
أيقونة والدة الإله “المُحرِّرة”
في بداية القرن التاسع عشر كان للناسك الراهب في جبل آثوس قسطنطين ثيوذولوس أيقونة عجائبية لوالدة الإله تمَّ رسمها قبل حوالي 150 عامًا. ثم أخذها من بعد رقاده تلميذه الراهب مارتينيانوس.
وفي أوائل عام 1841، غادر الأب مارتينيانوس الجبل المقدس وذهب إلى مدينة مافرفوني (Mavrovonē) في أبرشية إسبارطة، حيث كان سكان تلك المنطقة قد تعرضوا لكارثة رهيبة: فقد دمر الجراد حقولهم وغاباتهم وكل النباتات تقريبًا.
فقد كانت أسراب الجراد تتقدم في كتلة صلبة وتدمّر كل شيء في طريقها. وعندها أجبرت السلطات المحلية السكان على الخروج من منازلهم إلى الحقول، لقتل الحشرات المدمرة، ولكن كان يبدو أنه كلما قتلوا منه، كثرت أعداده.
وفقد الناس كل أمل في المساعدة الإنسانية، فلجأوا إلى الصلاة، ولكن الكارثة لم تنته. ولما علم الشيخ مارتينيانوس بهذه الكارثة. أقام صلاة البراكليسي، ثم تحدث إلى القرويين بالقول: “هل إيماننا ضعيف لدرجة أننا لا نستطيع أن نطلب من الرب مساعدتنا؟ دعونا نكثف صلواتنا ونلجأ إلى الشفيعة الحارة، ملكة السماء والأرض. فلنأخذ أيقونتها المقدسة ونصلي معًا، واثقين بأن الرب لن يرفض صلاتنا المتواضعة، وبشفاعة والدته، سيخلص هذه المنطقة من الكارثة العظيمة.”
سمع السكان لاقتراح الشيخ، ولم يجمعوا كبار السن فحسب، بل جمعوا أيضًا الأزواج والزوجات وحتى الأطفال. وكان هناك أيضًا أربعة كهنة. وخرجوا في زياح مع الشيخ الذي حمل الأيقونة المقدسة ودخل الحقل. وهناك وضع الأب مارتينيانوس الأيقونة على الأرض، فسجد لها جميع أهل القرية متضرعين.
ولم ترفض العذراء صلاة المُخلصين لابنها وإلهنا إذ ظهر فجأة سربٌ كبير من الطيور، واندفع بسرعة نحو الحشرات. فارتفع الجراد من الحقول وطار في كتلة كثيفة لدرجة أنه حجب ضوء الشمس.
وفي وقت لاحق، في قرية مافروفوني، كان هناك صبي مريض جدًا، وكان مرضه يزداد سوءًا. فطلب والداه من الكاهن أن يُحضر له القربان المقدس. ولكن لسبب ما، لم يتعجَّل الكاهن ولم يصل إلا بعد فترة طويلة، ودعا الشيخَ مارتينيانوس ليأتي معه. وعندما وصلا إلى المنزل، صُدما بخبر وفاة الصبي. فامتلأ الكاهن بالندم العميق بسبب مماطلته وطلب من الأب مارتينيانوس إحضار أيقونته حتى يُصلوا إلى ملكة السماء من أجل الصبي. ولما رأى الشيخ إيمان الكاهن العميق وحزن الوالدين، أخرج الأيقونة المقدسة التي كان يحتفظ بها دائمًا معه ووضعها فوق سرير الطفل. وانحنى الشيخ والكاهن والأبوين أمام الأيقونة متوسلين إليها أن تعيد الطفل إلى الحياة. ثم لمس الشيخُ الصبي الفاقد الحياة بالأيقونة ثلاث مرات، وفجأة فتح الطفل عينيه. فأُعطي القربان المقدس، وما لبث أن نهض بصحة جيدة. وفي اليوم التالي ذهب إلى المدرسة. وفي وقتٍ لاحق ترهَّب الصبي في جبل آثوس.
ولما انتشرت أخبار هذه المعجزة توافد الكثيرون ممن يعانون من العاهات الجسدية والروحية إلى أيقونة والدة الإله. فصار منزل الشيخ الصغير مزدحمًا دائمًا بالناس الذين يطلبون الشفاء من أمراضهم.
وعندها قرر الأب مارتينيانوس أن يختفي في مكان لا يمكن لأحد أن يجده فيه. فذهب إلى شاطئ البحر حيث وجد صخرة شديدة الانحدار بها كهف كان مناسبًا تمامًا لجهاده النسكي. واعتقد أنه منعزل تمامًا هناك. ولكن إرادة العذراء الكلية الطهارة رتبت الأمور بطريقة أخرى.
ففي إحدى الليالي كان الناسك يصلي في المغارة، فسمع صوتًا يأمره بألا يخفي الأيقونة، بل أن يخدم احتياجات الآخرين. وفجأة، في تلك اللحظة، أضاء الكهف بنور غير عادي. وفوجئ الشيخ وخرج لمعرفة مصدر هذا الإشعاع الاستثنائي. وعندها رأى منظراً عجيباً: لقد رأى عمودًا من نور يمتد من السماء إلى الأرض، وسمع مرة أخرى الصوت نفسه يأمره بترك عزلته والذهاب لخدمة الناس. وهكذا فتح الناسك بابه لسكان تلك المنطقة.
وكانت هناك امرأة ممسوسة تدعى إيلينا، كانت تصرخ طوال الوقت بأنها تعرف مكان اختباء الشيخ. كما قالت بأن أيقونته وحدها هي القادرة على شفاءها.
في الصباح التالي، سمع الشيخ صوت حشد كبير من الناس مجتمعين أمام الصخرة يتوسلون إليه أن ينزل إليهم. فأطاع الشيخ وذهب إلى بيوت القرويين. وفي البداية ذهب لرؤية إيلينا. وعندما اقترب من منزلها، سقطت فاقدة للوعي وبدأت بالصراخ. ولما دخل الشيخ البيت أنزل أيقونة والدة الإله وانحنى أمام الأيقونة. وفي الحال خرج الشيطان من المرأة وهو يصدر أنيناً عظيماً. فعادت إلى رشدها وشكرت والدة الإله بحرارة. كما تم شفاء كثيرين آخرين من المصابين بالشياطين بالصلاة أمام أيقونة العذراء.
وبسبب كل المعجزات التي حدثت أمام الأيقونة، صار الناس يتواجدون دائمًا في كهف الأب مارتينيانوس. وأخيراً قرر الشيخ العودة إلى ديره. وفي عام 1884، وبعد وقت قصير من وصوله إلى الجبل المقدس ودخوله إلى دير الشهيد العظيم بندلايمون، رقد الأب مارتينيانوس بالرب. وأصبحت أيقونة والدة الإله المقدسة تراث الدير الثمين حيث بقيت حتى سنة 1889 عندما قام الأرشمندريت مكاريوس رئيس دير القديس بندلايمون بإعطاء الأيقونة العجائبية بركة للدير الآثوسي الجديد المبني حديثا للقديس سمعان ومازالت حتى يومنا هذا.
وقد تم الاحتفال الأول بنقل الأيقونة إلى الدير الجديد في ١٧ تشرين الأول ١٨٨٩ ولهذا السبب أنشئ عيد تكريما لهذه الأيقونة في مثل هذا اليوم. في ذلك الوقت ألقت عاصفة أكثر من طن من الأسماك على شاطئ الدير.
هذا ويتم إحياء ذكرى أيقونة والدة الإله المحررة في ١٧ تشرين الأول وفي ٤ نيسان.
فبشفاعة والدة الإله أيها المسيح الإله ارحمنا وخلصنا آمين.
No Result
View All Result