفتح لكم واطلبوا فيستجاب لطلبكم. الصلاة للغير أحياء وأموات مقبولة ومستجابة عند الله الذي هو محبة وأب حنون لا يرد طلب ولا يترك محتاج إلا ويسعفه. يقول الإنجيل صلوا بإيمان وثقة ولا تملوا والله يستجيب لصلاتكم. إن الصلاة لمن هو بحاجة لها فرض على كل مؤمن وخصوصاً الصلاة للواقعين في التجارب ولغير القادرين عقلياً على استيعاب الأمور وتقدير العواقب من مثل المرضى النفسيين وفاقدي القدرة على الحركة والنطق. لنصلي لكل من هو بحاجة إلى التغلب على ضعفه وعجزه أكان هذا الضعف جسدي أو إيماني والله لا يرد لنا طلباً.
صلاة اليوم
حرّرنا ايها الرب يسوع من مغريات الارض، لنسعى الى اكتساب القيم الروحية والثقافية والاجتماعية، تعزيزاً لها. حقق فينا حضارة الوجه التي تعكس جمال وجهك، وجه الحرية والعدالة، المحبة والسلام. اهّلنا لاحتمال كل شيء ينال من كرامتنا، لكي تسلم القيم ويتعزز الخير العام. اعطنا ان نرتضي العار في هذه الدنيا، راجين ألاّ يسود وجهنا الخجلُ في اليوم الاخير. لك المجد الى الابد آمين.
تأملات في الأسبوع الخامس من الصوم الكبير – المخلع
تحذير من اليأس في الطريق . لا يأس ولا فشل بعد في المسيح… فالمخلع قام وحمل سريره بعد 38 سنة مرضاً، بعد 38 سنة شللاً، 38 سنة خطية، 38 سنة ضائعة.
إن ربنا يسوع لا يحسب السنين بل عندما نعرفه يجدد مثل النسر شبابناً. نحن نقول احسبنا مع أصحاب الساعة الحادية عشر. إن الحياة في المسيح هي جديدة كل يوم.
والمشاكل الخطيرة والضيقات تسبب لنا في المسيح انطلاقة جبارة. ليس في المسيحية شيخوخة ولا يأس، بل أمل متجدد… هذا هو دستور سيرنا في رحلة الصوم، أمل وحياة جديدة في المسيح، وفرح وشجاعة وعدم يأس… وانطلاقات روحية ونمو مستمر… إنها رحلة لا تعرف التوقف أبداً.
تأمل في شفاء المخلع
عجيبة شفاء المخّلع في هذا النص الإنجيلي تختلف عن كل العجائب الشفائية الأخرى، فالمريض لم يتكلم كلمة واحدة، ولا أظهر ايمانه . لكن الرب إذ رأى ايمان أقربائه وأحبائه الذين أحضروه شفاه عن عاهته، لأنه في حالات كثيرة لا يُطلب إيمان المريض فقط، خاصة عندما يكون فاقد الحواس، بل إيمان وصلاة أهل بيته التي تشفع له وتنجيه. لقد كان وضع المخّلع متردّياً جداً، وأمام ذلك تفاجأ الجميع بأن يسوع تغاضى لحظتها عن هذا الوضع المثير للشفقة وقال للمخّلع: “يا بنيّ مغفورة لك خطاياك “. من الواضح أنه لا حاملوا المخّلع كانوا يطلبون شيئاً كهذا من يسوع ولا الجمهور المحتدش كان ينتظر ذلك أيضاً . لقد أراد الرب أن يؤكد للجميع، في مثل هذه الحالة الخطرة حتى الحد الأقصى، أن الخطر الأكبر هو تخليع الروح وليس الجسد . وأن ألأهم هو الروح بينما الجسد هو الخادم له . لقد شدد يسوع بقوة على تفوق الروح على المادة، فالتفت إلى مغف رة الخطايا وصحة النفس عندما كان الجشد بأشد الحاجة إلى الصحة. “ولكن لتعلموا أن ابن الإنسان له سلطان على الأرض أن يغفر الخطايا، حينئذ قال للمخّلع : قم احمل فراشك، واذهب إلى بيتك”. لقد كشف يسوع عن سلطانه عندما انزعج لحاضرون، وأظهر بذلك أنه مساوٍ لأبيه لأنه لم يقل أن ابن الإنسان يحتاج أكثر من غيره أو أعطي له بل قال : “أن لابن الإنسان سلطاناً ” وهذا لكي يقنعهم أنه لا يجدّف عندما يساوي نفسه بالله. بعد أن شفاه يسوع أرسله إلى بيته . فأظهر بذلك أن ما جرى ليس خيالاً. لأن الذين كانوا شاهدين لمرضه يستخدمهم هم نفسهم شاهدين بشفائه . لأنه يقول أريد بدائك أن أدواوي هؤلاء الذين هم أصحاء في الظاهر فقط . ولكن كوﻧﻬم لا يريدون ذلك اذهب أنت إلى بيتك لكي تقوّم هناك أقرباءك وتبشّر في وسط جماعتك بالرب الذي أحسن إليك وأحبّك وخّلصك.
شرح لمفاهيم العجيبة
يسوع في كفر ناحوم, المدينة التي يسكن فيها (انظر متى 4: 13). بشكل مختصر يروي متى في هذا الفصل الإنجيلي أن مخلّعاً ملقى على سريره حُملَ إلى يسوع ليشفيه. هذه الرواية على اختصارها تحمل مدلولات عدّة تتعلق بشخص يسوع المسيح وموقف سامعيه منه. “فلما رأى يسوع إيمانهم قال للمخلّع ثق يا بنيّ, مغفورة لك خطاياك”: سبق ليسوع, بحسب إنجيل متى , أن شفى مفلوجين(4: 24) ,إلا أن حادثة المخلع ذات أهمية كبيرة وذلك لأنها, بشكل أوضح, تربط هذا الشفاء بالموقف من شخص يسوع والنظرة إليه. في هذا الإطار يروي الإنجيلي أن يسوع, لما رأى إيمان الذين حملوا المخلّع إليه, شفاه. توحي هذه الجملة أن المخلّع نفسه لم يكن مهما بقدر الذين حملوه إلى يسوع. فإيمان هؤلاء بيسوع هو الذي دفعه إلى أن يشفيه. وبناء على موقف الإيمان هذا ينطلق الكاتب ليشدّد على النقطة الثانية والأهمّ في هذه الرواية, وهي ما يقوله يسوع للمريض:” ثق يا بنيّ, مغفورة لك خطاياك”. فعل “ثق” مهم في هذه الرواية, وذلك لأنه لا يَرِدْ عند متى إلا على لسان يسوع, ويفيد أن بيسوع غفران الخطايا والخلاص. والحقيقة أن رواية المخلّع منذ البداية محورها غفران الخطايا. وغفران الخطايا موضوع مهم في إنجيل متّى. فمنذ بداية إنجيله, يقدّم الإنجيلي يسوع مخلّصا لشعبه من خطاياهم(1: 21). الخطيئة هي الفعل الذي يفصل الإنسان عن الله ويبعده عنه, وهي لهذا سبب كل مرض (انظر لاويين 26: 14-16؛ تثنية 28: 21 ؛ يوحنا 5: 14؛ 9: 2 الخ…). يعجب الحاضرون لأن يسوع لم يقل “احمل سريرك واذهب إلى بيتك”. على الأرجح كان الحاضرون ينتظرون شفاءً, مجرّد شفاء, إلا أن يسوع تحدث عن غفران الخطايا, معطيا غفران الخطايا أهمية أكبر من تلك التي للشفاء الجسدي. وهذا ما يشدّد عليه متى في سائر إنجيله حيث حوادث الشفاء مرتبطة بالإيمان بيسوع المسيح, وليس لها أهمية بمعزل عن هذا الإيمان. يسوع هو المخلّص بالمعنى الأشمل للكلمة: وهذا ما يقودنا إلى النقطة الأساسية في هذه الحادثة وهي أن يسوع إنما يغفر الخطايا بسلطان أُعطي له من الله.
“فقال قوم من الكتبة في أنفسهم هذا يجدّف”. لا يدخل الكتبة في نقاش مباشر مع يسوع. يقولون في أنفسهم إنه يجدّف. لا يقول متى لماذا ألقوا عليه هذه التهمة. لكن سبب ذلك واضحٌ وهو أنهم رأوا فيه إنسانا يضع نفسه, بغفرانه خطايا البشر, جنبا إلى جنب مع الله, وهذا في الفكر اليهودي تجديف. لكن يسوع يعلم ما يفكرون في قلوبهم ويقول لهم إن هذا الفكر شريرُ “لماذا تفكرون بالشر في قلوبكم؟”, وذلك لأن يسوع لم يكن يجدّف, بل الله هو الذي يعمل فيه وهو الذي أعطاه هذا السلطان. السؤال المهم هو: بأي سلطان يفعل يسوع هذا؟.
“ما الأيسر أن يُقال: مغفورة لك خطاياك أم أن يُقال قُم فامشِ؟.
يفترض هذا السؤال أن يسوع يجد أن غفران الخطايا أصعب من أن يقال “قم وامشِ”.
فلو قال أولا قم وامشِ لما حدث ما حدث ولما اتهموه بالتجديف. لكنه قال للمخلّع “مغفورة لك خطاياك”، “لكي تعلموا أن ابن البشر له سلطان على الأرض أن يغفر الخطايا”.
تبلغ رواية المخلّع في هذه الآية أوجها. ففيها يقول يسوع عن نفسه أنه ابن الإنسان موضحا للقارئ (لنا) بأي سلطان يفعل هذا. “ابن الإنسان” بحسب كتاب دانيال (دانيال 7: 13) هو المخلّص الذي سيأتي في آخر الأيام والذي سيعطيه الله سلطانا لتتعبّد له كل شعوب الأرض. يسوع , بحسب متى, هو ابن الإنسان الذي تحدّث عنه دانيال. وقد أعطاه الله كل سلطان مما في السماء وما على الأرض ( متى 28: 18 ), وسلطانه لن يزول (متى 28: 20). هذا السلطان الأبدي يتحقق منذ الآن, على الأرض, بغفران الخطايا.
يتوجّه يسوع الآن إلى المخلّع حتى يظهر قوله بالفعل. يغيب الكتبة عن المشهد. سلطان يسوع يطغى عليهم. الجموع التي رأت كل هذا أو علمت بما حصل تعجّبت واندهشت. هذا العجب وهذه الدهشة سببهما الحضور الإلهي. تنتهي الرواية بقولها: “ومجَّدوا الله الذي أعطى الناس سلطانا كهذا”. المقصود “بالناس” هنا يسوع ومن خلاله أولئك الذين أعطاهم هو سلطان غفران الخطايا: ” ما تحلّونه على الأرض يكون محلولاً في السماء, وما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء ( متى 18: 18 ). في خاتمة هذه الرواية توترّ بين جموع الناس التي آمنت بيسوع وبأن سلطانه من الله, وبين الكتبة الذين قالوا إن هذا السلطان إنما هو من الشيطان ( 12: 24 ). لكن ما حدث مع المخلّع سبق فأوضح نتيجة كلّ من الموقفين
سماع كلام الله ولّد الايمان بقدرة المسيح الالهية والمحبة تجاه المحتاج لدى الرجال الاربعة الذين حملوا المخلّع الى يسوع. وبرجاء وطيد ثقبوا السقف ودلّوا السرير الذي كان المخلع عليه. الايمان والمحبة والرجاء، هذه ثمار سماع كلام الله، تقدمها اللوحة الانجيلية التي تنطبق على الافراد والجماعة، مخلعين كانوا ام حاملين المخلع، فيما المسيح هو هو امس واليوم والى الابد ( عبرانيين 13/8)، يغفر الخطايا ويشفي الامراض ويقدس الاوجاع.
No Result
View All Result