زمن التريودي “الرجوع إلى الله”
صلاة التوبة:
أَيُّها الرّبُّ وسيّدُ حياتي، أَعْتِقني مِنْ روحِ البَطالةِ والفضولِ وحُبِّ الرّئاسةِ والكلامِ البطَّالِ. وأَنْعمْ عليَّ أَنا عَبدُكَ الخاطِئ بروحِ العفَّةِ واتّضاعِ الفكرِ والصّبرِ والمحبَّةِ. نَعَمْ يا مَلِِكي وإلهي هَبْ لي أَنْ أَعْرِفَ ذنوبي وعيوبي وألاّ أدينَ إخْوتي، فإنَّكَ مباركٌ إلى دهرِ الدّاهرينَ. آمينْ. (صلاة القدّيس إفرام السرياني)
١- تعريف:
– كلمة تريودي:
هي كلمة يونانيّة تعني ثلاث أوديات أي قصائد، فكلمة أُوُدية ωδή تشير إلى قصائد من المدح أو التسبيح، وهي من فعل αείδώ « أغنّي».
وقد سُمّيَت هذه الفترة “تريودي” لأنّنا نستعيض فيها عن القوانين (التسابيح) التي فيها ٩ أوديات (قصائد) بكتاب التريودي الطقسيّ الذي يقتصر على ٣ أوديات. (أنظر في الأسفل شرح الكلمات: قوانين- أودية).
ملاحظة: يأخذ التريودي اسمه من الكتاب نستعمله في هذا الزمن الكنسيّ.
– بدايته:
يبدأ التريودي مع أحد الفرّيسي والعشّار ويستمّر حتّى يوم السبت العظيم.
هو زمن خشوعيٍ بامتياز يرجع فيه الإنسان إلى نفسه وإلى الله ليقوم مع المسيح خليقةً جديدةً إن تاب توبة صادقة. إنّه زمن تطّهير الذّات وصرخة «يا الله ارحمني أنا الخاطىء». هذا ما نقرأه حقيقةً في السنكسار من مطلع التريودي:
“يا مبدع كلّ شيء سماويًّا كان أم أرضيًّا اقبل أمّا من الملائكة فتسبيحاً ثالوثياً، وأمّا من البشر فتريودياً شريفاً خشوعياً”.
السماء والأرض تؤلّفان جوقًا واحدًا، الملائكة والبشر تتآلفان في تسبيح “مبدع كلّ شيء”، الملائكة تنشد تسبيحًا مثلّث التقديس (تريصاجيون) قدّوس قدّوس قدّوس… والبشر تجيب بأودية تسبيح ثالوثية (تريوديون) شريفة خشوعية.
يقول كاتب سنكسار التريودي نيكيفوروس كالستوس كسانتوبولس إنّ أوّل ناظمي الأوديات الثلاث هو قزما المنشئ أسقف مايوما الذي رتبها كي تكون رسماً للثالوث الأقدس عنصر الحياة، وهذه الأوديات ترتَّل في الأسبوع العظيم. ثم تلاه مؤلفون عديدون منهم ثاودوروس ويوسيف من دير ستوديون في القسطنطينية، وقد ألفا قوانين لأسابيع االصوم الأربعيني.
– ثلاث تراتيل:
تتميّز فترة التريودي بثلاث تراتيل تلي المزمور الخمسين بعد إنجيل السحر وتُرنَّم في كلّ الآحاد من أحد الفريسي والعشار إلى أحد مريم المصريّة. هذه التراتيل تؤلّف وحدة ليتورجيّة مترابطة مستوحاة من المزمور الخمسين وهي:
المجدُ للآبِ والابنِ والروحِ القدس
افتحْ لي أبوابَ التوبة، يا واهبَ الحياة، لأَنَّ روحي تُبكِّرُ إلى هيكلِ قدسك آتيًا بهيكلَ جسدي، مُدنَّساً بجملِتهِ؛ لكن، بما أنّك مُتعطِّفٌ نَقِّني بتحنُّنِ مراحمِكَ.
الآنَ وكلَّ أوانٍ وإلى دهر الداهرين. آمين
سَهِّلي لي مَناهجَ الخلاص، يا والدةَ الإله، لأني قد دنَّستُ نفسي بخَطايا سَمِجة، وأفنيتُ عمري كلَّهُ بالتواني؛ لكن بشفاعِتكِ نقِّيني مِن كلِّ نجاسة.
إرحمني يا الله كعظيمِ رحمتِكَ وكمثل كثرةِ رآفتِكَ أمحُ مآثمي
إذا تصوًّرتُ كثرةِ أعمالي الردية، أنا الشقيَّ، فانّي أَرتعدُ مِن يومِ الدينونةِ الرهيب. لكنْي إذ أنا واثقٌ بتحنن اشفاقك أهتِفُ مثلَ داود ارحمني يا الله كعظيمِ رحمتَك.
– المراحل الثلاث الآساسيّة:
يُقسَم هذا الزمن إلى ثلاث مراحل أساسيّة:
أ- فترة التهيئة ب- الصوم الأربعيني ث- الأسبوع العظيم.
ملاحظة
سبت لعازر وأحد الشعانين يُحسَبان فترة تهيئة لدخول الأسبوع العظيم المقدّس، بحيث نشاهد الرب يسوع يقيم لعازر من القبر كحدث استباقي لقيامته المقدّسة.
أ- المرحلة الأولى هي فترة التهيئة:
المرحلة الأولى هي فترة التهيئة للصوم، وتمتد لشهر وتتضمّن أربعة آحاد هي: الفرّيسي والعشّار – الابن الشاطر – الدينونة (مرفع اللحم) – الغفران (مرفع الجبن).
يتخلّل هذه المرحلة سبت الراقدين الذي يأتي قبل أحد الدينونة مباشرةً.
١- أحد الفرّيسيّ والعشّار: (لوقا ٩:١٨-١٤)
في هذا الأحد يٌتلى المثَل الّذي ساقه الربّ عن فضيلتَي التوبة والتواضع، مبيّنًا كم هما محبوبتان لدى الله، أكثر من الذبائح والعبادة الظاهريّة المرفقة بروح الكبرياء والتعالي على الآخرين.
تاليًا، تنبّهنا الكنيسة أنّ حجر الأساس لفترة الصوم هو التواضع المقرون بالتوبة.
المغزى من وضع إنجيل الفرّيسي والعشّار في الأحد الأوّل الذي يفتتح زمن الترودي هو التواضع.
لما سُئل القدّيس مقاريوس “ما هي أعظم الفضائل ؟” أجاب “كما أن التكّبر أسقط ملاكًا من علوّه وأسقط الإنسان الأوّل، كذلك الاتّضاع يرفع صاحبه من الأعماق”.
ويقول القدّيس إسحق السرياني عن التواضع: الذي يتنّهد كلّ يوم على نفسه بسبب خطاياه، خيرٌ من أن يقيم الموتى. والذي استحق أن يبصر خطاياه، خير له من أن يبصر ملائكة.
من يخال نفسه أنّه بلا خطيئة يضلّ ويكون متكبرًا (ايوحنا 8:1). نحن في حاجة دائمة إلى أن نصرخ مع العشار “اللهم ارحمني أنا الخاطئ” (لوقا 13:18). مهما نقتنِ من الفضائل فلنذكر دائمًا أننا ضعفاء معرّضون لأن نخطئ ولنطلب الرحمة والغفران من الله.
قنداق أحد الفريسي والعشار باللحن الرابع
لِنهُربنَّ مِن كلام الفرّيسيّ المُتشامِخ، ونتعلَّم تواضُعَ العشّار، بالتّنهُّداتِ هاتفين إلى المُخلّص: ارحمَنا أيُّها الحَسَنُ المصالحةِ وحدَك.
٢- أحد الابن الشاطر: (لوقا 11:15-32)
في هذا الأحد يُتلى المثل الّذي ساقه الربّ عن الابن الضال الذي بدّد ثروة أبيه ثمّ تاب وعاد إليه. يُدعى “الشاطر” لأنّه “شطر” ميراث أبيه وأخذ قسمه على حياة والده.
المغزى من هذا المثل محبّة الله اللامتناهية وهو الذي ينتظر عودتنا إليه. نحن جميعنا أبناء الله بالتبنّي، فالتوبة الصادقة الحقيقيّة هي قيامةٌ وحياة.
ومن أجمل ما في هذا المثل عبارة ” فرجع إلى نفسه “. الرجوع هو نقطة تحوّل وتصويب. فحينما يهدأ الإنسان من الداخل يبدأ يفكّر في حاله ويكتشف أن لا سلام ولا خلاص ولا طمأنينة إلاّ في العودة إلى البيت الأبوّي الحاضن، وخاصة بعد أن يدرك مرارة التغرّب عن الله وحلاوة العودة إليه.
قنداق أحد الابن الشاطر على باللحن الثالث
لمّا عصيتُ مجدَك الأبويَّ بجهل وغباوة، بدَّدتُ في المعاصي الغِنى الذي أعطيتَني. فلذلك أَصرخُ إليكَ بصوتِ الاِبن الشّاطر هاتفاً: خَطِئتُ أمامَك أيُّها الأب الرَّؤوف. فاقبَلني تائباً، واجعلني كأحد أُجَرائك.
٣- أحد الدينونة (مرفع اللحم): (متى 31:25-46)
في هذا الأحد يُتلى إنجيل الدينونة، كما يصف السيّد المسيح نفسه مجيئه الثاني في إنجيل متّى. يشبّه البشر الّذين خلقهم بالماشية، لأنّ صورة الراعي صورة شائعة عن الله في العهد القديم، كما أنّها صورة شائعة عن الكهنة (أنظر نبوءات إشعيا وإرميا وحزقيال 34:11).
وفي العهد الجديد يشبّه المسيح نفسه بالراعي، علمًا بأنّه أيضًا الحمل الّذي يرفع خطيئة العالم. ولأنّه تألّم من أجلنا وحدها محبّته نستطيع أن تدين جحود العالم.
المغزى من هذا الإنجيل في أحد مرفع اللحم أن يدرك المرء أهميّة المحبّة الصادقة تجاه الآخرين لأنّ الآخر هو الرّبّ يسوع المسيح نفسه وها نحن نقف أمامه. الإنسان يدين نفسه بنفسه، فكلّ أعماله تُكشف كما هي أمام حكم الله العادل.
يقول القدّيس إيرونيموس (القرن الرابع): كلّ مرّة تبسط يدك بالعطاء أذكر المسيح… الهيكل الحقيقي للمسيح هو نفس المؤمن فلنزيِّنه ونقدّم له ثيابًا، لنقدِّم له هبات، ولنرحِّب بالمسيح الذي فيه! ما نفع الحوائط المرصَّعة بالج
واهر إن كان المسيح في الفقير في خطر الهلاك بسبب الجوع.
كذلك يشرح القدّيس كبريانوس القرطاجي (القرن الثالث) عن أهميّة الالتصاق بالمسيح في مسيرة حياتنا كلّها: المسيح نفسه أيها الإخوة الأحباء هو ملكوت الله الذي نشتاق إليه من يوم إلى يوم لكي يأتي. مجيئه هو شهوةٌ لنا ونودّ أن يُستعلَن لنا سريعًا. ما دام هو قيامتنا وإليه نقوم فلنفهم أنّه هو نفسه ملكوت الله إذ فيه نملك.
نتوقّف في هذا الأحد عن أكل اللحوم (أكل بلا دم) لندخل رويدًا رويدًا في حالة ملكوت الله السلاميّة كالإنسان الأول قبل السقوط.
قنداق أحد مرفع اللّحم باللّحن الأوّل
إذا أتيتَ يا اللهُ على الأرضِ بمجدٍ، فترتعدُ مِنكَ البرايا بأسرها، ونهرُ النّارِ يجري أمامَ المِنبر، والمصاحفُ تُفتَحُ والخفايا تُشَهَّر. فنجِّني من النّار التي لا تُطفأ، وأهِّلني للوقوفِ عن يمينِك، أيُّها الدَّيّانُ العادِل.
٤- الغفران (مرفع الجبن): (متى 14:6-21)
هو أيضًا ذكرى طرد آدم من الفردوس. في هذا الأحد قبل بدء الصوم الكبير، تتلو الكنيسة إنجيل من العظة على الجبل، وتشدّد على أهمّيّة الرحمة والمصالحة مع الناس قبل تقريب ذبيحة الصوم.
المغزى من هذا الإنجيل في الأحد قبل بدء الصوم هو إدراك أهميّة الغفران. فنحن نطلب من الله أن يغفر لنا خطايانا بعد أن نسامح الآخرين، وهذا شرط أساسي لا مفرّ منه. لا يمكننا أن نصوم ونحقد! فالله لا يقبل صلاة الحقود!
إنّ الصوم هو رحلة المصالحة مع الله. ولكنّ الربّ يساوينا بنفسه، لا بل يساوي قريبنا بنفسه، ويقول: إن لم تصالح قريبك لا تستطيع أن تصالحني، والعكس صحيح. لم يعلّق الرّب يسوع على أيّ طلب في الصلاة الربانية سوى طلب الغفران: ” فإنه إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أيضًا أبوكم السماوي. وإن لم تغفروا للناس زلاّتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضًا زلاّتكم (متى 14:6-15) .
ابتداءً من هذا الأحد يبدأ الصوم الكامل بالانقطاع عن الزفرين.
قنداق أحد مرفع اللحم باللّحن السادس
أيُّها الهادي إلى الحكمةِ والرّازقُ الفَهْمَ والفِطنة، والمؤَدِّبُ الجهّالَ والعاضِدُ المساكين، شدِّدْ قلبي وامنحْني فَهْمًا أيّها السيِّد، وأعطِني كلمة يا كلمة الآب. فها إنّي لا أمنعُ شَفتيَّ من الهُتافِ إليك: يا رحيمُ ارحَمْني أنا الواقِع.
ب- المرحلة الثانية الصوم الأربعيني:
تتضمّن هذه المرحلة خمس آحاد: أحد الأرثوذكسيّة – أحد القدّيس غريغوريوس بالاماس – أحد السجود للصليب المقدّس – أحد القدّيس يوحنّا السلّمي – أحد القدّيسة مريم المصرية.
تقام في هذه المرحلة:
– صلاة النوم الكبرى (من الإثنين إلى الخميس)
– صلاة المديح لوالدة الإله الّذي لا يُجلس فيه (يُتلى جزئيًّا مساء كل يوم جمعة من الأسابيع الأربعة الأولى ويُتلى كاملاً في الأسبوع الخامس ويُسمّى المديح الكبير)
– مساء يوم الجمعة في الأسبوع السادس صلاة النوم الصغرى مع قانون لعازر.
– خدمة قانون التوبة للقدّيس أندراوس الكريتي (يُتلى جزئيًا في الأسبوع الأول من الإثنين إلى الخميس خلال صلاة النوم الكبرى وكاملا في يوم الخميس من الأسبوع الخامس ويُسمّى خميس التوبة).
١- أحد الأرثوذكسيّة:
هو الأحد الأول من الصوم نعيّد فيه تذكار تعليق الأيقونات المقدّسة ورفعها بعد حقبة طويلة من السنين عُرفت بحرب الأيقونات وذلك في القرنين الثامن والتاسع ميلادي وانتهت بالمجمعَين السابع (787م) والثامن (879م).
استمرت حرب الأيقونات 120عاماً، حيث دُمّرت وحُرقت الكثير من الأيقونات وسُفكت فيها دماء كثيرين من الرهبان والمؤمنين الذين دافعوا بشراسة عن لاهوت الأيقونة وارتباطها بسر التجسّد. أسباب شتّى ومختلفة أدّت إلى هذا الإضطهاد الدموي، منها من داخل الكنيسة نفسها، ومنها من أعداء الكنيسة في الخارج الذين تمسّكوا بمعتقدات مختلفة ومضادة للإيمان المسيحيّ، كلّها تصبّ في جوهر واحد: إنكار تجسّد المسيح وتاليًا ضرب مشروع الخلاص كلّه بعرض الحائط وتشويه العقيدة المستقيمة. وهذا طبعًا شيطاني.
٢- أحد القدّيس غريغوريوس بالاماس:
حددّ آباؤنا القدّيسون في الأحد الثاني من الصوم من كلّ عام، أن نقيم تذكاراً لأحد كبار آباء الكنيسة، القدّيس غريغوريوس بالاماس وذلك لأهميّة سيرة الآباء القدّيسين وتعاليمهم.
القدّيس غريغوريوس بالاماس، كان راهبًا وناسكًا في الجبل المقدّس آثوس في بلاد اليونان، ثمَّ أصبح رئيساً لأساقفة مدينة تسالونيكي. هذا الأب عُرِفَ بِعِشقِهِ لله، وترك كتابات كثيرة. من أهمِّ الموضوعات التي تحدّثَ عنها القدّيس غريغوريوس بالاماس موضوع النعمة، نعمة الله، مجدِهِ ونُورِه. أراد أن يُخبرَنا أن الذين يتبعون الربَّ ويُحِبُّونَه ويسعون ليكونوا معه، يكافؤون بنور مجده الإلهيّ. كما يُذكِّرُنا بما حدث مع التلاميذ يوم التجلّي، عندما ظهر الربُّ أمامَهُم وكشفَ لهم مجدَهُ، وتحوّلَتْ ثيابُه إلى بيضاء ناصعة، أكثر بياضاً من الثلج، ونورُه أقوى من الشمس. هذا هو مجد الله ونوره الذي غمرنا به، نحن أحبّاءَه والذين نُرضِيه في حياتِنا على هذه الأرض.
٣- أحد السجود للصليب المقدّس:
كان الصليب في السابق اسمًا للقصاص والعقاب، أما الآن فهو اسم للفخر والاحترام، كان الصليب في السابق موضع عار وعذاب، أما الآن فأصبح سبب مجد وشرف. عليه تمجّد الإله طوعًا وقدّم نفسه فديةً وذبيحةً لأجل كلّ واحدٍ منّا.
يُنصَب الصليب في وسط الصوم لتشديد المؤمنين كما يوضع الهدف والإكليل أمام المجاهد في وسط السباق لزيادته حماسةً. فالصليب هو مجد يؤكدّه قول المسيح ” أيها الآب مجدّني بالمجد الذي كان لي عندك قبل تأسيس العالم” (يوحنا ٥:١٧).
فالصليب هو قمة خلاصنا، الصليب هو مصدر الخيرات الوافرة. فبه أضحى المنبوذون الساقطون مقبولين في عداد الأبناء.
٤- أحد القدّيس يوحنّا السلّمي:
في الأحدين الأوّلين من الصوم، تشدّد الكنيسة على استقامة الرأي وسلامة العقيدة، وفي الأحدين الأخيرَين، تضَع إزاءنا جمال الفضائل من خلال قدّيسَين عظيمَين: القدّيس يوحنّا السلّمي معلّم الرهبان، والقدّيسة مريم المصريّة المثال الأعلى للنساك ولكلّ تائب.
في أحد القديس يوحنا السلّميّ، تستدعي الكنيسة انتباهنا إلى أهميّة الحياة الروحيّة والجهاد الروحي. يحمل هذا الأحد اسمَ أب قدّيس من القرن السابع الميلاديّ، عاش في سيناء وكان مثالًا للحياة الرهبانيّة ومعلّمًا للفضيلة، وقد وضع كتاب “السلّم إلى الله” على طلب شديد من أحد رؤساء الأديار.
هو كتاب مهم جدًا. كتب القدّيس يوحنّا “السّلم إلى الله” بعد جهادٍ نسكيّ مشهود له دام حوالي الأربعين سنة، فصنَّفَ فيه الفضائل إلى سلّم من 30 درجة وأرشدنا إلى سبيل ارتقائها. ولم يزل كتابه من أهمّ المؤلّفات الروحيّة والرهبانيّة التي نهل منها الآباء القدّيسون والمؤمنون عبر قرون.
٥- أحد القدّيسة مريم المصرية:
قبل دخولنا الأسبوع العظيم تضع الكنيسة أمام قلوبنا صورة هذه التائبة التي كتب سيرتها القدّيس صفرونيوس الأورشليميّ، عسانا نعود الى يسوع قبل الفصح لنلتقط الضياء المشع من وجهه على الصليب. فالكنيسة تقول لنا إذا عرفنا سيرة هذه القديسة فنحن قادرون ان نغسل خطايانا بالدموع وإلاّ تبقى أعمالنا وأصوامنا ظاهريّة. عاشت مريم في الاسكندرية في القرن الرابع وأخذت تتعاطى الفسق منذ أوّل بلوغها. ولكن أثناء عبورها عتبة الكنيسة في أورشليم منعها الله فوقفت منذهلةً وأجهشت بالبكاء. لم تكن تعلم في ذلك الوقت أنّ هذه الدموع كانت معمودية جديدة وقيامة جديدة وحياة جديدة. فخلعت عنها ثياب الخطيئة قاصدةً الصحراء لتتنسّك ما يناهز سبعًا وأربعين سنة. وبعد هذه الفترة النسكية الطويلة أضحت كائنًا ملائكيًّا. في نهاية حياتها، تناول القدسات على يد زوسّيماس الكاهن ورقدت بسلام، لتصبح كتابًا حيًّا تتعلّم منه الأجيال الإيمان والصبر والجهاد والتوبة.
* سبت لعازر:
– هذا السبت هو استباق للقيامة المجيدة. ميزته أنّنا نتلو فيه الصلوات المخصّصة للقيامة يوم الأحد، بحيث يقول الكاهن في الدورة الصغرى الأنتيفونا: ” خلّصنا يا ابن الله يا من قام من بين الأموات” وليس “يا من هو عجيب في قدّيسيه”.
– فيه يعلن يسوع الانتصار على الموت إذ لعازر كان قد أنتن في القبر وقد مضى على موته أربعة أيّام.
* أحد الشعانين (أحد دخول الرّب يسوع إلى أورشليم):
بعد الاحتفال بحدث إقامة يسوع لعازر من الموت والمعروف بسبت لعازر تحتفل الكنيسة بدخول الربّ يسوع إلى أورشليم هاتفة: أوصنا في الأعالي خلّصنا أيّها الملك الآتي. تتميّز الخدمة الطقسيّة بأنّها ليست كسائر الآحاد، بل هي خدمة عيد سيّديّ. والحق إنّ يسوع يدخل أورشليم كملكٍ ليعتلي الصليب عرشًا.
ما أعظم هذا اليوم! فملك المجد، الله المتجسّد، الله الذي أصبح إنسانًا يأتي بمشيئته إلى أورشليم ليُصلَب.
دخل الرّبّ أورشليم فوجد الإنسان مسمّرًا بخطاياه، فأنزله بيديه وحمل خطايا البشر جمعيهم وفرد يديه على الصليب طوعًا ليقيمنا معه إلى حياة أبديّة.
ث- المرحلة الثالثة الأسبوع العظيم المقدّس: